المسيحيون العراقيون يخيّرون بين الإبادة الجماعية وبين الصهر او الضم !
080930
بداية اقول بان الحياة هي حق وهبه الله عز وجل لبني البشر , وان الحفاظ عليها
هو تعبير عن الرقي الانساني والأخلاقي والثقافي للإنسان , وان اي دعوة لإلغاء
هذه المنحة الإلهية ليست بالضرورة ان تكون مدفوعة بدعوة دينية معينة, انما في
غالبيتها تصرفات شخصية واحيانا جماعية ,لأني اؤمن بان هذه الحياة ليست ملكا
لأحد بل انها ملك الجميع وان حمايتها واجب يفرضه علينا الله اولا واخلاقنا
الانسانية ثانيا , ان اشاعة ثقافة التعايش السلمي في المجتمع الذي تتعدد فيه
الأديان والمعتقدات اصبح الهدف الذي يسعى اليه الخيرون لإدامة الحياة ,
والحكومات تتحمل الجزء الأكبر لهذه المهمة ... ولكن ومع الأسف ...فقد ذبح
وشرد المسيحيون دون ذنب , فبعد الحرب على العراق والتي اشيع عنها بانها حرب
تحرير واشاعة الديمقراطية , اصبح المسيحيون في العراق هدفاً سهلا للعصابات
المسلحة التابعة لبعض الأحزاب المتطرفة المشاركة في الحكومة ، لقد تأكد
للعراقيين جميعا وبضمنهم المسيحيون بان هذه العصابات لا تمت بصلة بالاسلام
وانها مجموعات عدوة للحياة , حتى ان البعض المهتمين بشؤون الأقليات وصف
اعمالهم بانها ارتقت الى مرحلة الإبادة الجماعية , حيث انها تنفذ في وضح
النهار وتحت مرأى ومسمع حكومة بغداد والتي افصحت عن توجهاتها الطائفية منذ
اليوم الأول لاستلامها ادارة البلاد.
اُذكّر المعنيين في الحكومة والبرلمان بان ابشع ما تعرض اليه المسيحيون كان
في عهدها وقد فاق الحدود , فقد تم تفجير العشرات من كنائسهم في بغداد لوحدها
، واغتيل كبار رجال الدين , وتم ذبح العشرات من اهلنا بسبب عقيدتهم الدينية ,
ناهيك عن تهجير المئات من العوائل من البصرة وبغداد والموصل وغيرها , الا
تشعر هذه الحكومة بالمسؤولية على ما يحدث من جرائم بحق العراقيين وتحت
انظارها , الا تعلم بان اجهزتها الأمنية والميليشياوية لها دور في كل ما يحدث
, ثم اين الأمان والخير الذي وعدت به شعب العراق .
يتحدثون عن التحرير والديمقراطية , اي حرب تحرير هذه التي يتبجح بها
المسؤولون , اي حرية عبادة هذه , واي حقوق انسان جاءتنا بها هذه الحرب
السخيفة , اتدرون بان تعداد سكان المجتمع المسيحي في العراق قبل الحرب كانت
تقدر 1.5بمليون ونصف نسمة , بينما التقديرات الحالية لمن تبقى منهم في العراق
تقع بحوالي 700 سبعمائة الف , كيف حصل هذا التناقص الرهيب , اليس من مسؤوليات
الحكومة البحث عن أسباب هذا التناقص , واليس من حقنا المطالبة بالكشف عن
المسؤولين عن ابادة وتشريد هذا الشعب التأريخي الأصيل واحالته الى محاكم
جرائم الحرب الدولية .
يحضرني تعهد السيد نوري المالكي رئيس حكومة بغداد بتشديد الحماية للشعب
المسيحي بعد مقتل رئيس الأساقفة المرحوم الشهيد فرج رحو ، ولكن وللحقيقة نقول
بان ما بعد مقتل الشهيد فرج فقد خطف وقتل العشرات وتم ملاحقة المئات من
العزائل الأمنة لإجبارها على ترك مساكنها , واليوم نشهد مؤامرة جديدة وكبيرة
وخطيرة لإقصاء هذا المكون من كل مادة دستورية تحمي وجوده على ارض العراق ,
نعم { مؤامرة } لأنها نفذت كما حدث للعراق , فطريقة المؤامرات واحدة ..حيث
اتفق بعضهم ممن لا يريد الخير للعراقيين وبطريقة المتخفين في درابين مظلمة
على تنفيذ مؤامرتهم , فاجتمع هذا البعض على ما يخدم مشاريعهم المستقبلية,
فاطلقوا صيحتهم النشاز بالغاء المادة 50 والتي تتيح للاقليات بالمشاركة
والتمثيل في كل مؤسسات الدولة ومحافظاتها , فبالرغم من ان الدستور الذي كتب
على شاكلتهم ليلبي مصالح المحتل ومصالح الكتل الكبيرة في الشمال والجنوب
والذي ما زال الشك يحوم حوله لعدم شرعيته , نقول بالرغم من كل ذلك فان هؤلاء
المتآمرين لم يحترموا قدسية بنوده, فاي برلمان "مهزلة " هذا واي عدالة
وديمقراطية هذه .
لقد قرأت مرة في تقرير صحفي حول اسباب الهجوم على المسيحيين في العراق بعد
سقوط نظام صدام الدكتاتوري يقول ...ان الهجوم على المسيحيين جاء كرد فعل
لتدفق الجماعات التبشيرية المسيحية الأجنبية على العراق بعد سقوط النظام
العراقي السابق , حيث نُظر لهذه الجماعات التبشيرية في المجتمع المسلم كجيش
يدعم الاحتلال الأمريكي، واصبح على المجتمع المسيحي الوطني تحمل اعباء هؤلاء
الأجانب المبشرين .
ولهذا السبب فقد تم مهاجمة المسيحيين الأبرياء من قبل الميليشيات المتنفذة في
الحكومة الى جانب تنظيم القاعدة وهاتين المجموعتين المذهبيتين تسعيان لبلوغ
هدفهما في تأسيس دولة دينية مذهبية وطائفية في العراق , ولهذا فقد وقع
المسيحيون الأمنون تحت رحمة هذه المليشيات المسلحة لكلا الطائفتين فاما القتل
او التحول إلى الإسلام أو ترك بيوتهم وهجرة العراق .
ان
تبرئة الميليشيات التابعة لبعض الأحزاب في الحكومة من جرائم قتل المسيحيين
غير منطقي ولا مقبول , فعلى الحكومة اثبات وطنيتها وكفائتها من خلال ضبط
ميليشياتها والاسراع بالتصدي لكل من يريد سوءا بالأقليات ومنهم الأقلية
المسيحية , لقد تبين لدى العراقيين دون استثناء بوجود نفس طائفي متطرف تتلاقى
مصالحه مع النفس الإرهابي , ولذلك على قيادات الأقليات ومنهم المسيحيون
التنبه والحذر لما قد يخبأه لهم المستقبل المجهول في العراق .
ان ما حدث للمسيحيين في العراق بعد الحرب يندى لها الجبين ولا يقبله اي عرف
او دين , لقد تم توزيع منشورات على الدور المسيحية الأمنة داعية نساءها
المسيحيات إلى ارتداء الحجاب وعدم كشف وجوههن , مما اجبر المئات من العوائل
المسيحية للهروب تاركة منازلاها للسراق المشعوذين , فان كانت حكومتنا تدعي
انها تحكم بدستور يعتمد على شرع الاسلام , فاين انتم من الدين , اوليس
الإسلام دين السلام والتسامح , اننا نؤكد بان ثقافة التمييز الطائفي او
المذهبي او القومي التي تنتهج لإضطهاد الأقليات ما هي الا ثقافة هاجمتنا من
خارج الحدود وان صبغته شئنا ام ابينا طائفية متطرفة .
ايها المسؤولين نذكركم بانه ومنذ الحرب في 2003 والى هذا اليوم فان كنائس
المسيحيين اصبحت هدفاً للتفجيرات ، وان الكهنة من اعلى الرتب الى ادناها
يتعرضون كل يوم للقتل والذبح او الإختطاف بهدف الحصول على الفدية ، ونذكركم
بان الذين لم يستطيعوا الهرب لظروف نفسية واقتصادية او غيرها فقد اصبحوا رحل
مشردين في داخل الوطن ، وان جزءا منهم يعيشون بحماية الأخوة الكرد في الشمال
"إقليم كردستان" الآمن نسبياً .
اختم مقالتي
هذه للتأكيد على ان المسيحييون في العراق وهم اقلية بالمعنى العددي تواقون
لرؤية عراق تعددي فدرالي ديمقراطي , ولكن ليس على طريقة فدرالية الأحزاب
الدينية الطائفية او القومية العنصرية , ولذلك فاني اطلب من قادة احزابنا
وأبناء شعبنا صغيراً وكبيراً بالمطالبة الملحة بحقوقنا المشروعة كاملة وغير
منقوصة ضمن العراق الموحد فمن حق مجتمعنا المسيحي التمتع بالفدرالية او الحكم
الذاتي , ولكن على طريقة الفدرالية او الحكم الذاتي المتحظر , لا الى طريقة
فدراليات الضم والصهر , كما نحذر دائما من خطر الصهر او الضم الى اي كتلة
حزبية او اقليمية كردية كانت ام عربية , كما اناشد الوطنيين العراقيين بكل
انتماءاتهم بالوقوف الى جانب معاناة شعبنا المسيحي في كل قضاياه وتحت خيمة
العراق العزيز.
ان ضمان وحدة
العراق من خطر التقسيم الجغرافي او القومي الذي يخطط له البعض من الأحزاب
الكردية بالتعاون مع الأحزاب الدينية العربية الطائفية والقومية لن يتحقق الا
من خلال احتضان الأقليات ومنح حقوقهم القومية والدينية المستقلة , حالهم حال
بقية المكونات , ان الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير والانتماء تبدأ بمنح
حقوق الاقليات جميعا كما انها تصب في المصلحة الوطنية العليا وتقلل من فرص
تقسيم العراق , كما ان رفض فكرة { الضم } الجغرافي او الثقافي او الحزبي لأي
جهة كانت يجب ان تكون ستراتيجية دائمة لقادة شعبنا من الكلدان والسريان
والأشوريين, واعتبار ما مضى من تكتلات او اصطفافات شئ من الماضي .
تحية لكل
العراقيين الشرفاء الذين يقفون مؤيدين لحقوق الأقليات الدينية والقومية في
العراق ..فالصابئة واليزيدية والشبك ومن ضمنهم شعبنا هم اقليات يجب حمايتها
والدفاع عن وجودها الديني والقومي في العراق ..... وعاش العراق حرا موحدا . |