عندما نشبع شعبنا بثقافة التحظر ومحبة الوطن , تتحقق الفدراليات
080715
كما يبدو فان ثقافة غالبية العراقيين لم ترتقي الى التمدن والتحظر لا في
السابق ولا اليوم , فمنذ ان حكمهم العثمانيون مرورا بالملكيون
والجمهوريون وانتهاءا بالطائفيون , كانت حركة ثقافتهم تتعرض الى منعطفات
تأريخية هدامة , املتها عليهم سلطاتهم الحاكمة كل حسب ايدلوجية حكمهم ,
فبعد الغزو الأمريكي عام 2003 لم يكتفي الأمريكان بتغيير نظام حكم صدام
حسين فقط , بل تعداه الى تدمير كامل للدولة العراقية بكافة مؤسساتها
المدنية والعسكرية , وكلنا يعلم ان هذا الغزو التخريبي لم يكن ليستهدف
نظام صدام فقط ولبناء الديمقراطية كما اشيع , وانما لأطماع اميركا في
المنطقة والعالم للسيطرة على اهم مصادر الطاقة الا وهو النفط , وذلك
للتحكم بكل دول العالم , كما ان هذا الهجوم المدمر لم يكن لينجح لولا
تسهيلات برية وجوية وبحرية قدمتها بعض انظمة الدول الى اميركا وحلفاءها ,
وبات الحديث عنها او توجيه اللوم او الاتهام لها امرا لم يعد نافعا , ولا
يخفى على احد من ان اميركا على دراية تامة من ان غالبية الشعب العراقي ما
زال مقسما الى طوائف وقوميات لم تستطع كل الحكومات السابقة ان توحده
بثقافة وطنية واحدة , وان المنهج الطائفي والجهادي الموجه من قبل
المرجعيات والمشايخ الدينية ما زال هو المتحكم في حركته , فاستغلته
اميركا باعتباره اسهل طرق السيطرة على الشعوب الغير مشبعة بثقافة
الوطنية.
كما ان الحديث عن تصرفات البعض من قيادات الاحزاب الدينية او الوطنية او
القومية المتعاونة والمتواجدة معها على ارض العراق بعد الغزو , والذين في
غالبيتهم ليس لهم الكفاءة والآهلية ولا يصلحون حتى لحكم جزيرة في اقصى
المحيطات , هؤلاء بات الحديث عنهم مملا لأن جرائمهم والتي لم تعد خافية
في القتل والفساد المالي والإختطاف والتي يندى لها جبين الشرفاء كانت
تنجز وبدم بارد على يد بعض من ميليشياتهم , كذلك فان العودة للحديث عن
دكتاتورية الرئيس السابق صدام او عن مميزات الرئيس الحالي الطالباني , او
تحليل مطالبات السيد مسعود وارتباطات السيد المالكي ومجاملات السيد محمود
المشهداني وعلاقات السيد الحكيم ومناورات السيد مقتدى , او تفنيد اكاذيب
بعض المتحدثين او الناطقين باسم الحكومة العراق حول اوضاع العراق , كل
ذلك لم يعد نافعا في المرحلة الحالية , كما ان المرحلة الحالية يجب ان لا
تبقى حبيسة تناقضات ورغبات واراء البعض من مثقفينا السياسيين من العرب
والأكراد والأشوريين والتركمان وغيرهم من ابناء الأقليات الأخرى والتي
تشير بعضها ومع الأسف الى المطالبة بامتيازات فئوية محدودة متناسية
المطالبة بحق العراق في الحرية والسيادة , ان المرحلة الحالية تجبرنا
الحديث عن الأغلى والاهم والأعظم شئنا منا ومنهم جميعا دون استثاء,
سنتحدث عن كل الشعب وليس جزءا منه , سنتحدث عن شعب عريق انطلقت منه اعظم
الحظارات واحتمت فيه شعوب اعظم الديانات , شعب متنوع الأقوام والثقافات ,
شعب لم يحظى بالإهتمام الإنساني المطلوب منذ الحكم العثماني مرورا بتأسيس
دولته العراقية عام 1921 وحتى هذا اليوم الأسود ...انه شعب العراق الأبي
الذي يتمنى ولو ليوم واحد فقط ان يعيش الحرية والطمأنينة تحت ظل حكم
ديمقراطي شفاف مستقل , شعب يتمنى ابناءه المسيحيون والمسلمين وغيرهم ان
يعمروا لهم دارا او يمارسون عملا في كربلاء والنجف اوفي البصرة والرمادي
او في دهوك واربيل دون عراقيل طائفية او عنصرية تمييزية, اليست هذه من
علامات التمدن والتحظر وهي ابسط حقوق الإنسان , سنتحدث عن شعب حكمته
احزاب او شخصيات لم تستطع ان توحد ثقافته الوطنية , حتى ان بعضه بات يوصف
بالشعب الإنتهازي وغير الوفي .
في 2003عام الموت قام الأمريكان بالهجوم على العراق وحدث ما حدث
فالتخريب والدمار وسفك الدماء وتهجير الأبرياء قد فاق التصور وندى له
جبين الشرفاء في العالم , ولا لزوم ان نعيد ونكرر ما حدث , لكني اعيد الى
ذاكرتكم ما قيل عن حقبة نظام صدام التي ساد فيها النهج الدكتاتوري
والإستهتار بالقانون والمحسوبية والمنسوبية والعشائرية والمناطقية , الى
جانب سياسته الغير مثمرة حيث تم هدر المليارات من اموال العراق في مجالات
لم يكن لها اي اهمية , كما ان غياب الوعي السياسي لرجالات النظام آنذاك
ادى الى اقحام العراق في حروب كان بالإمكان تجاوزها بالدبلوماسية
والحوار...وبالرغم من معرفتنا بان المسؤولين الجدد لا يختلفون بشئ عن من
سبقهم , فالجرائم والفساد هو , هو بل واكثر , لكني اقول بان كل ما جرى من
الممكن تغييره اذا ما توفرت المصداقية وحسن النية والوطنية لدى العراقيين
ممن سيحكمون العراق لاحقا , كما ان ابعاد الدين عن السياسة واعتبار
المنهج الطائفي وعقد الثأر والكراهية منهجا متخلفا , واعتبار كل
العراقيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية والفكرية متساوون في
الحقوق والواجبات , وان التمييز بينهم على اساس الدين او المذهب او
القومية او الحزبية يعاقب عليه القانون باشد العقوبات , كل هذه التوجهات
ان اعتمدت فانها حتما ستؤدي الى استقرار شعب العراق وازدهاره , لان
العنصر الوطني ما زال في العراق وسوف يعارض ولن يقبل مستقبلا ان تحكمه
حكومة دكتاتورية او طائفية
ان التغيير الذي يبديه المالكي في زياراته وخطاباته مؤخرا يعد مؤشراً
ايجابيا كبيرا جدا في طريق العودة للذات ولبلورة الفكر الوطني والتعبير
عن الإخلاص للعراق , " افعلها يا سيد المالكي اقدم على فك الإرتباط
بالأجنبي واحذف من ذاكرتك ما يمكن حذفه من الأفكار الطائفية او الفئوية
وأنطلق بخطى جديدة قائدا للشعب ومعه لبناء الديمقراطية في عراق جديد خالي
من الكراهية والتحزب الطائفي , حان الوقت ايها السيد ان تعلن للعراقيين
بانك ستضع الحجر الأساس لمدرسة ابتدائية مناهجها الوفاق والسلام وحب
الوطن وحب البشر والحياة , مدرسة يمنع فيها تعليم الحقد والكراهية والعنف
, اساتذتها عراقيون تخلُ عقولهم من كل جملة حزبية سياسية او طائفية او
عنفية او كراهية , حان الوقت لتهدم كل اسوار وقاعات التخلف , فالمدرسة
كما وصفها لي صديقي العزيز الأستاذ نبيل المختص بشؤون الأسرة حين كنا
نناقش حال العراق .. حيث { قال ان محنة العراق والمنطقة العربية تكمن في
التخلف المتوارث في مناهج التربية , فيقول ان المدرسة هي الأساس القوي
لبناء اي مجتمع انساني متحظر مسالم } , نعم هذه هي الحقيقة , حان الوقت
ايها السيد ان نساعدك لتضع العمامة في مكانها المؤقر والمحترم , والنبدأ
لبناء العراق , فالرجل المحترم لا يُحترم الا اذا وضع في مكانه المناسب .
امنيتي ان يستمر السيد المالكي في نهجه هذا , { ولو اني اشك في ذلك بل
وحزين جدا لأني اعتقد ان السيد المالكي صعب عليه فك الإرتباط وهجر
التوجهات السابقة } , لكني اذكره وبصدق المخلصين , ان القادة الشجعان لا
يمرون مرور الكرام , فادعوه ان يبصم على جبين التأريخ " ذكرى قائد تخلى
عن مهم مضى من اجل شعبه الأهم " , واذكره واذكر من حوله , بان هناك ثلاثة
شياطين يتربصون بالعراق وشعبه فان استطاع المالكي ان يتجاوزهم قولا
وفعلا..فان شعب العراق سيحملونه فوق الأكف رمزا للوطنية والإخلاص والوفاء
, هؤلاء الشياطين الثلاثة هم ....
الطائفيون , والمحتلون الإيرانيون والأمريكان , والإرهابيون التكفيريون
بكل اشكالهم .
ان
الطائفية هي اخطر الشياطين وهي سر البلاء , وظهر ذلك من خلال حكومة
المحاصصة التي اوصى بها الأمريكان , فمنذ سقوط نظام صدام حتى هذا اليوم
تعاقبت على حكم العراق عدة حكومات لم يتحقق للعراقيين سوى المصائب
والويلات والمفاسد , والسبب واضح ويكمن في عدم آهليتهم , بل تبين انهم لا
يملكون برنامجا وطنيا يسعى الى تحقيق احلام العراقيين , انما تبين انهم
يؤدون واجبا وظيفيا املته عليهم قوى خارجية وعلى رأسهم ايران واميركا ,
ومن هذا المنطلق فاني اعتقد ان مطالبة قيادات بعض الأقوام العراقية
للحصول على الحكم الذاتي او الفدرالية كحل لمعاناتهم من غير الرجوع الى
المتحكم الأول بشؤون العراق سيبقى معلقا وغير مضمون , واؤكد بان اميركا
ان كان ذلك لا يعيق مصالحها فانها ستدعم منح الحكم الذاتي او الفدرالية
لأي مكون !
ان المخلصين الذين يسعون جاهدين بالمطالبة بالحكم الذاتي او الفدرالي
عليهم ادراك ذلك , واذا افترضنا وبحسن نية عدم التدخل الأمريكي , فاني
اقول بان مطاليبهم المشروعة هذه لن تتحقق الا بوجود حكومة عراقية
ديمقراطية علمانية حقيقية في عراق مستقل وذات سيادة .
ان
حكومة العراق الحالية بحاجة الى تغيير شامل في المسار والرؤى والتخلي عن
كل ما توصف به او تتهم به سواء على مستوى ارتباطها بالخارج او على مستوى
عملها الحزبي الفئوي , فان تحقق ذلك فانها
ستحقق طفرة نوعية ونجاحا بين الحكومات امثالها, حتى وان كان ذلك مرهونا
بموافقة مزدوجة قطبيها ايران واميركا .
ان الذي كنا نتظره من الأمريكان هو الديمقراطية والأمان والازدهار يتمتع
بها كل الأقوام العراقية, لكنه ومع الأسف لم يتحقق ذلك ! ومهما يكن فان
شعب العراق لن يتعافى ما دامت ايران هي اللاعبة الفعالة على ارضه , ومهما
نتحدث عن خطر المحتل الأمريكي وعن مصالحه , الا ان السلوك الإيراني سيبقى
هو الأهم والأخطر ليس على العراق والخليج العربي فحسب انما على المنطقة
والعالم ايضا , اتمنى ان يعي العراقيون بكل اقوامهم ذلك , وان لا يفقدون
الأمل بشعبهم , صحيح ان شعب العراق وكما قلت لا تملك اقوامه ثقافة وطنية
موحدة , وما دام كذلك فان الصراعات والخلافات ستبقى قنابل موقوته مهما
بنيت حولها من جدران ومهما ثبت في الدساتير , ان اهم ما يجب ان نفكر به
الأن هو تثقيف شعبنا على السلام وحب البشر وحب الحياة, واذكر دائما بان
الشعوب التي تحظرت وتقدمت كان اساسها الثقافة والتربية والتعليم , وان
هوية العراق الواحد المستقل هي الأهم والمهم والعراق العلماني هو ضمان كل
العراقيين .
|