في
البدء كان الكلمة ، والكلمة كان لدى الله، وكان الكلمة الله.
في البدء كان الكلمة، والكلمة حوار، والحوار علاقة مع الآخر.
في البدء كان المسيح، مسيح الأمم، عيسى بن مريم، روح الله ، فادي البشر،
الليبرالي الأول.
الليبرالي الذي حمل الانسانية الى المدى الأقصى، الذي آمن وعلم : أن
البشر أهم من الحجر، و أعظم من الهيكل، والرحمة أهم من القربان، وأن
الانسان سيد الكون وأكبر من الرمز . والمحبة أهم من الشريعة (( فاني
أقول لكم :"ان ههنا أعظم من الهيكل ؟ ولو كنتم قد فهمتم ما نعنى هذا
القول ، اني أريد الرحمة لا الذبيحة ----فان ابن البشر هو رب السبت"
متى 13-6--
الشريعة الجامدة ليست قدر الانسان ولا البشرية أبدا، بل قدره محبة
الآخر ، وخاصة الضعيف والفقير ، وبحرية مطلقة، دون املاء على الضمائر
الأفعال الواجب القيام بها. فالايمان بالمسيح لا يعرض مضمونا محددا
للسلوك الانساني- الانسان ذاك محور الأمثال والخطب والأفكار والأقوال
التي قدمها يسوع المسيح خلال حياته- ولكنه يعمل على تحويل جميع القواعد
القائمة لتترجم بصدق مِثال المحبة الجذرية الذي يحمله . وهذه الجذرية
تحيا دائما في نسبية الظروف الثقافية والاجتماعية ، ومن خلال تطور
الحياة الانسانية التاريخي.
السعي المطلوب الوحيد، هو السعي لصالح الإنسان الفرد بصفته إنسان،حتى
الانجيل المقدس ، يُشدد ويُركز على هذا التعبير (( "واذا انسان تقدم
اليه، وقال: يا معلم----)). متى 19-16-- ولا يكمن اتمام الشريعة
الجامدة في تنفيذ وصاياها ، بل في حياة المحبة التي قدمها ومارسها يسوع
المسيح ، فالمحبة هي أصل الوصايا ومعناها الأول والأخير . وهكذا لم يعد
محرك السلوك الانساني وصية الشريعة بل روح المحبة.
الليبرالي الذي نبذ العنف، واتخذ السلام والمحبة ، طرقا له يسير على
خطاها . ونادى بالعدالة الإنسانية والرحمة والعلاقات الشريفة التي
تتوجها الأمانة والشفافية. وها هو اشعيا النبي يُبشر بالطرق التي
انتهجها ابن الانسان ، قبل إشراقه بآلاف من السنين.
(( "فيُبشر الأمم بالعدل -لا يُخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد صوته في
الساحات العامة----" أشعيا النبي 42-401--
(( "حينئذ قال له يسوع: رُد سيفك الى موضعه ، لأن جميع الذين يأخذون
السيف، يهلكون بالسيف---)). متى 26-47----
(( "وقد أهملتم أثقل ما في الناموس : العدل والرحمة ، والأمانة----))
متى 23-23--
الليبرالية - منذ أن تبناها جون لوك فكراً إنسانياً و منهجاً يسير
بالمجتمع إلى أهدافه السامية، و ذلك بعد أن تعمق بحياة السيد المسيح و
نهجه و تعاليمه فقام بنص بنود الفكر الليبيرالي الإقتصادي مستمداً
عناوينهاو تفاصيلها من عمق الفكر الفلسفة المسيحية التي بشر بها يسوع
العالم سلوكاً و تعاليماً- آمنت بأن الإنسان الفرد في عمله الدؤوب من
أجل تحقيق ذاته، يُقدم خدمة كبيرة لمجتمعه. وكذلك علم المسيح ،
فالبعدان الفردي والجماعي عنصران متصلان اتصالاً وثيقاً في الفكر
الانساني الذي علمه المسيح.
الإنسان الذي نادى به المسيح يحيا في المسيح، وهو عضو في الجسد الذي
رأسه هو المسيح ، وغاية سلوكه هو بنيان جسد المسيح ، المجتمع الذي يحيا
بروحه وسط العالم ، كي يشع نور السلام والمحبة والسعادة. والانسان
الفرد ، الإنسان المحمل بالمحبة والإخلاص في عمله، يُنتج مجتمعا صالحاً.
وعلى عكسه الفرد المحمل بالعنف والشر والحقد وكره الآخر ، يُنتج مجتمعا
حاقدا .
(( اجعلوا الشجرة جيدة، فتكون ثمرتها جيدة، أو اجعلوا الشجرة رديئة ؛فتكون
ثمرتها رديئة ؛ لأنها من الثمرة تُعرف الشجرة)). متى 13-23--
(( وسقط بعض (الحَب) في الأرض الجيدة ، فأثمر ، الواحد مئة، والآخر
ستين، والآخر ثلاثين----)) متى 13-7--
(( من ثمارهم تعرفونهم ، أيُجنى من الشوك عنب ، أو من العوسج تين--))
متى 7-16--
عبر المسيح ، صانع الفكر المسيحي، قديماً، باعتماده مفهوم ((الانسان
العاقل والحر)). عن ثقته بالانسان وعن إيمانه بقدرته الذاتية كانسان
عاقل وذي ارادة حرة على معرفة ما هو خير وما هو صالح وما هو عادل ، له
وللآخر، وعلى توجيه حياته بعقلانية نحو هذا الخير وهذه الغاية.وقد علم
المسيح كل هذا وأضاف الى ذلك، أن الانسان بعيشه المشترك مع الآخرين
مكونا معهم مجتمعت انسانيا ، فغاية هذا المفهوم(مفهوم الانسان العاقل
الحر) هو الخير العام ، والذي نادت به الليبرالية كأساس ثابت في
بنيانها الليبرالي الانساني. فالغاية مرة أخرى هي الخير العام لأية
جماعة انسانية ، أي أن الانسانية جمعاء تتحول يوما الى صورة الله
كمثاله . والعقل البشري هو الذي يفرض هذا المفهوم( مفهوم الانسان
العاقل والحر) بقواعده ومقاييسه ليحقق غاية الحياة الانسانية هذه
والخير العام هذا.
وفي اطار كل هذا التحليل، نتوقف عند التطويبات والتي علمها يسوع ، حيث
نجدها تتوافق مع تطلع العقل البشري نحو غايته ، وتمثل حركة الانسان في
التاريخ نحو تحقيقه ذاته كشخص يحيا مع أشخاص آخرين (الآخر) في مجتمع
معين ، وذلك بنعمته والتي تهب الروح القدس. فما يُبشر به ويقوله المسيح
هو شريعة المحبة وهي بالتالي عامة ودائمة ، والانسان- محور الفكر
المسيحي والليبرالي- بعقله وحريته يترجم سعيه لتحقيق شريعة المحبة من
خلال شرائعه وقوانينه الخاصة والمتغيرة بحسب الأزمنة والأماكن .
فالمسيح هو الذي يهب للإنسان أن يكون الكائن العاقل والحر المخلوق على
صورة الله . وتمثل التطويبات كمال صورة الانسان المخلوق عليها: كائن
عاقل وحر ، يحيا بنعمة الله ومن أجل الآخر وبفضله.
طوبى للمساكين بالروح ، فإن لهم ملكوت السماوات؛
طوبى للودعاء ، فإنهم يرثون الأرض؛
طوبى للحزانى، فإنهم يُعزون؛
طوبى للجياع والعطاش الى البر ، فانهم يشبعون؛
طوبى للرُحماء، فإنهم يُرحمون؛
طوبى لأنقياء القلوب ، فإنهم يُعاينون الله؛
طوبى لفاعي السلام ، فإنهم يُدعون أبناء الله؛
طوبة للمُضطهدين من أجل البر ، فإن لهم ملكوت السماوات؛
طوبى لكم اذا عيروكم ، واضطهدوكم، وافتروا عليكم بكل سوء من أجلي؛ ----
اعتمدت العقلانية المسيحية مع خطب وأمثال وتطويبات المسيح بالذات على
إعمال العقل إعمالاً تاماً عن طريق التفكير المنظم المجرد للوصول إلى
وضع المقدمات المعلومة بالضرورة العقلية حتى يمكن وضع حد أوسط صحيح ومن
ثم الوصول إلى نتيجة صحيحة صحة ضرورية.
أفعالنا تكون صائبة بقدر ما تساعد على زيادة السعادة ونقلها الى الآخر
وتكون خاطئة بقدر ما تساعد على انتاج التعاسة.
السعادة=الفرح وغياب الالم
والتعاسة =الالم وغياب الفرح
الملذات العقلية أسمى بكثير من الملذات الجسدية لاسيما من حيث دوامها
وسلامتها
ما دامت المنفعة لا تشمل فحسب السعي وراء السعادة بل أيضا منع الشقاء
أو تخفيف الألم . فاذا كان الهدف الاول وهما، فسوف تكون الحاجة الى
الهدف الآخر أعظم وأكثر ضرورة.
وساهم المسيح في كل ذلك ليس من خلال (الكلمة) فقط بل بالفعل أيضا :
تصدى يسوع للمرض فشفى يهوديا أبرص وعبدا وثنيا وحماه بطرس(8-2-15) ثم
واجه قوى الطبعة المدمرة من ريح وبحر، تلك التي ترمز الى الشر في
العقلية السامية . وغفر خطايا الكسيح وأرجعه متعافيا الى بيته
((8-23-9) . والمرأة المصابة بنزف تبْرأ والصبية تقوم من الموت ،
والعميان يُبصرون ، والأخرس يتكلم . فالمسيح كان حاضرا في وسط الناس ،
يبث فيهم الفرح ، فهو مصدر السعادة التي تُكشف في التطويبات أيضا.
(5-11). وكان يسوع ((يطوف في جميع المدن والقرى يُعلم في المجامع ويعلن
بشلرة الملكوت ويشفي الناس من كل مرض وداء) ( متى 4-23) يسوع الليبرالي
الذي يجلب السعادة ويشفي، اليهودي والوثني ، التلميذ والغريب ، من كل
انغلاق على الذات . يسوع الذي حرر الأفراد والمجتمعات من نير العبودية
ووطأة الموت. وأدخل الفرح والسعادة الى القلوب.
دعت الليبرالية في نهجها الى الحرية المطلقة ، والمسؤولة.
الحرية المسؤولة هي ما نادى به يسوع المسيح عبر توجهه إلى الضمائر
ليُغير في العمق مفاهيمها وأولويات خياراتها ومعاييرها، وبالتالي
فتعليمه يوقظ الحرية ويوقد المسؤولية كقدرة على التفاعل مع الأشخاص
والأحداث ، وكابتكار لسلوك يناسب الموقف الذي يحياه الإنسان. فتعليم
يسوع بالأمثال يُحفز الفكر والمخيلة في الاتجاه المرجو، ويدفع الارادة
الى العمل بروح المثل. والمثل لا يقبل الانغلاق في حرفيته بدون فهم
للمعنى الذي يبتغيه ، أو بدون التفكير بوعي في كيفية تجسيد روحه أمام
موقف لم يدركه المثل. وللدلالة على ذلك ، فعندما طلب يسوع من تلميذ، أن
يسير ميلين مع من سخره( 5-41) ، فقد أراد أن يعي أن عليه أن يتضامن مع
كل شخص وفي كل موقف أكثر مما يتوقعه هذا الشخص أو ينتظره . فيسوع قد
طلب من تلاميذه أن يحبوا التضامن مع الآخرين. وخاصة مع المحتاجين
والفقراء في واقع ظروف حياتهم الخاصة.
ومن أجل تفعيل وايقاظ هذه الحرية والمسؤولية ، نجد أن يسوع قد دعانا
الى أن نحب بعضنا بعضا مثلما أحبنا هو (يو15-12) ويعني هذا أنه فتح
المجال أمام حرية الانسان ومسؤوليته ليُترجم في واقع الحياة هذه المحبة
على مثاله بدون تحديد لمضمون معين لها أو تقليد سلوك بعينه، بل طلب
يسوع من تلاميذه مجهودا مجددا لفهم ما تتطلبه المحبة الفعلية هنا والآن.
وابتكار الطريق الشخصي والجماعي لتحقيق هذه المحبة بصورة واقعية وفعالة،
وبالتالي نلاحظ أنه في لقائه كل شخص وتعليمه الجموع والتلاميذ ، كان
يتوجه الى الحرية والمسؤولية لحث الناس على سماع كلمة الله وفهم دعوتها
في واقع ظروف حياتهم واتخاذ القرار العادل والصالح المناسب. فنرى يسوع
يسأل تلميذي يوحنا اللذين يمشيان وراءه عما يريدان ، ويدعوهما للمجيء
إليه بحرية والاقامة عنده (يو1-35) . ويعرض مثل السامري الصالح على أحد
علماء الشريعة أن يعمل مثل ذلك ، تنفيذا لوصيته الداعية الى محبة الرب
الاله بكل القلب وكل النفس وكا القوة وكل العقل، ومحبة القريب ( القريب
: هو كل إنسان على وجه الأرض)حب النفس (لو10-25). وعندما سأله أحد
الرجال أن يأمر أخاه بأن يشاركه في الميراث ، رفض يسوع أن يكون قاضيا
أو قساما ، أو أن يفرض حكما نهائيا في الموضوع ، بل وجه الرجل وسامعيه
كلهم الى أن يتحملوا مسؤوليتهم في حياتهم امام الله وحيال بعضهم بعضا .
فقد لا يكون البر الأعظم والعدالة المرجوة في مناصفة الميراث، فعلى
الرجل أن يبحث عنهما بضمير مخلص وصادق . فيسوع قد توجه الى هذا الضمير
لينيره. (تبصروا واحذروا كل طمع، لأن حياة المرء ، وان اغتنى ، لا
تأتيه من أمواله)) وتابع تعليمه بمثل الرجل الغني الذي أخصبت أرضه وهدم
اهراءه ليبني أكبر منها ، فيقول له الله: ((يا غبي ، في هذه الليلة
تُسترد نفسك ، فلمن يكون ما أعددته؟)) لقد أعطى المسيح للحرية معنى.
والحرية في أساسها إحداث معنى حيث لا وجود لمعنى، والمعنى هذا هو
بمثابة تجسيد لما يعيه الانسان العاقل من هدف الوجود الإنساني،
وبالتالي فهو ما يدفع بالحياة الشخصية والجماعية نحو إنسانية أفضل
وأعمق وأكثر حرية.
أطلق يسوع كل أمثلته وخطبه، موجها كل كلامه الى الآخر، لقد آمن دائما
بأن هناك شريكاً في الحياة، هو الآخر، وعليه بنى الكثير من أقواله
وأفعاله. وعرف الحرية التي ينشدها ويتبناها، بأنها مسؤولية عن الذات
أولاً وعن الآخر ثانياً فهي حرية العقل و القلب معاً و هما أسمى مافي
الكائن البشري. وإذ يعترف الإنسان المسيحي بهذه العلاقة الأساسية مع
الآخر كمصدر وجوده وكيانه، فإن الحرية تبزغ كتقبُل للذات وللآخر ،
وكمسؤولية عن النفس وعن الآخر، وفي هذا يكمن طريق المعنى الذي تنشده
الحرية وتحققه. و تبزغ الحرية الشخصية بفضل التعرف الى حرية الآخر التي
تهب ذاتها هبة مجانية.
و هكذا نخلص إلى أن الليبرالية لاتتحقق إلا من خلال طرفين:
الفرد في ذاته، بتحقيقه التحرر الذاتي، بالانفلات والانطلاق مع قوانين
النفس أو العقل.
- الآخر وما يمثله.
(فقال لهم:"لمن هذه الصورة ؟ وهذه الكتابة؟ " قالوا له:لقيصر، حينئذ
قال لهم : "اذن، ردوا ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله" )متى 22-15--
قدم يسوع المسيح بإخراجه الدين من النطاق الشخصي والحياة الداخلية
للأفراد إلى نطاق الواقع الخارجي بمختلف مجالاته في المجتمع بل وحتى في
المجال الطبيعي ذاته؟.وفي أمثاله وخطبه حرض على النمو المعرفي
والاخلاقي وعلى بلورة شعور عام بإمكانية السيطرة علي الواقع والتحكم
المتزايد في تطويعه لصالح الإنسان السامي الممكن الوجود بممارسة فعلية
لكل ما بشر به و علمه؛ ثم تأثيرات ذلك كله على عقلنة الفكر؟ والسلوك
الإنساني. وأكد ذلك من خلال ارتباط المسيح الاله وتعليمه ارتباطا وثيقا
بحياة الناس البيتية والزراعية والاجتماعية ، فمنها استمد أمثاله
وعليها شيد تعاليمه، وكانت أمثلته واقعية وبسيطة وواضحة. حاول تقديمها
بأسلوب إنساني علماني بعيداً عن تدخل إلهي ، فهي كلها أمثلة معاشة
ومنها على سبيل المثال لا الحصر : (( من سخرك أن تسير معه ميلا واحدا،
فسر معه ميلين ))، أو: (( اذا صنعت غذاء أو عشاء ، فلا تدع أصدقاءك ولا
إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء ، لئلا يدعوك هم أيضا فتنال
المكافأة على صنيعك )) (لو 14-12)
".. أحبوا أعداءكم، أحسنوا معاملة الذين يبغضونكم، باركوا لاعينيكم،
صلوا لأجل الذي يسيئون إليكم". (لوقا 6-29)
.
قرأ جون لوك أبو الليبرالية ، هذه الآية مرة ومرتين وعشرة، وانطلق
مستندا اليها في كتابة ( رسالة في التسامح) أعظم ما كتب ليبرالي في هذا
المجال. آمن لوك أن المسيح لم يكن يعتبر التسامح مبدأ يعتز به فحسب
ولكنه أيضا ضروري للسلام وللتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الأمم ،
فانطلق يبني عليه كل نظرياته في التسامح. حتى إن هناك كثير من القواميس
تُفسر معنى الليبرالية بالتسامح.
TOLERaNCE: التسامح احترام حرية الآخر وطرق تفكيره ، وسلوكه وآرائه
السياسية الدينية . وأيضا قبول آراء الآخرين وسلوكهم على مبدأ الاختلاف
.السماح بحرية العقل أو الحكم على الآخرين.
ولد هذا التعبير في القرن السادس عشر ، إبان الحروب والصراعات الدينية
التي عرفتها اوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت ، حيث انتهى الكاثوليك
الى التسامح مع البروتستانت ، وبشكل متبادل، ثم أصبح التسامح يمارس
ازاء كل المعتقدات والديانات الاخرى .وفي القرن التاسع عشر انتشر هذا
المفهوم ليشمل مجال الفكر وحرية التعبير وليتضمن جوانب ثقافية
واجتماعية بالغة الغنى والتنوع .إن الصراعات الدينية الطويلة التي
عاشتها اوروبا كانت أصل هذا التحول الذي شهده مفهوم التسامح.
جون لوك فيلسوف الليبرالية وكتابه رسالة في التسامح(lettree sur la
tolerance) الدعوة والمناداة بالتسامح المتبادل والاعتراف بالحق في
الاختلاف والاعتقاد .
تجاوز هذا المفهوم حدود الدين، واقترن بحرية التفكير وبدأ ينطوي
تدريجيا على منظومة من المضامين الاجتماعية والثقافية الجديدة، التي
أوحت بها العصور المتلاحقة، بما تضمنت عليه هذه العصور من صور جديدة
لتصورات اجتماعية متجددة .
وتحت تأثير منظومة من العوامل الثقافية والسياسية لا سيما ظهور دولة
القانون والمجتمع المدني والعلمانية ، ومن ثم نمو وتطور الفلسفات
النقدية. الفلسفة التنويرية وأفكار جديدة حول العقل والحرية والمساواة
والحقوق الطبيعية وحقوق الانسان.
" حينئذ تقدم بطرس ، وقال له:" يا سيد، كم مرة يخطئ أخي إلي، وأغفر له؟
أإلى سبع مرات؟" فقال له يسوع : "لا أقول لك ، إلى سبع مرات، إلى سبعين
مرة سبع مرات---) (متى 18-21--)
يعني التسامح أن من يهبه يمنح الآخر فرصة جديدة للحياة المشتركة ويجدد
الثقة فيه بالرغم مما حدث . فمن يُسامح يقبل أن يعاود العلاقة مع من
أخطأ في حقه لأنه يعتبر الآخر أعظم وأكبر من الخطأ الذي صدر منه، وأن
استمرار العلاقة بينهما هي سبيل حياته الحقيقية .
يُعلم المسيح ، أن لا حياة انسانية بدون التسامح لمن أخطأ في حقنا، ولا
حياة انسانية من دون طلب السماح وتقبله ممن أخطأنا في حقه. فالجماعة
الانسانية قائمة على التسامح ، والذي يعني الثقة في المستقبل والرجاء
في الآخر بالرغم من آلام الماضي وأخطاء الآخر . ويعني التسامح فوق كل
شيء أن حياتنا هي هبة مجانية من الآخر بامتنان وشكر ، وأن الهبة هذه
تدفعنا الى بذل أنفسنا على مثالها في سبيل الآخرين ، لأنه لا حياة لنا
بدونهم.
( حينئذ قال يسوع: "يا أبتاه! إغفر لهم فإنهم لا يدرون ما يفعلون ")
ورد في البند الأول من هذه الوثيقة إعلان المبادئ حول التسامح
-principes sur la declaration de tolerance- الصادرة عن اليونسكو بصدد
معنى التسامح أنه يتضمن العناصر التالية:
1- قبول تنوع واختلافات ثقافات عالمنا واحترام هذا التنوع.
2- التسامح موقف يقوم على الاعتراف بالحقوق العالمية للشخص الانساني ،
والحريات الأساسية للآخر.
3- التسامح هو مفتاح حقوق الانسان والتعددية السياسية والثقافية
والديمقراطية .
4- إن تطبيق التسامح يعني ضرورة الاعتراف لكل واحد بحقه في حرية اختيار
معتقداته ، والقبول بأن يتمتع الآخر بالحق نفسه ، كما يعني بأن لا أحد
يفرض إرادته على الآخرين.
فالتسامح هو قبول الآخر على علاته وعلى اختلافه والاعتراف بحقوقه في
الوجود والحرية والسعادة . .
أعطت الليبرالية المرأة المكانة التي وضعها المسيح فيها في كلامه وخطبه،
فقد ساواها بالرجل منذ البداية.
(أما قرأتم ، أن الخالق ، من البدء خلقهما ذكرا وأنثى --وأنه قال: لذلك
يترك الرجل أباه وأمه ويلزم أمرأته ، ويصيران كلاهما جسدا واحدا؟ ومن
ثم، فليس هما أثنين بعد ، بل جسد واحد----- ). متى 19-3--
استخدم المفكرون الليبراليون المحدثون مفهوم الحرية الشخصية، والذي
يعتمد على القدرة الشخصية للوصول الى السوق والملكية، لتطوير مفهوم
المساواة بين الرجال والنساء . حاليا معظم الأفكار المتعلقة بالمساواة
بين الجنسين طرحت بشكل واضح . ومالت مناهج الليبرالية الأحدث الى إعادة
تثبيت ما طرحوه ولكن ذلك أخذ من الوقت الكثير . وبغض النظر عن التطور
وتحقيق المساواة الرسمية على مستوى القوانين فعلى النساء المشاركة بشكل
كامل في الحياة العامة.
المرأة كان لها دور أكبر في حياة السيد المسيح، ولكن ، تم التطرق
لدورها عبر العديد من المقالات، مما قصر دورها في هذا البحث.
د. الياس
حلياني
شام
25-11-006