ليبرالي أكثر---وطني أكثر
مركز الشرق للدراسات الليبرالية
المحور الثالث
من الذي صنف الليبرالي عدوا لوطنه؟ ولماذا اعتبار الليبرالي غير وطني، ؟ ومن
هو أحق من الليبرالي في وطنه؟ الفرد الشمولي القومي؟ أم الفرد الأصولي
المتطرف.
ومالذي يمنع من تبني الليبرالية أساسا للمواطنة الحق؟ وما لذي يمنع أن تكون
الليبرالية هدفا لكل وطنيا. ومن الذي وضع الليبرالية في خانة أمريكا أو في
خانة أوروبا؟
في سعينا
للحاق بالركب العالمي، والتحديث والتطوير، والرفاهية، وجدنا في الغسالة
والبراد والسيارة والموبايل، وسائل تُحقق لنا قدر أكبر من الراحة والسعادة
والرفاهية والتطور. وإذا حصلنا على أفكار ورؤى تُحقق لنا نفس المقدار من
السعادة والراحة والتطور، فلماذا لا ننتهجها ونعتنقها.نُطالب دوما بإصلاح
سياسي واقتصادي واجتماعي، وعندما نحصل على مبتغانا بواسطة أفكار ليبرالية
وعلمانية، نرفضها لأن منشأها من الغرب. مع العلم أن الغرب لم يكن المؤسس
الأول لها، إنما وصلته أيضا من تجارب الذين سبقوه في المضمار الكوني. ووجد
فيها ضالته، فهي تُحقق لأفراده المساواة السياسية والقانونية . وطور فيها ما
وجده يتوافق مع إنسانية أكثر وراحة أكثر لفرده وشعبه.
الليبرالية
ونعني بها ذلك التيار، أو مجموعة من تيارات فكرية، والتي تُطالب بحق جميع
أفراد الشعب باستعمال الانتخاب وسيلة للتعبير عن رغبتهم في هذا الشخص أو تلك
الفكرة، بشكل متساوي، لا فرق فيه بين طائفة وأخرى، ولا بين قومية وأخرى،
فجميع المواطنين متساويين في هذا الحق. وعندما تنادي الليبرالية بحق المساواة
في الانتخاب، أكيد هي لا تكون ضد الوطنية ولا الدين.
وتُطالب
الليبرالية بحق وحرية الجميع، في خلق تنظيمات تجمعهم وتُدافع عن قضاياهم، وهي
في كل هذا، تُجذر الوطنية الحق، من خلال تبنيها هذه الحقوق الاجتماعية
الأساسية للمواطنين. وتُدافع الليبرالية بشراسة عن حق المرأة في دخول المعترك
السياسي، فهي مواطنة، وحقها الطبيعي أن تُمارس مواطنتها وتُشارك في العمل
السياسي، وتشعر بدورها الكبير في إدارة دفة البلاد والدفاع عن مصالحها بكونها
مواطن يملك نفس الحقوق التي يملكها الرجل. وهنا أيضا تعمل الليبرالية على
تفعيل هذه النظرة الوطنية للمرأة وتجعلها أكثر التصاقا ومحبة بوطنها، كيف لا
وقد أصبح لها
دورا
كبيرا في رسم سياسة الوطن.
حق
التعبير عن الرأي، حق النشر، حق الإعلام.----كل هذا مهد للوصول إلى العمل
الصحفي الحقيقي الشفاف والذي يخدم الوطن، عن طرق طرحه الصادق لكل ما يحصل
عليه من أخبار، وما يكشفه من أسرار.بعيدا عن تأثير الفكر الديني والقمع
السلطوي. وما يسببانه من ضغط وقمع من أجل لوي عنق الحقيقة وتوجيه الخبر بما
يخدم هاتين المؤسستين.
المشاكل
التي نعاني منها اليوم، أكثر من أن تُعد، فمن الفقر إلى التخلف إلى الجهل،
ولم نجد لها حتى اليوم حلا مقنعا، فالخيانة اليوم وقلة الوطنية، تكون في
استمرار هذا المشاكل والآفات التي نُحمل الغرب دائما تبعاتها، لأننا حتى الآن
لم نجد لها الحلول الناجعة. فلو أننا استطعنا اليوم أن نحصل على فلسفة سياسية
معينة، قادرة على المساهمة في إصلاح هذه الآفات والمشاكل المعاصرة، فان من
الخيانة رفضها، ومن الوطنية أن نقبل بها ونمارسها.
هذه الفلسفة
السياسية، ونقصد بها طبعا، الليبرالية، بكل ما تحمله من حرية وتنافس وصراع
وحركة وفكر على كافة المستويات، الصناعية والخدمية والفكرية والاجتماعية
والسياسية، وهو ما يدفعها إلى التطور المستمر والتقدم الكبير، لأنه من رحم
المنافسة يخرج الإبداع. على عكس مجتمعاتنا المغلقة والمحكومة بثقافة مغلقة
قمعية استبدادية، تضغط عليها الأصولية من جهة، والسلطة الحاكمة من
جهة أخرى،
مانعة تطورها، مجمدة إياها في مجمدات التاريخ.
هل
تعني الوطنية الاستهتار بمصالح الوطن والناس؟(عدم الإحساس بالمسؤولية)
هل تعني
الوطنية التفريط بالحقوق ؟(عدم الالتزام بالواجب)
هل تعني
الوطنية قبض الراتب من دون تقديم أي مقابل؟هل تعني الوطنية الاستسلام لواقع
الحال ، وعدم التفكير بالتقدم وتحسين الحال؟
في المجتمع
الليبرالي، نجد سوية عالية من الإحساس بالمسؤولية سواء كانت مسؤولية مهنية أو
مسؤولية وطنية أو مسؤولية إنسانية فالليبرالي لا يفرَّط بحقوقه
لكنه
بالمقابل ملتـزمٌ بواجباته.. على المستوى المهني يبذل بالحقيقية. من خلال
المنافسة الجادة والمطلوبة، أقصى ما يستطيع لتحصيل المعرفة وتكوين المهارة
المهنية وهو يحرص على أن يؤدي واجباته المهنية وغيرها بمنتهى الدقة التي
يستطيعها وبأقصى درجات الالتزام والولاء كما أنه يلتزم بالمواعيد بدقة ولا
يهدر الوقت ويسعى جاهداً لتحسين الأداء وقد تربى على أن يكون منصفاً ويحترم
الآخرين كما أنـهم يحترمونه فهو منضبطٌ في سلوكه وملتزم بالقوانين وهذه هي
الجوانب الأخلاقية الأساسية التي تُشيَّد بـها الفلسفة الليبرالية. والأكيد
أنها معايير وطنية حقيقية.
ما لشعب
إلا مجموعة من المواطنين، والاعتراف بفردية المواطن، تعني الاعتراف بوطنيته،
والالتزام بحقه في الاختيار الحر والتفكير المستقل وحقه في التعبير عن نفسه
وأفكاره وآرائه ومواقفه دون قمع أو رهبة من اعتقال أو قطع رأس. وكل هذا، من
الاختيار الحر إلى التفكير المستقل إلى حق وحرية التعبير، كلها أمور تُساعد
في بناء وطن متماسك قوي، مواطنوه أحرار مستقلين.يتمتعون بحريات كبيرة، تكفل
للجميع ، مجالات واسعة، تضيق بها كل الأنظمة السابقة من شمولية إلى دينية.
وكل ذلك ضمن فرص متكافئة للجميع ، لا غلبة لطائفة ولا لعرق، ولا لمذهب على
الآخر. مجتمعنا محكوم بالتخلف، وكيف لا، ونحن نعيش تحت نير سلطتين، هدفيهما
وناتج هما واحد، آلا وهو إبقاء الحال على ما عليه. نحن محكومين للأسف بقانون
القصور الذاتي فلا شيء يعلو على ذاته وإنما لا بد أن يأتيه دافع من خارجه
فالليبراليون في مجتمعنا هم من داخله لكنهم يفحصون أوضاعه وكأنـهم من خارجه
إنـهم يتمكَّنون من رؤية نقائصه السائدة وهم بداخله وبذلك فإنـهم محبو وطن،
ومنقذين.
إذا استجاب
لهم الناس أما إذا رفضهم المجتمع ولم يستجب لهم بضغط من الأصولية الدينية،
المتحالفة سرا مع الأصولية الحاكمة. فإن التخلف ،بشتَّى أبعاده يبقى مهيمنا
فتستمر الثقافات تعيد إنتاج ذاتـها وتجترُّ مكوَّناتـها دون تطوُّر ثقافي ولا
حراك اجتماعي فشرط التطوير والتحديث اليوم هو انتهاج الفلسفة الليبرالية،
والتي تستطيع وحدها، نقل المجتمع المتخلف إلى مجتمع الأكثر تحضرا ورقيا
وإنسانيا.
نعم نعترف
، أننا اليوم أقلية، وهذا هو ما يحصل دائما كما يُقال (الخيار قليلون) .إضافة
إلى عدم وجود تأثير سياسي قوي. وكيف لهذا التأثير أن يحدث؟ ونحن نواجه قوى
متجذرة في الأرض، لا يهمها إلا نفسها، (وبعدي الطوفان) وللأسف الشديد، مع كل
هذا الظلام، وهذا القمع، وهذا التخلف. وتهمة اللاوطنية توجه إلى الليبراليين-
أما هؤلاء، من حولوا الوطن إلى مزرعة ومعبد وشعارا، وأعادوا عقارب الساعة إلى
الزمن الحجري، يُطلق عليهم وطنيون!!!-
تواجه
الليبرالية العربية الوطنية اليوم:
السلطة
الحاكمة، عبر رفضها القبول بالآخر، والتداول السلمي للسلطة، وحرية الفكر
والتعبير والرأي، والمساواة، ومبدأ تكافؤ الفرص، والاحتكام إلى صناديق
الاقتراع بكل شفافية وأمانة. وبالتالي من أجل كل هذا تُحارب الليبرالية
والليبراليين.السلطة الدينية، وعبر رفضها أي حقيقة غير المعلنة من قبلها،
واعتبار نفسها المرجع الأول والأخير في كل الأمور الثقافية والدينية
والاجتماعية والسياسية، ورفضها قبول الآخر، وبالتالي تعمل جاهدة على وصف
الليبرالية بالإلحاد، وتجييش دُعاتها، من أجل مهاجمة الليبراليين والليبرالية
أينما (ثقفوهم). الدين هو الوتر الغليظ الذي لعبت عليه السلطة الدينية، ولكن
الليبرالية لم تناد أبدا بالإلحاد على العكس من ذلك تقول الليبرالية بما يخص
الدين:بأن القيمة الحقيقية للأديان ليس بما تمارسه من طقوس شعائرية قد تكون
شكلية، ولكن بما تقدمه للبشرية من خير وفضل، وبما تزرعه في أفئدتهم من تسامح،
والشر ليس في تعدد الأديان، وإنما في تفشي روح عدم التسامح، كما رفضت
الليبرالية مبدأ أحادية المعتقد، انطلاقا من إيمانها بأهمية التأمل قبل إصدار
الأحكام المطلقة، مع مقتها لذلك.
الأنظمة
الشمولية ،--والتي فقدت مكانتها وحظوتها، نتيجة معاركها الدونكيشوتية
ومواقفها، التي أدت إلى نكبات ونكسات وانكسارات، وشعاراتها العنترية، والتي
تحولت في الزمن الحاضر إلى (زهرتي يا زهرتي). تُقدم هذه الأنظمة ، الليبرالية
برؤية معادية للمصالح الوطنية العليا ومفهوم الأمن القومي العربي. ويكفي هذه
الشهادة التي يرويها الحائز على جائزة نوبل لآداب لعام 1987، الشاعر الروسي
(جوزيف برودسكي)ماذا يقول عن نموذج الدولة الشمولية القمعية الإرهابية:كأنها
دولة رهيبة إلى حد ما، ولأجل ذلك فهي ممتعة بسبب رهبتها، فان روسيا مثال
متواضع، مما يمكن للإنسان أن يفعله بأخيه الإنسان. في هذا القرن أكملت درجة
خاصة من المقدرة السلبية في الخلق البشري، كانت روسيا درسا حول قدرات
الإنسان، تم هناك القضاء على عدد ضخم من الكائنات الإنسانية، وأبيد الملايين
من أجل ابادة الملايين، فهذه الملايين المبادة ضرورية --أليس كذلك؟ (في
الحسابات النهائية إن روسيا تتألف من الضحايا والجلادين، والأدوار كانت موزعة
كثيرا أو قليلا. تستخدم الدولة الشمولية ثلاثة وسائل لروادها:اقبة المخالفين
في الرأي، مكافأة الأزلام، الإكراه العقائدي للجماهير.)
مفهوم
الحرية والوطنية كما يشرحه أحد روادها :--- الحرية هي سلطة القانون لا سلطة
الشعب، وأن سلطة القوانين هي حرية الشعب، وبالتالي فالحرية في نظره هي " الحق
في فعل كل ما تسمح به القوانين "، وفي حال التعدي على ذلك فلا حرية مكفولة،
ولا حقوق مصانة، إذ " لن يبقى بذلك ثمة حرية (قانون) يمكن الالتجاء إليها،
لأن الآخرين سيكون لهم ذلك الحق أيضا"
وفي سبيل
تحقيق مبدأ المساواة والعدالة المستندة على الحرية في الرأي، والعقيدة،
والتملك، فقد دعا منتسكيو إلى حتمية الفصل النسبي بين السلطات الثلاث
التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، حتى لا يتحقق الإفراط في السلطة، إذ لا بد
حسب رأيه "أن تضع السلطة حدا للسلطة "، وبالتالي فإنه يرى أن من الخطورة أن
تجتمع سلطة سن القوانين، ومن ثم تنفيذها، والحكم فيها، في يد سلطة واحدة أيا
كانت تلك السلطة وشكلها، كما يرى أن الحرية السياسية لا يمكن أن تتأتى إلا في
نطاق حكم معتدل، محدد الصلاحيات، وحتى يكون الحكم معتدل، فلابد من توزيع عقلي
عادل لمختلف القوى الاجتماعية بحسب المقدرات الطبيعية والمادية. وبالرغم من
أنه لم يكن البادئ بهذه النظرية حيث سبقه كل من: أرسطو (384 – 322ق.م)، وجان
يودان في القرن السادس عشر الميلادي، ولوك، إلا أنها قد ارتبطت به لعدة
اعتبارات أساسية منها: أنه أول من تعمق في دراسة هذه المسائل وركز على
تفاصيلها، وهو أول من بيّن الأهمية العلمية لذلك، كما أنه أول من ركز على
أدلة التاريخ السياسي الفعلي المدعمة لرأيه ولم يقتصر على ذلك فحسب، بل دعا
إلى إقامة النظام الفدرالي الاتحادي الذي ـ وحسب رأيه ـ تتمتع فيه الدولة
باستقلالية كل منطقة عن الأخرى في أحكامها وقوانينها وسلطتها، لكنها تجتمع
على النطاق الخارجي في قوة مركزية واحدة فيكون لها كل مزايا الملكيات
الكبيرة، وهو الأمر الذي وجد فيه مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية الشكل
المناسب لإقامة دولتهم الفدرالية علاوة على إيمانهم العميق بفكرته القاضية
بفصل السلطات الثلاث عن بعضها البعض. |