خطأ المعارضة عندما تستبدل قمع السلطة بارهاب الأخوان
النصب والأحتيال
نظريا يستطيع الأخوان المسلمين، في سبيل الوصول إلى السلطة، نثر الوعود
الديمقراطية يمنة ويسرى. كما يستطيعون أن يملأوا آلاف الكتب والدراسات،
بوعودهم الخلبية، بالموافقة على تعدد الأحزاب، ومبدأ تداول السلطة، والعلاقة
مع المواطن الآخر، المختلف عنهم بالعقيدة والمذهب.
عمليا لا يلتزمون بكل ذلك، والذنب طبعا ليس ذنبهم، فالله لا يقبل أن يُشاركه
في الحكم أحد، كما أنه لا يقبل أن يرعى "الكفار والمرتدين، والأرفاض"، في
مراعيه الخضراء. وبالتالي لا مجال لتنفيذ أي من الوعود التي تُقطع لزوم
الحالة و الزمان و المكان.
هناك طريقتان للنكث بالوعد، وكلتاهما مؤذيتان بالدرجة نفسها. تتمثل الطريقة
الأولى بنقض الوعد الذي يقطعه أحدهم أمام الفضائيات، ورجال الغرب. والثانية
بتعطيل الوعد الذي يقطعه أحدهم على نفسه علنا وبقناعة كاملة بما يقوم به،
لينتهي بنقض وعده بينه وبين نفسه. إن نقض وعد يُقطع هو سلوك نموذجي عند غير
المستقيمين الذين لا يحترمون أنفسهم ولا يؤمنون بها.
هؤلاء الأخوان أناس يكذبون كثيرا إلى درجة يفقدون معها مصداقيتهم، أي أن ما
دون الوعي لا يُصدق ما يقوله الوعي، إلى درجة يحدث معها تشتت لهاتين
الساحتين، بمعنى إلحاق الإرباك والضرر بالتفاعل السوي بينهما فهم بسبب عدم
احترامهم لتعهداتهم السياسية، إضافة إلى استخدامها للكذب وخداع المعارضة
خاصة، معارضة الخارج. لأن معارضة الداخل قد (خبرتهم وعجنتهم واكتشفتهم).
هؤلاء الأخوان بسلوكهم المراوغ هذا، يخلقون عدوا متواريا داخل أنفسهم، يقاوم
كل حقيقة، وكل أمر صحيح. هذا الكيان الذي أصبح يتملكهم، وبسبب خضوعه للخداع
غالبا، لم يعد يُصدق ما يقوله الكيان الواعي ولا يرغب بالتعاون معه أو
المشاركة بدسائسه، وعلى العكس، من المحتمل جدا، لا بل الأكيد، أن يعمل منهجيا
على معارضة مشاريع صاحبه.
عند الأخونجي، نجد شكلا من اللاأخلاقية المقنعة، يتصرف بموجبها كمحتال،
وكذاب، ومخادع، ويحصل لديه تشوش عقلي، ويُصبح عصابيا. لأنه عادة يقول شيئا
ويفعل غيره، يُصرح بشيء، ويضمر عكسه. حتى أن بعض طروحاته عن الديمقراطية
والتعامل مع الآخر تبدو صحيحة وقويمة ظاهريا، ولكنها، في الواقع، غامضة
باطنيا. هذه العادة تقود الأخونجي إلى اكتساب نوع من الخداع العقلي.(الأخوان
ومبادئ الحكم: ص215): ترفض العنف وسياسات الثورة أو الاغتيال أو الانقلاب
طريقا لبناء الدولة الإسلامية، فطريقنا هو الدعوة والتربية وفق هدي القرآن
والسنة، ومبدؤنا هو العمل السلمي مهما اختلفنا مع حكوماتنا، بل مهما تعرضنا
في سبيل ذلك إلى المحن أو نالنا من الظلم ).
كم هناك من احتيال وكذب وأفك في هذا التصريح، وكم من دماء جرت، وكم من أرامل
ثكُلت، وكم من أطفال تيتموا، وكم من اغتيالات جرت، وكم من مجازر ومذابح حصلت
على أيدي هؤلاء المؤمنين؟!
يقول الكاتب السعودي يوسف سويدان: ((من الحقائق التي كشفتها وأكدتها كثير من
الوقائع والأحداث التي عصفت بمنطقة الشرق الأوسط خلال عقود من الزمن هي أن
حزب الأخوان المسلمين, سواء في بداياته التأسيسية الأولى في مصر أم عبر
امتداداته الأخطبوطية اللاحقة في سائر بلدان الشرق الأوسط وفي مختلف تجليات
هذا الحزب ومسمياته وواجهاته التنظيمية والفكرية، قد مثل دائما واحدة من أسوأ
الظواهر المدمرة في الحياة العامة للمجتمعات التي ابتليت بهذا الحزب الرجعي,
ليس فقط لتخلفه الفكري وتطرفه الديني وسلوكه السياسي المعادي للعصرنة
والتحديث وحرية الشعوب وانتهاجه أساليب العنف والاغتيال ضد خصومه السياسيين
في أكثر من مكان, بل أيضا لان هذا الحزب الفاشي قد شكل الحاضنة الفكرية
والتنظيمية الأولى التي فرضت أبشع المنظمات الإرهابية كالقاعدة وحماس والجهاد
الإسلامي وبقية تلتوين السلفية التكفيرية التي تلقت تدريباتها ودروسها الأولى
في التطرف والإرهاب والعداء للآخر في كهوف حزب الأخوان المسلمين وعالمه
السفلي, لاسيما منذ بدء ما سميت بـ »الصحوة« قبل ثلاثين عاما والتي لم تكن في
حقيقتها سوى »الغفوة« أي غفوة المجتمعات الشرق أوسطية عن الخطر الداهم
والمستشري الذي حمله فكر وسلوك الأخوان المسلمين المتسترين بالدين وشعارات
الحور العين لاصطياد الشبيبة اليافعة.
هذا الواقع التكويني لحزب الأخوان المسلمين وعداؤه المستحكم للحرية
والديمقراطية وحقوق الإنسان, هو الذي جعله حليفا دائما وبرسم الخدمة لأفظع
الدكتاتوريات والأنظمة الشمولية المستبدة, وليس أدل على ذلك من وقوف مركزه
القيادي إلى جانب الاحتلال ألصدامي الغاشم لدولة الكويت عام 1990 كما عبرت عن
ذلك قرارات الاجتماع القيادي ألتشاوري للتنظيم الدولي لحزب الأخوان المسلمين
الذي عقد في مدينة لاهور الباكستانية، واتخذ موقفا معارضا لعمليات تحرير دولة
الكويت, وقد فضح القيادي السابق في حزب الأخوان المسلمين يوسف ندا في مقابلة
تلفزيونية تفاصيل ما دار في ذلك الاجتماع الآثم, ثم تكرر هذا الموقف الاخونجي
المخزي بعد ذلك بسنوات حين ساند الأخوان المسلمون نظام الطاغية صدام التكريتي
ضد الشرعية الدولية وتحرير الشعب العراقي من براثن الاستبداد والدكتاتورية
عام 2003
الرأي الحقيقي الغير مخفي للإخوان:
(الصحوة الإسلامية، ص141): محمد قطب: (أن تقوم الجماعة بالتحالف مع الشيطان!
متمثلا في أحزاب تنكر شريعة الله وترفض اعتبارها ملزمة للناس في العصر
الحاضر، ولا تعتبر الإسلام مقوما من مقومات فكرها، وتضع بدلا منه الفكر
القومي العربي الاشتراكي ).
( دروس في العمل الإسلامي: ص82). سعيد حوى، منظر تيار الأخوان المسلمين
السوريين لا دستور ولا قانون ولا ديمقراطية ولا علمانية ولا ليبرالية ولا
اشتراكية ولا شيوعية:( القتال أو الإعداد للقتال حتى نسقط هذه الدولة المرتدة
أو الكافرة ويقوم الإسلام، فانه عندما يتسلط الكافرون على الحكم أو المرتدون
أو البغاة أو الذين لا يقيمون الصلاة أو الذين لا يحكمون بما انزل الله أو
الذين يريدون طريقا غير طريق الله أو الذي في دساتيرهم أو قوانينهم مخالفة
قطعية لحكم الله يحلون بها حراما قطعيا أو يحرمون حلال قطعيا فانه لا يكون
أمام المسلمين إلا طريق واحد هو تغيير النظام واستبداله بإرجاع السلطة
الكاملة لأيدي المسلمين ).( ماذا يعني انتمائي للإسلام ؟ : ص 100) فتحي يكن:
( إن معظم الأقطار الإسلامية – إن لم نقل كلها – تُحكم بأنظمة وضعية هي خليط
من تشريعات رومانية ويونانية وفرنسية وغيرها، والنظم الاقتصادية السائدة في
هذه الأقطار هي الرأسمالية والاشتراكية مما يجعل العمل لهدم هذه الكيانات
الجاهلية واستئناف الحياة الإسلامية فريضة عين على كل مسلم حتى تعود للإسلام
القيادة والقوامة ) الدعوة الصريحة إلى هدم كل الكيانات الاجتماعية والسياسية
القائمة في معظم الأقطار الإسلامية، ورفع سيف الحق في وجه الجميع.
كلمة واحدة فقط، عدم الاعتراف بأي نظام غير إسلامي نقطة انتهى. فعلى ماذا
تتحاورون معهم؟
(رسالة " إلى الشباب" من مجموعة رسائل البنا) حسن البنا: ( نحن لا نعترف بأي
نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب
السياسية، ولا بهذه الإشكال التقليدية التي أرغمنا أهل الكفر وأعداء الإسلام
على الحكم بها والعمل عليها).
برسم معارضة الخارج، تجربة مريرة للمملكة السعودية مع أصحاب الكلام المعسول،
والنصل المسنون:
وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز لصحيفة «السياسة» الكويتية
حول حزب الأخوان المسلمين ودورهم في الحياة السياسية العربية.
الأمير نايف يقول: «إنني أقولها بدون تردد، إن مشكلاتنا وافرازاتنا كلها،
وسمها ما شئت جاءت من الأخوان المسلمين». ويضيف بوضوح أكثر «بحكم مسؤوليتي
فان الأخوان المسلمين كلما اشتدت عليهم الأمور وعلقت لهم المشانق في دولهم
لجأوا إلى المملكة.. فحفظت كرامتهم.. ولكن مع الأسف لم ينسوا ارتباطاتهم
السابقة فأصبحوا ضد المملكة».
حديث الأمير نايف تضمن معلومات كثيرة وتحدث عن دور الغنوشي والترابي وعبد
الرحمن خليفة والزنداني أثناء احتلال الكويت، وأكد بأن حزب الأخوان المسلمين
دمر العالم العربي.
حين يتحدث وزير داخلية المملكة العربية السعودية بهذا الوضوح والحزم وخاصة
انه يجلس بحكم عمله على كنز من المعلومات، وحين يتحدث في هذه الظروف الأمنية
الحساسة بهذا الوضوح، فان هذا يعني أن الكيل قد طفح، وان استمرار جماعة
الأخوان في تفريخ الجماعات الإرهابية لم يعد محتملا.
الأخوان المسلمون يعيشون حالة من الانحسار والانكشاف في عدد من الدول العربية
لأسباب لم تعد خافية على احد، وعلينا أن ننتبه إلى أن هناك وريثا لهذه
الجماعة التي تعتمد على أفكار سيد قطب وحسن ألبنا، وهي تلك الجماعات التي
رفعت شعار السلفية وخلطته بفكر خارجي لا علاقة له بالإسلام ولا بالسلفية،
فجوهر الحركة السلفية هو جوهر أخلاقي يدعو الناس بالحسنى ويرفض سياسة التسلط
ولا علاقة له بتسييس الدين، ولكن السلفية الخارجية الجديدة التي هي حركة
انقلابية أخذت جوهر فكرها من سيد قطب وجماعته وخلطتها بمزيج من الأفكار
المغلقة والمتطرفة من الناحية الاجتماعية، والفكر السياسي المتطرف الذي يعتمد
على العنف وإلغاء الآخرين من جهة أخرى.
حديث الأمير نايف كشف خطر تسييس الدين الذي مارسه الأخوان المسلمون، وعلينا
الانتباه إلى خطورة وريثهم الشرعي الذي يلبس كما لبسوا رداء الدين لتحقيق
طموحات سياسية دفعنا جميعا ثمنا باهظا لها بسبب المجاملة والصمت.
|