مركز الشرق للدراسات الليبرالية وحقوق الأقليات ---الشعر
السرياني
الشعر عند
السريان نوعان:
1- ما يسمى بالميامر أي القصائد وهي الملاحم المسهبة التي تعد أبياتها أحيانا
بالآلاف، تًسرد فيها القصص الروحية وسير رجال الكتاب المقدس والكنيسة.
2- ما يسمى بالمداريش أي الأناشيد وهي تصاغ على أوزان مختلفة وألحان شتى. وفي
كلا النوعين من الشعر يُعتمد على اللحن وعلى النغم لا على القافية كما في الشعر
العربي. فهو في جوهره شعر غنائي يُنشد على جميع الأوتار، وأوزانه لا تُحصر في
حد ولا أبحره في عد. وقد تتراوح في البيت الواحد بين المقطع الواحد والستة عشر
مقطعا أو أكثر تفصل بينها محطات وقف.
نظم مار افرام على البحر السباعي الذي يكون الموقف فيه عادة بعد المقطع الثالث
أو الرابع. وارتأى مار غريغوريوس يعقوب حلياني، أن مار افرام قد استنبط البحر
السابع والذي يسمى بالأفرامي. وتناول شعره شتى المواضيع الدينية: العقائدية
والروحية فمجد السيد المسيح ومدح العذراء مريم والأبرار الصالحين وحث النفس
الخاطئة على التوبة وهجا الكفرة وعنف أصحاب البدع وأكثر من سرد الحكم. وهو شاعر
طويل النفس يمتاز بأسلوبه المسهب والسلس فيتدفق كالسيل.
يقول غريغوريوس يعقوب حلياني، في كتابه، من الشعر السرياني:((إن ميامر ومداريش
مار افرام تعبر عما احتواه قلبه من الإيمان وما استوعبه عقله من الحكمة، وقد
حازت هذه الأشعار مكانة كبيرة في الكنيسة السريانية )).
تم تداول هذه الأشعار في الطقس الكنسي، وهو لا يزال على قيد الحياة.
ونقرأ أيضا في مخطوطة (الآراميون السريان، أدب، شعر، نقد)ج4-ص345-: كان مار
افرام كاتبا في الأخلاق واعظا أكثر منه لاهوتيا. ويبدو ذلك صحيحا لقلة البحث
العقائدي في كتاباته الشعرية التي تكثر فيها الاستعارات والصور البارعة والرموز
التي تغنى فيها سائر الشعراء الشرقيين.
زينت آثاره الدينية مكتبات الشرق والغرب وهي تعتبر من نفائس المخطوطات في دنيا
المكتبات، إذ يرجع تاريخ بعضها إلى القرون الخامس والسادس والسابع للميلاد. وفي
القرن السابع عشر تم إعادة تنقيح، وترجم بعض منها إلى اللغة العربية، وأشهر من
قام بترجمة هذه الأشعار ÷و مار غريغوريوس يعقوب حلياني، والذي اعتلى السدة
الأسقفية في دمشق، كأول رئيس أساقفة للسريان الكاثوليك، ولا يزال نصبه التذكاري،
وهو تمثال بطول خمسة أمتار، يتصدر إلى اليوم كنيسة مار بولس الرسول في منطقة
باب شرقي في دمشق. (ست مجلدات كبيرة الحجم ضمت كل ما حفظته مكتبة الفاتيكان من
مؤلفاته المنظومة والمنثورة: ثلاث مجلدات منها ما خُط بالسريانية، ومنها ما خُط
باليونانية من السريانية وقد فُقد الأصل وبقيت الترجمة).
آثار مار افرام تتوزع اليوم بين مكتبات معظم مدن الشرق العربي الشهيرة وفي
مكتبات الفاتيكان والمتحف البريطاني وأكسفورد وبرمنغهام وكيمبردج وباريس وغيرها.
قال في العلم:
(( اقتن المال بمقدار، أما العلم بلا حد.
إن المال يُكثر الآفات أما العلم فيورث الراحة والنعيم.
إن الحكمة لأفضل من السلاح والعلم خير من المال
وفتى حدث حكيم خير من ملك شيخ أخرق.
أيها الفتى اقتنِ العلم وكن مستقيما في تصرفاتك
فانك تسر في هذا العالم وفي الآتي تنعم.
إن العلم يضفر أكليلا يتوج به رأس محبيه
ويرفع من المزبلة إلى عرش الملك.
لتكن الكتب بمثابة موائد لك فتشبع بها مكن لذة
وبمثابة فراش فترقد سنة الراحة))
الأرض الظمأى تخاطب البشر:
((لو كان للأرض نطق
لصبت علينا جامات الغضب
وقذفتنا بوابل من التوبيخ والتأنيب
وتقول:
ما أظلمكم أيها الناس
إن ملامح أبيكم الأول تظهر في جباهكم.
لقد لُعنت بسبب خطيئة أبيكم
والآن تلاحقني أللعنة مرة أخرى بسببكم.
أنتم أيها الناس تخطئون
وأنا أُلعن
أخطأ أبوكم آدم فنبت الشوك الرديء
وأخطأتم أنتم فجف الزهر الجميل.
أنا أم لكل الناس
كان الأولى بكم أن تقدموا لي الولاء
فتكرموني وتهابوني
غير أنكم احتقرتموني ودستم كرامتي
مزدرين بالقيم وكل المثل
إنكم أبناء عاقون
إنكم تخطئون وتذنبون
وتتنعمون بعيش رغيد وهنيء
وأما أنا فرياضي الغناء انقلبت إلى قفار
وحقولي النضرة استحالت إلى صحاري.
إنكم تحتسون الخمور وتشربون كل لذيذ وشهي
أما أنا فقد جف قلبي عطشا وظمأ.
أنتم تغسلون أجسادكم بالاطياب والعطور
أما جسمي فقد علاه الغبار
فامتقع لوني وتشوه جمالي.
كم لقنتكم دروسا وعبرا
وكم وجهتكم نحو الخير
ولكني بدون جدوى.
لم تتعلموا التواضع في أحضان أوديتي
ولم تستو عبوا الوداعة المنثورة على سطح سهولي
ولم تتلقوا الدرس من عزم صخوري
ولم تدركوا هيبتي في أعماق بحاري
ولا عرفتم قيمتي من قمم جبالي
حقا أنكم لجهلة أغبياء.
أنا شابة وعجوز في آنِ واحد.
أنا أم عجوز لآبائكم وأجدادكم
وأم شابة لكم ولأولادكم
فاحترموا شيخوختي ووقاري
وهابوا قوتي وشبابي)).
وعن الحقد والمسامحة:
((ها أن المسيح معلق فوق ذروة الصليب
ضارعا عنا إلى أبيه
وأنت أيها التراب ابن الترابي
مملوء غضبا وحردا وحقدا!
فان أبغضت قريبك
لن يسمع صلاتك المُسالم الكل
كلما حسدت قريبك
وفرت راحة للأبالسة
وكلما اغتبت الآخرين
ورددت معائيهم في غيابهم
فقد جُعل لسانك كنارة
لغناء(إبليس) النمام
لا تنم على القوم
لئلا تسمى نماما (أي إبليس)
وان حلت بعدوك نازلة
فلا تفرح لئلا تخطأ.
كن ديانا لخطاياك
ومحاسباً لآثامك))
|