الجنون هو أن
تفعل نفس الشيء كل يوم وتتوقع نتيجة مختلفة
في لقاء مع
أستاذ جامعي بعثي دام عدة ساعات، وأعتقد أنه كان مقصودا لأنني لم أعد أسمع
منه أو عنه شيء.
يقول الدكتور
الجامعي ألبعثي: انتم تُطالبون بتغيير جذري وهذا من المستحيل، إن معارضتكم
أسميها أنا، يعني هو: معارضة أبو الزلف. فأنتم مبعثرون متفرقون لا هدف لا
منهج لا قاعدة شعبية، وطبعا هو من الذين أنعم عليهم البعث.
قلت: هل تعتقد
أن البعث يستطيع إصلاح نفسه؟ وهل يستقيم الجسد بعد الشيخوخة؟ وهل يعود البصر
إلى قوته عند الكهل؟
قال: إننا في
مجالسنا ننتقد أكثر منكم، ونُحاول التمييز اليوم بين البعثيين والحزبيين.
قلت: أنت
إنسان علمي، وتعرف أن نجاح أي تجربة يعتمد على نتيجتها، وبالتالي تجربة البعث
خلال أربعين سنة، لم تحقق لسوريا ما تستأهله من تقدم ورقي ورفاهية؟ على العكس
أصبحنا وكما ترى في طليعة الدول المتخلفة في العالم.
قال:(وأرجو أن
لا ينزعج حين يقرأ ما سأكتب، وطبعا لن أذكر أسمه لأحد) هناك من امتطى الحزب
!! للحقيقة صدمني جوابه، فبعد أن تحدث عن المعارضة واصفا إياها بمعارضة أبو
الزلف، والمعارضة المبعثرة، المشوشة، يقول أن هناك من امتطى حزب
البعث!!!-------
تحدث عن قانون
الأحزاب الجديد ثم قال: هل قرأتم أساسا الدستور السوري؟ ويقصد الدستور
القديم.
قلت: وما
حاجتنا إلى قراءته، وهو عاطل عن العمل، لا يُطبق إلا من زوايا ضيقة وبقياس
مدروس ومعلوم ومرسوم.
وانتهى
اللقاء بيننا، وأذكر ما قاله لي، أكيد لن نلتقي مرة ثانية، ولم أفهم وقتها
لما قال ذلك.
ماذا يعني أن
هناك من امتطى حزب البعث؟ في البديهيات مثل هذا القول يعني: وجود طرفين أحدهم
قوي يستطيع الامتطاء والآخر ضعيف هش يعرف حقيقة واقعه ويقبل بالامتطاء. طرف
يعرف أن الطرف الآخر فيه كم كبير من العاهات والأخطاء والانحناءات، في
تكوينه، إضافة إلى ضعف في بنيته، وحالة من العجز تجعله غير قادر على السير
وحيدا، أي دون من يقوده ويمتطيه. وطرف يعرف حقيقة حجمه، وضعف قامته، وهشاشة
بنينه، ويعرف أن الزمن قد تجاوز كل ديكوره فأحنى رأسه وظهره وقبل بأن يمتطيه
أحد ما، ويقوده إلى المراعي السورية الغنية، فهو في النهاية سيصل إلى
الخيرات، سواء منتصب القامة كما يقول( مرسيل خليفة) أو منحني الظهر يغني مع
(هيفاء وهبة): رجب حوش صاحبك عني ده ح يعورني؟
أما من جهة
قراءة الدستور كما قال الدكتور الجامعي ألبعثي، فقد قرأناه، ووجدنا أنه لا
يخصنا، ولفت نظري فقرة واحدة رقمها 4 في كل من الدستور القديم والمشروع
الجديد لقانون الأحزاب. تقول الفقرة الرابعة من:
الدستور
السوري:
المقدمة
4- الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل
للمواطن ممارسة حريته التي تجعل منه إنساناً كريماً, قادراً على العطاء
والبناء، قادراً على الدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه، قادراً على التضحية في
سبيل الأمة التي ينتمي إليها، وحرية الوطن لا يصونها إلا المواطنون الأحرار
ولا تكتمل حرية المواطن إلا بتحرره الاقتصادي والاجتماعي.
وتقول الفقرة
الرابعة من المشروع الجديد:
الملامح
العامة لمشروع قانون الأحزاب في سورية:
ـ4 أن تعمل
الأحزاب على تعزيز الديمقراطية في حياة الحزب الداخلية.
في الدستور
السوري القديم، وفي مشروع قانون الأحزاب الجديد، تُطالب السلطة
وواضعوا النصين ، بما يسمونه الديمقراطية، وللمفارقة العجيبة تحمل هذه
المطالبة رقم 4 في كل من الدستور القديم والمشروع الجديد الذي قدمته السلطة
ذاتها.
كيف نفهم
ويفهمون الديمقراطية ؟ والتي بناءا على الدستور القديم قد مارسها حزب البعث
والسلطة خلال أربعين عاما من الحكم.
الديمقراطية
تتبناها دولة لا تحترم حقوق الإنسان السياسية؟ دولة لا تحترم الحريات
المدنية؟
دولة يضيق
ويضيق حتى يكاد ينعدم هامش الحريات السياسية فيها، ويتسع ويتسع حتى يكاد
يملأ الفضاء القمع المؤسسي والإرهاب والتصفيات السياسية والتحلل من التوجهات
السلمية؟
دولة تسير عكس
التيار، تسير إلى الخلف، فقد شهدت كل مناطق العالم تقريبا تغيرات حقيقية ذات
طابع ديمقراطي، بينما لم يلاحظ فيها أي تغيرات جوهرية؟
دولة محكومة
بنظام سياسي تسلطي، أمني، حزب واحد.
دولة عطلت
فعليا عمل البرلمان والقضاء ؟
دولة أقصت
الشعب عن طريق حرمانه من الانتخابات الحرة والعادلة.
دولة كان
شعبها يملك حريته منذ زمن طويل فانتزعتها منه.
دولة فيها
مجتمع مدني هش نتيجة القيود القانونية التي تقيده والأساليب القسرية التي
تمارسها عليه لخنق حرية التعبير السياسي.
دولة لا يتوفر
فيها إعلام مستقل، رقابة أمنية على كل المقالات الصحفية، وصحفيون مكبلون
بضوابط وقيود لا فكاك منها، يعملون في خدمة النظام السياسي الذي يُطعمهم
ويُجوعهم ؟
دولة يتكفل
فيها القمع الشديد بزهق روح السياسة، ويُنتج معارضة على شاكلته.
دولة ترفض كل
روح ايجابية خلاقة تسعى للبناء، تقمع الأنشطة المختلفة وتصفي وتلاحق كل من
يعمل بالشأن العام.
الديمقراطية
كما نفهمها ونعمل لها هي التي تبني علاقات التعاون بالعمل المفتوح الحر الغير
مقموع والغير مقيد، هي التي تبني باستخدام كل الوسائل التقليدية للاحتجاج
السياسي، كالنقد عبر وسائل الإعلام واللقاءات العامة والمنظمات الشعبية.
ونفهم بها
أيضا الانتقال السلمي للسلطة عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة بإزاحة
المسئولين دون التخوف من ظهور أزمات سياسية
نفهمها إعلام
مستقل ومنظمات مجتمع مدني فعالة، يُقدمان تدفق أكثر حقيقة وصدقا للمعلومات
بين السلطة والشعب، بلا رياء ولا كذب ، ومما يؤدي إلى ظهور طبقة جديدة
من المسئولين أصدق وأفضل وأقدر على التجاوب مع الاحتياجات الاجتماعية
والاقتصادية الجديدة. كما يؤدي ذلك إلى التخفيف من شعور التهميش والعجز عن
المشاركة في صنع القرارات المهمة لدى المواطنين.
نفهم
الديمقراطية بطبقة من المسئولين تقف أمام القانون لا فوقه، مما يجعلهم أقل
تورطا في الفساد، قوانين تطال وتُقيد رجال الأمن، نفهم أن يصل المواطن عبر
القضاء إلى حقه لا عبر العنف والرشاوى.
نفهم
بالديمقراطية مجتمعا مدنيا قويا عبر تنظيماته المختلفة يكبح جماح السلطة
السياسية، عن طريق توجيه المشاركة السياسية، وتشجيع تطور ثقافة الديمقراطية.
نفهمها شعور
الشعب أن هناك فرصا حقيقية أمامه لإحداث تغيير في بلده وبالتالي يصب جهوده في
هذا الاتجاه بعيدا عن الإرهاب والتفكير بالهجرة.
نفهم
الديمقراطية، انتخابات شعبية تدير عجلة السياسة والتشريع، وتجعل من الدولة،
كيان قوي يستغني عن أسلوب القمع وجيوش الأجهزة العسكرية للسيطرة على المجتمع.
نفهم بها جانب
أساسي للتنمية البشرية.نظام الحكم مسئول عن المواطن تماما، مساواة بين الناس
في التعبير واتخاذ القرارات المتعلقة بحياته، حرية سياسية تُشكل أيضا جانبا
أساسيا من استراتيجية التنمية التي تشدد على كرامة المواطن السوري وتشجع
المبادرة الفردية والنشاط الاجتماعي (المعدوم حاليا) كعوامل دافعة للتقدم.
نفهم بها قيما
(بادت) التسامح، المصالحة، واحترام حقوق المواطن وتكافؤ الفرص والمساواة أمام
القانون >
نفهم بها وطن
جميل افتقدناه طيلة أربعون عاما.
نفهم بها
سوريا.
مشروع القانون
الجديد للأحزاب يصلح كملحق لقانون حزب البعث، أو مرجع هام لأحزاب الجبهة
الوطنية التقدمية، تعود إليه في كل مناسبة وطنية، تستلهم منه ما يجب عليها أن
تقول، وما لا يجب عليها أن تقول. يصلح أيضا كبرنامج مستقبلي لاتحاد شبيبة
الثورة، يصلح لكل هذا وإنما لا يصلح أبدا ليكون مشروع قانون للأحزاب السورية،
التي انتظرت طويلا، صامت وفطرت على قانون قدورة؟
ما نحتاجه
اليوم أكثر من قانون جديد للأحزاب، ما نحتاجه اليوم لحمة وطنية، مظلة، تجمع
أبناء الوطن كله دون استثناء أحد، نُسامح بعضنا، نُصالح بعضنا، نمد أيادينا
إلى بعض، وما دمنا جميعا مؤمنين بالخيار الديمقراطي لنعمل عليه.
أقسمت الأمة
السويسرية ما يعرف باسم <قسم روتلي> والذي تضمن على حد وصف الشاعر الألماني
فريدريتش شيلر ((الإرادة بأن نكون شعبا مؤلفا من الأخوة فحسب)) وقد شكل هذا
العهد بداية للتقاليد الدستورية لسويسرا،
ويحتفل
السويسريون ب"قسم روتلي" سنويا في أول آب (أغسطس) الذي أصبح عيدهم الوطني.
عندما كتب
فريدريش شيلر قصيدته تمجيدا بقسم روتلي السويسري لم يكن قد خطر على باله
بأننا قد نستعار ها من أجل حل في دولة اسمها سوريا، وغيرها الكثير من بلدان
الشرق الأوسط الأخرى من خلال الإشارة إلى "شعب مؤلف من الأخوة فحسب" وإضافة
العبارة التالية "نبتغي أن نكون أحرارا كآبائنا".
إذا أردنا حقا
النهوض لهذا الوطن، يجب أن نكف عن الضحك على بعضنا البعض(مشروع قانون الأحزاب
الجديد). صحيح أن البعث لن يُعطي المعارضة ما تريد، والصحيح أن المعارضة لا
تستطيع اليوم أن تحصل على ما تريد، والأصح أن يقتنع الجميع، بأن هذا الوطن في
خطر، وأننا نستطيع أن نحل مشاكلنا مع بعض دون أي تدخل من الخارج، اللهم فيما
إذا توفرت النية الحقيقية لدى الجميع، والرغبة الوطنية الصادقة، في إعادة
الدور الحضاري الكبير لسوريا، عن طريق التضحية بكل ما من شأنه إعاقة حصول
حوار حقيقي وطني صادق بين كل أطراف الوطن، مع الأخذ بعين الاعتبار الدروس
والعبر من تجارب التاريخ.
سوريا قبل قسم
روتلي المنشود
|