من باسل الأسد الى جبران تويني
السيد جبران
تويني:
اليوم أنت
وأنا في ديار الحق ونستطيع أن نتكلم بصراحة وشفافية وطهر ونقاء. لا نخاف
ملامة، ولا صحافة، ولا رأي عام ولا خاص. واقترح أن نبدأ حديثنا بذكر الأخطاء
التي تسبب فيها كل منا. دخولنا إلى لبنان ، أول أخطاؤنا القاتلة، انه
المستنقع الذي دُفعنا إليه.أدخلونا فيه ، ولم نعد نستطع الخروج منه. حتى ولو
أردنا ذلك، فاللعبة صارت أكبر منا، ولبنان أصبح حلو المذاق.
الجيش الذي
دخل مثله مثل كل جيوش الأرض، لا بد أن يقع في الأخطاء، ولا بد من السلب
والنهب، وحتى لو أنكرنا ذلك إلا أن الوقائع والأحداث تشهد علينا. نعم كان
هناك سلب ونهب، وسرقة، وقمع. والحال من بعضه كما تعلم يا جبران، فكلنا أمة
عربية واحدة.
الخطأ الثاني
يا سيد جبران: لم نحسن اختيار أصدقائنا أبدا، على العكس وقعنا في شر أعمالنا،
وتعرفنا عندكم على جماعات فاقتنا لصوصية ونصب واحتيال، كانوا يتملقوننا،
وينصبون التماثيل صباحا، وينصبون علينا مساء. تصور يا سيد جبران، وأنا الشاب
الفارس الصغير السن، أقاموا لي لجنة خاصة من أجل دراسة تراثي، تضم عدد كبير
من الأكاديميين والوزراء والنواب، وأخذت تتبارى في إقامة الندوات حول فكري،
وأنا هنا أكظم الغيظ، على أناس بلغ بهم المكر والخداع هذا الحد.
ثم
صنعوا لي تمثال، وأنا راكب على حصاني الأغر، ووقتها من هنا رأيت كم من
السرقات تمت من اجل تغطية نفقات ذلك التمثال، وطبعا وددت من كل قلبي، لو
يزيلوه ويخففوا عن الشعب قليلا من السرقات.
بالله
عليك يا جبران ما لذي يجب أن نفعله لمن نعرف أنهم يقومون ليس فقط بتصرفات
خاطئة ، بل أيضا لا يتمتعون بأية جدارة شخصية؟ فهل من العدل أن نقدم لهم
المساعدة دون روية أو أن نتضامن مع المذنب والبريء، على حد سواء؟ بالطبع، لا،
لأنه إذا قدمنا المساعدة لشخص مدان لتصرفاته ، نكون كمن يُصبح شريكا لمجرم
ومتسترا عليه، وبهذا يكون تصرفنا ظالما ونعرض لبنان كله للخطر، لأننا نؤيد
ونشجع مسئولا مجرما اعتاد الإساءة إلى المجتمع.ولكن هذا ما حصل معنا يا
جبران، فلم نجد في الصورة سوى هؤلاء الأشخاص، وبالتالي اضطررنا للتعامل معهم.
أقول وأنا
صادق، لم تكن هذه العلاقة التي كان يخطط لها والدي بين الشعبين، فقد طالب عدة
مرات، بإقامة علاقات صداقة على مستوى إنساني وشعبي، ولكنه الأمن يا صاحبي، هو
هو في كل زمان ومكان. لا تتغير نفسيته ولا عقليته. الأمن يا صاحبي، كان صاحب
المبادرات، والصداقات، والسرقات، والاتفاقيات، والصفقات المشبوهة والمشبوبة،
لم يكن هناك علاقة تتم إلا عن طريق الأمن، إذا كنا نريد أن نخاطب مختار ضيعة
أو محافظ مدينة، كان طريق الأمن هو الوحيد المسموح ارتياده. حتى على المستوى
الحزبي، كنت أتمنى أن يكون هناك لقاءات أكثر إنسانية بين الشعبين، ولكن أبدا
كان طريق عنجر هو الطريق السالك الوحيد. ومن هنا بدأ تراكم الأخطاء يا سيد
جبران، فالعلاقة عبر عنجر. وصاحب عنجر أصبح المالك سعيدا على كل لبنان.
وجاء
شقيقي، وأطلق حملته الإصلاحية، وبدأ الانسحابات، ولكنه مرة أخرى الأمن، والذي
كان يستفيد كثيرا من تلك البقرة، وعاد إلى طرقه القديمة، بحجة حماية النظام،
وكأن النظام لا يمكن حمايته إلا من عنجر؟ وبدأت العصي توضع في دواليب
الانسحاب.
أما
عن الخطأ الذي قيل عنه الكثير، واقصد التمديد للحود، فلا أظنه خطأ من وجهة
نظري، واعتقد أنك أنت أيضا يا صديقي الشاب، تعرف حقيقة القصة، وارغب بسماعها
منك.وفي نهاية رسالتي لك يا أخي جبران، أتمنى من كل قلبي، للشعب اللبناني
والشعب السوري، فرح الحياة، بهجة العيد، روح الإنسانية، ضحكة الشمس، كرم
السماء. أخوك باسل
السيد باسل
الأسد::
نعم أيها
الفارس الوسيم، بما أنك تكلمت بصدق وحق عن كل ما فعلتموه في لبنان، دعتي
أخبرك عن أخطاءنا، واترك لك الحكم في النهاية.
أتذكر، طبعا
من ديار الحق، فأنت كنت قد رحلت، وخسرنا بك فارسا شابا وسيما، حتى قبل
التمديد، جاءت الإشارة: ابتعدوا عن سوريا فقد انتهى دورها. وبدأ الابتعاد،
أصدقاء الأمس أصبحوا في المعارضة، ابتعد جنبلاط والحريري، وأنا لم أكن في
الأساس من الأصدقاء، لكنني صعدت الأمور وكيف لا وأصبح معي الحريري وجنبلاط،
نعم لقد كانت الإشارة: ابتعدوا عن سوريا. وبدأت المعارضة، ثم التمديد للحود
وكنا نحتاج إلى سبب قوي، وأنا على يقين إن لديكم العشرات مثل لحود في لبنان،
وبالتالي ليست القصة قصة رمانة ولكنها قصة قلوب مليانة. والمشكلة الكبيرة يا
أخي باسل إن جماعتكم لا يشبعوا، ؟ لقد تعلمنا الكثير من بعضنا بعضا. علمتمونا
طرق الرشاوى، وعلمناكم طرق النصب والاحتيال، علمتمونا طرق التعذيب، وعلمنكم
طرق الصفقات الكبيرة. علمتمونا طرقا للنهب والسلب وعلمناكم طرقا للتملق
والرياء. لا أنكر يا أخي باسل، إن هناك الكثير من الوزراء والنواب كانوا
سوريين أكثر منكم، ولا أنكر الثمن الذي دفعوه من اجل الوصول إلى النيابة أو
الوزارة، ولكنك رأيت بنفسك، كيف سقطوا جميعا بعد خروجكم من لبنان، إقامتكم يا
أخي باسل طالت كثيرا، نعم لكم فضل في وقف الحرب اللبنانية، لكم فضل في دحر
الفلسطينيين الذين استباحوا ارض لبنان وعاثوا فيها فسادا وسرقة ونهبا ولم
يبقون لكم شيئا(هذه طرفة أخي باسل) نعم لقد قدمتم خدمات جليلة للبنان، ولكنكم
أجهظتم كل حسناتكم بمكان واحد كان اسمه عنجر. أتعرف يا أخي باسل، ما الذي كان
يجري في عنجر، كان الرؤساء يقفون على الأبواب، والوزراء والنواب، يقفون في
الطابور الصباحي المسائي، عارضين خدماتهم، قابضين أتعابهم، أما المواطنون
الذين يغضب عليهم نظامكم، فكان مصيرهم في أقبية عنجر هناك حيث يكون البكاء
وصرير الأسنان.
أخي
باسل، لقد خسرت سوريا شبابك، وخسر لبنان شبابي، أنت رحلت في حادث سيارة، وأنا
رحلت في حادث سيارة، أنا لا اتهم احد يا باسل، رغم أن جميع الدلائل تشير
إليكم، والى أعوانكم في لبنان، نعم لقد أخطأ ت فيما مضى، وكنت أُجج الحقد ضد
سوريا، ولكن اليوم أعي حقيقة إن سوريا ليست هي زعران الأمن ولا جلادي الشعب
السوري، سوريا هي ذلك الشعب الطيب، الذي بكى عليك، وبكى علي، اعرف أن الكثير
في سوريا قد بكوا على شبابي الذي رحل. اعرف أنهم لا يوافقون على أفعال
الجلادين، وإنهم يكتوون مثلنا بنار الإرهاب والتعذيب. كما اعرف كم من
المنافقين لدينا هنا في لبنان، كم منهم كانوا وراء الفساد الحقيقي لرجال
أمنكم، وكم منهم تورطوا في كل قصص الفساد. اعرف وتعرف كل شيء،
أخي
باسل: لنطلب من رب العباد، أن يحفظ الشعب اللبناني والسوري، ويُعيد المحبة
إلى قلوبهم، ويقصف أعمار كل مسئول سوري ولبناني ساهم في الخراب والبغض.
أكيد يا باسل
انك سمعت والدي يوم دفني يقول: لندفن مع جبران الأحقاد والضغائن. أخي باسل
إذا كانت السياسة قد فرقتنا على الأرض فلنتوحد اليوم هنا في دار الحق،
لنتعانق وننسى ما مضى، ونفكر في القادمات من الأيام، ولنسامح بعضنا، ونبدأ من
جديد بناء سوريا ولبنان على أسس المحبة والأخوة الحقيقية وليست الزائفة.
أخوك جبران
2 يقول أرسطو:
الصداقة الأساسية الحقيقية هي صداقة الناس الطيبين المستقيمين، الذين يحبون
بعضهم بعضا لكونهم طيبين ومستقيمين. ويصنف الصداقة إلى ثلاثة أنواع. النوع
الأول هو السابق ، والنوع الثاني هو الذي يتطور لمصلحة اللذة، والنوع الثالث
هو الذي يبدأ لأهداف نفعية أو مصالح ثابتة.
صداقتنا أو
علاقتنا مع اللبنانيين، تُرى من أي نمط كانت، وتحت أي بند تندرج.
من
خلال تلك الصداقة أو الأخوة أو سموها ما شئتم، كان الاتجاه إلى إلحاق الضرر
دون قصد..
من قبل أشخاص
في الجانب اللبناني من الحدود وذلك من خلال رغبتهم في مساندة صديقهم السوري
في كل شيء، يتجنبون انتقاده بطريقة تجعله يرى الأخطاء التي يرتكبها في عقر
دارهم، الأخطاء الملاحظة بوضوح من الخارج، بينما هي غامضة معتم عليها من
الداخل.
وبحب بعضهم
لشقيقهم، فإنهم يحاولون إرضاءه ويتفادون جعله يرى الوقائع والأخطاء التي لا
يمكنه إن يلاحظها أو لا يريد إن يلاحظها. ، وينجحون على مر السنين في جعله
يشعر أنه بخير، وأن كل أفعاله المشينة هي لخير الجميع. حتى على الرغم من انه
قد لا يكون كذلك تماما، ويمكن أن يكون قمعيا وسيئا كما يُرى من الخارج.
ولكن هل
المقاربة الشائعة للصداقة تعني ((تأييد الصديق في السراء والضراء)) حتى وان
كان هذا يعني الحكم عليه بأن يبقى عبدا لرذائله وعيوبه.
وكثيرا ما
يحدث أن يكون الشقيق المخلص صديقا مؤذيا في الواقع، لأنه لا يدرك أن الصداقة
الحقيقية لا تستلزم غطاء للرذائل، أو العيوب، أو التصرفات المشينة، ولكنها،
على الأصح، تقوم على أساس إرادة الخير للصديق ومساعدته على تحقيق ذلك الخير
والسلام. حتى وان اقتضى ذلك جعله يدرك عيوبه وعدم شعوره بالمسؤولية عن طريق
مساعدته على رؤية نفسه كما تظهر من الخارج.
ولكن
عكس هذا ما يحدث، بدلا من كل ذلك، فانه يكرس جهوده لتعزيز السلوك الضال
لصديقه، فيربت على ظهره ويتملقه عاطفيا لجعله يشعر كيف يكون الشقيق المخلص
على أمل أن يقابله شقيقه بالمثل ولو على حساب شرفه وقيمه.
إن مقتل
الصداقة السورية اللبنانية الحقيقي، كان وجود أصدقاء وأشقاء عاجزون عن قول
الحقيقة حول التصرفات الا أخلاقية ؟، أشقاء مسئولين لا يريدون أن يكونوا
مرايا أمينة تساعد السلطة السورية على أن تعرف بشكل أفضل حقيقة إخفاقاتها
ومواطن ضعفها. حيث يبدو لهم إن أدنى نقد يهدد بتخريب تلك الصداقة ومن ورائها
المنافع الجمة. ولن نعفي الجانب السوري من المسؤولية، فقد تواجد ويتواجد كثير
من المسئولين ممن لا يتقبلون النقد إن وجد، لأن مستوى نرجسيتهم يبقيهم
منفصلين عن واقعهم الذاتي.
إن
النفاق الذي استخدمه الأشقاء في لبنان، حتى وان صدر عن حسن نية، عمل في
النهاية، على إضعاف وتدمير السلطة السورية هناك، بإحجامه عن توجيه النقد
إليها.
3 إن نوعية
الصداقة الأكثر إيذاء هي التي تؤدي إلى تشكيل عصابات من المجرمين والجانحين،
لأن هدفهم الحقيقي هو الكسب الشخصي غير المشروع، الذي من أجله يجب أن يتوحد
الجميع حول قناعة مطلقة :هي أنهم يتصرفون على نحو سليم، ومن هنا، فإنهم
يسحقون أية محاولة لنقد ما يقومون به، وهم يقلدون ويحمون بعضهم بعضا بروح
جماعية تحجب أية مسؤولية فردية، وكل منهم يتستر على فساد الآخرين ويقوم هؤلاء
بدورهم، بالتستر على فساده. وبهذه الطريقة يعززون سلوك الجنوح عند المجموعة،
وفي هذه الحالة يصبح القول المأثور حقيقة
(قل لي من
هو المسئول صديقك أقول لك من أنت)
ومن
الجانب السوري للصداقة، فهي لا تعني أن الشقيق الذي نريد مؤازرته، ينتهي بنا
الأمر إلى إيذائه. |