ليست امريكا سبب تخلفنا وفسادنا!
هل هناك
تعليمات أمريكية تمنع مقاضاة المسئول، ذلك شبيه الإله، والذي يتمتع بخصائص
الألوهية البعثية المطلقة. وليس به عيوب أبدا، فهو فوق الشبهات والمساءلة.
بينما النظام الأمريكي يقول غير ذلك: انه كائن بشري، صحيح يملك خصائص مميزة
ولكنه أيضا يحمل عيوبا كعيوب الآخرين، لذلك فهو مثلهم في إمكانية ارتكاب
الأخطاء، ويخضع للقانون كأي مواطن آخر. بينما نراه هنا كاله اولمبي، بعيد
المنال وفي ظل الغموض الأبدي والمنحرف للقانون لدينا، يستحيل توجيه النقد
إليه، لأن هذا القانون اللا امريكي واللا إمبريالي يوفر له العصمة، إلى حد
يستحيل فيه على المواطن العادي، الذي تجري باسمه كل الاتفاقيات والمعاهدات
الإنسانية وتُلقى كل الخطب الرنانة الطنانة والتي تتحدث عن حفظ كرامته
وحبوره وتأييده المطلق للسلطة والمسئولين. يستحيل عليه أن يفكر فقط بنقده،
وطبعا السبب في ذلك حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تضغط على
المواطن السوري لتمنعه من اكتشاف أخطاء مسؤولية أو سؤالهم عن كمية فسادهم،
اقصد نضالهم في سبيله. صحيح أن للقانون آليات تتيح تفنيد تصرفات المسئول
اللص(عذرا لذكر هذه الكلمة لأن هناك الآلاف ممن يتحسسون منها، وأنا متأكد
أن هناك من بين كل عشرة مسئولين سبعة سيتحسسون من هذه الكلمة القبيحة،
وللمناسبة هي كلمة عربية سورية وليست أمريكية) نعود إلى القانون وآلياته
التي تسمح بتفنيد تصرفات اللص (على أساس أن مفعول الحساسية قد انتهى)
المسئول أو توجيه التهمة إليه عند ما يفيض الكيل، وتُبنى القصور وأعالي
الدور في كل القرى والثغور. ولكن كل هذه الإجراءات لا تنجح أبدا والسبب
أمريكي بالطبع، عندما يحركها مواطن عادي. أو كون اللص المسئول لا زال
مستمرا في عمله النضالي، وطاعته العمياء، وحبه الأبدي للسير في بداية كل
مسيرة، ورقصه ودبكته في كل مناسبة وطنية وغير وطنية، وأقلامه وأوراقه، كلها
أمور تساعد على حمايته من الحسد أي القانون في اللغة السورية.
2
ليست أمريكا سبب تخلفنا وفسادنا، بل موروثنا الثقيل الذي حملناه معنا من خلال
تاريخنا الغامض المشبوه الغير حقيقي. نحن قوم نرفض معرفة وقراءة تاريخنا
الحقيقي، حتى إننا نرفض مجرد الشك في صحته أو كذبه. نرفض التعمق فيه، نرفض
الاستفادة من تجاربه، نرفض تحسين حياتنا، نرفض التقدم الحقيقي، وليس
الكاذب. تاريخ مغلق، مدفون، ممنوع مناقشته، ممنوع الاقتراب من نفاقه وكذبه،
تاريخ عنترة العبسي، وابوزيد الهلالي والزير سالم وغيرهم. وعلى العكس نرى
التاريخ الأمريكي، بما أن الكلام عن المد الأمريكي، نراه تاريخ مفتوح، بكل
إيجابياته وسلبياته، متداول قابل للنقاش، قابل للطعن، قابل للحساب، تاريخ
مفتوح، للتجارب ، للنقض للاستفادة من الأخطاء لا من تكريس الأخطاء
والاستمرار بها. وإذا كان تاريخنا الحقيقي ممنوع علينا، فلماذا لا نقرأ
تاريخهم قبل أن نلومهم
ونحملهم
حقيقة كذبنا وخداعنا ونفاقنا.
3
أمريكا
يا سادة يا كرام: هي آخر تجربة إنسانية لبناء أمة أو دولة أو كيان، جميع
الدول التي استفادت من التجربة الأمريكية، أضحت في مقدمة الشعوب والأمم،
وجميع من وقف موقف المغفل من التجربة الأمريكية، استمر في غفلته وتخلفه
وجنوحه إلى الماضي التليد، ماضي الفساد والقمع والاستبداد والتخلف والضباب
والجمود.
أربعمائة
سنة تاريخ أمريكا، لا أكثر ولا أقل، وماذا عن الألف سنة التي سبقتها، الم
يكن هناك فساد، وحكم فردي واحد احد، الم تكن العقول في غيبة أزلية، الم تكن
الحياة أقسى وأكثر شقاء، الم يكن هناك استعمار عثماني، أو الأصح استحمار،
لأن الاستعمار قدم أشياء كثيرة جميلة ومفيدة للبلاد التي استعمرها. بينما
الاستحمار العثماني، استحمر الجميع أكثر من الأربعمائة سنة وطبعا لا دخل
لأمريكا في الموضوع ولا للإمبريالية.
4
جدير بالقول
إن التجارب السياسية الوطنية، التي أعقبت الاستعمار كانت تحمل الكثير من
الطموحات للشعوب العربية، غير أن التعامل مع الايدولوجيا التي حملتها تلك
التجارب بتصلب وشمولية، أفرز واقعا رديئا نرى نتائجه الآن في التخلف
الحضاري والاقتصادي والاستبداد السياسي والانفراد بالسلطة الذي ظل صفة
ملازمة للنظام العربي في عمومه-، وهو ما أساء لتوجه العديد من التجارب
الإصلاحية التي كان يمكن أن تكون ناجحة.ومن جهة أخرى، برز الدين كعامل مريع
لمنع بروز أي زعيم ( غير الله) فالله هو الزعيم الوحيد، الذي (فُصل) لهذه
الأمة ولا يحق لها تبني أي زعيم سواه. فالزعيم، عليه أن يرتدي عباءة الدين
إذا ما أراد لحكمه أن يستمر ولشعبه المؤمن أن يحبه، أو الخيار الآخر أن
يبقى من (غير هدوم) عاريا، وحاول الزعيم التونسي يوما ما، أن يخلع تلك
العباءة المقيتة، فسارع الدين، وأرسل إليه رسولا اسمه ابن باز يحمل فتوى
رهيبة بإحلال دمه وإباحة قتله، إن لم يرتدع ويعود إلى لبس العباءة ما
غيرها.
5
عندنا يا سيدي
قبل أن توجد أمريكا، لا إحساس نموذجي بالتاريخ لدينا، ليس للعصر البطولي
وقت. لقد وجد في الماضي بطبيعة الحال، ولكن بما أن البيئة التي كانت مسرحا
له لم تتغير، فهو يستمر في الحاضر، فعقلنا المحدود والذي لا علاقة لأمريكا
في تكوينه لا يرى عصرا بطوليا بل بيئة بطولية استجاب أجدانا لتحديها
واستطاعوا منها أن ينطلقوا إلى العالم رغم أنها قلما تستطيع أن تزودهم
بأكثر من الوجود الضروري. فجدنا هو ابن الصحراء وسيدها الذي لم تتغير حياته
منذ ثلاثة آلاف عام.
كانت حياتنا
تتراوح بين آماد طويلة من الكسل وانفجارا من النشاط المجنون، بعد أن علمتنا
الظروف وليس أمريكا أن التحمل أفضل من العمل على التغيير. وسلفنا كان فردي،
لا ينقاد بسلطة ولا يمنح ولاؤه لغير أسرته وقبيلته، فالصحراء ذاتها معلم
شديد القسوة وتتطلب من التنظيم ما لا يبقي للسلف صبرا على أي نظام تفرضه
سلطة من الخارج... وبالتالي نلاحظ انعدام المواظبة على العمل عند السلف،
إنفجارات مرهقة تعقبها فترات طويلة من الراحة - يعزو إلى هذه الصفة فترات
الحماسة لعقد مؤتمرات القمة العربية وما يعقبها من إهمال.وكل هذه الأمور لا
دخل لأمريكا فيها.ميل العرب إلى المؤتمرات، أو ما يعرف بالروح المؤتمراتية،
ويرجع به إلى التقاليد البدوية في عقد مجلس لشيوخ القبائل. حيث يعتمد وزن
رأي كل رجل على سنه وحجم أسرته، وشهرته وحكمته وفصاحته وشخصيته. إن مجلس
القبائل لا يصوت بل يتذاكر ويناقش. إن شيخ القبيلة ليس رئيس الاجتماع بل
مضيف المؤتمرين، فإذا ما شعر الشيخ بأن الأكثرية تميل إلى رأي ( وهو في
الغالب متأثر في رأيه) لخص الآراء الغالبة. عند هذه النقطة، ودون أي تصويت
رسمي يعرف الجميع أي قرار قد اتخذ.أن حب الاجتماعات وعقد المؤتمرات،
والاستماع إلى المداولات الفصيحة لم يقتصر العرب على نقلها معهم من الخيام
إلى الأشكال السياسية في الدول الحديثة، فصار كل مؤتمر يتمخض عن مؤتمرات
أخرى تعبر عن ميل العرب إلى إحلال الكلمات محل الأفعال، كما يتجلى في
البيانات الجميلة والحازمة التي تعبر عن روح الأخوة العربية، ولكن قل أن
ينفذ شيء منها،
6
الموروث الديني الذي نحمله، ليس أقل وزنا من الموروث الاجتماعي، إن لم يكن
يفوقه، ثقلا وألما وتخلفا. والذي يتميز بالحمية الدينية وعدم تسامح
والاعتقاد بأن المؤمنين به فقط هم على حق وصواب، وأن المؤمنين بغيره على
خطأ وحين تجري الأمور على ما يرام يكون لقدرية المؤمنين أثر خفيف: إنها
تجعل الناس يمتنعون عن أي جهد يؤدي إلى البحث عن تحسين أوضاعهم. وحين تنزل
بهم النوازل فإنها أداة لا تقدر بثمن فهي تمنح الناس القدرة على تحمل أقسى
ضربات القدر. وبالتالي فنحن في الحقيقة يا صديقي، صحيح لدينا الموبايل
والرسيفر والسيارة (طبعا لا فضل لنا في شيء) ولكننا بدو في قرار نفوسنا،
فعقلنا الباطني لا يريد أن ينسى، كما أن تبعات التخلف العربي المعاصر يتحمل
وزرها الموروث الديني والذي لا تستطيع أن تتدخل فيه أمريكا ولا غيرها.إن ما
يبزغ من هذه المشاهد وغيرها صورة نموذج إنساني جاهز للتحلل من قيود النظام،
وقد تحلل منها مرارا، وهو يميل إلى العنف والفوضى خاصة في الأوضاع
الجماهيرية،
وفي كل
مسيرة حياته.
7
الموروث
ألنفاقي الذي نحمله، لا دخل لأمريكا فيه. المساعدات الغربية والأمريكية
واليهودية، والتي كانت تُقدم للشعب الفلسطيني، تحمل الطابع الإنساني الطبي
الإعلامي أيضا. وجزء كبير من الشعب الفلسطيني يعيش على تلك الإعانات
والمساعدات. وبالأمس ظهرت ممرضة على شبكة الc
mon.
تتحدث عن معاناة طفلتها وأطفال آخرين، في إحدى المستشفيات، فيما لو توقفت
المساعدات الغربية والأمريكية واليهودية عن هذا القطاع الصحي. الصنبور
الوحيد الذي يقدم مياه صالحة للشرب في بلدة خان يونس، هو عبارة عن مساعدة
من الغرب بماذا كافأ الفلسطينيون من مد لهم يد المساعدة، كافأ وهم بانتخاب
القتلة والأصوليين، واليوم يعودون للتباكي على تلك المعونات الاقتصادية
التي توشك أن تنقطع. أين أمريكا من كل هذا؟
8
يتساءل الكاتب
البلغاري رافائيل باتاي، عن سبب كره العرب للغرب ولأمريكا من بين كل شعوب
الأرض، كما يتساءل عن نكران الجميل؟
(ناكروا
الجميل:
قدم الغرب
للعرب معنى الوطن والوطنية والمؤسسات العامة كالبرلمان والمحاكم المدنية
والصحافة، وقدم علومه وآدابه وطبا بته واقتصاده ونظمه التربوية وتقنيته في
الإنتاج الزراعي والصناعي والحربي ------
إن نعم
الغرب على العرب تشمل مفهوم التعليم العام والخدمات الصحية والضمان
الاجتماعي ومفهوم الرفاهة العام. وهذا ما يؤكده تبني المقاييس الغربية في
الحديث عن الإنجازات في حقول التقدم من قبل الحكومات العربية.
لماذا، من
بين كل الأمم التي وجدت نفسها مجيدة،مشابه، وجها لوجه ضد الغرب، يثور هذا
الكره للغرب بأوضح أشكاله المعلنة عند العرب حصرا، فاليابان تعرضت للتغريب
وللقنابل الذرية، والهند قسمت إلى دولتين دون أن يخلق ذلك عندها كل هذا
الكره للغرب !)العرب يتصورون تاريخهم مجموعة انتصارات مجيدة ، ويرون أنفسهم
قد أسهموا في نشأة الحضارة الغربية ، فلما صار عليهم أن يتعلموا من
تلامذتهم الغربيين حقدوا عليهم. العامل الثاني للكره تاريخي أيضا، فالعرب
لم يقابلوا الغرب إلا في ساحة المعركة مرارا، وقد هزموه وأخضعوه لحكمهم.
ثالثا:
الإسلام ساعد العرب في عصور مجدهم الأقل على تحقيق تفوق ثقافي وعسكري على
الغرب. ولذلك تحتم على العرب وحدهم(دون بقية المسلمين) أن يواجهوا الحقيقة
المرة بأنهم في القرون الأخيرة خسروا التفوقين).
ثمة عدد
من السمات التي أصبحت الآن مألوفة في النموذج الشخصي العربي والتي تفرض
بشكل مسبق على العرب في أن يتوخوا موقفا معاديا للغرب---من بينها ميلهم إلى
المبالغة، وهي لا تدفعهم فقط إلى التشديد على مشاعرهم إزاء الغرب وتكرارها،
بل في الواقع تكثف تلك المشاعر--- والسمة الأخرى هي الإحساس بالهامشية مما
لا يسمح للعربي أن يسلخ نفسه عن بيئته وثقافته التقليديتين انسلاخا تاما
---ويتصل بهامشية العربي اتصالا وثيقا شعوره بالازدواجية تجاه ثقافته
وثقافة الغرب الحديثة، مما يجعل كرهه للأخيرة أقوى كلما ازداد انجذابه
إليها ---والى كل ذلك يجب أن يضاف ميل العربي إلى لوم الآخرين على تقصيرا
ته وإخفاقاته. ===== |