الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

 

 

 

   الدكتور: محمد مسلم الحسيني

بروكسل


أنصفونا قبل أن "تدمقرطونا"

20100202

 

الديمقراطية سمة حضارية بارزة تتوق لها شعوب العالم وتتطلع اليها، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تردع الحاكم الظالم الذي قد تسوّل له نفسه أن يتعامل مع شعبه بالحديد والنار. الديمقراطية باب مفتوح على مصراعيه لولوج مقومات الإنسانية من حرية وحقوق إنسان وحق تقرير المصير. إلاّ أن الديمقراطية ليست هبة وعطاء يتكرم بها من يمتلكها على من يفتقدها ولا فريضة تفرضها قوة كبرى على قوة صغرى بالتهديد والوعيد أو بالسيطرة العسكرية وقوة السلاح. الديمقراطية هي حالة تفاعل مجتمعي ذاتي  وخيار منطقي لعملية تطور وإرتقاء تمر بها شعوب العالم وتنطلق ضمن إرادات تلقائية ووجدانية تتبرمج مع حركة الزمن ومع متطلبات المرحلة.

العالم المتحضر حينما لبس ثوب الديمقراطية كان قد تنعم بديمقراطية ناضجة ومدروسة حققت  له الإزدهار وجنبت شعوبه مضار الدكتاتورية المعروفة. إلاّ أن الدول المتحضرة كثيرا ما وجدت نفسها محنطة في نسيجها  الديمقراطي الناعم، خصوصا عندما أدركت بأنها تتعامل مع أنظمة شمولية قد تعيق حرية حراكها الحضاري ضمن متطلبات المرحلة. هذا الأمر قد أوحي بدون شك بضرورة دفع عملية الديمقراطية في سائر بقاع العالم كي تتوافق القيم الإنسانية مع بعضها ويسهل التعامل والحوار بين الحضارات المتباينة. حقيقة أدركها الغرب وأحس بضرورتها وصار يتطلع الى الوسائل والترتيبات الناجعة للوصول الى الهدف وهو صناعة عالم ديمقراطي متطور يقر بالقيم الإنسانية وبحقوق الإنسان من أجل أن تعم  العدالة ومن ثم الإستقرار والأمان في كافة أركان العالم.

هذا الإستقرار سيجنب الغرب الكثير من المصاعب والمشكلات التي باتت تقض مضجعه وتجعله يعاني ويتألم بشكل أو بآخر. ومن أهم ما يعاني منه الغرب بسبب غياب الديمقراطية في دول العالم الثالث هو: الهجرة  الشرعية وغير الشرعية المتزايدة لأبناء العالم الثالث اليه والتي أصبح من الصعب السيطرة عليها. كما أن سياسة القمع والظلم والإضطهاد التي تمارس في ظل حكومات شمولية  كثيرا ما تخلق حالات من التطرف والفقر والتخلف في مجتمعاتها وهذا ما يخلق حالة من عدم الإستقرار السياسي والإجتماعي والإقتصادي، وفقدان هذا الإستقرار المركب في تلك الدول  يعتبر عقبة كبيرة في طريق الإستثمارات الغربية التي تبحث عن محيط هادىء ومستقر لأسواقها.

إدراك هذه الحقيقة لا يعني دائما حسن التعامل معها، فالأمريكيون قفزوا على ظهر هذه الحقيقة وسخروها لإراداتهم وطموحاتهم السياسية والإقتصادية. فتحت شعار بث الديمقراطية في دول العالم توغلت الدبابات الأمريكية في العمق وسقطت القذائف بكل أنواعها وأشكالها على رؤوس من تريد أن تحررهم ! ثم أنهم إستهدفوا الأعداء وأبقوا على الأصدقاء في أجندة ديمقراطيتهم، مما جعل العالم يشكك في مصداقية الهدف بعدما كشف الإسلوب الأمريكي المتمنطق بكلمة حق ويراد منها باطل!  فشل الأمريكيين في مشروعهم الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط والذي أسموه " مشروع الشرق الأوسط الكبير" أدى الى تداعيات وآثار مختلفة، أهمها زعزعة ثقة شعوب المنطقة بأي مشروع ديمقراطي يأتي من الغرب حيث بدأت عملية نشر الديمقراطية بداية خاطئة  وأساءت لهذا المفهوم بدل أن تحسن اليه!

الأوربيون كانوا أكثر حكمة وتعقل من الأمريكيين في طريقة نشر الديمقراطية، فقد حاولوا نشرها بأساليب تختلف عن الأسلوب الأمريكي المتبع وذلك عن طريق تسليط  ضغوط  مستمرة على الحكام من أجل إجراء إصلاحات ديمقراطية أولية  في مجتمعاتهم، قد  تعتبر نواة لبناء مجتمع ديمقراطي في المستقبل. نشر الديمقراطية بهذا الإسلوب ربما يكون بطيئا بعض الشيء إلاّ أنه أسلم نتائجا وأقل خطرا من التغيير الجذري الفوري المفاجىء الذي يفتقد الى مرحلة  إنتقالية تحضيرية  لبناء أسس ديمقراطية متينة.

بعد الإخفاق الأمريكي في أسلوب نشر الديمقراطية المختارة، توحدت الرؤى اليوم بين الأمريكيين والأوربيين في أسلوب وطريقة نشر الديمقراطية في بلدان العالم الثالث، حيث شطب مبدا إستخدام القوة وأستخدم أسلوب الحث والتشجيع والتنبيه والضغط السياسي المستمر على الحكام وعلى الأقل في الوقت الحاضر. وهكذا فأن نشر الديمقراطية يبقى هدفا غربيا ستراتيجيا قائما رغم التغيير في الأسلوب والمنهج.

إلاّ أن المراقب لحركة الديمقراطية في بلداننا يستطيع ان يوجه بعض النصائح الهامة للغربيين الذين تستهويهم صناعة الديمقراطية في بلداننا والذين يبدو وكأنهم لم يدركوا بعد حقيقة الأمور وملابساتها! أهم ما ينصح به المراقب في هذا المجال هو : إن كان الهدف الحقيقي من وراء الديمقراطية هو الإستقرار والأمان والإنتعاش الإقتصادي والعلمي والثقافي والإجتماعي وكذلك الشراكة وتبادل المنفعة والفائدة ومواكبة المستجدات ومعاصرة الزمن، فعليكم، أيها الغربيون، أن تدركوا بأن الديمقراطية قبل كل شيء هي حكم الشعب لنفسه. أي إنكم ستتعاملون في ظل الديمقراطية مع الشعوب وليس مع الحاكم، فأن كسبتم ود الحاكم الشمولي من قبل فهذه عملية سهلة لا تحتاج الى تحليل أو دراسة وتمحيص، لكن الصعوبة تكمن في ظل الديمقراطية والتي تحت مظلتها عليكم أن تكسبوا ود الشعوب..... هنا يكمن السر، لأن كسب ود الشعوب يعني غسل الذاكرة من كل المواقف والتصرفات التي أغاضت هذه الشعوب وجعلتها تحقد  عليكم وتشمئز وتتألم منكم.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها