الطلبة بين التنظيمات المهنية والدور السياسي الوطني!؟
18\09\2007
كان وعي الطلبة في عراق العشرينات قد انسجم مع متغيرات ما بعد الحرب
العالمية الأولى وما أفرزته من نتائج بخاصة منها بروز دور قوى التقدم
والديموقراطية وقد جاء عديد منهم برؤى متقدمة مع عودتهم من بعثاتهم
وساهموا في دفع عجلة الشروع بتفعيل أدوارهم وتطويرها.. وكان للحرب
الكونية الثانية وتعاظم قوى اليسار والديموقراطية وولادة المنظومة
الاشتراكية دوره في توجه طلبة العراق لتشكيل تنظيمهم الطلابي بخاصة
مع دعم جدي مميز من حزب الشغيلة واليسار ومن الحركة العمالية...
وهكذا تحولت جهودهم لتشكل إضافة نوعية للحركة الوطنية وقدم الطلبة
شهداءهم قرابين على طريق النضال الوطني الديموقراطي، وكان هذا سببا
لشراسة السلطات الدكتاتورية في مطاردتهم وفي الضربات التي وُجِّهت
لتنظيمهم تحديدا "اتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية"..
وواجهوا في سبعينات القرن المنصرم أحكام الإعدام لمجرد عملهم في
الوسط الطلابي مهنيا عبر اتحادهم وتلك مفخرة تتوارثها أجيال
الطلبة...
إنَّ فئة الطلبة تظل الفئة الأكثر حظا في التعرف إلى العلوم والمعارف
وفي التنوّر الفكري بسبب من العلاقة المباشرة مع منطق العقل
وموضوعيته. وهذا ما يحمِّلهم واجبات ومسوؤليات مهمة في التحرك بخاصة
في مرحلة تنصب فيها السهام باتجاه تضليل المجتمع بتجهيله وقمع
التنوير الفكري وآليات العمل المعرفي المعاصرة...
وبدءا يلزم اليوم إعادة تنظيم طلبة العراق عبر استعادة قوة المبادرة
من جهة اتحاد الطلبة العام وبقية التنظيمات الطلابية الديموقراطية..
ولكل تنظيم حقه في الدعم والرعاية من القوى الوطنية الديموقراطية ومن
أجهزة الدولة الرسمية وهو ما ينبغي المطالبة به بشدة لتنفيذه أو لأخذ
ما يمكن أخذه أو كسبه من الحكومة الحالية وأدواتها وأجهزتها...
ومن الطبيعي أن تكون الخطوة الإجرائية الأولى بجذب عناصر الاتحاد
التي امتلكت خبرات نضالية طويلة والإفادة منها مع عقد المؤتمرات
والكونفرنسات المناسبة لتعضيد التنظيم ولملمة أجزائه وتوحيدها.
وتفعيل أنشطة متصلة مستمرة في رحاب المدارس والمعاهد والجامعات لنقل
الأجواء التي تمَّ فرضها قسرا من نمط أسلمتها بديلا عن أدلجتها
وتبعيثها سالفة التحكم بطاغوتها...
ولابد هنا من التأكد من أن ظروف العمل الطلابي التنويري لا تتقاطع مع
إيمان الناس الديني ولكنها تميِّز بين الإيمان السلبي القائم على أسس
التأويل السياسي للخطاب الديني وتشويهه لصالح قوى بعينها وبين
الإيمان الإيجابي الذي يدعو الإنسان لاعتماد منطقه العقلي واجتهاده
وتحريك تفكيره التنويري بدل إشاعة ظلمة الخرافات ومنطق العقل
التضليلي الظلامي بمقابل منطق العقل العلمي..
إن التعليم ليس إلا قاعدة أولية لإثارة التفكير ومن ثم لتحريكه
باتجاه تنويري ولكنه غير كاف لفرض منطق العقل العلمي وهذا ما يحتاجه
المجتمع اليوم بعد عقود من استلاب العقل والإرادة وبعد سنوات من
الاتجاه بنا اتجاها يشيع الخرافات وترهات العقل المتخلف ومنتجه وآلية
التفكير الأسطوري التي تقف أخطر حجر عثرة بوجه العقل العلمي..
ومهمة الطلبة واتحادهم وتنظيماتهم المتنوعة اليوم البحث عن آليات
لاستعادة آلية سلطة العقل ونور العلم ووقف ترهات أبواق القوى
الظلامية التي استبدلت سلطة الدكتاتور بسلطة طغيان جديدة لكن آليتهما
تظل واحدة وهي إشاعة منطق التفكير الأسطوري القائمة على لغة البيان
لا البرهان وهي لغة خطابها يعرفه الطلبة المتنورون تحديدا، تقوم على
التسليم بالنصوص المفروضة بلا مناقشة ولا احتكام للعقل ومنطقه
الجدلي.
وهكذا ما ينقله طالب يمثل هذه القوى الظلامية بمجرد ما يرفقه بأنه
قول (السيد) يصادر مسألة المناقشة وبمجرد ما يرفقه بأنه قول (المرجع
الفلاني) يستلب فرصة الجدل ويكون على الجميع أن يستمعوا فيقولوا نعم
بلا إعمال للعقل، ويُفرض عليهم التوجه لتنفيذ تلك الجملة بوصفها
أمرا مسلما غير قابل للمراجعة العقلية..
إنَّ هذا الاستهتار في تجاهل عقول الناس \ الجماعة وعقولهم عاملة
فاعلة مناقشة لأمر يغفل أن لحظة تاريخية ستأتي ويرفض العقل الصحيح
حال إخضاعه لمنطق التجميد والتعطيل ليس من منطلق التعارض مع الإيمان
الديني ولكن من منطق أنَّ النص الديني أمَرَ بطلب العلم وأمر بإعمال
الفكر ومنطق العقل العلمي ويوم التزمت الأمة هذا التوجه الصحيح من
الدين كانت بؤرة التفكير العلمي بطلاب المعرفة الذين يقصدون مدارسها
ومعاهدها من بقاع الأرض..
فلا يتركنّ أعضاء اتحاد الطلبة فرصتهم في العمل اليقيني الوطيد
للتصدي لأول مهمة من مهامهم بإشاعة منطق العقل العلمي والتفكير
الموضوعي وعدم الاستسلام لمنطق التفكير الأسطوري الذي وصّفناه هنا
ولتوضع خطط مسؤولة لإشاعة منطق التفكير العلمي بدءا من المدارس
والجامعات وانتقالا باتجاه مراكز البحوث والجمعيات والمنتديات وليكن
لكل شيء سبب ووراءه سؤال لماذا؟
إذن صار لطلبتنا أن يقووا تنظيماتهم بتفعيلها وأن يطوروا أداءهم
ودورهم الوطني وأن يجري وضع البرامج الكفيلة بتنفيذ خطط استراتيجية
بالخصوص تتعاطى مع واقع المدرسة والجامعة العراقية وظروفها في
يومنا..
إنَّ فرصة أن يسأل كل طالب وطالبة ماذا بعد ما جرى بأهلنا وبنا
جميعا؟ ما الدور المطلوب والمناط بنا؟ ما البرامج التي نحتاجها؟ وهل
لنا مهمة على المستوى الوطني؟ ما هي ما حدودها وما شروط تفعيل دورنا
فيها؟ ومن الطبيعي أن يجري السؤال بإلحاح لماذا لا نملك ونحن في لبّ
مرحلة التمتع بالحياة وكسب تجاريبها ومعارفها فرصة للحياة الحقة
السوية؟ لماذا لا نملك فرصة للاحتفال؟ من الذي يمنعنا؟ من يقف وراءه؟
ولماذا؟ وكيف نمرر إرادة الطلبة ونضعها قيد العمل والواقع؟
لابد من مشروع حق لاتحاد الطلبة العام نسانده في وضعه ونطلقه ليجمع
حوله مجموع التنظيمات الطلابية التي لا يمكن استبعاد طرفا منها أو
إقصاؤه ولا يمكن أن نستصغر طرفا فيها أو نتجاهله ونهمله فهي مكونات
مرحلة يمثل وجودها جوهر الموضوعية ومصداق الحقيقة..
إنّ تلك التنظيمات الطلابية ليست قوى مؤدلجة من جهة طبيعتها وتكوينها
وهي ليست مؤدلجة من جهة الغاية التي يمكن الحديث عنها عند تعلق الأمر
بتنظيم طلابي مهني وهو ما ينبغي التثقيف به والجدل بصدده.. ومن هنا
يلزمنا دائما الاقتراب من تنويعات تلك المنظمات على هذا الأساس
المهني الديموقراطي للدفع بالاتجاه الصائب في التعاطي مع التنظيمات
والتشكيلات الطلابية مهنية الجوهر..
لذا كان لابد أن يجري التنسيق فيما بينها موحدة الجهد لأن وجودها
معلق بهذه الوحدة ومن ثم يجري التنسيق مع بقية طبقات وفئات المجتمع
وقواه المدنية وبالتأكيد سيكون الأمر منعقدا على آمال كبيرة في أن
البركة كل البركة في الحركة ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة وألا إحباط
في أن صوتا ينطلق من مدرسة معزولة أو معهد في منطقة نائية سيتردد
قويا صداه حيث سفوح المعرفة شامخة بجبال أطواد الفكر والمنطق العقلي
الذي نمتلك منه خزين آلاف من الأعوام...
فإلى حمل مشاعل النور يا طلبة النور والعلم نور، يا أهلّة المعارف
وشموس إرادة التنوير...
|