لماذا
لايعاقب العالم الحر نظام بشار الكيماوي؟
وأخيرا صدر التقرير الأممي عن لجنة تقصي الحقائق في استعمال الأسلحة
الكيماوية في جريمة الغوطتين في 21 أغسطس المنصرم, والتي ذهب ضحيتها مئات
المدنيين في جريمة بشعة لم تحرك للأسف الضمير الدولي, ولم تؤرق منام قادة
الكرملين, ولا البيت الأبيض, ولا أي جهة دولية فاعلة ترفع شعارات حقوق
الإنسان والدفاع عن الحريات نفاقا ورياء, صدر التقرير الموعود والمنتظر,
ولكنه في رأيي كان مخيبا للآمال, كعادة كل التقارير الدولية المشابهة,
والتي عادة ما تفسر الماء بعد الجهد بالماء! ووفقا للنظرية الشهيرة: "كأننا
والماء من حولنا.. قوم نيام حولهم ماء"! فالتقرير الأممي يؤكد استعمال
الأسلحة الكيماوية, ليس في غوطتي دمشق المنكوبتين فقط, بل في مناطق سورية
ساخنة أخرى, وفي خمسة مواقع ميدانية كإدلب وحلب, ولكن التقرير لم يحدد
بصراحة ووضوح مسؤولية النظام السوري وعصاباته المجرمة عن استعماله! وبقي
الموضوع مثارا للجدل السقيم والعقيم مع بروز احتمالات لتوجيه المسؤولية
ربما إلى قوى المعارضة السورية المسلحة, والمدافعة عن شعبها, فهل لاتعلم
هيئة التحقيق الدولية ان المعارضة لا تمتلك وسائل تحميل وإطلاق مثل تلك
النوعية من الأسلحة التي لا يمكن تخزينها فضلا عن استعمالها إلا من خلال
وسائل تقنية, ولوجستية تمتلكها الدول فقط, وليس مجموعات مقاتلة تمارس حرب
العصابات, وتتبع أسلوب الكر والفر العملياتي والذي لا يتيح أبدا اي إمكانية
لامتلاكه فضلا عن استعمال تلك الأسلحة النوعية القذرة, والتي لا يستعملها
إلا من بلغ به السقوط القيمي والأخلاقي مبلغا لا يمكن العودة عنه ولا
التراجع منه.
لماذا يتردد العالم عن توجيه الاتهام الصريح نحوالطرف الفاعل, والمجرم,
والذي يعرفون هويته, وحتى أرقام أسلحته, وتسلسل صواريخه المهانة؟ لماذا
لايصدر قرار اتهام دولي بمسؤولية النظام بطاقميه الأمني والعسكري عن ماحدث,
ومن ثم بدء التحرك لردع القتلة والمجرمين, أسوة بما فعلوه في العراق مثلا,
حيث تم احتلال وتدمير العراق بالكامل, وإنهاء دوره الإقليمي لمجرد تقارير
لم تثبت صحتها حتى اليوم, ولم يتم العثور أبدا على أدوات الجريمة, والاتهام
رغم وقوع البلد بأسره تحت ايديهم وتحول العراق "ملطشة" دولية؟
لماذا كل هذه المعايير المزدوجة في التعامل مع نظام فاشي مجرم حقود لايتردد
أبدا عن إبادة شعبه بكل ما يتوافر لديه, ثم يضطر للتراجع الذليل أمام
احمرار عيون القوى الدولية الكبرى الى الدرجة التي سلم معها طواعية, وعن
طيب خاطر بعضا من سلاح الجريمة الكيماوي, وحيث يحتار العالم في كيفية
تدميره؟ بينما يحتفط بالبعض الآخر ليوم الحشرة, خصوصا أن حليف النظام
الأساسي, وهو إلنظام الإيراني يمتلك الأدوات, والوسائل, والأسلحة الكيماوية
ولربما حتى الإشعاعية, فضلا عن براميل بشار القذرة التي تحوي مالذ وطاب من
أسلحة الدمار الشامل التي كانت ذات يوم مخصصة للصمود والتصدي والتوازن
الستراتيجي, فإذا بها وفي حقيقتها مخصصة لإبادة الشعب السوري, وفي ظل تفرج
المجتمع الدولي, وتصفيق البعض, ومحاولة البعض الآخر طمطمة الموضوع,
والالتفاف على الجريمة والتغطية على الفاعل الحقيقي, بل ونشر أسطورة إن
الشعب السوري الحر هو الذي يقصف نفسه بالكيمياوي!
بل إن بعض الدهاقنة ربما يشيع ان قبائل الجن السفلي هي المسؤولة عن استعمال
الكيماوي لأنها جزء من المؤامرة الكونية التي تتحدث عنها المخابرات
السورية.
إنها مهزلة العدالة الدولية العوراء وهي تتشكل بأفظع أشكالها لتحمي
المجرمين وتدين الأبرياء وتكون مجرد شاهد زور على أكبر فعل إرهابي لنظام
إرهابي في التاريخ, ومع ذلك لا أحد يتحدث أو يقول ويصرح بالحقيقة العارية
المعروفة للجميع إلا للقوى الدولية الكبرى التي تمتلك الأرض والفضاء وتتجسس
على غرف نوم الشعوب, بينما لا تعرف من استعمل السلاح الكيماوي لإبادة الشعب
السوري!
إنها المهزلة الكونية في زمن الحرية المعلوماتية وخرافة عصر حقوق الإنسان,
الشعب السوري الحر وحده هو من سيحاسب القتلة والمجرمين, أما اللجان الدولية
فهم شهود زور على فضيحة إنسانية كبرى!
* كاتب عراقي
dawoodalbasri@hotmail.com |