لماذا يخاف الحكم السوري من المحكمة الدولية؟
في 04 تشرين الأول/2010
الوضع الراهن في لبنان والتطورات التي تجري حاليا لا تغش إلا البسطاء
من لاعبي السياسة اللبنانيين وكل الألاعيب التي تدور حول المحكمة
الدولية هي مجرد غطاء لقضية تقض مضاجع الحكم السوري لا غير وما إدخال
موضوع حزب الله إلا للتمويه فحزب الله حتى لو كان أحد عناصره أو
قيادييه نفذ جزء من عملية اغتيال الرئيس الحريري أو علم بتفاصيل أكثر
أجزائها لم يكن لديه في تلك الفترة حرية القرار ولا حرية التصرف في
هكذا موضوع وكل ما كتب وقيل عنه لا يربو عن كونه قصر نظر سياسي كالعادة
ومحاولة سورية متذاكية للهروب إلى الأمام والتخلص من الإدانة.
السوريون حشروا بالفعل يوم اعتقدوا أن كل الخيوط أصبحت في يدهم وأن
العالم غافل عنهم ولكنهم فوجئوا يوم قامت
مجموعة لم يحسبوا لها حساب أبدا بالعمل على إصدار قانون محاسبة سوريا
في الكونغرس الأميركي الذي تبدل فيما بعد ليضاف إليه إعادة السيادة إلى
لبنان والغريب أن الادارة الأميركية يومها
لم تكن من مؤيدي هذا القرار ولكن بعد تبني الكونغرس له نال تأييد
الرئيس لا بل دفعت الأمور باتجاه أقوى حيث أصدر مجلس الأمن الدولي
قراره الشهير 1559 الذي طلب من سوريا ليس فقط مغادرة لبنان وعدم التدخل
بشؤونه بل ايضا سحب كل الأسلحة التي كانت
أبقتها في أيدي مختلف المليشيات التابعة لها لتشكل مسمار جحا وعلى
رأسها حزب الله والمنظمات الفلسطينية التي تدور في فلكها وبالتالي نزع
الغطاء عن ضباط وقياديي الحرس الثوري الإيراني الذين يقيمون في لبنان
ويقودون فعليا عناصر حزب الله الذي أصبح أكبر قاعدة إيرانية على
المتوسط.
خاف السوريون من الوجود الأميركي في العراق ومن التحركات التي جرت في
لبنان واعتقدوا بأن القبضة الدولية تنغلق عليهم فسارعوا إلى الهرب من
الساحة وكلفوا حزب الله بالقتال التأخيري
خلفهم. وخاف الإيرانيون أيضا من الوجود الأميركي والأطلسي في أفغانستان
من جهة وفي العراق من جهة أخرى فكلفوا الصدر بالقتال
التأخيري عنهم في العراق وسهلوا تحرك
جماعات القاعدة على حدودهم الشرقية والغربية على السواء وأيدوا مهمة
حزب الله السورية في لبنان.
وفي لبنان وكعادة السياسيين الذين لا يملكون بعد نظر كاف ولا رؤية أو
أهداف استراتيجية ثابتة ضاعت الفرصة
التاريخية لاعادة السيادة وضبط الحدود
والانتهاء من مفهوم الساحة وتثبيت قدرة الدولة والتخلص من بقايا
الاحتلال لرص الصفوف ومنع التجاوزات واللعب بأمن المواطنين.
وضاع السياسيون بين الخوف من القتل وعدم
الجرأة على قرار المواجهة فهربوا إلى التحايل ووقعوا في حبال السوريين
مرة أخرى.
النظامان الإيراني والسوري شبيهان من حيث المنطق الثوري والحكم
الديكتاتوري والرؤية الشاملة وكان تصديهما
للانفلاش الدولي بالتركيز على الشعارات واللعب على العواطف من
جهة ومن ثم الضرب بشدة والتركيز على نقاط الوجع فكان قتل الرموز
السياسية في لبنان أولا ومن ثم فيلم حرب تموز 2006 وكان مسلسل مجازر
العراق الطائفية وكانت حرب الاستنزاف الأفغانية وأخيرا كان الهجوم
المركز على السعودية في حرب الحوثيين في
اليمن ما أخاف الحاشية السعودية وجعل المنظرين هناك يلعبون اللعبة
السورية فيطيحون بنتائج اللعبة الديمقراطية في لبنان ويسلمون دمشق كل
الأوراق دفعة واحدة.
ولكن دمشق لم تكتف بالسيطرة السياسية وتراجع اللبنانيين عن ثورتهم
وشعاراتهم لأن عرس الثورة أطلق الحناجر وحرر بعض الأقلام التي كادت أن
تنسى سليم اللوزي ورياض
طاها حتى لا نقول سمير قصير وجبران
تويني. ويجب أن تعود هذه إلى الانضباط
الذي كانت تعودت عليه يوم كانت الرقابة
الذاتية قيد التنفيذ. من هنا كان الهجوم المضاد بصراخ الوهاب وتحدي
السيد في الوقت الذي كانت فيه التنازلات على قدم وساق.
الحلقة الأهم كانت هجوم حزب الله الغير مبرر على المحكمة وهو دور سوري
بامتياز يلعبه حزب الله لأن سوريا لا تريد المحكمة بأي شكل فهي تعرف
جيدا من أعطى الأمر ومن نفذ وكيف تمت كل العمليات وبالرغم من محاولة
القضاء على بعض اللاعبين الأساسيين وإبعاد لاعبين آخرين إلا أن الرعب
من المحكمة يقض أضجاع من في دمشق ولذا
فيجب أن يبدو الأمر تهويلا لبنانيا داخليا لكي يخاف الحريصون على
الاستقرار في لبنان فيمنعون المضي في سير هذه المحكمة.
السوريون وحدهم يخافون المحكمة لأنها سوف تضع اليد على أول الخيط ويبدأ
مسلسل الانهيار في جرائم كثيرة لا بل قد يهدد النظام القائم على الرهبة
والرعب فإذا سقطت هذه فلن تنفع تلك وإن تحرر الفكر اللبناني فإن عدوى
الحرية سرعان ما تصل إلى بلاد الشام ولو لم يشأ اللبنانيون ذلك من هنا
فإن لعبة النظام في دمشق هي لعبة مستمرة واضحة لا خيار فيها وهي كما
يقول اللبنانيون "يا قاتل يا مقتول".
فعذرا
من الأقلام التي تحاول أن تنقل التشدد ضد المحكمة الدولية من النظام
السوري إلى حزب الله أو ربما غدا إيران أو تركيا من يدري؟ لأن واحدا
فقط هو المتضرر من هذه المحكمة وهو لن يتراجع قبل توقيفها أو توقيفه هو
من قبل هذه المحكمة. فهل يسقط النظام
العالمي في المواجهة مع النظام السوري أم أن النظام السوري هو أقرب إلى
السقوط خاصة أنه يلعب اليوم لعبة أكبر من لعبة السيطرة على الساحة
اللبنانية الداخلية؟
الأيام القادمة وخاصة بعد زيارة الأسد إلى إيران وزيارة نجاد المتوقعة
إلى لبنان سوف تظهر بشكل أوضح معالم المرحلة المقبلة وعلى اللبنانيين
الأخذ في الحسبان نتائج هذه التطورات والمواقف التي يبنى عليها مستقبل
البلد الأمني والسياسي فهل تنتقل المواجهة إلى غير ساحة أم أن الساحة
اللبنانية سوف تشهد مسلسلا آخر أشد حرارة من سابقيه؟
|