الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


كل عام وأنتم بخير

1/1/2005

 

كل عام وأنتم بخير...

بهذه العبارات نستقبل العام الجديد، بفرح الأطفال نستقبل العيد، بالألوان والأضواء نهلل له...

كل عام وأنتم بخير... نتمناها لكل محب ونتمنى أن يعم الخير على الجميع. ولكن، هل الوطن بخير؟ وهل يأتينا العيد الجديد بالأمل؟ وماذا تغير، وماذا تبدل، منذ أن عايدنا بعضنا بعضا في بداية العام الماضي؟...

إن هذا العام هو العام الخامس على هجرة الجنوبيين القسرية عن الأرض التي أحبوا. هو العام الخامس الذي ترك فيه هؤلاء الأبطال مرابضهم وملاعب الطفولة، تركوا فيه تراب الأحبة ورموز التضحية، تركوا فيه أهلا وآمالا، بذارا صالحة ملؤها الخير والبركة. تركوا التلال لتزهر بدونهم، والجلال لتبور بغيابهم، والبيوت الفارغة لتزيد برودتها الحنين إلى السواعد السمر والقلوب الكبيرة. فهل من أمل في هذا العام؟ وهل سننشد مع فخر الدين العائد على لسان الرحابنة: "غبت خمس سنين وما غاب عن بالي هالوطن الغالي وأهلو هل المحبين"؟...  

خمس سنوات على غياب الجنوبيين، وثلاثين سنة على تحكم الشر في بلاد الأرز، على تدخل الجار "الشقيق" في شؤون الوطن الصغير، الذي نعم بالحرية وبالمحبة وبالعيش الهادئ. فهل سنرى في هذا العام نهاية للمآسي وبداية للخير والفرح، للعمل والمحبة، للنهوض والتكاتف، لعودة الحرية ترفرف على تلال لبنان والعز يظلل كل بنيه؟...

يقول قائل: ماذا تغير لكي نستعد للفرح ونباشر بالأمل، فجيوش المحتل لا تزال قابعة في الدار وجواسيسه في كل حي و بيت. وحكام البلد يضربون بسيفه ويعملون ما بوسعهم للتمسك به. وها هو يجمع الآلاف يتظاهرون ليطلبوا له "طول البقاء"، فهل صحيح أننا لا نزال في دوامة التمني، أم أننا بدأنا بتلمس الطريق وبتحسس الآتي؟

كثيرة هي الإشارات على التغيير، لا بل عظيمة هي الآمال التي نبتت خلال هذا العام، إن في العالم، أم في المحيط، أو الوطن بالذات. فقد تبنت الأمم المتحدة في قرار فريد هو القرار 1559 فرض خروج المحتل الذي تحايل طول هذا الزمن على العالم ليقبل له بسجن الوطن الجريح، وعلى جزء من اللبنانيين ليستمروا في غفوتهم وظلمتهم يتحكم بهم الشر وعملائه وهم راضخون، ويفسد بينهم شذاذ الآفاق وهم قابلون، ويفرض عليهم الرعاع قوانينهم وهم لا يتحركون. لقد تبنت الأمم المتحدة، وفي قرارها المدعوم من الولايات المتحدة وفرنسا مجتمعتين، وبدون أي رفض أو اعتراض من أحد، القول بأن السوريين يجب أن يخرجوا من لبنان ويسحبوا معهم كل شبكات العملاء والمخبرين، وعليهم أن يحلوا منظمات التخريب والإرهاب التي ربوا ودربوا منذ زمن، ويسحبوا أسلحتها، ويسلموا المطلوبين منهم ليحاكموا بالقانون العادل، وليس بقانون "عضوم" وجماعته.

أما على صعيد المنطقة فقد بدأ العراق الجديد يأخذ شكلا، ولو ببطيء، وها هي جماعات "الصدر" التي تحصنت في "النجف الشريف" قد سلمت أسلحتها، أما جماعة "الفلوجة" فقد لاقت المصير الأسود الذي كانت ترسمه لأهل العراق، "والحبل على الجرار"، ففي كل مدينة يتجمع أصحاب الشر سوف يتم القضاء عليهم، ليمضي العراق  نحو الهدف السامي؛ ألا وهو الديمقراطية الحقيقية التي لا تحكم فيها بالناس، ولا بطش أو استبداد بهم، ولا ديكتاتورية ولا ظلم، لا بل سوف يكون العراق المثل لكل المنطقة، من أفغانستان إلى إيران، ومن سوريا إلى السعودية. ولن يرحل المسيحيون أبناء آشور أو كلدة أو آرام منه، وستزين سماءه دوما أجراس الكنائس التي لم تصمت أبدا إلى جانب مآذن الشيعة أو السنة، الأكراد أو التركمان لا فرق، وسوف يكون فيه مكان للكل يعترفون بحق بعضهم  بعضا، ويتعاونون على الخير، ويختار كل منهم من يدير شؤونه بكل حرية، ولو طال الزمن.

أما على صعيد الوطن فقد بدأ التململ يعم الفئات الرئيسية التي تشكل المجتمع اللبناني، وها هو جنبلاط بدأ يتحرك، وهو الذي طالما زايد ليحمي نفسه من مصير "الوالد"، ويحمي جماعته من الذوبان في خليط الأكثريات، ويبقي على تفرد الدروز كأقلية كان لها فضل في بقاء لبنان موطنا لكل مضطهد ومظلوم، إذ عانت هذه الطائفة من ظلم المماليك، بعد فتوى "ابن تيمية" الشهيرة، التي حللت قتل "الرافضة" من الدروز والإسماعيلية والعلويين والشيعة، ما جعل البلاد التي تقع تحت سيطرتهم تفرغ من هؤلاء ولا يبقى لهم أثر إلا في هذا الجبل موطن الأحرار، ولذا فقد تعاونوا مع العثمانيين لدحر المماليك، وصاروا رمزا لجبل لبنان الحر، ولكنهم، ومع أميرهم "قرقماز"، والد فخر الدين الثاني الكبير، قدموا من جديد قرابين التضحية من أجل الحرية، فكان أن قتل منهم "ابراهيم باشا" والي مصر في 1584، حوالي 60 ألف ما جعل أبناء الأمير يختبئون عند الموارنة في كسروان، ويتربون على التعاون معهم والانفتاح عليهم، ليصبح فخر الدين عنوانا لتعاون اللبنانيين في سبيل الاستقلال. أما عن علي جنبلاط، الذي حاول هو الآخر الثورة على العثمانيين في شمال سوريا، فقد انتهى لاجئا بين دروز لبنان، ليقبل، بالرغم من إغلاق الدعوة، كواحد من أبناء هذا الجبل، ويصبح فيما بعد أحد أركان الدروز يقاتل مع الأمير ويدافع عن حرية هذا البلد. وتصبح عنجر، التي انتصر فيها اللبنانيون مجتمعون على والي الشام وعساكره، الحد الفاصل بين الرضوخ للغريب وتطلعات اللبنانيين للحرية. فهل يعيد التاريخ نفسه ليجتمع اللبنانيون مرة أخرى فيزيحون عن كاهلهم "والي الشام" الذي جعل مقره، هذه المرة، في عنجر ويتخلصون إلى غير رجعة من التبعية والتشرزم التي أرادها لهم الغرباء ليسهل التحكم بهم؟

وماذا عن الشيعة؟ أصحيح أنهم قد تقووا بإيران ونسوا بأن زيارة السيدة "زينب" في دمشق لا تزال ممنوعة عليهم، وأن ما يتمتعون به في لبنان من الحرية في إدارة شؤونهم، لن يتمتعوا به في أي مكان آخر من بلاد العرب، مهما قاتلوا في سبيله، أو دفعوا من الأرواح التي يقبض ثمنها زعماء "حزب الله" وأئمته، ليرضوا ذاك المتربع على عرش بلاد الفرس، الراغب بمد سيطرته على جيرانه أصحاب الثروة في الخليج، بينما يزيد أبناء الشيعة في لبنان بؤسا وشقاء؟ وهل إن وريث آل الصغير، زعماء جبل عامل، الذين رسموا حدود لبنان الجنوبية أيام ضاهر العمر، وقاتلوا الجزار مع ناصيف النصار، وشكلوا دوما جزءا من زعامة الجنوب، ليصبح "كامل بيك" رمزا لاستقلال قرار لبنان، بتوقيعه على اتفاق السابع عشر من أيار، الذي كان سيخرج الإسرائيليين بدون قتال، وبدون حقد، وبدون أن يدفع الجنوب ولبنان الدماء والأموال والذل على أبواب الأمم، ليتبجح القتلة، الذين دفعوا بأبنائه للانتحار، كي يبنوا لهم كراسي ومناصب على موائد الاحتلال الفعلي، فيستمر الذل والتقهقر، ونبتعد آلاف الأميال عن مجاراة الأمم المتقدمة. إن وريث هذا البيت لا يزال ينطق بالحق، ولو لم يكن صوته مسموعا، ولو حاول المسايرة أحيانا، ولكنه في موضوع السيادة والاستقلال، لا يمكنه التراجع عن مواقف سبقه إليها الأهل.

وماذا عن زعامات بيروت التي لعبت دورها في بناء الشرق الأوسط، وليس فقط لبنان، فهل ستبقى راضخة لرجال المخابرات يفرضون عليها ما تقول وما تفعل؟ أو لم يحن الوقت بعد لتنهض منتفضة لتقود البلد، كرياض الصلح، بدل أن تبقى الرهينة في يد الاحتلال؟ أم أنها لا تزال تخال أن الوهابية، التي يرضخ لها حكام بلاد "الحرمين الشريفين"، ستكبل كل السنة، بأموال النفط، فلا تترك لأحد أي خيار يخرج عن سياساتها، لترويض الفكر وسجنه في قمقم الرجعية والتخلف مزينا بمظاهر التقدم الفارغة والتي لا تنتج إلا الحقد وأفواج "البنلادنيين" الذين شوهوا الإسلام دينا ودنيا.

إن الآمال كبيرة واللبنانيون الذين بدأوا بالتفلت من قيود الأجهزة والتجرؤ على الكلام يزيدون يوما بعد يوم، وها هم بعض النواب يوقعون عريضة لإخراج جعجع من سجنه السياسي ليصبح خروجه إيذانا بانتهاء عهد التسلط والقهر، بينما يبدأ الكلام مجددا على دعوة الجنرال عون للعودة إلى البلد، وهو الذي قاد معركة التحرر من قيود سوريا، إن من الداخل يوم كان رئيسا للوزراء، أم من الخارج يوم تسلم مهمة المعارضة الفعلية وتنسيق الجهود مع الاغتراب لكسب تأييد المجتمع الدولي الذي يشكل اللبنانيون فيه جزءا مهما وفعالا. هذه كلها تباشير ولكنها ليست الخبر اليقين، لأننا لا نزال مع المجتمع الدولي، نأمل بأن تنسحب سوريا بشكل منظم وبدون أن يضطر اللبنانيون للثورة أو التحرك العنيف ضدها، ولا نزال نحلم بأن هؤلاء العلويون الذين رفضوا، كالدروز والشيعة، وعانوا من القهر في تاريخهم الطويل، يجب أن يفهموا بأن البعث لن يحميهم إلى الأبد، وبأنه عليهم التخلي عن أشكال العنف ونظام المخابرات، ويسمحوا بالحوار الذي يبني مستقبل العلاقات بين شعوب ومذاهب وأمم الشرق الأوسط، فعار أن نعود إلى تخلف بن لادن أو إلى ذهنية النازيين أو توتاليتارية الشيوعيين، فلا هذه ولا تلك قد أثمرت، ولن يكون القهر والحقد ملاذا دائما يسهل التخفي خلفه، وبالتالي، فالانفتاح والتعاون قد يؤديان إلى أنظمة أكثر إنسانية وأشد ثباتا قد تحمي الكل وتترك لهم هامشا من الحرية في إبداء الرأي وممارسة الحقوق وانتخاب المسؤولين ومراقبتهم لما فيه خير الجميع.

فكل عام وأنتم بخير، ونأمل أن يمن الله على الجميع، خاصة في الشرق الأوسط الذي يشكل بلدنا الأم لبنان جزءا منه، بالخير والسلام، بالمحبة والتفاهم، بالتعاون المثمر لجعل هذه البقعة من العالم مركز إشعاع يضيء على الشرق والغرب، وليس منبتا للحقد والقتل والإرهاب الذي عانى العالم منه حتى القرف، وجعلنا عرضة للسؤال أينما كنا، بسبب جذورنا المشرقية تلك، وجعلنا نعيش بقلق في كل أوطان هذا الشرق، لا نعرف متى ينقض علينا ظالم أو يهاجمنا إرهابي أو يوقف مسيرتنا محب أو شقيق.

لبنان هذا العام يجب أن يستقبل أبناءه العائدين إلى ربوعه بالبهجة والسرور، بفرح التحرر من القيود، وبأمل المستقبل الزاهر الذي ينتظر المنطقة، بالسلم الحقيقي، وبالتعاون بين كل فئات هذه البقاع، على اختلاف أديانها، ومذاهبها، وتطلعاتها، وحتى المخاوف، فهذه الأخيرة هي التي تجعلنا نتقي، في رسم الحلول النهائية، مشاكل الغد، فنتجنبها، لننطلق إلى البناء الثابت لعالم يكون فيه المواطن أكثر كرامة وحرية ونشاط.

كل عام وأنتم بخير...              

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها