مظاهرة المليون ودور القوميين السوريين فيها
30/11/2004
ما يلفت النظر في
مشروع مظاهرة المليون التي أعلنها الأفندي، والتي قيل فيها ما يجب أن يقال،
من أنها لن تكون أكثر من نسخة عن مظاهرة السواطير، و"بوسطات" الانتخابات، أو
مجابهة العمال السوريين للدرك، التي كلفت الوزير المر وزارته، ما يلفت النظر
هو تنصيب رئيس الحزب القومي السوري نفسه الداعي الأول لها والمروج لبقاء قوات
الاحتلال في لبنان، وكأنه يخاف على المكاسب التي غنمها لأول مرة حزبه من وجود
الاحتلال فتلطى في ظله واستفاد منها؛ نواب ووزراء، وسلطة ومحاسيب.
الحزب القومي السوري نعرف أنه من بقايا النازية الهتلرية، وهو كان قلدها، حتى
الاستنساخ، في كل شيء ، من التحية، إلى الزعيم، من العلم وألوانه والشكل، إلى
القسم والسرية والولاء، وكان قلدها في الفكر الشامل الجامع لدول متعددة حاول
أن يجعل منها شعبا من مصدر واحد، على غرار العنصر الآري الجرماني، وقد قلدها
أيضا في حقده على اليهود وعدائه لهم والافتخار بأنه كان على رأس الحركة التي
قاومتهم منذ الثلاثينات.
والحزب القومي السوري كان قد تجرع المرارة والظلم، بمقتل زعيمه، وقد سدت في
وجهه الآفاق، ليس لأن قادته بعد الزعيم لم يكونوا أهلا للقيادة أو أنهم لم
يستطيعوا جذب الجماهير، ولكن لأن الزمن كان قد تخطى هذا الفكر مع سقوط
الهتلرية ونجاح دول الحلفاء، الذين شجعوا الأحزاب الديمقراطية والنظم
المتحررة والمنفتحة على الحوار والتعاون. وربما كان مقتل زعيمه، والحقد الذي
تملك في قيادته، ثم انتشار الشيوعية كفكر أوسع وأشمل ونجاح الفكر الموازي له،
أي البعث، في الاستيلاء على الحكم في العراق وسوريا، قد ساهموا أيضا في تقلص
انتشاره وجعله من الأحزاب الممنوعة في المنطقة كلها، حتى لم يبق له من وجود
إلا في لبنان، وقد يكون ذلك فقط بسبب التزام أعضائه أحيانا بتمرير العقيدة
للأبناء.
ولكن البعثيون السوريون، وبعد نجاحهم في السيطرة على لبنان، وبالرغم من منع
هذا الحزب في سوريا لأكثر من ثلاثين سنة، قد استغلوا عدم ولاء هؤلاء لبلدهم
وحلمهم بسوريا الكبرى، فاستعملوهم للتسويق الاحتلال وتقديمه على أنه وضع
طبيعي. وما محاولة عريجي اليوم الترويج للاحتلال بجولته التي يقوم بها سعيا
لإظهار "مظاهرة الطوابير" بأنها تعبر عن رأي البعض، إلا من هذا القبيل. ولكن
موقف هؤلاء معروف، ومعروف أيضا مقدار تمثيلهم لأماني وتطلعات الشعب اللبناني،
الذي أفقده الاحتلال وزبانيته، العزة والفخر ولقمة العيش، وكبله بالنظام
البوليسي القمعي، وبالإرهاب المسلط على الرقاب.
ولكن العالم الحر قد وعى هذا الوضع، وبدأ بالضغط على بقايا النظام الدكتاتوري
المتحكم بلبنان وسوريا، والرافض لأي حل وأي نوع من الاستقرار في المنطقة، وهو
لا يزال يعبئ الأحقاد بالواسطة، ويجمع المغرر بهم بالقوة والضغط، التي تعود
عليها، عله يكسب بعض الوقت، فيحتال مجددا على العالم، كما عادته، وينال
تمديدا لسيطرته. وما عرضه الملغوم، لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، إلا من
هذا القبيل. وما تسريب المعلومات عن الانسحاب الموشك أن يقوم به، إلا تضليلا
للدول، وهو قد خفض هذه المرة عدد الجنود الذين سيبقيهم لخمسة آلاف. ولكن أحدا
لن يقبل بعرضه، فلم تعد ألاعيبه ومشاريعه تخفى على أحد، وإصرار العالم على
الانتهاء من احتلاله للبنان أكيد. وكلما طال بقاؤه يقرب التخلص منه، لا بل
يزيد هذا الإصرار، الذي قد يصبح لاحقا، وبسبب التعنت المسيطر على فريق الحكم
في سوريا، ليس فقط مطلب الانسحاب من لبنان، ولكن تغيير القيادة في سوريا،
واستبدال هذا النظام الذي لا يختلف عن نظام صدام بنظام أكثر ديمقراطية، يريح
سوريا ويحضرها للانتقال إلى مرحلة النهوض والإنتاج، مرحلة التطور واللحاق
بركب العالم المتقدم، فقد انتهى إلى غير رجعة عهد الأنظمة الديكتاتورية في
عالم اليوم، ولا بد لبقايا هذه الأنظمة من الزوال.
يبقى أن الحزب القومي السوري، هو نسخة أخرى من هذا النوع من الأحزاب، لا بد
له أيضا من أن يظهر على حقيقته فيزول مع زوال الاحتلال، ولا يبقى ضرورة
لأمثاله. أما التعاون بين دول المنطقة في سوريا ولبنان والعراق وإسرائيل
والأردن، لا بل تركيا ودول الخليج ومصر، فهو شيء طبيعي لن ننتظر الأحزاب
النازية أو غيرها لتطلعنا على أهميته، بل قد يصبح حالة واقعة بمجرد أن تزول
هذه الأنظمة ومخلفاتها الحزبية وينفتح الشرق الأوسط، بدوله وشعوبه، بأديانه
ومقدساته، بخيراته ومجالات العمل فيه، على بعضه، وعلى أوروبا وأمريكا
والعالم.
فلتكن مظاهرة المليون إذا، مظاهرة تطالب بالتخلص من النظام المتحجر في سوريا،
والذي يسيطر على شعبه وشعب لبنان، بمخابراته وإرهابه، وليكن هذا اليوم يوما
تاريخيا ينقلب فيه كل هؤلاء الذين دفع بهم الحكم البوليسي لتأييده، إلى
المطالبة بزواله والتخلص من قيوده، وإن العالم ينظر وينتظر من شعوب هذه
المنطقة ثورة حقيقية ضد هؤلاء الذين يقيدونه ويمنعونه من الانطلاق في دروب
الخير، وقد استغلوا كل شيء، حتى أسم الله وكلام أنبيائه، ليزيدوا في مآسي
الناس ويباعدوا بينهم.
|