الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


لبنان الحر

 

بعد أن سيطر عرفات على منطقة صور من الراشدية جنوبا وحتى عين بعال في الشرق ومنع الرائد حداد نشر قوات دولية في منطقته ريثما يتم السيطرة على الطريق بين بيروت والحدود فعليا ومن قبل الدولة وحدها أو قوات الطوارئ، أصبح الوضع في الجنوب مهزلة دولية أسقطت كل الآمال المبنية على الأمم المتحدة والعالم الحر. وصار الوضع الداخلي في البلد معرضا للاهتزاز من جديد لأن السوريين كانوا قد مارسوا ضغوطا على مجلس النواب لتغيير قراره ما أدى إلى عرقلة الحل الدولي.

ويتفاقم هذا الوضع بهروب الرئيس الحص إلى الأمام. فبدل أن يقرر إنهاء الحالة الفلسطينية الشاذة في البلاد ولملمة المسلحين من الطرقات وفرض هيبة الدولة على طول الطريق الساحلي، يلجأ إلى معاقبة الرائد حداد وحده وقطع رواتب العسكريين اللبنانيين التابعين لتجمعات الجنوب وذلك ابتدأ من 1/1/1979. هذا القرار، الذي عارضه على ما يبدو الرئيس سركيس، لأنه أشار بخطابه المتلفز بمناسبة نهاية سنة 1978" بأننا بهذه الخطوة، أي قطع رواتب العسكريين في الجنوب، نكون قد قدمنا لإسرائيل خمسمئة من خيرة جنودنا"، هذا القرار إذا، كان "القشة التي قصمت ظهر البعير" بالنسبة لأهالي المنطقة، الذين كانوا يتصورون أن الدولة التي غابت عنهم، قسرا في سنوات الحرب، ولم تستطع الوصول إليهم بالحل العربي، لا بد ستعود إليهم هذه المرة وتعيد لهم الطمأنينة والاستقرار، ولن يعود أبناؤهم مدعوون لحمل السلاح والسهر ليل نهار للدفاع عن بيوتهم وأهلهم والأرزاق، وسيعود الأساتذة والطلاب إلى مدارسهم، والفلاحون إلى الحقول التي بارت خلال الحرب، وسيرجع التجار إلى التبضع من بيروت وصيدا لا من كريات شمونه أو نهاريا أو حيفا. وهم كانوا قد حلموا بالسلم يوم خرج الجيش الإسرائيلي لتدخل قوات الأمم المتحدة. فلماذا تحل القضية بين مصر وإسرائيل ويقام سلام ويتبادلون السفراء وتفتح الحدود هناك، بينما يبقى الجنوبيون وحدهم يعانون من الجوع والحرب، ويتحملون العيش في منطقة مغلقة على لبنان وإسرائيل على السواء، فهم ليسوا أحرارا في اجتياز أي من الحدود، وهم سيعيشون مقهورين مجددا ومجبرين على حمل السلاح ذودا عن الكرامة، فأين دولتهم وأين حماتهم وأين قادتهم ولماذا سقط الشهداء؟...

كان على الرائد حداد أن يتخذ القرار فالدولة ها هي عادت لتقاد برأسين وها هو الرئيس الحص يمتثل لأوامر المحتل السوري ويعاقب الجنوبيين لأنهم تساءلوا عن المصير ورفضوا أن يرتهنوا لأي من سوريا أو عرفات، بينما يكتفي الرئيس سركيس "بغسل يديه من دماء هذا الصديق". ولماذا يعادون الإسرائيليين الذين أظهروا عن التزامهم بقرارات الأمم المتحدة وعدم رغبتهم بالتدخل في شؤون لبنان، وهم وحدهم قد أعانوهم يوم حاول عرفات وأذنابه قهرهم، وقد أبعدوا شبح هؤلاء في عمليتهم الأخيرة، وخرجوا بالفعل من كل أرض الجنوب يوم طلب منهم ذلك؟ ولماذا لا تسيطر الدولة على الفلسطينيين ويرحل السوريون، فتعود إلى البلاد حالتها الطبيعية وتستقر الأمور بوجود قوات الأمم المتحدة ريثما تستعيد الدولة هيبتها وتنظم مؤسساتها؟..

هذه الأسئلة طرحها الجنوبيون على أنفسهم، وعلى قادتهم، ولما طرحوا الصوت على بيروت، لم يكن هناك، من قبل الدولة، إلا جواب الرئيس الرمزي في خطابه بأنه يأسف لما يجري، وكأنه يقول لهم بأن لا طاقة لديه لتغيير الموقف. عندها كان لا بد من اتخاذ قرار واضع وبمستوى الأحداث، فلا يمكن العودة بعد كل التضحيات إلى الرضوخ لسلطة عرفات، ولا يظهر في الأفق أي بصيص أمل بأن بيروت ستقدر على التغيير. وقد بات واضحا بأن سوريا لا تريد إعادة العافية إلى لبنان وأن لها مشاريعها الخاصة، وهي لن تلتحق بقطار السلام الذي تقوده مصر. فكان قرار الرائد حداد في هذه الحالة بحجم الموقف، وأعلن عن نشوء "دولة لبنان الحر" في الأراضي التي يسيطر عليها وعاصمتها بيروت، وأن هدفه هو تحرير كل لبنان من المخربين الفلسطينيين وقواتهم ومن الجيش السوري الذي يربض على صدر اللبنانيين ويمنع عنهم حرية القرار ويحرمهم من إنهاء الأزمة لكي يبقى هو القابض الوحيد على خيوط اللعبة.

وكان إعلان الرائد حداد هذا الموقف خلال الاحتفال الذي جرى على بركة ميس الجبل في الذكرى الأولى لخروج الإسرائيليين في نيسان 1979وفي نفس المكان الذي أنزل فيه العلم الإسرائيلي ليرتفع مكانه العلم اللبناني، وبعد أربعة أشهر على تنفيذ قرار الرئيس الحص بقطع رواتب العسكريين في تجمعات الجنوب.

هذه الخطوة – القرار كانت ضرورية ليستعيد الأهالي أنفاسهم ويرتاحوا لمستقبل المنطقة بأنها لن تعود لتحكم بأزلام عرفات ولا لتقع تحت نيران أسلحتهم وقصفهم العشوائي. وكان لا بد من تنظيم المنطقة مجددا، فلم يعد مقبولا أن يبقى الجميع تحت السلاح صغارا وكبارا، ولا بد أن ينشأ جيش يحمي الناس ويتخصص في الدفاع عنهم، لا أن تبقى الحماية "عونة يا شباب" تقوم على أكتاف المتحمسين الذين يفتقدون في أغلب الأحيان إلى التدريب والتنظيم والانضباط. وعندما تكون المنطقة محاطة بجيوش من دول متعددة، وبدولة تدفع الغالي والرخيص في سبيل أمن مواطنيها، وبعصابات الإرهابيين الذين لا هم لهم إلا إقلاق راحة الناس وجعل حياتهم غير مستقرة وغير منتجة، وعندما يكون جيش غريب يحتل البلاد ويعين حكامها ويفرض سياستها، لا بد أن يبنى جيش من أبناء المنطقة يقوم على حمايتها ويؤمن استقرار الناس وعدم المس بأمنهم مجددا.

كان وجود القوات الدولية يشكل حاجزا بين جماعة عرفات و"لبنان الحر" الذي بدأ يتنظم بعد أن أصبحت حدوده "أمرا واقعا"، وها هو ينظم التجمعات العسكرية ويدرب من أراد الالتحاق بها ليصبح جزءا من الجيش النظامي الذي يتكفل حماية الحدود الخارجية ضد هجمات المتسللين من الجماعات الإرهابية، بينما تؤمن فرق الأنصار في كل قرية وبلدة حماية والسكان والأمن الداخلي.

كان هم الرائد حداد هو تأمين رواتب العسكريين والموظفين المدنيين التابعين للجيش والذين كانت تصل رواتبهم من القيادة حتى 1/1/1979، ولذا فقد طلب من الإسرائيليين تأمين هذه الرواتب التي بقيت تدفع على الصحيفة اللبنانية وبواسطة الرتباء الإداريين في جيش لبنان الحر. وقد اعتبر الرائد حداد هذه المبالغ المدفوعة من قبل إسرائيل كقرض سوف يرده عندما تعود الدولة إلى صوابها وتفرج عن رواتب العسكريين الفعلية.

إذا كان قرار اقتراض الأموال من إسرائيل لدفع رواتب العسكريين هو نقطة البداية في التعاون الذي سيستمر بين الرائد حداد وجيش لبنان الحر من جهة ودولة إسرائيل من جهة ثانية. فما كانت إسرائيل تعطي من ذخيرة وتجهيزات عسكرية قبل عملية الليطاني كان يعتبر مساعدة بدون حساب، وأغلب هذه الذخائر والعتاد كانت من البقايا التي غنمت من حروبها مع سوريا ومصر. وكان الاتصال مع جنوب لبنان يتم بشكل مباشر مع ألوية جيش الدفاع الإسرائيلي المرابطة على الحدود. ولكن بعد إعلان "دولة لبنان الحر"  قامت إسرائيل بإنشاء وحدة "أدال" ومهمتها الاتصال بجنوب لبنان والتنسيق بين قيادته وقيادة المنطقة الشمالية في جيش الدفاع بالنسبة للأمور العسكرية،  ومع باقي إدارات الدولة بالنسبة للأمور المدنية.

كان الهدف الأول للرائد حداد تأمين الحدود فمن المهم جدا أن يشعر المواطن بالطمأنينة ليقدر على التفرغ لأمور الإنتاج الطبيعية، ومن جهة ثانية يجب أن  يشعر الإسرائيليون بأن لهم حليف قادر على تحقيق الهدوء على الحدود بالرغم من طروحاته التحريرية. أما الناحية المدنية فقد حاول الرائد حداد أيضا أن يعطيها شيئا من الاهتمام، فلا يجوز أن يشعر المواطن بأنه سجين في منطقة واسعة نسبيا، بالمقارنة مع ما كانت عليه في سنوات الحرب الأولى، وهو الذي يدفع من دمه وراحة البال، ويساهم أبناؤه في الدفاع عن هذه المنطقة. يجب إذا أن يشعر هذا المواطن بأن له نوعا من الضمانات والحقوق الإنسانية، سيما وأنه يحالف دولة راقية. من هنا كان العمل على تأمين التطبيب بالمستشفيات الإسرائيلية وتنظيم التجارة عبر الحدود، ولو كانت باتجاه واحد. وتأمين العمل في مصانع إسرائيلية قريبة، ولو كانت بأعداد محدودة. وتشجيع المزارعين بإشراف فريق من المرشدين الزراعيين والبيطريين الإسرائيليين لملاحقة الأمور الزراعية وتنميتها. وبينما بقيت المدارس في المنطقة تتبع لوزارة التربية اللبنانية، فرض الرائد حداد أن تقدم الامتحانات الرسمية للطلاب داخل المنطقة، ولو كانت في مراكز الأمم المتحدة. وفرض الرائد حداد أيضا، وربما وجود القوات الدولية، أن تعود الكهرباء إلى قرى المنطقة التي هجرتها مدة الحرب، ولكنه لم يستطع أن يحسن وضع المياه اللبنانية لأنها لم تكن مقبولة حتى قبل الحرب، فسعى لدى إسرائيل لمد قسطل من المياه لإرواء القليعة ومرجعيون من شبكة المياه الإسرائيلية في منطقة المطلة، وحفرت شركة "مكاروت" الإسرائيلية بئرا خاصة لتزويد منطقة بنت جبيل بمياه الشرب داخل الأراضي الإسرائيلية، ومدت الأنابيب وأعدت محطات الضخ وأنشأت خزان كبير لاستيعاب مياه هذه البئر ومن ثم وصلتها بالشبكة اللبنانية في هذه المنطقة. ومنعا للتعدي على حقوق الناس أنشأ الرائد حداد محكمة في كل من بنت جبيل ومرجعيون للنظر في الأمور المدنية ومحاولة حلها قانونيا كي لا يكون السلاح الذي يحمله المواطنون أداة للقهر أو الظلم، وهو الذي يجب أن يكون شريفا نظيفا لا يستعمل إلا للدفاع عن الوطن والكرامة، ولا يمكن أن تجزأ الكرامة أو تصبح قهرا للآخرين. وعلى صعيد العلاقة مع قوات الأمم المتحدة التي عمل فيها عدد لا يستهان به من أبناء المنطقة، شكل الرائد حداد فريق ارتباط مع قوات المراقبة الدولية لحل الإشكالات ومنع التجاوزات. أما الناحية الإعلامية التي كانت، في كل لبنان، ما عدا "صوت لبنان"، تعتبر حكرا على جماعة سوريا وعرفات، فقد حاول الرائد حداد أن يؤمنها، فدعا أحد المبشرين البروتستانت الأميركي الجنسية وهو السيد جورج أوتيس والذي كان يريد إنشاء إذاعة دينية في الأرض المقدسة، إلى فتح إذاعة له في مرجعيون شرط أن يعطي وقتا للأخبار التي يشرف عليها جيش لبنان الحر. وهكذا أصبح صوت الرائد حداد ولبنان الحر مسموعا بين المواطنين في الطرف الآخر من الحدود في قلب لبنان وفي سوريا والأردن وإسرائيل حيث تغطي هذه الإذاعة.

كان جيش لبنان الحر يعتمد أساسا كما قلنا على عناصر التجمعات العسكرية اللبنانية، وهي تألفت بأغلبيتها الساحقة من ضباط ورتباء وجنود مسيحيين وقد شكلت هذه العناصر العمود الفقري لجيش لبنان الحر، ولكن ومنذ أن خرج الفلسطينيون وأعوانهم من المنطقة توافدت مجموعات من الشيعة والسنة والدروز لتلتحق بجيش لبنان الحر، عدى عن أولئك الذين عملوا في قوى الأنصار، وقد جعل هذا التمازج الطبيعي لكافة الطوائف التي تؤلف المنطقة، مقولة السوريين والفلسطينيين، بأن المسيحيين يرفضونهم بسبب الامتيازات التي يريدون المحافظة عليها، ترتد عليهم، فها هم اللبنانيون يجمعون على التعاون فيما بينهم في هذه المنطقة، ويرفضون، مجتمعين، السيطرة الفلسطينية والهيمنة السورية، لا بل يرحبون بالتعاون مع إسرائيل، وإحلال السلام، وفتح الحدود، فلبنان ليس أكثر عروبة من مصر، وأبناء الجنوب ليسوا سلعة تباع وتشرى في أسواق الشام أو بيروت، ووحدهم أبناء هذه المنطقة يتحملون عواقب الحرب وقرارات المواجهة، بينما يقبع باقي المنظرين في قصورهم والملاهي لا يعبأون بما يحل بأبناء الشعب في منطقة تقل مواردها ووسائل الإنتاج بينما يزيد يوما عن يوم التعلق بها والتشبث بالأرض. فها هم اليهود، وقد تجمعوا من كافة أنحاء الأرض وأنشأوا القرى والمزارع، استطاعوا أن يجعلوا من هذه التلال الصخرية أرضا منتجة ومن هذه البقاع الجرداء جنائن معلقة، فلماذا يرحلون هم ويتركونها للخراب بسبب أحقاد الآخرين وسياسات دول العرب المتخمة بأموال النفط والتي تجعل قيمة الجهد الفردي للفلاحين البسطاء تذهب دون تقدير.

 

كانت حدود "دولة لبنان الحر" تبدأ في الغرب عند جسر الحمرا شمال البياضة على البحر وتسير في الوادي بين مجدل زون والجبين حتى شحين ثم تتبع وادي الصالحاني وتدور حول بيت ليف إلى رشاف والطيري فبيت ياحون، ثم تسير مع وادي السلوقي إلى الشرق والشمال حتى مجرى الليطاني عند الخردلي لتصل في أقصاها شمالا عند قرية دبين ضمنا، ثم تدور إلى الشرق إلى ما بعد الخيام وتنحدر جنوبا لتضم الماري والمجيدية حتى الحدود. ولم تدخل منطقة حاصبيا ضمن لبنان الحر ولكن كان هناك مجموعة من أبناء هذه المنطقة قد التحقت بجيش لبنان الحر. أما  المعابر فقد كان هناك ثلاثة تصل بلبنان وهي: في الشرق معبر مرجعيون- إبل السقي، وفي الوسط معبر بيت ياحون-تبنين، وفي الغرب معبر جسر الحمرا. أما معابر الجنوب باتجاه إسرائيل فكانت: من الشرق معبر كفركلا- المطلة، ثم معبر ميس الجبل- النبي يوشع ومعبر رميش- بيرانيت في الوسط، ومعبر علما- حانيتا ومعبر الناقورة الدولي في الغرب. وأصبح على المواطنين العابرين شمالا أو جنوبا التزود بتصريح من رجال الأمن في لبنان الحر.

www.chahadatouna.com

 
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها