الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


هاجس الجنوب عشية 1975

 

كانون الأول 2003

تتالت الأحداث على الساحة اللبنانية وكثرت المشاكل من قيام المنظمات الفلسطينية بعمليات مناوشة الإسرائيليين إلى رد هؤلاء بعمليات مماثلة ما يؤدي إلى نزوح الجنوبيين مع كل الفلكلور المرافق من صور السيارات المحملة بالفرش واللحف إلى النساء الباكيات على فقد منزل أو عزيز إلى ردود فعل الجماهير والصحف والأحزاب وكلها تصب في خانة واحدة تغمز من طرف الحكم في لبنان وتقلل من رغبة، إذا لم تكن قدرة، الجيش على حماية الوطن. وبعد العمليات على الحدود والعمليات المضادة بدأت عمليات الانتقام من المواطنين في الجنوب بتخوينهم واتهامهم بالعمل مع الإسرائيليين ونقل معلومات عن تحركاتهم والاقتصاص منهم، ثم ما لبث هذا التخوين أن طال المتهمين بالعمل مع الدولة ضد المنظمات، ودرج الخطف والقتل دون أن يكون للدولة وأجهزتها القدرة الكافية على حفظ المواطنين إن من خطر المنظمات الفلسطينية ومن خلفها، أو من ردود فعل الإسرائيليين بعد كل عملية.

في هذه الفترة كبرت العمليات وتوسعت وإذ تقوم إحدى هذه المنظمات بخطف طائرة أو بعملية كبيرة في مطار اللد يرد الإسرائيليون بعملية في مطار بيروت فيقضون على أسطول الطيران المدني اللبناني وهو جاثم على الأرض، وبعد عملية كبرى في أوروبا تدخل فرقة كوموندوس إسرائيلية إلى قلب فيردان لتقتل ثلاثة قياديين من المنظمة، فتقوم قيامة الفلسطينيين وكل المعزوفة اليسارية وينتشر المسلحون في الشوارع ويصبح التخريب في شوارع بيروت هدف المتظاهرين. في هذا الجو من إثارة الأحقاد وتهييج الناس ضد الدولة بدأ المسيحيون في كل لبنان يخافون بجد على الدولة ومصيرها، وهكذا صار ولاؤهم للجيش أكبر، وما لبث هذا الولاء أن تجسد في اشتباكات مع عناصر المنظمات شملت مناطق في قلب لبنان،

وكانت أحداث الكحالة والدكوانة التي برز فيها الشيخ بشير الجميل قائدا شابا يسعى لحفظ كرامة اللبنانيين وحقهم بالسلم والنظام والحياة الحرة الكريمة في بلدهم دون تدخل هذه المنظمات والأحزاب المأجورة والتي تستمد أفكارها وأوامرها من الخارج ولا تسعى إلا إلى تخريب البلد. كانت هذه التطورات باب الأحداث التي تدخل فيها الجيش السوري في معركة مع الجيش اللبناني في منطقة راشيا حيث استطاع الجيش اللبناني إثبات قدرته على التصدي لأي اعتداء، وكانت الضغوط من سائر الدول العربية ومن الداخل حيث عاد البعض إلى التشكيك في الوطن والدستور والميثاق ومن بين هؤلاء رسالة واضحة من مفتي الجمهورية الذي قال "إن المقاتلين الفلسطينيين هم جيش المسلمين"، ما أدى لا إلى وقف السيطرة الفلسطينية بل إلى تشريعها عبر اتفاق القاهرة حيث تنازل لبنان عن سيادته على المخيمات ومنطقة العرقوب في الجنوب لتصبح جرحا مستمر النزف وبابا لعدم الاستقرار وصارت الطرق المؤدية من وإلى هذه المنطقة المفتوحة والتي سميت "فتح لاند"،  ممرات يسيطر عليها الفلسطينيون، وزاد التدخل بشؤون الناس وتوقيف الأشخاص تحت شعار حماية المقاومة.

في هذا الجو المتوتر والذي يسوده القلق على المصير والمستقبل صار هاجس الجنوبيين التهجير، وخوفهم الوحيد هو أن تتكرر أحداث فلسطين بتهجير الجنوب وسيطرة إسرائيل عليه. وهكذا صار الكلام عن الصمود في الأرض والبقاء فيها وعدم السماح بإشعال فتيل الحرب التي سوف يدفع ثمنها الجنوبيون الفقراء وحدهم إذا ما أجبروا على التهجير. ولذا قام الأهالي بمطالبة الجيش بحماية القرى ومحيطها من مرور الفلسطينيين المسلحين ما أدى إلى مزيد من التجاوزات والصدامات. من جهة أخرى، ولطمأنة الجنوبيين حول المستقبل، دعى الشيخ موريس الجميل الذي كان وزير التصميم يومها إلى إنشاء مجلس الجنوب وإلحاقه بوزارته ليكون إدارة خاصة لتطوير الجنوب وإنمائه فيصبح مركز استقرار وإنتاج ويمنع التهجير بسبب أو بغير سبب ويوقف تردي الوضع هناك. ويعتبر الشيخ موريس الجميل من أهم الشخصيات اللبنانية التي عملت بشكل علمي على التخطيط للبنان المستقبل وقد كان أحد مشاريعه يقوم على استغلال المياه لتوليد الطاقة من جهة ثم جرها بالانسياب إلى دول الخليج المحتاجة للماء ما يضيف واردات كبرى إلى خزينة الدولة كانت كافية بنظره لكي يكون سعر الوقود في لبنان أرخص منه في دول البترول نفسها ويوزع من عائدات الكهرباء والماء على الشعب اللبناني ما يوازي مئة دولار شهريا للعائلة. من هذا النوع من الرجال الوطنيين والمخلصين لشعبهم والمخططين لمستقبله كان الشيخ موريس، وعندما طرح مشروع مجلس الجنوب كانت فكرته أن يقيم المصانع الإنتاجية في الجنوب بتخفيض الضرائب وتأمين الخدمات من مواصلات واتصالات لتشجيع المستثمرين على إنشاء مثل هذه المصانع في الجنوب.

ولكن ما جرى أنه عندما أنشئ مجلس الجنوب توفي الشيخ موريس فصار هذا مكتب "شحادة" واستزلام ومركز توزيع حصص وتعويضات عن أضرار تلحق بالناس من جراء عمليات إسرائيل، وصار الجنوبي، بدل أن يرفض وجود الفلسطينيين لخوفه على منزله أن يهدم مثلا، مطمئنا بأن مجلس الجنوب سوف يدفع التعويض، ومن هنا صارت المتاجرة بقصة التهجير والهروب كلما سمع صوت قذيفة أو دخلت دورية الحدود، وصار الجنوب عبئا على الوطن ثقيلا فهو مدخل الصراع وعدم الاستقرار من جهة، وهو باب الإهدار "المشروع" من جهة ثانية. وقد شجعت هذه الخطوة الجماعات اليسارية على التعنت وزيادة المطالبة بالفوضى والتخريب...

بعد الاشتباكات الفعلية بين الجيش والفلسطينيين والتي أدت إلى اتفاق القاهرة المشؤوم صار واضحا بأن البلد ذاهب نحو الفوضى ولذا كان العمل على وحدة المسيحيين من أجل الدفاع عن الوطن وكان الحلف الثلاثي أول بوادره إذ أتي بواسطة الديمقراطية الانتخابية بأغلبية انتخبت سليمان فرنجية ابن زغرتا المعروف بوطنيته، وهو صاحب شعار "وطني دائما على حق"، ليضع الحد لتصرفات الفلسطينيين ويمسك الدولة بيد حديدية، ولكن وبسبب رفض الشريك المسلم في الحكم، لم يقدر فرنجية في أحداث 1973، بالرغم من أن الجيش كاد أن يقضي على المنظمات وقد طوق المخيمات بعد حرب فعلية خاصة في المدينة الرياضية وبعد التهديد السوري والضغوط السعودية، أن ينهي التمرد الفلسطيني بل أوقفت المعارك لتعطي للمسلحين الفلسطينيين دفعا جديدا وتجعل الشارع المسيحي هذه المرة يبدأ بالتحرك، فتقوم المظاهرات لدعم الجيش. ولكن فهم المسيحيون في داخلهم بأن الدولة التي حلموا بأنها سوف تحميهم غير قادرة على ذلك، وبينما كان السلاح يوزع من قبل المنظمات على كل محازبيها ليشكل جبهة ضد الجيش، بدأت الأحزاب اللبنانية بالتدريب الجدي لحماية النفس.

في هذه الأجواء كان قد لاح في الجنوب نجم الإمام موسى الصدر، فهو الذي سكن صور وعرف عنه تسامحه الديني وانفتاحه على المسيحيين في وقت غالت فيه الأحزاب اليسارية برفضها للدولة واتهام المسيحيين بأنهم عملاء الغرب من جهة، ودافعت عن الثورة الفلسطينية بكل عنف من جهة أخرى، ظهر الإمام الصدر بأنه الرجل المعتدل والمنفتح بعكس بقية رجال الدين المسلمين والسنة خاصة، فحلم المسحيون بشريك جديد بوزن رياض الصلح لا بل قد يكون أقدر، فصار الإمام سيد الكلام في المجالس، ودعي إلى المحاضرة في الجامعات المدارس، في الكنائس والنوادي، وكتبت عنه الصحف والمجلات فهو الذي يدعو إلى إنصاف اللبنانيين في هذا الوضع الحرج، وقد تحدث عن العدالة وتنفيذ الشراكة الحقة من داخل المؤسسات وليس بالعنف والثورة. وبدأ بمحاولة مسك الشارع الشيعي الذي كانت تسيطر عليه الأحزاب اليسارية والمنظمات الفلسطينية، وأنشأ المدارس والمؤسسات وخاصة المجلس الشيعي الأعلى، واستطاع أن ينتزع محافظة للشيعة هي محافظة النبطية لتصبح المحافظة السادسة، وصار الناس يرون فيه أملا لبناء دولة حقيقية يؤمن كل أبنائها بأنهم جزء أساسي منها وتقوم على نظام ديمقراطي يعترف بحقوق وواجبات الكل تجاه الدولة... ولكن الإمام، وكما المسيحيين بعد أحداث 1973، صار يفتش عن طريقة للدفاع عن النفس فتغير خطابه السياسي وصار عنده "السلاح زينة الرجال" ونقل عنه ذلك القول المشهور "بيعوا الرغيف اقتنوا السلاح" وظهرت أفواج "أمل" لتكون درع الشيعة في أحداث الوطن. وهكذا صارت البلاد عشية الأحداث ثلاث فئات كبرى هي: اليسار الذي يشمل السنة ودروز جنبلاط الاشتراكيون من جهة، والمسيحيون بكافة أحزابهم من جهة أخرى، بينما وقف شيعة الإمام بين الاثنين...

وفي الجنوب وبعد أحداث 1973 قرر الجيش، الذي لم يستطع حماية الأهالي بواسطة الدولة والقانون وبدأ يخاف على مؤخرته من أن تضربها عصابات المسلحين، بتدريب فرق الأنصار داخل قرى المنطقة الحدودية وتسليحهم ليكونوا عونا له من جهة، ويتمكنوا من الدفاع عن قراهم ضد تدخل المسلحين الفلسطينيين وأعوانهم من جهةأخرى... 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها