نصر
الله والحرب القادمة
عودنا السيد نصر الله على
التوجه إلى إسرائيل كلما حشر في الموضوع الداخلي، وحتى اليوم لم تبخل
عليه إسرائيل بالعون والدعم بعد، إن بشكل مباشر أو غير مباشر، مقصود أو
غير مقصود. فمنذ نشأته بدا أن حزب الله يتعدى في أهدافه الساحة
اللبنانية، وهو يعمل بشكل أكيد ومبرمج على تحقيق اهداف إيران. فبالسيطرة
على الشرق الأوسط الغني بالنفط تصبح إيران قوة كبرى تفرض شروطها
واحترامها على العالم لا بل تجعل العالم يفاوضها على أمور كثيرة ليس
أقلها اليوم السيطرة على التطرف الاسلامي التي تحاول أن تجعل منه "بعبع"
الغرب وعدو الحضارة والعائق الوحيد أمام الانفلاش الاقتصادي للشركات
العالمية؛ القوة الاقتصادية الفعلية للدول الصناعية الكبرى.
حزب الله، الذي يعتبر وحدة
إيرانية على المتوسط، يلعب دوره بجدية، فهو عرف كيف يسيطر على الطائفة
الشيعية في لبنان، وهي واحدة من الطوائف الكبرى فيه، وعرف كيف يجند
الآلاف من أبنائها، وكيف يستغل سذاجة الشارع العربي في مقولة "محاربة
إسرائيل" والتغلب عليها. وباراك، رئيس وزراء إسرائيل، لم يكن ساذجا يوم
اختار بين تحالف دولته مع جيش لبنان الجنوبي الذي كان لبناني الولاء مئة
بالمئة، وبين مهادنة الوحدة الإيرانية التي يشكل قتالها لإسرائيل مظهرا
دعائيا، ليس إلا، تحاول بواسطته كسب موقف، لا يشكل بالضرورة ضررا على
"الكيان الصهيوني"، بل قد يشكل أحيانا كثيرة دعما أكبر في المجتمع الدولي
لمواقفها ومخاوفها، واستدرارا لسخاء اليهود في العالم وعطفهم على دولتهم
الناشئة والتي تعيش كزهرة بيت أشواك الشرق الأوسط التي تزداد قساوة يوما
بعد يوم.
حزب الله، وفي تخصصه في
الاخراج الاعلاني، عرف كيف يدير خيوط اللعبة؛ فهو أبقى ولاءه لسوريا بدون
غبار، لحاجته لنظام دمشق الذي يرعى الارهاب في المنطقة ليصبح عنده الولد
المدلل ويمسك وحده بهذا السلاح، وهو دخل بيوت الفقراء الشيعة ليجعل منهم
أدواته المثلى ووسائل القتال فيدفع بأبنائهم للتضحية والموت لإرهاب
الآخرين، مقابل ما يغدقه من "المال الحلال"، مال النفط المرسل من طهران،
ومن "مال الخوة"، مال الدولة اللبنانية التي أفهمهم بأنها تقوم بأقل
واجباتها عندما تدفع لهم بدل "المقاومة".
السيد نصر الله، المتخصص
في قتال "العدو الصهيوني"، يقف اليوم أمام الباب المسدود مجددا، فهو
عندما سقط الغطاء السوري حاول التمسك به قدر الامكان في 8 آذار ولم يفلح
لأن الشعب قام بتحركه الضخم وأظهر له حجمه الحقيقي، فإذا به يعود إلى
التخويف بالسلاح والتهديد بالرعب فيستوعب بعض الزعماء الذين لم يتصوروا
أن تخرج سوريا بهذه السرعة وتصبح مواجهة مشاريعها أمرا مفروضا عليهم،
فيدخل من طاقة التسوية الانتخابية بدل أن يخرج وسلاحه مع مشاريعه
الإيرانية من الباب الواسع كما فعلت سوريا. ولكن الذين ناضلوا في سبيل
الاستقلال لم يرق لهم الوضع فالتف عليهم بوهم "التفاهم" ولعبة "الحوار"
الذي أساسه تسليم سلاحه، وكسب الوقت محضرا ضربته التي استند فيها مرة
أخرى على موقف إسرائيل في عدم الرغبة بفتح جبهة جديدة مع لبنان ليظهره
مجددا البطل القومي الذي لا بد منه. ولكنه فشل بعدم التقدير، وكان الرد
الإسرائيلي أقوى من أن يتحمل فانهار واختفى مستجديا وقف القتال بعد أن
تدمر نصف لبنان وفقد أكثر ترسانته وعظيم رجاله. ولكن الدعم جاءه من قبل
الفريق الحاكم، بحسن نوايا أو بقصر نظر، ما أعاد له الحياة. ثم، وبالطبع،
نزل عليه "المال الحلال" والغباء السياسي في فن المناورة ليضيفا إلى ضعف
القرار والخوف من المواجهة، فيعود إلى الحياة ويبدأ هجومه الجديد.
هجوم السيد هذه المرة كان
على النظام الذي أنقذه، وعلى الشعب الذي تظاهر في دول العالم من أجل أن
يمنع القضاء عليه، فإذا به كالحية التي لم يقطع رأسها تقوم وتعاود
الانقضاض. ولكن هجومه هذا فشل أيضا بتصميم اللبنانيين،
ورؤية المراجع الدينية، وتململ الشيعة الذين قادهم نحو الهلاك في مشاريع
تدميرية وهمية.
إعتقد السيد بأن الرئيس
السنيورة سيسقط أمام هجوجه العسكري المحضر بدقة والمدعوم من رموز كان لها
تأثير بين الجماهير، ولم يدرك بأن الشعب اللبناني يعرف أكثر من غيره ويحس
بالخطر على المصير وهو لا يوالي الاشخاص، بعد كل ما عانى من الحروب
والنضال، بل يوالي المبادئ، ولذا فهو أمام حل من إثنين، إما التراجع
والقبول بالمطروح أو الاستمرار والانتهاء في الشارع. وهذا هو الباب
المسدود، ولذا كان عليه الرجوع إلى الابتكار، وإلى الأفكار الخلاقة التي
تحرك الجماهير في الشارع العربي لتنسى ما يقوم به وتغفر له ذلاته فيجد
المخرج.
فإين سيجد السيد ضالته إن
لم يكن عند "العدو الصهيوني"؟ ولذا فهو انتظر هذا "الدعم" الجديد الذي
تمثل هذه المرة بالتركيز على عملية التقييم والمحاسبة التي يجريها مجتمع
متطور ديمقراطي، وهي آخر ما كان يجب أن يلجأ إليه "سيد المقاومة"، لأنها
بالضبط النقطة المركزية في أخطائه المتكررة وأخطاء الزعماء العرب أجمعين
وأخطاء الشعوب التي تخضع لهم بدون تفكير أو نقاش.
إعتبر السيد، المحشور بين
معسكراته في ساحة "أب الاستقلال اللبناني رياض الصلح"، وبين الواقع الذي
أعاده إلى حجمه الصحيح كزعيم ميليشيا ترفض تسيلم سلاحها للدولة بعد كل
المصائب التي جرتها على البلد، وكل الخراب الذي تسببت به، بالرغم من تطوع
العالم أكثر من مرة ليزيل عن شعب لبنان آثار الكارثة التي أوقعته فيها،
وهي لا تزال تصر على المضي في غيها واستغباء الناس، إعتبر أن استقالة
"دان حالوتس" رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هي خشبة الخلاص له ولمشاريع
إيران السلطوية وتهرب الأسد من مواجهة المسؤولية عن جرائم النظام التي قد
لا يكون مسؤولا عنها شخصيا. فالسيد حاول أن يجعل نفسه سببا لاستقالة رئيس
الأركان في دولة إسرائيل، وإذا كان الشعب الإسرائيلي يعرف أن يحاسب
مسؤوليه الذين يقصرون في واجباتهم، فالأولى بنصر الله أن يختبئ من أمام
شعب لبنان الذي لا يقل ذكاء ولا تعلقا بوطنه، وهو يعرف بالضبط من قاده
إلى الخراب ومن قتل أبناءه وشرد أهالي الضاحية والجنوب.
الشعب اللبناني، يا سماحة
السيد، لن يغفر لك ولا لحزبك، ومن هنا خوفك الذي في محله، وسوف تنتهي،
للأسف، حيث لم نكن نريده لك. فاللبنانيون الذين أرادوك زعيما لبنانيا
ليسوا أغبياء، ولم تكن أنت أذكى منهم لتلعب على حسن تقديرهم ورؤيتهم،
ولكنهم أعطوك الفرصة لتعود إلى ضميرك وتتحسس المسؤولية، وهي أولى بمن
يلبس العمامة رمز الحكمة والتدين، فتصبح زعيما وطنيا بكل معنى الكلمة، لا
أن يقودك السراب إلى تدمير الوطن وقتل الشعب وهدم أفضل نظام لحماية
الأقليات، التي بقي الشيعة في لبنان يعتبرون أنفسهم إحداها حتى الأمس
القريب، في هذا الشرق الملئ بالأحقاد.
كان الأولى بك، وأنت من
يطالب بالاحترام، وهو حق للجميع، وإذ أشرت إلى تصرف "حالوتس"، أن تتعظ
وتقدم على الاستقالة، إن كنت أنت من أعطى الأمر بالعملية الغير مدروسة
النتائج، لأنك قلت على شاشة الجزيرة بأنك "لو كنت تعلم... لما أقدمت"،
ومن لا يعلم ويحاول الاعتذار لا يشمت بمن يتصرف بشهامة (عربية) وينسحب
بشرفه واحترامه من الميدان.
كان الأولى بك، يا سيد
المنابر، أن تعلم اللبنانيين والعالم أنه آن الأوان لنا أن نأخذ العبر،
حتى من العدو، ونبدأ بالنقد البناء ومراجعة الأخطاء، كما تحاول أن تعظ
الحكومة وتطلب منها الرجوع عن الغلط. والأفضل، الذي كنا نتمنى أن نسمعه
منك في مناسبة العاشوراء، هو قرار بالخروج من الشارع والمبادرة إلى
التخلي عن السلاح بدون أن يدعوك إليه أحد، لا أن تبدأ باختراع أسباب
لمعركة مع اليونيفيل متذرعا بأوهام كتصوير المستحمين في نهر الليطاني في
عز كانون الأصم، دافعا مأجوريك للبدء في تحسس ردود الفعل العالمية من
مواجهة مزمعة مع هذه القوات تخطط لها غرفة العمليات المشتركة وتريدك أن
تبدأ بتحضير أجوائها.
ونقول في هذه المناسبة،
إذا كان الخروج إلى الجنوب مجددا هو ثمن الخروج من ساحة رياض الصلح فتلك
مشكلة كبرى نحذر الحكومة من مغبة الخوض فيها لأن لبنان إما أن يقوم على
أساس دولة قادرة على حماية كل ترابه وقادرة على الإيفاء بكل تعهداتها
وارتباطاتها الدولية والإقليمية، وإما لا يكون. والرسالة التي يجب أن تصل
إلى مسامع المجتمعين في باريس يوم الأربعاء لن تكون من طرف واحد. وما
يحاول حزب الله وأعوانه القيام به يوم الثلاثاء من التهديد بالعنف وقطع
الطرقات، لا يجب أن يجعلنا نقبل بالحلول المؤقتة التي على الشعب
اللبناني، الذي سئم الصفقات على حسابه والهدن المؤقتة، أن يمنعها، وحذار
مما يطبخ للجنوب فنحن لسنا بحاجة لحرب جديدة يقوم بها حزب الله لصالح
تفاهم إيران والغرب مرة أخرى على حساب حياة أهل الجنوب واستقرارهم.
تورونتو/كندا
21 كانون الثاني 2007 |