الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


خطاب السيد الأخير وروائح الحشر

هل يكون سيد المقاومة، وخطيب الساحات، وصاحب الكاريزمة، فقد ثقته بالنفس وبدأ يتصرف بتشنج؟ ولماذا التشنج، فهل هو تعهد بشيء ولم يستطع التنفيذ بعد؟

من سمع خطاب السيد اليوم لم ير فيه ذلك الارتياح المعهود لسيد المقاومة في تخاطبه مع الجماهير، فهو بدا متشنجاً، ولأول مرة زاد في التهجم الغير الموزون، حتى أنه قارب الكذب المفضوح، ما جعل بعض أركان الحكم ومؤيديه يسارعون إلى الرد وتفصيل الكلام الغير صحيح بطريقة أكثر لياقة منه، وكأنهم يمسكون خيوط اللعبة أفضل مما يمسكها من اعتاد الناس النظر إليه وكأنه من غير طينة معصوم عن الصغائر ومرتاح لما يقول ويفعل.

السيد حسن لم يبدو متماسكا هذه المرة، ومن هنا خوفنا من أن يتصرف بدون تروي فيقود البلاد، التي لم تكد تخرج من الأزمة التي جرها إليها الصيف الماضي، نحو أزمة من نوع آخر يفرضها عليها اليوم فتبدو أخطر من تلك.

السيد حسن الذي كان أختار في تموز الماضي أن يفتح البركان الإسرائيلي على مصراعيه لينقذ إيران، كما قيل، من أزمتها مع الغرب بسبب مشروعها النووي، أو أقله يحول الأنظار في اتجاه آخر، ولم يأبه لما جرّه على لبنان وبنيه، ولا حسب حساب الخسائر التي مني بها في الأرواح والممتلكات وخاصة في مناطق أبناء طائفته، لا يأبه اليوم، على ما يبدو، ولو أدى التحرك الذي دعى إليه إلى نسف السلم الأهلي الذي يداريه لبنان وبنوه ويحافظون عليه برموش العيون، كما يقال.

السيد حسن، ليس فقط، لا يبدو مهتما بنتائج التعبئة المذهبية التي يعمل وحزبه على صقلها وشحذها وتغذيتها منذ سنين، ولكنه يصر على استعمالها والذهاب بها إلى آخر الطريق، فهل يشعر فعلا بأن الأمور تضيق من حوله؟ أو أن الضغط الإيراني السوري أكبر من أن يعطيه الفرصة لاستيعاب الأمور؟

صحيح بأن نتائج مغامرة الصيف الماضي قد أدت إلى خسائر كبرى، ليس أقلها مجال المناورة وملعبها الأساسي، أي الحدود مع إسرائيل، حيث اعتاد وأسياده على التخطيط لمناوشة هنا وضربة هناك تعيده إلى واجهة الأحداث كلما خفت وهجه وشح الزيت في سراجه، ولكنها أيضاً، وإذا ما سارت الأمور كما يجب، سوف تمنع عنه السلاح والتذخير، وشيئاً فشيئاً مجالات الامداد كلها، وساحات المفاخرة وما تجره من امتيازات.

السد حسن، وهو المتميز بقدرته على استيعاب المتغيرات سريعاً، أدرك دون شك أن الأمور سائرة نحو إغلاق "الدكان"، ليس فقط من قبل الحكومة، ولكن بمساعدة العالم الحر الذي يساند بقوة استقلال لبنان وحرية بنيه. أدرك أيضا أنه لم يعد هناك مجال لسوريا أن تضغط سيما وأن ترسيم الحدود كلها بين البلدين وضبطها سوف يتم شاءت سوريا أم أبت.

السيد حسن أدرك أيضاً أنه لن يقدر أن يتحكم بالطائفة الشيعية إلى ما لا نهاية، وأنه لا بد لهؤلاء أن يخرجوا من هيمنته عليهم ويرتاحوا من تسلطه. ولذا، وبعد استشارة الأسياد والتخطيط السريع لرد على مستوى الوضع، قرر رفع السقف والمطالبة بما سماه، حكومة وحدة وطنية، وبالثلث المعطل، وهو يعلم بأن طلبه لن يقبل، ولذا كان الاصرار.

أي حل بالنسبة للسيد وحزبه يمس بالمكتسبات والامتيازات مرفوض، فقد طالما نادى الشيعة بالحرمان وإذا بهم اليوم الطائفة المميزة، وذلك لأنهم "مقاومة"، وإذا بطوائف أخرى تأخذ مكانهم بالحرمان ولكن بدون المجاهرة والمطالبة فهل يقبلون بالتخلي بسهولة عن المكاسب؟

السيد حسن لم يتهجم فقط في خطابه، ولكنه اتهم، وهنا تكمن الخطورة، فنحن لم ننس بعد الاغتيالات التي تستهدف الزعماء والمنظورين، فهل الاتهام بالقتل والتخطيط له والاتهام بمساعدة العدو ضد "المقاومة" تبعد عن التبرير لأعمال القتل؟ وماذا يريد "سيد المقاومة"؟ أن يدخل البلد في صراع دموي وسلسلة من القتل والقتل المضاد؟ ومن يكون المستفيد من ذلك؟

إن المعلومات التي تكلمت عن لائحة اغتيالات ستطال شخصيات عديدة قد يكون لها أساس وعندها فمن يقدر على تبرئة السيد وجماعته وهو يجاهر أمام الحشود وكاميرات التلفزة بالتحريض والوعيد؟ أم هل يكون تسريب المعلومات عن مجموعات الاغتيال جزء من التحضير النفسي لتلك العمليات؟

صحيح أن الدخول في المشكل سهل، ولكن الخروج منه لن يكون من السهل أبداً، ونحن نذكر جيداً كيف بدأت الحرب ونعرف أننا لا نزال حتى اليوم نعاني من ذيولها، فهل يدخلنا نصر الله مجدداً بهذا النفق الذي لا يعرف أحد كيفية الخروج منه؟ أم أنه لا يزال يعتقد بقدرته على ضبط الأمور؟

نحن لم نثق أبدا بقدرة نصر الله إلا في الخطابة واللعب على العواطف، ونعلم جيداً بأنه إنما ربح في المعركة الاعلامية، ومن هنا نتوجه إليه بصدق أن يبعد الكأس التي يرفعها عن لبنان، فكفى هذا الشعب المسكين دماراً وتقتيلاً وحروباً، وإذا كان واثقاً من شعبيته فالأيام آتية، ولنترك الشعب يعيش ليقدر على اختيار ممثليه المقبلين بجدارة بعد أن يكون قد اقتنع أكثر من سوء إدارة هؤلاء الذين لم تتركوا لهم الفرصة أن يحكموا بعد.

الأيام القليلة القادمة ستشهد دون شك، تطورات دراماتيكية وانزلاقات، قد تكون خطرة على مستقبل لبنان، ولذا فالمطلوب مزيداً من التعقل ومزيداً من بعد النظر، والأهم مزيداً من التحلي بالمسؤولية، فالوطن أمانة في أعناق الكل والتاريخ لن يرحم. 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها