حزب الله والحوار
يقول السيد حسن نصرالله زعيم حزب الله بأن حوارا "عميقا" يجب أن يجري بين
اللبنانيين حول الأمور الأساسية، ولا نفهم هنا إذا كان يقصد بأنه لا يعتبر
"الطائف" اتفاقا أنهى الحرب بين اللبنانيين وأرسى قواعداً وأموراً أصبحت
جزءاً من الدستور. ولكن قراءة عميقة لمواقفه تدلنا على أن السيد، الذي اقتطع
قسما من لبنان واستفرد بإدارته دون أن يتجرأ أحد على مجرد السؤال عن ذلك وإلا
أصبح خائنا وعميلا لإسرائيل، لا يريد بأي شكل تنفيذ هذا الطائف لأنه بحسبه
يجب أن يسلم سلاحه ككل المليشيات اللبنانية ويصبح جزءا من الشعب اللبناني لا
وصيا عليه.
السيد نصر الله الذي يسيطر على كل مناطق التواجد الشيعي الأساسية في لبنان
وهي الجنوب والضاحية والبقاع وهذه تعتبر أكثر من ثلث مساحة لبنان وشعبه، لا
يريد بالطبع التخلي عن هذه المكاسب، وهو هنا وإن كان يتنافس فيها مع حركة أمل
إلا أنه ومع خروج سوريا قد يصبح القوة الوحيدة على الساحة، فحركة أمل، بخروج
السوريين، لن تعود قوة يحسب لها حساب وهو يريدها أن تتنافس مع بقية التيارات
والفئات الشيعية دون المساس به، فهو فوق الجميع وهو يملك الحق بالتصرف بهذه
المناطق ريثما يأتي الوقت للسيطرة على غيرها، أوليس هو من أخرج إسرائيل أو
سمح لها بالخروج؟
وحزب الله لم يتراجع عن مبدأ الجمهورية الإسلامية التي يحكمها الولي على غرار
الجمهورية الإيرانية، ولكنه توقف مرحليا عن هذه المطالبة ليصبح مقبولا من كل
اللبنانيين ريثما تتغير الأمور.
وحزب الله يفضل الدولة الموحدة على الدولة الفدرالية مثلا، لأنه يأخذ منها
دون أن يدفع ما عليه لها، فحتى ثمن الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات تقدمها
الدولة المركزية له دون مقابل، وكافة جباياته هو يتصرف بها كما يشاء، فهو
يفرض الخمس على الشيعة المتمولين في أفريقيا وأوروبا والعالم دون أن يحاسبه
عليها أحد، وهو يتلقى من إيران مبلغ مئة مليون دولار سنويا دون أن يقاسمه
عليه أحد، وهو يفرض على الدولة أن تدفع حتى معاشات عناصره تحت شعار المقاومة،
ومن الطبيعي بعد كل هذا أن يقدم بعض الخدمات الاجتماعية لجماعته فيبدو وكأنه
المترفع عن الصغائر والمتعالي عن المكاسب الخاصة. هو يرعى، بالاشتراك مع
السوريين، مشاريع تتعلق زراعة وحماية "صناعة المخدرات" وتهريبها وعمليات
تزوير العملات وتسويقها.
وحزب الله يحارب التقسيميين والمطالبين بتغيير النظام لأنه مرتاح إلى هذا
النظام، نظام المكاسب، وعلى الغير، وحتى السنة منهم، أن يدفعوا الجزية، فهو
من أخرج إسرائيل أو سمح لها بالخروج.
وحزب الله يريد أن ينفرد بالحرب والسلم، فهو يمنع أي من التنظيمات الأخرى أن
تقاتل إسرائيل، ويوقف كل مسلح يتوجه صوب الحدود، وقد يكون ذلك ثمن انسحاب
إسرائيل له، تنفيذاً للاتفاق المعقود في السويد، والذي يعرفه جيدا السيدان
لارسن وساترفيلد، وهو يقوم بواجبه في حماية هذه الحدود ويمنع أي تسلل عبرها،
ولكنه يبقي مسمار جحا الذي استنبطه السوريون في مزارع شبعا لكي يحافظ على
مبرر الوجود.
وإذا كنا سنقبل بأن يعرض كل من يشاء من فئات الشعب اللبناني أمن البلد للخطر،
ويحدد على هواه علاقاته مع جيرانه، فلماذا يسمح لحزب الله أن يقرر عن
اللبنانيين في موضوع الجنوب وإسرائيل بينما كل العرب، وخاصة الفلسطينيين
أصحاب المشكلة، يتفاوضون معها كل يوم، ويقيمون العلاقات، ويأخذون بالتفاوض ما
لم يستطيعوا أخذه بالقوة، ولا نسمح في نفس الوقت لسنة عكار، مثلا، بفتح جبهة
ضد العلويين عبر الحدود وهم لهم ما يكفي من المبررات لذلك، ولماذا لا نسمح
للدروز في حاصبيا أن يساهموا في تحرير المناطق الدرزية في حوران وجبل الدروز
من الوصاية السورية، أو لموارنة جبيل، مثلا، بفتح جبهة مع يونان قبرص أو
أتراكها لمساعدة موارنة قبرص على استرجاع حقوقهم المغتصبة، أو للكلدان
والآشوريين بإنشاء منظمات لتحرير المناطق المسيحية في العراق؟
حزب الله يلعب اللعبة الخطرة على مستقبل لبنان والشرق الأوسط، فقد كان المثال
للفلسطينيين الذين قاموا بما سموه انتفاضة الأقصى والتي جعلت المناطق
الفلسطينية تتعرض لما لم تتعرض له من قبل وتدفع كل ما جنته خلال سنين من
العمل والكد لتحسين أوضاع الناس. وقد كان المثال أيضا لبن لادن ليقوم
بهجوماته الانتحارية ضد الولايات المتحدة والغرب. من هنا فقد كان القرار
الدولي 1559 يطالب بنزع سلاح هذا الحزب وتسليم عناصره المطلوبة في جرائم
إرهابية ضد الإنسانية، وإذا اعتقد اللبنانيون بأن القرار كان لتحرير لبنان من
الوصاية السورية فقط، فهم مخطئون، ولن يستقر الشرق الأوسط إلا بتفكيك هذا
الحزب ونزع سلاحه ومحاكمة عناصره المطلوبين.
إن ما يحاوله السيد نصر الله من التحايل على القانون الدولي والقرار 1559
والتخفي وراء رغبة لبنانية "جامعة" لوصفه بالمقاومة وليس بالإرهاب، هو قراءة
خاطئة للوقائع لن تفعل إلا زيادة القصاص وطريقة التخلص من هذه الرواسب. فقد
يكلف بقاء هذا الحزب في لبنان بتعنته وعنجهيته الشرق الأوسط، وليس لبنان فقط،
مزيدا من الدماء والدمار، وما رأيناه من دعوة السيد مقتدى الصدر للتظاهر إنما
يأتي في نفس السياق، وما نراه أيضا من مظاهرة حماس وحشودها يصب في نفس
المجرى، وهؤلاء الذين رأوا أن حزب الله قد ينجوا من العقاب وحتى من تسليم
السلاح، ما سوف يعطيه قوة لفرض نفسه على الناس والمجتمعات، يحاولون اليوم،
بعد أن كانوا قبلوا بالتخلي شيئا فشيئا عن العنف والسماح بالتفاوض، العودة
إلى الساحة وفرض أنفسهم من جديد بالقوة. ولكن هذا التصرف لن يؤدي إلا إلى
مزيد من الدماء ومزيد من القهر وسينتهي بدمارهم بالقوة بينما هم اليوم في
موقع لهم فيه حق الاختيار بين القضاء عليهم أو التفاوض معهم.
أما أن يكون السيد نصرالله جادا في موضوع إعادة التفكير العميق في حلول طويلة
الأمد لكل شعوب الشرق الأوسط وسكانه، وهو قد جرب الدولة الشيعية في لبنان
ويريدها أن تصبح واقعا، لا بل يريد تصدير مشروعه إلى كافة أرجاء الشرق الأوسط
ليصبح لشيعة العراق وأكراده وسنته والتركمان والمسيحيين دولهم أو مناطقهم في
الدولة الفدرالية العراقية، ولعلويي سوريا وسنتها وأكرادها ومسيحييها ودروزها
دولهم أيضا، وعلى غرار دولته يقوم في لبنان دولة للسنة وأخرى للمسيحيين
وثالثة للدروز تجتمع كلها في اتحاد أو لا تجتمع ولكنها تؤمن لكافة هذه الشعوب
نوعا من النظام الذي يحميها ثم تسعى بالتفاوض إلى عقد الشراكات كأوروبا مثلا؟
نحن نشك بأن يكون مطلب السيد نصرالله، الذي يحارب الفدراليين والتقسيميين
ويحافظ في نفس الوقت على دويلته الشيعية تحت شعار محاربة إسرائيل، جديا. ولا
نرى بأن لديه القدرة على التفاوض والإقناع، وهو ليست لديه أية مشاريع للحلول
سوى قهر الآخرين بالقوة، وهو يعتبر بأن فرض الرأي قاعدة، وترهيب الناس هو
الحل، وإلا فلماذا يصر على التمسك بالسلاح؟ وهو إذا ما كان يريد إخافة
المسيحيين بأن الطائف قد طالب بإنهاء الطائفية السياسية على كل المستويات،
فهذا سيف ذو حدين، فبعد أن يصبح كل اللبنانيين متساوين في الحقوق والواجبات
وتنتهي الطائفية السياسية كيف سيبقى له ولأمثاله من المشايخ ورجال الدين
المسلمين دور، فرجال الدين المسيحيين لا يتعاطون السياسة أصلا. وكيف يرى حكم
الولي الذي ينفذ في إيران محققا عند الشيعة هنا، وهو الممثل الشرعي لآية الله
خامينئي في لبنان؟
حزب الله وقع في التناقض ويختبئ خلف أسطورة المقاومة ليفرض واقعا يرتاح له
ولا يرتاح له أي من اللبنانيين، وهو يخاف من نزع سلاحه لأنه لا يثق بقدرته
على تمثيل، حتى الشيعة، إذا ما تساوى كافة المواطنين في الحقوق والواجبات،
ومن هنا فلا حوار محتمل معه ولا نتيجة من هكذا حوار. والمشكل أنه إذا ما
اعتقد اللبنانيون بأن هناك أمل في إعطاء حزب الله فرصة أخرى فهم مخطئون،
ومستقبل لبنان قد يتعرض لانتكاسة سريعة ولمزيد من تردي الأوضاع، لأن هذا
الحزب لا يملك إلا القتال والقهر وسيلة للبقاء ولذا فهو مستعد أن يخرب الأرض،
وقد يبدؤها في اللازمة عينها، أي محاربة إسرائيل، وقد تكون إسرائيل نفسها
محشورة إلى مثل هذه الهدية فتتفق المصالح ونعود من حيث بدأنا.
12 نيسان 2005 |