الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


سوء التفاهم الكبير

في عيد الصليب الخامس عشر من أيلول 1982 كان الرئيس المنتخب الشيخ بشير الجميل يقوم بآخر اجتماع في الأشرفية لوداع عناصر القسم وخاصة

 الطاقم الذي شهد انطلاقته. وكان أن انفجرت عبوة أدت إلى هدم المبنى واستشهاد الرئيس القائد وعدد من رفاقه تحت الأنقاض. هذا الحدث سيهدم الآمال التي كانت بنيت لعودة البلد إلى الاستقرار والاستقلال والتحرر من كل الهموم والمشاكل التي رافقته.

كان الشيخ بشير أمل اللبنانيين ولكنه كان أيضا مركز الثقل في لبنان الجديد، فهو الذي يفاوض الإسرائيليين، وهو الذي أصبح رقما في المعادلة الدولية، وهو الذي بعد أن خرج عرفات ورجاله طلب من القوات المتعددة الجنسية الانسحاب من لبنان، ولو بلسان الرئيس سركيس. وهو كان قد فاوض السعوديين على سحب مساندتهم لعرفات وسوريا، وسعى إلى التفاهم الداخلي مع سلام عن السنة وارسلان عن الدروز بينما بدا كامل الأسعد وكتلته النيابية حلفاءه عن الشيعة بالإضافة إلى زعامات أخرى. وكانت سوريا تجر أذيال الهزيمة وتحاول لملمة الجراح بعد خروجها من المعركة مع إسرائيل بخسائر بشرية ومادية في العتاد والتجهيز لن تستطيع أبدا تغطيتها بوسائلها الخاصة. وكان حلفاء سوريا قد تفرقوا؛ فعرفات صار في تونس، بينما ذهب بري إلى الولايات المتحدة وجنبلاط إلى الأردن واضعان نفسيهما بتصرف الرئيس الجديد. ولم يكن هناك أية قيمة للتنظيمات الأخرى الصغيرة التي حاربت المنطقة الشرقية.

ولكن استشهاد الرئيس الذي أسقط الآمال في الجانب الحر من لبنان أعاد بعضها إلى جماعة سوريا. فمن كان خلف هذا العمل ومن خطط له ونفذ، إنما أصاب مقتلا في جسم الوطن وأعاد خربطة كل الأوراق وقلب الموازين، وأعاد الأمور وكأن شيئا لم يكن، لتصبح عودة الأوضاع إلى سابق عهدها من التدهور قصة وقت ليس إلا. فمن هو هذا المخطط القدير ليسرق النصر الإسرائيلي مع كل التضحيات التي تكبدتها الدولة العبرية، ويخربط الموازين على الساحة الداخلية والخارجية، ويعيد إلى سوريا وحلفائها الأمل بأن الأمور لم تنته بعد وأن طاولة اللعب فتحت من جديد؟

من الطبيعي أن تكون الكتلة الشرقية التي يقودها الاتحاد السوفياتي والتي كانت تعاني من ضغوط داخلية بعد سياسة الرئيس ريغان القوية وبرنامج حرب النجوم الذي خلخل التوازن الاستراتيجي بين الجبارين وسمح بتفوق الولايات المتحدة ما أدى إلى بداية التدخل الغربي في أمور حقوق الإنسان داخل دول الكتلة الشرقية وخاصة بعد بداية فشل تدخل حلف وارسو في أفغانستان، من الطبيعي إذا أن تعتبر هذه الكتلة نفسها من ضمن الخاسرين، فها هو الهجوم الإسرائيلي يزيد من نجاح حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة إذا ما قام لبنان ليصبح من جديد دولة غربية الهوى والنظام، في منطقة دفعت فيها الكتلة الشرقية الكثير من الجهود والأسلحة لتزعزع بواسطة جماعة اليسار و"الثورة الفلسطينيين" أحد أهم معاقل الحرية والنظام الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد يروي السيد جورج حاوي رئيس الحزب الشيوعي اللبناني، يومها، كيف أن الرئيس الأسد كلفه القيام بجولة على كافة رؤساء دول حلف وارسو ليطلب المساعدات لسوريا ويشرح الموقف في لبنان. ويضيف السيد حاوي بأنه استطاع أن ينال موافقة الجميع على تأمين إعادة تسليح سوريا بكل ما خسرته في حربها ضد إسرائيل، فأن يصبح لبنان مجددا مرتعا لأساطيل حلف شمال الأطلسي، بعد أن كان يعتبر بوابة "الثورة العالمية" ومركز التدريب والتخطيط لكل مشاريع الثورات في العالم الحر، طرح غير وارد.

ولكن لماذا قتل بشير وهل لم يكن من الممكن أن يتم هذا بوجوده؟

لا شك بأن وجود بشير في السلطة في لبنان كان سيؤدي إلى الاستقرار، ولا شك أيضا أنه كان سيضيف إلى ديمقراطية الطوائف في لبنان ما يؤدي إلى ثبات في الحكم وقوة للسلطة لن تكون ديكتاتورية دائمة، كما هي الحال في الجوار، ولا حكما ديمقراطيا هشا لا قرار فيه بسبب التذبذب الداخلي وتعدد الولاءات الخارجية. ولا شك بأن دروس الحرب ومشاكلها والانقسام الذي ساد المجتمع كان سينقلب تعاونا بين الفرقاء في عصر رئيس واضح السياسة، صاحب قرار وجرأة، وقادر على طرح الأمور بكل بساطة، ومواجهة الصعاب بكل إصرار. من هنا فقد كان وجود بشير في أي مشروع جديد لقلب الطاولة، أو عدم وجوده، يجب أن يؤخذ بالحسبان.

النقطة الثانية والمهمة هي التعاون المسيحي- الإسرائيلي وهو العنصر الأهم في قلب الموازين، ولذا يجب أن تتخلخل هذه العلاقة، وهنا يجب اللعب على محورين؛ الأول مسيحي داخلي ويقوم على زرع الشقاق والشك في جبهة كانت متماسكة وفي أوج انتصارها، والثاني هو إسرائيلي داخلي يجب أن يقوم أيضا على حجب الثقة عن حكومة الليكود وقلب الانتصار في لبنان لخيبة، من جهة، وتصوير لبنان بأنه مستنقع من الوحول يجب الخروج منه بأية طريقة.

أما النقطة الثالثة فهي عالمية وتتوجه إلى الرأي العام في العالم الحر، وتقوم على خلق حالة "إنسانية" تعظم دعائيا وإعلاميا يبدو فيها الحلف المسيحي- الإسرائيلي هو المجرم بحق الإنسانية، وهذه مادة تتلقفها بكل طيبة خاطر بيوت الإعلام الغربية، التي طالما أدارها اليسار العالمي وأثر بها، لتتكفل هي بتكبيرها وتضخيمها، ما سيجعل عملية تخليص المسيحيين ولبنان من الكابوس الفلسطيني، عملية قذرة أخرى تنسب إلى هؤلاء الإسرائيليين وحلفائهم المسيحيين، ما يزيد تباعدهم، ويسمح بالقسم الثاني من العملية، التي ستكون الرد العسكري، والتي يجب أن تتم بكل العنف المطلوب، للتأديب والعبرة، ولكن بدون أن يتكلم عنها العالم أو يحاول الإنجاد.

إذا كان الهجوم المضاد تركز على ثلاثة محاور ولكل منها ردة فعل درست بدقة، وكانت الضربة الأولى والتي لا يجب أن تخطيء هي اغتيال بشير وبأية وسيلة ممكنة، ولذا فقد عهد فيها إلى المخابرات السورية من جهة ومخابرات الفلسطينيين من جهة ثانية، ولكن دقة العملية وسرعة التحرك المطلوبة وعدم التسريب، تطلبت تنسيقا أعلى، قد تكون رعته الماكينة السوفياتية نفسها. وقد قامت فرق التشويش بنفس الوقت بعملها لزرع الشك في الداخل، فوردت معلومات "مهمة" لجهاز الأمن في القوات أبعدت قائده عن حضور اجتماع الأشرفية، ما سيؤدي إلى تسريب الشائعات فيما بعد بأن له ضلع في العملية كونه لم يكن كعادته برفقة الباش. واستعملت مواد متفجرة جديدة مرت بسهولة على حراس المكان، وكان تجنيد الشرتوني الذي يسكن فوق بيت الكتائب لوضع المتفجرة هو الدور الذي قام به الحزب القومي حليف سوريا والذي يضم عناصر مسيحية يمكن تجنيدها لعمل كهذا، بينما تولى جهاز الأمن الفلسطيني عملية النقل والتسليم.

أما المحور الثاني فكان ضرب جهاز المخابرات التابع للولايات المتحدة، وهو العين التي ترى وتحلل وتستبق الأمور، وكان ذلك في انفجار السفارة الأميركية الذي أودى بحياة عدد من كبار مسؤولي المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط.

أما المحور الثالث فقد تركز على السياسة الداخلية في إسرائيل، فكانت مظاهرة تل أبيب التي ضمت حوالي 200 ألف ثم الهجوم المركز على شارون في قضية صبرا وشاتيلا ما أدى، ليس فقط إلى سقوط حكومة بيغن، ولكن إلى اعتزاله السياسة كليا، بينما تلطخت سمعة شارون السياسية مدة طويلة. ويضطر اليسار الإسرائيلي أن يزايد في المواقف لدرجة يصبح معها وكأنه عدو لأي تعاون مستقبلي مع مسيحيي لبنان ومطالب بالانسحاب السريع بدون أن يأخذ بالحسبان مصلحة إسرائيل نفسها والصورة التي حاولت كل الحكومات المتعاقبة أن تزرعها في أذهان الناس في الشرق الأوسط.

في هذه الأجواء المشحونة والقلقة والتي تملؤها الشكوك يتسلم الشيخ أمين الرئاسة ويحاول أن يدير البلاد ويسيطر على الأمور، ولكنه لم يكن بشير، لا في الحزم ولا في الإقدام ولا في المواجهة، وقد بدأ عهده بالشك بولاء القوات له بعكس بشير. ولم يكن أمين بالأصل صديقا للإسرائيليين فكيف مع كل هذه الأجواء المحيطة. من هنا كان قراره أن يكون رئيس دولة وأن يحكم بواسطة أجهزتها، ولذا فقد طلب عودة القوات المتعددة الجنسية أولا، ثم حاول مفاوضة الإسرائيليين لتسريع انسحابهم، بينما فتح قناة اتصال مع السوريين لتأمين التوازن.

أما في الجنوب فقد بدت الخيبة على كل الوجوه بدأ من الرائد حداد الذي رأى بالوضع خسارة كبرى ستلحق باللبنانيين وبأن الأمور ستنقلب عاجلا ضدهم. ولذا فقد قرر أن يبقي على التعاون مع الإسرائيليين لتنسيق أمور الناس في المنطقة وحماية مصالحهم وانتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين لبنان وإسرائيل. وهكذا تتشكل من جيش لبنان الحر أربعة كتائب تتوزع في مناطق صيدا والنبطية وجب جنين بينما تبقى الرابعة في مرجعيون. وتبدي القيادة الجديدة في اليرزة تعاونا وتعيد فتح مكاتب التجمعات في صربا وتعين العقيد سمير أيوب قائدا لهذه التجمعات. ويصدر قرار عن قيادة الجيش بتشكيل لواء إقليمي في الجنوب وكتائب إقليمية في المناطق. ويكلف العقيد الياس خليل بدراسة تشكيل هذا اللواء من عناصر جيش لبنان الحر بإضافة بعض الضباط على كوادره ويتوجه العقيد خليل إلى الجنوب ويجري الاتصالات مع الرائد حداد وقيادته.

وتبدأ المفاوضات الرسمية بين لبنان وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة. ويعين الرئيس الجميل السيد جان عبيد رسولا بينه وبين الأسد يطلعه يوميا على تفاصيل المفاوضات معتقدا بأنه يضمن بذلك عدم خربطة سوريا للأوضاع. ويرفض الرئيس الأسد بعنف أي ذكر لخروج السوريين من لبنان في نصوص الاتفاق ويكتفي الإسرائيليون برسالة ملحقة تشير إلى التزام الولايات المتحدة بخروج سوريا من لبنان بعد خروج إسرائيل. ولكن الرئيس الأسد يرفض حتى هذا الحل.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها