الكلدان الآشوريون السريان شعب واحد  يسمى بالشعب الآرامي

 

اقرأ المزيد...

 

 

بقلم الكولونيل شربل بركات

   تورونتو - كندا 


الاجتياح

 

بعد أن استنفد الإسرائيليون كافة الوسائل لردع عرفات وجماعته، واعتقد السوريين بأنهم باتوا يمسكون كل خيوط اللعبة؛ فقد سيطروا على الحكم في لبنان، وعلى جماعات التخريب فيه، وعزلوا المناطق عن بعضها لفرض حالة من الخوف على كل اللبنانيين، وبالتالي فهم وحدهم من يقرر وقف الحرب أو الاستمرار فيها، وهم من يغذي عمليات التفجير هنا وهناك، ونفسوا دور الأمم المتحدة وقواتها بعد أن كانوا فعلوا الشيء نفسه مع الجامعة العربية التي كانت غطت تدخلهم بقوات الردع، ثم نسفوا عملية السلام التي كان قادها الرئيس المصري أنور السادات والتي تبنتها الولايات المتحدة وتوجتها باتفاقات "كمبد يفيد"، وحشروا إسرائيل تحت ضغط المنظمات من جهة ووحدات الأمم المتحدة من جهة أخرى، فأفقدوها حرية التحرك وفرضوا عليها نوعا من حرب الاستنزاف جعلت الجليل يعيش بقلق دائم، ولم تعد حتى الطائرات قادرة على تأمين وقف التعدي خوفا من الصواريخ السورية، بعد كل ذلك قررت إسرائيل القيام بعملية واسعة لاستئصال المخربين وتنظيف قواعدهم ومنع التعدي من جديد على سكانها الآمنين في الشمال تطلق عليها اسم "عملية سلامة الجليل".

من الطبيعي أن تكون أية عملية ضد قواعد المخربين في لبنان مفيدة للبنانيين، وخاصة أبناء الجنوب، فأية ضربة تقوم بها إسرائيل، تريح الجنوبيين من خطر منظمات التخريب، وتحد من قدرة هؤلاء على القيام بعمليات ضد لبنان الحر. ولكن الأهم أنه إذا ما قامت إسرائيل بعملية كبرى تطيح بقدرات المنظمات الفلسطينية، يصبح هناك أملا باستعادة العافية للبنان، لأنه إذا ما نزع السلاح الفلسطيني، سوف يستطيع اللبنانيون العودة إلى التوافق على ثوابت الوطن، ويقطع الطريق على سوريا التي تزرع الشقاق بينهم وتهددهم دوما بسلاح الفلسطينيين.

وهكذا، وعندما بدأت أرتال الدبابات الإسرائيلية تعبر قرى جنوب لبنان باتجاه الشمال، شعر أبناء لبنان الحر بالفرح، وبقرب لقاء الأحبة، وفتح الطرق نحو العاصمة. وشعر اللبنانيون في العاصمة أيضا بأن أيام إرهاب عرفات ورجاله إلى زوال، وبأن تحكم سوريا بكل الخيوط سوف يتغير، ولا بد أن يعود الاستقرار للبنان الدولة، وتنسحب كافة الجيوش وعصابات التخريب منه، ليعود إلى البناء بعد عهود التخريب التي لحقت به.

كان الهجوم الإسرائيلي قد بدأ يوم الأحد السادس من حزيران 1982 (وهو نفس التاريخ الذي بدأت فيه حرب 1967) حوالي الظهر، وقد دخلت القوات الإسرائيلية على المحور الساحلي من بلدة يارين سالكة طريق الجبين إلى البياضة، ومن ثم الطريق الساحلي حتى الرشيدية جنوب صور، بينما كان المحور الثاني باتجاه النبطية.

لم يبد الإسرائيليون سرعة في التحرك ورغبة في الوصول إلى عمق كبير، إذ أمضوا اليوم الأول في عملية تطويق مخيمات الرشيدية وبرج الشمالي على المحور الساحلي، ولم تتجاوز قواتهم مدينة النبطية على المحور الداخلي، وفي نفس الوقت لم يواكب الهجوم في اليوم الأول بغطاء جوي واضح، ولكن الغطاء المدفعي كان قد شل كل تحرك فعال لمدفعية الفلسطينيين أو صواريخهم.

في اليوم الثاني خسر الإسرائيليون عددا من الجنود بالإضافة إلى ثلاثة آليات في كمين نصبه الفلسطينيون على مدخل صور في منطقة البص، قاده عزمي مسؤول فتح في صور، وكان العملية العسكرية الوحيدة التي قام بها الفلسطينيون في منطقة صور. أما على محور النبطية فقد تقدمت القوات نحو الزهراني ومداخل صيدا لتبدأ بتطويق مخيم عين الحلوة.

قد يكون الإسرائيليون في عدم السرعة في الهجوم قصدوا أن يتركوا المجال لمقاتلي الفلسطينيين للهرب، حتى إذا ما تم الاستيلاء على المنطقة تكون خالية من جيوب المقاومة، ولذا فهم لم يدخلوا على كل المحاور الممكنة، بل ركزوا هجومهم في اليوم الأول على المحورين المذكورين، ثم ما لبثوا أن دخلوا على محور بنت جبيل- تبنين- جويا. وفيما بعد على محوري العيشية - جبل الريحان وحاصبيا – البقاع.

أهم ما جرى أثناء الهجوم الإسرائيلي هذا كان المواجهة مع السوريين، وقد تمت في مجالين مهمين؛ الأول في الجو وكان بدأ بعملية القضاء على قواعد الصواريخ السورية المضادة للطائرات، وأظهر فيه الإسرائيليون عن المستوى التكنولوجي الرفيع، حيث تمكن سلاح الجو الإسرائيلي، بعد دراسات قامت بها طائرات الاستطلاع التي كان يسقطها السوريون، من السيطرة على توجيه الصواريخ وإعادتها نحو قواعدها الأرضية، ما أدى إلى ضياع فعاليتها وهرب حامياتها. أما المواجهة الثانية فقد كانت عندما قرر الرئيس الأسد استعمال سلاح الطيران السوري بكل قوته لتغطية المعارك الأرضية التي كان يقوم بها الجيش السوري في قتاله التراجعي في الشوف، فأرسل طائراته التي كانت تهوي الواحدة تلو الأخرى، حتى بلغ عدد الطائرات التي سقطت في ذلك النهار 85 طائرة، ولم يعد لدى سوريا ما تقاتل به في الجو، ما كشف قواتها وجعلها عرضة لقصف الطيران الإسرائيلي.

أما المواجهة الأرضية فقد كانت فرضت على السوريين، إذ أنهم اعتقدوا بأن الإسرائيليين لن يتجاوزوا منطقة الأولي، ولن يدخلوا الشوف، فأوعزوا إلى جنودهم بالصمود هناك، ليظهروا عن قدرتهم في مواجهة الإسرائيليين، ولولا قرار وزير الدفاع الإسرائيلي يومها، أريال شارون، بضرب الجيش السوري في الشوف، لكان السوريون ضحكوا على العالم، كما يضحكون على اللبنانيين والعرب حتى اليوم، بأنهم هم من أوقف إسرائيل وكسرها في دخولها إلى لبنان، ولكن القرار الإسرائيلي بتكملة الهجوم ومواجهة السوريين، جعلهم يظهرون على حقيقتهم، ويخسرون المعركة، ويفقدون طائراتهم وعددا كبيرا من مقاتليهم، بلغ، بحسب الرئيس الحسيني، تسعى آلاف أما الرئيس بري فقد تكلم على 13 ألفا.

بعد خمسة أيام على بدء الهجوم الإسرائيلي وصلت طلائع جيش الدفاع إلى ضهر البيدر والحدث وبعبدا وهكذا فقد قطعت الطريق على السوريين والفلسطينيين وحوصروا في بيروت الغربية. أما في البقاع فقد توقف الهجوم الإسرائيلي على ارتفاع السلطان يعقوب شمال راشيا وسيطر الإسرائيليون على الخط الممتد من كامد اللوز إلى كفريا في السفح الشرقي لجبل الباروك.

الدخول الإسرائيلي هذا فرض واقعا جديدا على الأرض، وسحب الأوراق من يد السوريين، وجعلهم هم من يستجدي اتفاقا. وهكذا فقد قبلوا بدخول القوات المتعددة الجنسية، وانسحاب اللواء السوري الذي يرابط ببيروت الغربية، ومن ثم سحب عرفات وجماعته من لبنان وتوجههم إلى تونس.

من هنا كانت ردة فعل اللبنانيين اختيارهم الشيخ بشير الجميل، قائد القوات اللبنانية، والذي لم يخف من تحالف قواته على الأرض مع الإسرائيليين، ووقوفهم على الحواجز، وتنسيق الأمور الأمنية معهم، رئيسا للجمهورية في انتخاب جرى في قاعة المدرسة الحربية في الفياضية، حيث ترأس السيد كامل الأسعد رئيس المجلس النيابي الجلسة وأعلن عن اكتمال النصاب القانوني ومن ثم عن فوز الشيخ بشير الجميل بالرئاسة.

كان هذا كثيرا على اللبنانيين، فقد انتهى عهد تسلط منظمات التخريب، وانسحب الجيش السوري الذي يتدخل بكل شيء ليبقى مسيطرا على البلد، وانتخب الشيخ بشير، الذي شهد له بفرض النظام والأمن في المناطق الشرقية، وفرض الانضباط على عناصر المليشيات، وتنظيم المجتمع المدني بشكل أعطى الجميع نوعا من الطمأنينة، ودفعهم إلى الولاء لهذا الرجل، الذي كان وعد قبل سنة بأن يكون لبنان 10452كلم مربع وطنا للبنانيين جميعا، ولكنه سيكون الوطن الذي يؤمن حرية الأقليات وعدم خوف المسيحيين من المستقبل.

هذا التطور جعل الجنوبيين موضوع اهتمام، لا بل أعطاهم ما كانوا فقدوا من التقدير بسبب وقوفهم ضد الفلسطينيين وتحالفهم مع الإسرائيليين طيلة السنوات الست الماضية التي سيطر فيها السوريون، ولم يعودوا وحدهم متحالفين مع الإسرائيليين، فها هي القوات اللبنانية، التي أصبح رئيسها رئيس كل لبنان، تتحالف علنا، هذه المرة، مع هؤلاء الإسرائيليين، وتنسق قواتها، كما يفعل جيش لبنان الحر، كل الأمور مع هؤلاء، ولم يعد التعاون مقتصرا على التدريب وشراء الأسلحة أو بعض المعلومات الأمنية، إنما ها هو يفسر تحالفا فعليا على الأرض، تماما كتحالف الرائد حداد وجيشه معهم. وها هم عناصر حركة أمل الشيعية يتعاونون مع الإسرائيليين في الجنوب، ويساهمون بجمع أسلحة المتعاونين مع الفلسطينيين، ليصبح الشيعة كلهم، وليس فقط حركة أمل، في الجنوب أكثر من قوات غير معادية لا بل عناصر حليفة.

وهكذا تتحول العلاقة مع الإسرائيليين، في خلال أسابيع معدودة، ومع انتهاء القتال، إلى حالة سلام واقعي، فيدخل اللبنانيون من صيدا بباصات شركة "إيجد" الإسرائيلية إلى مطار بن غوريون للسفر، ويصبح هذا المطار، ومعه معابر الناقورة والمطلة، مراكز اكتظاظ للبنانين، وتستقبل إسرائيل أفواج الزوار والسائحين والحجاج اللبنانيين، ويدخل المدنيين الإسرائيليين إلى لبنان أيضا. ويدل عدد الذين دخلوا إلى إسرائيل من لبنان عن طريق بوابات العبور في الناقورة والمطلة قبل نهاية عام 1982 والذي وصل إلى 700 ألف زائر، عن رغبة أكيدة لشعب لبنان في السلام بين البلدين، هذا عدى عن التجارة التي قامت، والتي فتحت باتجاه واحد، فكيف لو أنه قدر للبنانيين إدخال بعض منتجاتهم إلى السوق الإسرائيلية. وفي نفس الوقت فقد أظهر الشعب الإسرائيلي حماسا شديدا للدخول إلى لبنان للسياحة والتنزه وقضاء العطل، كما يفعل الأوروبيون والأمريكيون، وهم يتمتعون بقدرة شرائية عالية، فالدخل القومي في إسرائيل مرتفع نسبيا ما يساهم في تشجيع المواطنين على السياحة والترفيه، بينما يعتبر لبنان بلدا سياحيا مها في هذا الشرق الذي يفتقد لواحات الترف والاسترخاء.

في هذه الأجواء الإيجابية والتي ملؤها الأمل، ينسحب عرفات ورجاله من بيروت على بواخر تقلهم إلى اليمن وتونس، بحماية القوات المتعددة الجنسية، وتنسحب هذه القوات بعد إتمام مهمتها، ويبدأ الشعب اللبناني بالتحضر للسلام وورشة البناء والتنظيم، التي سيقودها الرئيس الشاب بشير الجميل. وتقبع سوريا في زاوية التاريخ منتظرة القرارات الحاسمة التي ستنهي تواجدها في لبنان، وبالتالي سيطرة حزب البعث في سوريا.  ويخاف الرئيس الأسد من تسليم جثث الجنود الذين قتلوا في معاركه ضد الإسرائيليين في لبنان، ويقوم الجيش السوري بإخفاء جثث جنوده في البرادات وعدم تسليمها للأهل، لكي لا ينتج عن ذلك شعورا بالخيبة وعدم القدرة، ما يؤدي بلا شك إلى زعزعة الحكم وإمكانية ظهور حركات التمرد، وهو أكثر  ما يهابه الرئيس الأسد وقيادته.

 
المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها