هل تكون حرب غزة آخر الحروب؟
تورونتو/كندا/ في10 كانون الثاني 2009
حرب
غزة الأخيرة والتي لا تزال تدور على أجساد المساكين وتحرّك مشاعر التضامن
وقواميس التنديد، أظهرت بدون أدنى شك بأن قيادة الشعوب ليست خطابات فقط
ولا هي تعبئة ودعاية، ولكنها مسؤولية أولا وأخيرا ويجب أن يتحمّلها كل من
يدّعي الوصول إلى منصب أو حتى الترشّح له.
حرب غزة
الأخيرة والتي لا تزال تثير المشاعر الإنسانية في كل مكان حزنا على
الأبرياء، ولو بشكل مختلف، لم تنته بعد بالرغم من وقوع أكثر من 800 قتيل
و3000 جريح ودخول الإسرائيليين إليها ودمار الأبنية والمساكن وحتى
المدارس أحيانا.
حرب
غزة لن تنتهي ليس لغطرسة الإسرائيلي، كما يحب أن يدّعي جماعات التطرف
الذين تسببوا بها فقط، بل لأن هؤلاء لا يزالون يرفضون الاعتراف بأن
مقاومة الاحتلال شيء واستدعائه شيء آخر، بأن معنى المقاومة الأساسي رفع
الخطر عن الشعب والموت في سبيله والعمل على تحريره من الاحتلال وليست
أبدا القتال بأجساد الناس الأبرياء واستدعاء العدو وجيشه للاحتلال لكي
نبرر أعمال "المقاومة" والبكاء على الأهل الذين نتسبب بسقوطهم بالدرجة
الأولى، ولو بأسلحة وقذائف الأعداء، ثم نحمّلهم وزر سلطة لا تعرف أن
تقودهم إلى بر أمان ولا تعرف سوى التعبئة والدفع باتجاه العنف والحقد ولا
شيء سواهما من مهمات المسؤولية عن الشعوب وحضانتها والتخطيط معها لمستقبل
أفضل.
حركات
المقاومة في العالم تقوم بالعادة ضد جيوش الاحتلال التي تربض على صدر
الشعب وتمنعه من العيش بكرامة. وعندما يصبح لديها مشاريع هجومية داخل
أراضي العدو الذي خرج منها لا تعود تسمى مقاومة وهي بدون شك تدخل ضمن
التعدي حتى ولو اقتصرت على التحرش الغير المجدي لأنه يؤدي إلى تصاعد
الردود لينزعج منها السكان المحليين.
حرب
غزة إذا كحرب لبنان التي سبقتها في 2006 ليستا بحروب مبررة ضد العدو إنما
هما حروب ضد السكان المفترض بأن تحميهم هذه المقاومة. فهل سيفهم زعماء
"حماس" و"حزب الله" بأن "المقاومة" من لبنان وغزة ليست مبررة
والاستعراضات التي يقومون بها لا تجلب إلا القتل والدمار؟
أما
الجديد فكان إطلاق الصواريخ الخمسة من جنوب لبنان والتي كان لبنان حذّر
من مغبة القيام بها لأن تجربة عدم المسؤولية لا تزال في الأذهان ولم
تعمّر بعد المنازل التي تهدمت خلالها ولم يُنس من قتل بدون سبب.
حزب
الله الذي حوّل تلك الخسارة إلى ربح على خصومه السياسيين وأدّعى "بالنصر
الإلهي" لن يجرؤ على القيام بمغامرة جديدة ولو أن زعيمه السيد نصرالله قد
تهجّم على مصر وكل العرب ولم يشكر سوى الإيرانيين طبعا وهو يحي "المقاومة
التي تكسر العدو في غزة" كما كسره هو في لبنان ولذا ربما رأينا "حماس"
ترفض قرار مجلس الأمن لوقف النار. ولكن هل أطلق حزب الله الصواريخ من طير
حرفا وهو الذي نكر ذلك أم من الذي فعل؟ وهل هي إشارة إلى أنه سوف يشارك
بفتح جبهة في لبنان أم أن تجربة ال2006 سوف تمنعه وردة الفعل الرسمية
والشعبية التي جاءت على إطلاق الصواريخ سوف تردعه؟
الصواريخ
التي أطلقت ووصلت إلى محيط نهاريا، كما قيل، لا يمكن أن تكون صواريخ
يحملها أفراد من فلسطينيي حماس من مخيم الرشيدية قرب صور مثلا لتنصب في
منطقة طير حرفا وتنطلق بعد ذهابهم لأن المسافة من نقطة الانطلاق إلى نقطة
الوصول تزيد عن 15كلم تقريبا وهذه لن تقطعها إلا صواريخ غراد 122مم
(طولها حوالي 3م) التي يملكها الفلسطينيون في المخيمات طبعا ولكنهم لا
يقدرون على الوصول بها إلى طير حرفا سيرا على الأقدام ولا بواسطة آليات
خفيفة لوجود حواجز للجيش وقوات الطوارئ، وحتى لو فعلوا فإن عناصر
المخابرات التابعة لحزب الله يجب أن تعلم بها، من هنا نقول بأن حرب الله
سمح بهذه الحركة الاستعراضية لكي يقال بأنه حاول المساعدة بطريقة ما ولكن
بدون أن يستجلب ردا إسرائيليا عنيفا.
الرد
الرسمي اللبناني كان واضحا وقد يكون أسمع للسيد لاريجاني الذي زار بيروت
أمس، ولا نعلم إذا ما كانت خطة إيران دفع حماس للمزيد من التعنت لإيصال
الوضع الفلسطيني إلى نقطة الفراغ الدستوري الذي لعبته مع حزب الله في
لبنان سابقا والذي أدى إلى عودته إلى السلطة بشكل فاعل على حساب
الاستقرار في لبنان طبعا وهذا ما جعل حماس تبادر إلى التصعيد قبيل نهاية
مدة رئاسة أبو مازن. ولكن هذا التصعيد لن يزيد عن حده ولن يستدعي دفع كل
قوى إيران وحليفتها سوريا إلى الساحة فالمعركة الحقيقية هي على من يسيطر
على المنطقة العربية، وإسرائيل لا تمثل فيها سوى الحافز لتحريك المشاعر
ورفع الشعارات.
نحن
نقول بأن حرب غزة إلى نهاية قريبة ويجب أن يتبعها بداية حلول ترتدي طابعا
جديدا قد يفرض تدخل العنصر العربي استدراكا لمنع الفوضى وتقتيل الناس
بدون سبب. ولكننا نخشى أن تتوسع دائرة التدخل الإقليمي ليعود الأتراك
لخلق التوازن مع الإيرانيين إذا ما تخلّف العرب عن مسؤولياتهم ونكون قد
استدعينا تدخلات جديدة تحت اسم الدين هذه المرة لتقاسمنا "الثروات" بدل
"الاستعمار الأجنبي" الذي خفنا منه لدرجة أننا رفضنا قبول أي حل يسمح
بالتعايش مع دولة إسرائيل.
فهل
تكون دعوات حزب "السعادة" التركي إلى عودة "العثمانيين" أول الغيث في
التوازن الجديد بين السنة والشيعة؟ وماذا سيكسب العرب من هذا التدخل
الجديد؟ هل هو انفتاح على شرق أوسط كبير يختلط فيه العنصر العربي والتركي
والفارسي والإسرائيلي ليصبح مركزا دوليا بين أوروبا التي تعتبر تركيا
جزءا منها ووسط آسيا التي تشكل إيران قاعدتها الجديدة؟ أم أننا سنعود إلى
عصور التقاتل المذهبي السني الشيعي والذي يأخذ بطريقه كل حضارة وكل تقدم
حتى في تركيا وبلاد الفرس؟