من يزرع الريح لن يحصد سوى العاصفة
12 أيار/2008
يوم وافق اللبنانيون، ولو قسرا، على الطائف وقبلوا بحل المليشيات، أبقت
سوريا حزب الله هذا، الذي يقتلع الناس من بيوتهم اليوم، ميليشا مسلحة
وحيدة تحت شعار محاربة إسرائيل. وصدّق اللبنانيون، وخاصة قصيري النظر من
السياسيين الغير مخضرمين حتى لا نقول الجدد في عالم السياسة، مقولة سوريا
أن هذه الفئة تحارب من أجل لبنان، وهي كانت فئوية منذ البدء ترتبط بإيران
تدريبا وتمويلا وتسليحا وإمرة وشعارات، ولم ترفع علم لبنان مرة، وقد
طالبت منذ البدء بجمهورية إسلامية على طريقة طهران. فهل إن اللبنانيون
الأذكياء، باعتراف الجميع، لم يعلموا يومها أن هذا الوحش الذي يربونه سوف
يأكل أولادهم عندما تكبر أسنانه؟ أم أنهم راهنوا على الزمن والنوايا
الحسنة؟ أو ربما على الغير؟
وقام
الاحتلال السوري يفرض هذه العصابة المسلحة، والتي لا تعترف بأحد ولا بأي
من قيم اللبنانيين، بطلا يقدسه هؤلاء صبحة ومساء. ودارت الدائرة على
أبناء الجنوب الفقراء الذين كانوا دافعوا عن لبنان بأفئدتهم وزهرة شبابهم
كي يبقى، ولم يسلموه حتى للإسرائيليين، وقد قضى من أجله مئات الشهداء من
أبنائهم لم يلف واحد منهم بغير علم لبنان ولا دفن تحت راية إلا رايته ولا
أنشد طفل في مدارس الجنوب نشيدا غير النشيد اللبناني، بينما ذهب الغادر
المعتدي يتشدق على الأبطال أبناء الأرض ويخرج الأفلام والبرامج الدعائية
ليظهر بمظهر المحرر ساعة كان الجنوبيون ينتظرون أن تستكمل الدولة الموضوع
الداخلي، كما وعدتهم على لسان الرئيس الهراوي، لتتباحث معهم حول خروج
الإسرائيليين وعودة المنطقة إلى حضنها بدون الحاجة لإراقة دماء.
وتتلهى الدولة بالإعمار غير آبهة بالوحش الذي يكبر في البيت ولا بمآسي
أبناء الجنوب الذين لا أم لهم تبكي، فهم تيتموا منذ هربت أمهم أمام أبي
عمار وعصابته وتركتهم بدون حماية ثم راحت تزني مع السوريين وغيرهم وهم
يكبرون بعهدة الجار الذي تسميه "عدو"...
ويقرر باراك رئيس وزراء إسرائيل الانسحاب من لبنان بدون مفاوضة ويتدخل
السيد لارسن ممثلا الأمم المتحدة ويمتنع عن الاستماع إلى رأي أبناء
الجنوب تحت ضغط السوريين ولا يقبل أحد بعرض هؤلاء أن يسلموا أسلحتهم
بالتزامن مع حزب الله لتنتهي كل المشاكل في الجنوب مرة واحدة، ولا يفهم
من في بيروت أن هذه الفكرة هي آخر سلاح لصالح لبنان لآن الحقد الذي يزرعه
حزب نظرية الانتحار يعمي قلوب الكل فيعتقدون بأن إذلال أبنائهم في الجنوب
أمام حزب إيران وسوريا مكسب لهم فيهللون للوحش وبرفعونه على الأكف لا بل
يمنعون العالم الذي تبرّع أن يستقبل الجنوبيين من ذلك ويسجنونهم في
إسرائيل.
لكن القدر الأقوى من الكل ينقلب عليهم، وإذا بمن اعتقد أنه صالح الوحش
يقضي تحت أنيابه بدءا من الكبير الذي دافع عنهم في كل العالم ومنع أية
إساءة لهم فإذا بهم يكافئونه بتسهيل قتله، ثم بحرق حلمه، وها نحن اليوم
نتحسر عليه
وعلى
غيره من الكبار الذين يسقطون ولو كانوا قصيري النظر لأن الوحش أكل رب
البيت وتحول الآن إلى الأبناء.
يقول قائل ماذا يقدر لبنان اليوم أن يفعل والحرب تشن على المناطق واحدة
تلو الأخرى والدماء تراق لكي يبسط الإرهاب سلطته على كامل الوطن،
والحكومة التي لم تتجرأ أن تساند العالم الذي وصف الدواء في القرار 1559
تبرعت أن تحمي أنياب الوحش في البيان الوزاري وامتنعت عن طلب المساعدة
بعد حرب تموز المدمرة لا بل وقفت تتغنى بالنصر الإلهي.
الجواب بسيط وهو أن تعترف الحكومة بقرارات الأمم المتحدة وتطلب منها
التدخل لحماية لبنان وتنفيذ قراراتها وتضع بتصرفها كامل قواتها وأجهزتها
وتعمل بالتنسيق معها لاقتلاع هذا الشر الذي لم يميز بين رجل دين أو دنيا
ولا بين حي سكني أو مركز إعلامي وقرر أن يذيق الكل طعم حقده. فهل يتحرك
سيد السراي الكبير بعد ما وصلنا إليه ويطلب جهارا مساعدة العالم له
وللبنان أم أنه لا يزال يعتقد بإمكانية التحاور مع من يحاوره بالسيف وحده
ويناقشه بالرصاص والمتفجرات؟
من سخريات القدر أن يتسلم لارسن تنفيذ القرار 1559 وهو الذي رفض مجرد
التفكير باقتراح الجنوبيين تسليم السلاح المتزامن، ومن سخريات القدر أيضا
أن يعود باراك نفسه رئيس وزراء إسرائيل الذي أمر بالانسحاب وقبل تسليم
الجنوب لحزب الله فكان أن عظم حجمه وتطاول على الكل، وزيرا للدفاع في
إسرائيل. فهل إن لارسن وباراك سوف يصلحان غلطة سنة 2000 اليوم؟
وهل يصلح اللبنانيون أيضا غلطتهم بتسمية حزب الله هذا محررا وهو الذي
أخّر خروج الإسرائيليين مدة خمسة عشر عاما ويتركون محاربة إسرائيل جانبا
ليبدأوا بناء دولتهم الحقيقية والتي تكفل الأمن لكل بنيها وتسعى للسلم
بين جيرانها وتحارب الإرهاب من أي صوب أتى؟
أم أنهم جميعا سيكونون مرة أخرى شهود زور على ولادة دولة حزب الله على
كامل أراضي لبنان فيبشرون، ليس بسلسلة من التفجيرات الإرهابية التي
اجتاحت مدن إسرائيل أولا ثم وصلت إلى نيويورك وسائر العواصم الأوروبية،
ولكن بهجمات من نوع آخر قد لا توقفها الأسلحة التقليدية وقد تضطر العالم
لتجربة مريرة أخرى قبل أن يفهم الكل معنى السلام وقيمة الأوطان ومبدأ
التعاون؟
إن لبنان الذي اعتقد بأنه بتبنيه لحزب الله قد حرّر أرضه وتوصّل إلى ما
لم تصل إليه دول المنطقة الأقوى منه كان يكذب على نفسه ثم يصدق كذبته وهو
كمن يزرع الريح فماذا اعتقد زعماؤه أنهم سيحصدون وقد جاءت واضحة في كل
لغات العالم أن "من يزرع الريح لا بد أن يحصد العاصفة"