خطاب
السيد نصر الله في أسبوع عماد مغنية
25 شباط 2005
خطاب
السيد حسن نصر الله في مناسبة أسبوع عماد مغنية، والذي جمع فيها
السيد الموسوي والشيخ راغب حرب، وهم رموز حزب الله الكبار، حمل
الكثير من المعاني والمدلولات حول مستقبل التطورات في المنطقة وخاصة
على الأرض اللبنانية.
أراد
السيد حسن، ولكبر المصاب وتأثيره على قدرة حزب الله ربما، أن يرده
إلى إسرائيل ويربطه بمصيرها كدولة واستمرارها ككيان وبقائها كشعب.
وهنا نشعر مع السيد حسن بالفعل بعظم الضربة التي تلقاها في تمكن
أعدائه، وهم كثر، من القضاء على ركن من أركان حزب الله ضليع في حروب
الإرهاب ومتمكن في عالم المخابرات وتحضير العمليات.
ولكن
السيد، وربما أيضا لكبر المصاب، أصيب مرة أخرى بالغرور، وها هو يزيل،
كمعلمه أحمدي نجاد، إسرائيل من الوجود بقدرة مقاتليه ودقة صواريخه
والدعم الكامل من شعوب الشرق الأوسط الذي عرف وأسياده كيف يفرّقونهم
ويستعدونهم بتبجّحهم وتطاولهم على كل كبير منهم.
السيد
حسن، الخطيب العظيم دون شك، والذي يتمتع بالكاريزما، كما تعّود أن
يصوره الناس، يهاجم إسرائيل اليوم لأن زعماءها لا يتمتعون بفن
الخطابة وليست لديهم الكاريزما اللازمة لتهييج الجماهير ودفعها
للقتال بدون حساب أو مراجعة. وهو صادق هنا لأن المجتمع الإسرائيلي
يتمتع، مثله مثل كثير من المجتمعات المتطورة والتي تتبع الديمقراطية
نهجا وطريقة حكم، بحساسية تجاه الزعماء الذين يقودون شعوبهم نحو
الحروب ونحو الانتحار بدون حساب إلا لتصفيط الكلام الذي يرتاحون إليه
ويعّودون الناس على التحمس له والتصفيق بدون قواعد أو أصول وبدون
مراجعة أو دراسة لمقدراتهم ونتائج خطاباتهم الرنانة وتأثير الكاريزما
في شعوبهم التي قد تزيدها تخلفا وبؤسا يوما بعد يوم.
يبدأ
السيد حسن بإلغاء مفاعيل الهدنة التي ينادي اتفاق الطائف بالتزامها
والتقيد ببنودها حتى التوصل إلى اتفاق سلام شامل، وهو ينفي أن تكون
هذه الهدنة قد أوقفت اعتداءات إسرائيل عبر الحدود منذ 1948 وحتى
بداية السبعينات وهو يرمينا بأرقام حول مجازر حصلت ذهب ضحيتها، بحسب
قوله، 150 و180 قتيل لبناني بعد اتفاق الهدنة (ولبنان كان البلد
الثاني بعد مصر الذي وقع الهدنة مع إسرائيل في 23 آذار 1949). ونحن
هنا كأبناء المنطقة الحدودية نسأل من أين أتى السيد بهذه الأرقام وما
هي الحوادث التي حصلت بين لبنان وإسرائيل بعد توقيع الهدنة وقبل فتح
جبهة جنوب لبنان من قبل المنظمات الفلسطينية في 1968 وبدء الاعتداءات
عبر الحدود، وأين؟
والسيد حسن، ولو كان من سكان جنوب لبنان إلا أنه لم يسكن في أي من
القرى الحدودية ولم يستق معلوماته من مشاهدات شخصية أو تراث نقل إليه
عبر تقليد محلي، ولكنه يستند، كما قال، على أرشيف مجلس النواب، ولذا
فنحن نطالب بتوضيح هذه المعلومات، فلا نحن سمعنا عنها أو تناولتها
الصحف، ولا نحن درسناها في كتب التاريخ ولا في المعاهد العسكرية، ولا
هي وردت على لسان إي من الزعماء في عز الأحداث، فمن أين يأتي هذا
الأرشيف الجديد في مجلس النواب، وهل أن "المقاومة" التي طوّعت رئيس
المجلس بدأت بعملية تغيير التاريخ بتغيير المعلومات الواردة في أرشيف
مجلس النواب؟
ثم
يتكلم السيد عن قرار الحرب والسلم ويقول بأن هؤلاء "المساكين" في
الحكومة لا يملكون هذا القرار وهو في يد إسرائيل منذ 1948، ولكنه
ينسى أنه تبجّح سابقا بأنه هو من يملك قرار الحرب والسلم وهو من فتح
حرب تموز وأعترف بذلك على قناة الجزيرة في مقولته الشهيرة "لو كنت
أعلم...". وينسى السيد، عندما يقول بأن قرار الحرب والسلم كان دائما
بيد إسرائيل، أن العرب أعلنوا الحرب على إسرائيل في 1948 ولم ينكر
ذلك أحد، وعبد الناصر هو من أغلق مضائق تيران وألغى العمل باتفاقية
الهدنة وأعلن الحرب على إسرائيل في 1967 بالاتفاق مع كل العرب بمن
فيهم سوريا والأردن، وهو ينسى أو لا يعرف بأن السادات هو من أعلن حرب
الغفران في 1973 وخاضها واجتاز القناة ودمّر خط بارليف وأن الأسد
الأب أيضا شارك في هذه الحرب واسترجع القنيطرة.
والسيد
حسن ينسى أيضا أن عرفات كان هو من يقوم بالهجمات على إسرائيل وتقوم
إسرائيل بالرد، "الموجع والمدمر" طبعا، ولكن المبادرة كانت دوما من
قبل الجانب العربي.
نحن
اعتقدنا، كما كثير من الناس، بأن السيد حسن سوف يتعلم من أخطاء
السابقين فيمتنع عن جعل لبنان ساحة صراع سيما وأن إسرائيل، وهي من
بادر بالانسحاب في سنة 2000 دون أن تشترط حتى تنفيذ القرار الدولي
426 الذي يفرض على لبنان نشر الجيش اللبناني وحده من العاصمة وحتى
الحدود وضبط الأمن ومنع أي اعتداء عبرها. وهي انسحبت من كامل الأراضي
اللبنانية إلى ما وراء ما سمي "الخط الأزرق" باعتراف الأمم المتحدة
ولبنان ولم تنشأ قضية مزارع شبعا التي لا شأن لها أبدا بالقرار
الدولي 425 إلا بعد أشهر من الانسحاب، اعتقدنا أن السيد حسن سوف
يقدّر هذه الفرصة ويستغلها من أجل مصلحة أبناء بلده وملته ووطنه
ويترك الجنوب وأهله ينعمون بالهدوء وراحة البال مقابل كل ما عانوه
طيلة أكثر من نصف قرن سيما وأن "الدولة المحتلة" (سوريا) أجبرت
اللبنانيين على الإجماع والاعتراف له بأنه صاحب فضل ولو لم يكن كذلك
أبدا.
السيد
حسن ينسى أن اللبنانيين في اتفاق الطائف لم يقبلوا بأن يبقى أي سلاح
بيد أي مجموعة على أرض لبنان خارج الدولة، وهو ينسى أيضا أن لبنان
وسوريا وكل العرب ذهبوا إلى مدريد في 1991 للتفاوض على السلام وأنه
لم يكن لحزبه الحق أبدا بالإبقاء على سلاحه والاستمرار بالأعمال
التخريبية، ولكن بقاءه كان قرارا سوريا احتياطيا لابتزاز
الإسرائيليين أثناء التفاوض أولا ومن ثم اللبنانيين في أي مشروع
استقلالي مستقبلي. وقد كان الإسرائيليون مستعدون للانسحاب بدون أي
شروط وكانت الرسائل بين اللواء لحد والرئيس الهراوي أسبوعية منذ 1991
وذلك لتنسيق انسحاب إسرائيل وتسليم المنطقة للدولة، وهذا ما لم تكن
ترغب به سوريا ولذا فقد أبقت على سلاح حزب الله وعلى دعمها له.
والسيد
حسن يعترف بانتفاء أسباب"المقاومة" عندما ينتهي الاحتلال، ولذا فهو
يخترع مشروع جديد لا بل "مدرسة قتالية جديدة لم يسبق لها مثيل في
تاريخ الحروب..." فتصبح "المقاومة" "مؤسسة" تحل محل الدولة ويرتبط
مشروعها النضالي بالقوى التي تمولها وتسلّحها فتتحول إلى ورقة ضاغطة
تستعملها هذه القوى الإقليمية في طموحاتها التوسعية التي تفوق بخطرها
الاحتلال الجزئي الذي ادعت "المقاومة" بأنها تريد التخلص منه، ويصبح
لبنان مجددا رهينة ممنوع على أهلها أن يحلموا بالاستقرار وراحة
البال.
والسيد
حسن يقرّ بأن حزبه قد قيّم حرب تموز وعرف الخطأ عنده وعند عدوه وقد
أنجز عماد إعادة التدريب والتجهيز كما كان قبل الحرب "ولم يبق هناك
شيء يحتاج لعماد مغنية لينجزه..." ولكن هل أعيد تعمير بيوت الناس في
الجنوب، وهل تمت إعادة الحياة لمن فقد؟ هذا بالطبع لا يعني السيد وما
يعنيه هو "توازن الرعب" وكأن لبنان يجب أن يتحمل أهله كل مشاكل
الأرض. وإذا كان عماد مغنية قد أنجز مهمته ولم يعد حزب الله بحاجة
إليه فهل يكون إذا أزيل من الوجود ليشكل قتله(؟) عنصر تفجير أو سبب
للقيام بعمليات مطلوبة في المستقبل القريب ردا على قرارات تتعلق
بالبرنامج النووي الإيراني أو ربما بالمحكمة الدولية التي يصف
"المدعي العام تبعها" بالذي يسكن في "معراب" بينما قاضيها ذلك الساكن
في "كليمنصو"؟
اليوم
يلتزم السيد بإزالة إسرائيل من الوجود وهو يتبرع بحمل الشعار الذي
نادى به الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في القضاء على هذه الدولة، فهل
نفهم بأن دور حزب الله القادم في الحرب التي يحاول نصر الله أن
يوهمنا بأن إسرائيل تحضّرها لنا (وهو يحددها ما بين نيسان وأيار من
هذه السنة)، سيكون مواجهة الجيش الإسرائيلي في داخل إسرائيل؟ أم
استدراج إسرائيل مرة أخرى لعملية داخل لبنان؟ أم ضرب العمق
الإسرائيلي بصواريخه الثلاثين ألفا؟
نصر
الله يبشرنا بالحرب ويقول بأنه جاهز لها فهل يعرف "المساكين" في
الحكومة هذا، وما هي ردودهم على هذا التحدي الصارخ؟ وهل سيكون موقفهم
دعوة اللبنانيين إلى الوقوف خلف حزب الله لأن البلاد في خطر؟ أم أننا
يجب أيضا أن نعيد حساباتنا ونحذّر حزب الله وغيره من أن لبنان لن يقف
هذه المرة متفرجا ولن يقبل بأن يزج به في آتون الحرب بدون سبب وأن
على الجميع أن يفهموا بأن حياة المواطنين وأرزاقهم أمانة في عنق كل
مسؤول وأن المليون ونصف الذين نزلوا إلى ساحة الشهداء مجددا في
الرابع عشر من شباط يطالبون الحكومة التي يجب أن تمثلهم بمنع استعمال
لبنان منصة للتعدي على الآخرين واستدراج التدمير والتخريب والبكاء
على الأطلال مجددا.
يبقى
أن مؤاجرة اللبنانيين بمصاب حزب الله ليست تأييدا له إنما هي تنم عن
قمة المشاركة في ثقافة اللبنانيين التي تختلف كثيرا عن ثقافة حزب
الله الحاقدة، وهي ليست ضعفا من قبلهم ولا خوفا منه، بل بادرة
لبنانية عريقة لا تأخذ بالحسبان القتيل أو انتماءه ولكنها احترام
لرهبة الموت وانتقال نفس إلى حضن ربها، فهل يفهم من يتاجر بأعضاء
القتلى وجثثهم ومن حاول منع بكركي من تقديم العزاء لأحد أبنائها
البررة روحية القيم والتقاليد التي نعيش في ظلها؟
|