معلم مهترىء لنظام مهترئ
20111116
يبدو
واضحا ان النظام السوري فقد صوابه وبوصلته, ووقع في لوثة التخبط
بعد ان أقفلت جامعة الدول العربية أبوابها أمام لعبة التسويف التي
يمارسها منذ ثمانية أشهر, ووضعت حدا يمكن اعتباره خريطة الطريق
الاخيرة التي تحفظ سورية من أي منزلق خطير تدفعها اليه
عصابات"الشبيحة". واذا كان وزير خارجية دمشق وليد المعلم يعتبر
قرار مجلس الجامعة العربية بتعليق عضوية نظامه "خبيثاً ومبيتاً
وغير شرعي" فكيف يطلب منها الدعوة الى عقد قمة تحضرها الدول التي
وصفها ب¯"المتآمرة"ليجلس معها الى طاولة واحدة لمناقشة الوضع في
سورية? أليس في كلام المعلم هذا اعترافا ضمنيا بأن "الحل السوري"
الذي تحدث عنه بات من الماضي وخرجت الأمور عن سيطرة نظامه فيما بات
يحتاج الى غطاء عربي ليحفظ ماء وجهه, فيما يعتبره في الوقت نفسه
غطاء مهترئا.
هذا الرقص السوري على حبال تسويف الفرص كسبا للوقت على أمل أن تحدث
معجزة ما ليس أكثر من رعشات احتضار للنظام الذي بات عليه أن يأخذ
بنصائح العديد من زعماء العالم, وآخرهم الملك الاردني عبدالله
الثاني بضرورة إفساح المجال أمام قيام دولة حقيقية عبر تنحي أركان
النظام الحالي والسير بالاجراءات الديمقراطية الحقيقية لمنع انهيار
سورية كلها ووقوعها فريسة لحرب أهلية ترسم معالمها عصابات
"الشبيحة" في العديد من المدن السورية التي أصبحت أكثر بشاعة من
النموذج الليبي الذي يستبعده وليد المعلم, تماما كما استبعد رأس
النظام مطلع العام الحالي إمكانية وصول الربيع العربي الى ربوع
بلاده, لكن درعا خيبت تلك التوقعات وفتحت الباب واسعا أمام أحرار
سورية ليكسروا حاجز الخوف ويخرجوا مطالبين بحريتهم.
في مؤتمره الصحافي كان واضحا ان المعلم يحتاج الى أستاذ, فهذا الذي
شطب القارة الاوروبية عن الخريطة قبل أشهر, وجه تهديدا مبطنا الى
العالم كله, وليس العرب وحدهم, بامكانية تدخل عسكري روسي ردا على
أي تدخل عسكري تحت غطاء الأمم المتحدة لحماية المدنيين من التنكيل
اليومي, متناسيا ان التجربة الليبية أكثر الادلة وضوحا في هذا
المجال, اذ لم تغامر لا روسيا ولا الصين بعلاقاتهما الستراتيجية مع
الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا من أجل بضعة ملايين من
الدنانير الليبية, وهما حتما لن تتخليا عن علاقاتهما ومصالحهما مع
العالم من أجل حفنة من الليرات السورية او التومانات الايرانية,
فالموقف الصيني الاخير يشكل مؤشراً لغض الطرف عن أي قرارات جريئة
يتخذها مجلس الأمن الدولي في الفترة المقبلة لانهاء الكابوس
السوري, بل عندما تبدأ سفينة النظام بالغرق فان أقرب الحلفاء إليه
سيفرون منها قبل غيرهم, بدءا من ايران ومرورا بذيلها حسن نصرالله
وحزبه ووصولا الى "حماس" وبقية قراصنة الدم والارهاب, وما يؤكد ذلك
هو الفصل الأخير من المسرحية السورية الذي يحمل دليلا واضحا على
قرب نهاية النظام وليس كما يتوقع وزير خارجيته بداية نهاية ما
يعتبره"الأزمة والمؤامرة".
أخيرا ربما يكون وليد المعلم قد تخيل نفسه سورية كلها حين اعتبر
الغطاء العربي مهترئا ولن تبرد اذا رفع عنها, فالمثقل بالشحوم مثله
لا يشعر بالبرد حتى إن كان عاريا في بلاد الاسكيمو, لكن شتاء الدم
الذي تمطره بنادق عصابات "الشبيحة" يبعث القشعريرة في كل الجسد
السوري, وهو ما يعني ان الغطاء العربي لن يكون مهترئا لشعب أراد
الخروج من كهف سجنه به منذ أربعين عاما نظام ديكتاتوري قبيح.
أحمد الجار الله