اقرأ المزيد...
حول
أستحداث محافظة مسيحية في العراق
2011-02-12 |
عبدالاحد سليمان بولص |
أستحداث محافظة لأبناء شعبنا المسيحي أصبح المطلب الأهم للكثيرين
في الوقت الذي يتشاءم آخرون عن مجرد التفكير بمثل هكذا محافظة
والفريقان قد يكونان محقين في رأيهما تبعا للظروف الصعبة وكثرة
الأضطهادات التي طالت هذه الفئة المسالمة من أبناء الشعب العراقي
وأن صح القول جزئيا بأن الأضطهاد قد طال الجميع فأن ذلك ليس كل
الحقيقة لأن ما طال المسيحيين كان مضاعفا وغير مبرر بالمرة لكونهم
لا يملكون ميليشيات خاصة بهم ولا يعادون أحدا ولا يتصارعون على
السلطة وكراسيها كما هي الحال مع المكونات الأخرى التي تتناحر
فيما بينها بسبب تلك المناصب أو لأسباب طائفية.
الأسباب التي تدعو مؤيدي فكرة أنشاء محافظة مسيحية في معظمها ناتجة
عن عاطفة يحركها ما حل بهم من مصائب من تقتيل وسلب وأختطاف
ومحاربة في الرزق الحلال أو فرض معتقدات الآخرين عليهم وأجبارهم
على دفع الجزية والأتاوات التي وأن نسبت الى التكفيريين من منتسبي
تنظيم القاعدة فأن الكثير منها جاءت من غير أعضاء القاعدة ومن
أناس متعصبين ينتمون الى ميليشيات مسنودة من قبل قادة لها ممثلون
بالحكومة المركزية أو من قبل عصابات نفعية غاب عنها الوازع
الأنساني ولذلك يعتقد هؤلاء بأن تمركزهم في هكذا محافظة سوف
يبعدهم عن مضطهديهم ويمكنهم من حماية أنفسهم بأنفسهم.
أما الذين يناهضون فكرة أنشاء تلك المحافظة فلهم وجهة نظر مخالفة
أذ يؤمنون بأن كل أرض العراق وطنهم وأن حصرهم في بقعة واحدة قد
يجعلهم هدفا سهل الوصول أليه أكثر من قبل بالأضافة الى وقوع سهل
نينوى ضمن المناطق المتنازع عليها والتي تحولت تسميتها الى المناطق
المستقطعة في حين تؤكد محافظة نينوى ذات الأغلبية العربية جهارا
بأنها ضد فكرة أيجاد محافظة تستقطع من أراضيها تخصص للمسيحيين.
يجب أن لا ننسى بأن نسبة المسيحيين في سهل نينوى قد لا تتجاوز
النصف من مجموع سكانه حيث هناك اليزيديون المنقسمون بين من يعتبر
نفسه كرديا وبين من يتمسك بقومية مستقلة بالأضافة الى الشبك والكرد
والعرب والتركمان.
هناك عقدة مستعصية بين فئات المكون المسيحي نفسه حيث التشرذم
الحزبي والطائفي والقومي ظاهر للعيان مسببا أنعدام الثقة فيما
بينهم ومحاولات الألغاء التي يقوم بها كل طرف تجاه الأطراف الأخرى
وعدم تمكنهم لحد اليوم من الأتفاق على تسمية موحدة تجمعهم ولو
ظاهريا تمكنهم من التفاوض مع الحكومة المركزية أو حكومة الأقليم
تحت راية واحدة هذا بالأضافة الى توزعهم الجغرافي والتاريخي في
معظم أجزاء العراق حيث لهم ارتباطات ومصالح في معظم المحافظات
وبصورة خاصة في الوسط والجنوب كما لهم تواجد كثيف في كل من محافظتي
أربيل ودهوك. فهل ستصبح المحافظة الجديدة نقطة تجمع لهم تستوعبهم
جميعا؟ ثم ما هي مقومات المحافظة الوليدة الأقتصادية والخدمية
لتفي بحاجة كل الوافدين أليها والتي أن أستحدثت فلا بد عليها أن
تبدأ من الصفر وتحتاج الى دعم وموارد كبيرة لا نعرف كيف ومن أين
سيتم توفيرها.
من الناحية الأدارية من سيكون المحافظ المتمكن لأدارة هكذا محافظة
مكونة من قوميات وأديان غير متجانسة فهل سيكون مسيحيا وأني أرى
بأنه سيكون من الصعب أتفاق جميع المسيحيين على شخص واحد بسبب
الخلافات المشار أليها ولو أتفقوا فرضا فهل سيقبل اليزيدي أو
الشبكي به أم أن كل جهة سوف تطالب بأن يكون منصب المحافظ من
نصيبها؟ وهل سترتبط المحافظة بالحكومة المركزية أم بحكومة أقليم
كردستان؟ هذه الأسئلة وأسئلة أخرى كثيرة تتطلب الدراسة والأجابة.
الوضع العام في العراق مؤسف حقا ليس فقط للمسيحيين الذين يهاجرون
مضطرين بل لكل الأطياف فلو نظر المسؤولون بتجرد وببعد نظر الى كون
المسيحيين من أقدم سكان العراق وأن هجرتهم خسارة للبلد لأن فيهم
الكثير من الكفاءات التي يحتاجها البلد ولو وفرت لهم سبل العيش
الكريم الآمن لما هاجروا الى المجهول الذي لا يرحم والذي سوف
يفقدهم هويتهم بعد جيل أو جيلين لا بل أقول وبثقة بأنه لو توفر
الأمان والعيش الكريم لعاد الكثير من المسيحيين وغيرهم من
المهاجرين الى وطنهم الذي يبقى في حدقة أعينهم مهما طال غيابهم
عنه.
متى يا ترى يعود العراق وطنا لكل أبنائه الذين يعشقونه ويتمنون أن
يحتموا تحت أجنحته ومتى يفكر كل مسؤول في مقولة السيد المسيح
لأورشليم " يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة
المرسلين اليها كم مرة أردت أن أجمع أبناءك كما تجمع الدجاجة
فراخها تحت جناحيها ولم تقبلوا"؟ أن العراقيين يبحثون عن الدجاجة
التي ترضى بأن تجمعهم تحت جناحيها ولكنهم لا يجدونها وهنا المصيبة.
هل سيخلق درس تونس ومصر وما سيلحقهما حتما جوا جديدا يرفع سقف
حقوق المواطنة ويجنب الحكام في المنطقة والعالم الثالث مغبة
الأستمرار في التفريط بمصالح شعوبهم ومنحها الحقوق الأنسانية كاملة
أم سيبقى الغرور والمصالح الأنانية متحكمين بسلوكهم الى أن تثور
عليهم شعوبهم وتوصلهم الى سلة مهملات التاريخ؟ |