فيديرالية
من فوق... وجغرافيا مختلطة من تحت
الاربعاء 21 أيلول 2011
سركيس نعوم (النهار)،
طبعاً ينفي اركان في
"اللقاء الارثوذكسي" ان تكون لديه "اجندة" مخفية، مثل التمهيد
للمطالبة لاحقاً بصيغة لامركزية للبنان تبدأ ادارية موسعة، وقد
تنتهي سياسية يطلق عليها عادة اسم الفيديرالية. لكنهم في الوقت
نفسه لا يخفون قلقهم من التطورات الحاصلة في لبنان كما في دول
عربية اخرى، وفي مقدمها المذهبية التي تكاد تطحن المنطقة بدولها
وشعوبها وأكثرياتها وأقلياتها. كما ان بعضهم لا يستهجن إقدام
لبنانيين على طرح صيغ كهذه في اي حوار وطني إذا استجدت ظروف تدفع
"الشعوب" اللبنانية الى اعتبار ان صيغة "الطائف" لم تعد تلبّي
متطلباتها، وان الحاجة الى صيغة اكثر انطباقاً على واقعهم صارت
ماسة.
وفي اي حال يقول هذا البعض ان على اللبنانيين
ألا يختبئوا وراء اصابعهم كما اعتادوا ان يفعلوا في السابق. فالوصف
الذي كان يطلق على الصيغة اللبنانية، بسبب توزيع الرئاسات
الدستورية ثم المواقع الوظيفية على الطوائف والمذاهب، كان: انها
صيغة فيديرالية طوائف ولكن من فوق، لأن التوزيع الطائفي والمذهبي
لكل المواقع لم ينعكس جغرافياً اي لم تنقسم البلاد رسمياً كانتونات
او ولايات طائفية أو مذهبية. والتوزيع المذكور كان عرفاً قبل
الحروب التي عاشها اللبنانيون بين 1975 و1990. لكنه صار نصاً
دستورياً بعدما ورد في اتفاق الطائف الذي انهى الجانب العسكري
للحروب المذكورة مبقياً الجانب السياسي منها، ومبقياً في الوقت
نفسه بذورها ضاربة في الارض. وما كان ذلك ليحصل لولا الفرز الطائفي
الذي تسببت به الحروب، والذي غيّر في الكثير من الجغرافيا الداخلية
في البلاد، ولكن بحكم الامر الواقع لا بحكم القانون. وهذا الفرز
استمر بعد الحرب ويا للأسف وتعمّق بعدما صار مذهبياً ايضاً.
انطلاقاً من ذلك يقول البعض نفسه من اركان
"اللقاء الارثوذكسي" ان الصيغة التي عاشها لبنان قبل الحروب كانت
فيديرالية من فوق مع جغرافيا مختلطة طائفياً ومذهبياً. اما بعد
الحروب فبقيت من فوق فيديرالية. لكن الاختلاط جغرافياً انحسر الى
حد كبير، وظهرت ملامح "ولايات" في كل منها غالبية واضحة تنتمي الى
شعب من شعوب لبنان. لذلك، يتابع هؤلاء، ان ما يقترحه "اللقاء" من
انتخاب ابناء كل طائفة ومذهب لنوابها او لنوابه ليس اختراعاً
جديداً، وليس من شأنه تهديد "الصيغة الوحدوية" في البلاد الغائبة
اصلاً. وإن كان من شأنه ارساء اسس تكافؤ في التمثيل النيابي بين
الطوائف والمذاهب استناداً الى المناصفة الدستورية بين المسلمين
والمسيحيين، يعوّض الى حد ما عدم التكافؤ الذي جعله الخلل
الديموغرافي سواء بين ابناء الديانتين المذكورتين او بين ابناء
المذاهب في كل منهما واضحاً جداً. والمهم في كل ذلك في رأيه هو ان
لا يكون اقتراح "اللقاء" تقسيمي الاتجاه وخصوصاً جغرافيا ووطنياً
الامر الذي يبقي العيش المشترك مستمراً.
هل من بديل لاقتراح "اللقاء الارثوذكسي" خالٍ
من اخطار التأسيس لاتجاه غير توحيدي"؟
البديل موجود ومصدره يُفتَرض ان يكون قانون
الانتخاب الذي تعكف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على وضعه كما تعهّدت
بعد نيلها الثقة. وجوهره ان تكون الدوائر الانتخابية فردية بمعنى
لكل دائرة نائب، وأن تكون الانتخابات اكثرية لأن النسبية لا تطبّق
الا عندما يكثر عدد نوابها، ويتنوّعون في الوقت نفسه حزبياً او
سياسياً او كما في لبنان طائفياً. في هذا الاقتراح البديل قد لا
يتمكّن المسيحيون ومنهم الارثوذكس من جعل نوابهم الـ64 ممثلين لهم
مئة في المئة، نظراً الى استمرار بعض الاختلاط الطائفي والمذهبي في
دوائر انتخابية معينة. والامر نفسه سيكون مع المسلمين وإن بنسبة
اقل بكثير. لكن من ينتخبهم المسيحيون فعلاً، على تنوعهم، سيمثّلون،
وبنسبة اكبر بكثير من نسبة تمثيل النواب الحاليين، ما يسمونه
"المجتمع المسيحي". علماً ان "تشقيفه" بدأ اولا بخضوع الموارنة الى
"اغراء" الانقسام المفيد للآخرين، والآن بـ"اغراء" الانقسام او
بالأحرى الانفصال الارثوذكسي المفيد للآخرين ايضاً. وبذلك يصبح
للمسيحيين تمثيل نيابي واقعي وفعلي لهم وإن الغيت الطائفية
السياسية لاحقاً، على استبعاد ذلك، لأن لا مصلحة لأحد في الإلغاء
بسبب شمول الانقسامات الحادة والصراعات وربما الحروب كل "الشعوب"
اللبنانية. وبذلك ايضاً تتكافأ الفرص بين الزعامات والاجيال
الجديدة وتضعف قدرة الأولى على إدخال "عصي" الى مجلس النواب كما
يجري عادة. وهذا امر كان يفتخر به "الزعماء" ولا يزالون قديمهم
و"الجديد". |