مجلس
الأمن ندّد باستخدام سوريا القوة
ولبنان نأى بنفسه عن بيانه الرئاسي
توغلت الدبابات السورية إلى وسط حماه أمس لتتمركز في ساحة العاصي
التي كانت طوال الأسابيع الأخيرة مكاناً لتظاهرات حاشدة تطالب
باسقاط نظام الرئيس بشار الأسد. وأفاد ناشطون أن مئات الدبابات
الأخرى تمركزت حول المدينة وحول مدينة دير الزور.
وبعد ساعات من هذا التطور الأمني الذي جرى في ظل تركيز الأنظار على
المحاكمة العلنية الأولى للرئيس المصري السابق حسني مبارك في
القاهرة، أصدر مجلس الأمن بياناً رئاسياً ندد فيه بعمليات القمع
التي تمارسها السلطات في حق المتظاهرين السلميين، كما ندد بمهاجمة
المقرات الحكومية. وقد نأى لبنان العضو عن المجموعة العربية في
المجلس بنفسه عن البيان ورأى أنه لا يساعد على معالجة الوضع القائم
في سوريا. كما واصلت واشنطن تشديد لهجتها حيال الأسد، إذ اعتبره
البيت الأبيض مصدراً لعدم الاستقرار في سوريا، وقال إن الادارة
الاميركية تبحث في وسائل تصعيد الضغط عليه.
وتوصل أعضاء مجلس الأمن الى الإتفاق على نص البيان الرئاسي إثر
جلسة صباحية مغلقة تداول فيها المجتمعون التعليمات الواردة من
العواصم. ثم عقد اجتماع رباعي حاسم شاركت فيه المندوبة الأميركية
الدائمة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، الى نظرائها الروسي فيتالي
تشوركين والبريطاني السير مارك ليال غرانت والبرازيلية ماريا لويزا
ريبييرو فيوتي اتفق خلاله، استناداً الى مصدر ديبلوماسي غربي، على
"اعتماد صيغة البيان الرئاسي من دون احراج لبنان وعلاقته الخاصة
بسوريا".
"تحييد لبنان"
وتجنباً لأي احراج، وجدت الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد اتصالات
مع الدوائر القانونية لدى البعثات الغربية والأوروبية "أكثر من
سابقة" مسجلة في دوائر المنظمة الدولية تفيد أن دولاً أعضاء في
مجلس الأمن "نأت بنفسها" أو "حيدت نفسها" عن الإجماع المطلوب في
البيانات الرئاسية أو الصحافية للمجلس. وأبلغ ديبلوماسي غربي
"النهار" أن "ميثاق الأمم المتحدة لا ينص في أي مكان على قرارات أو
بيانات رئاسية أو صحافية تتخذ في مجلس الأمن، بيد أنه يذكر عبارة
مقررات فحسب". وأوضح أن "هذه الصيغ الشكلية لمقررات مجلس الأمن
تكرست بالممارسة والعرف".
ولاحظ ديبلوماسي آخر أن "هناك أكثر من سابقة في سجلات جلسات مجلس
الأمن حين حيدت دول نفسها عن الإجماع المطلوب للبيان الرئاسي"،
مشيراً بصورة خاصة الى المحضر الرقم 1764 تاريخ 28 شباط 1974 الخاص
باحتجاج العراق على حوادث حدودية مع ايران. وعامذاك "حيدت" الصين
نفسها عن بيان رئاسي من غير أن تعطل اجماع مجلس الأمن. كما أن هناك
أكثر من سابقة مسجلة أعوام 1975 و1977 و1979 تتعلق بسوريا نفسها
وقوة الأمم المتحدة لفك الإشتباك "أندوف" في مرتفعات الجولان التي
تحتلها اسرائيل.
وأفاد ديبلوماسيون في الأمم المتحدة أن سوريا "رضيت مرغمة بصيغة أن
ينأى لبنان بنفسه عن البيان الرئاسي من غير أن يعطل الإجماع
الدولي، وذلك اثر نصيحة روسية في هذا الشأن لئلا تكون أمام خيار
اتخاذ قرار"، موضحاً أن دمشق "اختارت أحلى الأمرين". وأشار الى أن
السفير السوري في بيروت علي عبدالكريم علي نقل الى وزير الخارجية
اللبناني عدنان منصور كلاماً بهذا المعنى من وزير الخارجية السوري
وليد المعلم.
وبعد موافقة كل الدول على مشروع البيان الرئاسي وطلب البعثة
اللبنانية بعض الوقت للحصول على تعليمات من بيروت، علق مجلس الأمن
جلسته الصباحية في اطار "اجراء الصمت" حتى الساعة الأولى بعد
الظهر. غير أن البعثة اللبنانية طلبت لاحقاً تمديداً حتى الساعة
الثانية والنصف بعد الظهر. ومضى التوقيت المحدد من غير أن يسجل
لبنان أي اعتراض، مما يعني اجرائياً عدم تعطيل البيان الرئاسي.
البيان
وجاء في البيان الرئاسي الذي تلاه رئيس المجلس للشهر الجاري
المندوب الهندي الدائم لدى الأمم المتحدة هارديب سينغ بوري أن مجلس
الأمن يبدي "قلقه البالغ" من تدهور الوضع في سوريا، ويعرب عن "أسفه
العميق لوفاة بضع مئات من الأشخاص". وندد بـ"الإنتهاكات الواسعة
لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السورية". كذلك ندد
بـ"استخدامها القوة ضد المدنيين". وإذ دعا الى "وقف فوري لجميع
أعمال العنف"، حض جميع الأطراف على "التحلي بأقصى درجات ضبط النفس،
والإحجام عن أعمال الإنتقام، بما في ذلك الهجمات على مؤسسات
الدولة". وناشد السلطات السورية أن "تحترم حقوق الإنسان بصورة
كاملة" وأن "تتقيد بالتزاماتها بموجب القانون الدولي المرعي".
وأضاف أنه "ينبغي محاسبة المسؤولين عن أعمال العنف". وبعدما لاحظ
"التزامات الإصلاح التي أعلنتها السلطات السورية"، أسف "لعدم احراز
تقدم في تنفيذها"، داعياً الحكومة السورية الى "الوفاء
بالتزاماتها".
وأكد المجلس "التزامه القوي سيادة سوريا واستقلالها وسلامة
أراضيها"، مشدداً على أن "الحل الوحيد للأزمة الراهنة... إنما يكون
من خلال عملية سياسية جامعة بقيادة سورية، تهدف الى تلبية التطلعات
المشروعة للسكان ومعالجة شواغلهم على نحو فعال، بما يسمح لهم
جميعاً بممارسة الحريات الأساسية بصورة كاملة، بما في ذلك حرية
التعبير والتجمع السلمي".
وناشد السلطات السورية أن "تخفف حدة الوضع الإنساني في المناطق
المأزومة بوقف استخدام القوة ضد المدن المتضررة، وأن تسمح للوكالات
الإنسانية الدولية وعمالها بالوصول الى تلك المناطق بسرعة ومن دون
عراقيل، وأن تتعاون بصورة تامة مع مفوضية حقوق الإنسان". وطلب
المجلس من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون أن يقدم اليه
"تقريراً بآخر المستجدات عن الوضع في سوريا في غضون سبعة أيام" من
تاريخ اصدار البيان الرئاسي.
زيادة
وطلبت نائبة المندوب اللبناني الدائم لدى الأمم المتحدة كارولين
زيادة الكلام لتلاوة بيان مقتضب جاء فيه: "إذ نعرب عن أسفنا الشديد
لسقوط الضحايا البريئة ونعزي ذويها، نتمنى لسوريا، دولة وشعباً، أن
يثمر الإصلاح فيها تقدماً وازدهاراً". وأضافت: "حيث إن لبنان يعتبر
أن البيان موضع الجلسة اليوم لا يساعد على معالجة الوضع الحالي في
سوريا، لذلك فإنه ينأى بنفسه عنه".
وبعد الجلسة، قال رئيس مجلس الأمن رداً على سؤال لـ"النهار" إنه
اذا لم يتوقف العنف في سوريا وإذا استمرت الأوضاع في التدهور، فإن
مجلس الأمن سيعود الى الإجتماع للتعامل مع الوضع. وأكد أن "نأي
لبنان بنفسه لا يقلل شأن البيان الرئاسي".
البيت الابيض
وفي واشنطن، صرح الناطق باسم البيت الابيض جاي كارني في مؤتمر
صحافي: "نحن لا نريد ان نراه باقيا في سوريا من أجل الاستقرار، بل
نحن نعتبره السبب في عدم الاستقرار في سوريا". وجدد دعوة ادارة
أوباما الاسد الى وقف العنف واطلاق آلاف المعتقلين وفتح السبل
للتحول الديموقراطي، لكنه قال ان البيت الابيض يبحث ايضا عن سبل
للضغط على دمشق.
وأضاف: "سنواصل بالتأكيد البحث عن سبل لاتخاذ خطوات اضافية للضغط
على النظام كي يضع حدا لما يمارسه من عنف. ونحن نعتقد صراحة ان من
الصواب القول ان سوريا ستكون افضل حالا من دون الرئيس الاسد".
وفي باريس رحب وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه بالبيان الذي رأى
انه "يشكل تحولا في موقف المجتمع الدولي". وقال انه "بات اليوم على
السلطات السورية ان تعمل على وقف استخدام القوة ضد المتظاهرين
السلميين، وان تطبق الاصلاحات الضرورية للرد على التطلعات المشروعة
للشعب السوري".
الوضع الميداني
وفي آخر التطورات الامنية ليلا، أفاد حقوقيون ان ثلاثة قتلى سقطوا
برصاص قوى الأمن بعد صلاة التراويح في سوريا في ريف درعا وتدمر
ودمشق. وكان ناشطون تحدثوا عن مقتل ثلاثة أشخاص في قصف تخلل تقدم
الدبابات نحو وسط حماه.
وفي المقابل، بث التلفزيون السوري ان مجموعات مسلحة هاجمت ممتلكات
عامة وخاصة وسرقت محتوياتها قبل تخريبها في محافظة دير الزور. وقال
ان "مجموعات ارهابية اخرى في دير الزور هاجمت مخفرا لحرس الحدود
قرب شركة الفرات للنفط، وخطفت ثلاثة من حراس احدى آبار النفط
واستولت على أسلحتهم". وأضاف ان "الاجهزة الامنية المختصة ضبطت
سيارة مشبوهة تحمل اسلحة وقنابل مولوتوف".
مجلس الشعب
وأفادت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" ان مجلس الشعب
سيعقد ظهر الاحد جلسة استثنائية لمناقشة "مواضيع تهم الوطن
والمواطن" من غير الادلاء بتفاصيل.
وتأتي جلسة المجلس الذي انتهت دورته التشريعية من غير ان يحدد
موعدا للانتخابات بعدما أقرت الحكومة السورية عددا من مشاريع
القوانين المتعلقة بالاحزاب والانتخابات العامة.
نيويورك – علي بردى، العواصم – الوكالات
نيويورك – علي بردى، العواصم – الوكالات |