كتب حبيب شلوق:
"النداء السادس" للمطارنة الموارنة كان أمس في
7 ايلول 2005، "جردة حساب" بعد "المتغيرات الكثيرة" التي حصلت بين ايلول
وايلول.
و"جردة الحساب" تضمنت تسجيلاً لأمور ايجابية
حصلت، واشياء كان ينتظر ان تحصل... لكنها لم تحصل.
ولعل الابرز في "النداء السادس" كان الفقرة
الخامسة عشرة التي حملت عنوان "خوف البلبلة" وتضمنت ما توصل اليه التحقيق
في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من "معلومات ارست الشبهة على بعض المتهمين
ممن كانوا يتولون السهر على امن المواطنين"، مما اعتبره مجلس المطارنة
"مخجلا" حقا ومخزيا"، مشيرا الى ان ذلك "جعل مقام الرئاسة الاولى عرضة
لانتقادات كثيرة تطاول ما يجب ان يكون لها من هالة احترام ووقار"، وامل في
"أن يلقى هذا الامر الحل المنشود الذي يزيل كل ابهام".
ومما سجله النداء من ايجابيات جلاء الجيش
السوري عن الاراضي اللبنانية وهو "حلم راود مخيلة معظم اللبنانيين منذ ما
يقارب الثلاثين سنة"، الا انه لاحظ "مواصلة اجهزة الاستخبارات السورية وغير
السورية نشاطها على الاراضي اللبنانية واستمرار زرع العبوات الناسفة، وما
رافق ذلك من اغتيالات ومحاولات اغتيال"، واكد رغم ذلك عدم امكان تجاهل
العلاقة بين لبنان وسوريا والتي "تقضي بالمحافظة عليها من طريق اقامة تعامل
بين دولتين على قدم المساواة بعيدا من اي تعال واستكبار او استكانة واذلال،
ومن دون اغلاق الحدود كلما حدث حادث".
وفي الايجابيات أيضاً حصول الانتخابات النيابية
في وقتها المشروع ولو ان المجلس سجل شوائب رافقت الانتخابات من مثل اجرائها
على اربع دورات والرشوة واعتماد وسائل الاعلام لاغراض الدعاية، وسقوط عدد
من "فرسان المجلس". كذلك سجل ايجابية بعودة العماد ميشال عون من المنفى
وترؤسه تياراً نيابيا، واطلاق قائد "القوات اللبنانية" سمير جعجع
واستئنافها الحياة السياسية، اضافة الى "تحسن القضاء بحيث انزاح عن القضاة
كابوس تدخلات اهل السلطة من لبنانيين وغير لبنانيين".
هذا في الايجابيات. اما ما لم يحصل، فعدد
ولاحرج. من الفساد في الادارة و"افادة الازلام"، الى اهدار اموال الدولة
وخسارة المرافق الحكومية ولا سيما منها الكهرباء، الى النزف المستمر للشباب
لعدم وجود مجالات عمل لهم، وعدم تنفيذ القرارين 1559 و1614، ففي الاول "جمع
فئة من اللبنانيين بين الاشتراك في السلطة الرسمية عبر من لها من نواب
ووزراء، وحملها السلاح خارج القوى الرسمية اللبنانية"، معتبرا ان ذلك يشكل
أمرين يتناقضان ولا يجتمعان ولا يأتلفان"، داعياً الى حل هذه القضية عبر
"حوار داخلي صادق وصريح"، وعدم ارسال الجيش الى الجنوب مما يشكل ارباكا
يقتضي التصدي له وحله بالطرق المؤاتية"، داعيا الى "اظهار حدود لبنان
الدولية على يد الامم المتحدة، اظهارا لا يترك مجالا لأي ابهام او نزاع".
والجديد في "النداء السادس" مطالبة مجلس
المطارنة الموارنة بتسجيل ابناء المغتربين في وطنهم الاول ومنحهم حق
الاشتراك في الانتخابات النيابية وترغيبهم في الاستثمار".
و"جردة الحساب" قد تتكرر كل ايلول وهي جردة
تعدها سلطة دينية من منطلق وطني اذ لا هي موالية ولا معارضة. وهكذا، ربما،
يصحو القيمون ويدركون ان ثمة من يضع النقاط على الحروف وينتقد،وثمة من
يستمعون اليه، ويأخذون رأيه في الاعتبار.
و"النداء السادس" صدر على اثر اجتماع عقده
المطارنة الموارنة في بكركي امس، برئاسة البطريرك الكاردينال مارنصرالله
بطرس صفير. وتلاه امين سر البطريركية المونسنيور يوسف طوق، وأتى في ست
صفحات فولسكاب، وهنا نصه:
نداء سادس
"اذا ألقينا نظرة عجلى على الوضع الوطني العام
وما وقع من احداث جسام وما حدث من تغيير ملموس، منذ ايلول من السنة الفائتة
حتى ايلول هذه السنة، نرى ان هناك متغيرات كثيرة، منها ما كان ينتظره
اللبنانيون بشوق كبير، منذ زمن بعيد. وهذا من شأنه ان ينعش الامل في نفوس
افراد الشعب اللبناني التي كاد يتسرّب اليأس اليها، ومنها ما نزال ننتظر
تغييره. من هذه المتغيرات ما يأتي:
1 انسحاب الجيش السوري
من لبنان
في السادس والعشرين من نيسان من هذه السنة،
تحقق حلم راود مخيّلة معظم اللبنانيين منذ ما يقارب الثلاثين سنة، فجلا
الجيش السوري عن الاراضي اللبنانية، بعد التظاهرة الضخمة التي جرت في
الرابع عشر من آذار الفائت، ومشى فيها جنباً الى جنب مسيحيون ومسلمون اتوا
من مختلف المناطق اللبنانية ليجتمعوا في ساحة الشهداء، وما حولها من ساحات
في العاصمة اللبنانية، ليطالبوا بجلاء الجيش السوري، الذي دعا اليه اعضاء
مجلس الامن الدولي، خاصة فرنسا والولايات المتحدة. وهذا امر من شأنه ان
يُشعر اللبنانيين بأنهم اسياد امرهم، احرار في تدبير شؤونهم، مخيّرون غير
مسيّرين في اتخاذ قراراتهم، وخصوصاً ما يتعلق بانتخاب من يريدون ان يمثلهم
تحت قبة الندوة اللبنانية، بحسب النظام الديموقراطي، ومن سيكون رئيساً
لجمهوريتهم، ومن سيتولى تسيير امورهم اليومية وغير اليومية من اهل الحكم في
لبنان، ومن سيمثل من بينهم امام القضاء، ومن تجب ملاحقته من دون تركيب
ملفات. وهذه نظرة ايجابية نشكر الله على توافرها.
2 العلاقة بين لبنان
وسوريا
غير ان للبنان مع سوريا علاقات تاريخية
متشابكة، لا يمكن تجاهلها، وهي تقضي بالمحافظة عليها من طريق اقامة تعامل
بين دولتين على قدم المساواة، على مثل ما هو قائم بين اي دولتين سيدتين
مستقلتين، بعيداً عن اي تعال واستكبار، او استكانة واذلال، ومن دون اقفال
الحدود كلّما حدث حادث يعكّر صفو هذه العلاقات. ومعلوم ان الخسارة تقع،
كلما حدث ذلك، على كلا البلدين، وليس فقط على النظامين المختلفين في
كليهما، وتنعكس عواقبه الوخيمة على كلا الشعبين، فتحل بينهما مشاعر
الكراهية بدل مشاعر الود والتعاطف. وهنا يكمن وجه الخطر.
3 عودة من المنفى وخروج
من السجن
وهناك ايجابية اخرى وهي عودة العماد ميشال عون
من المنفى في باريس، بعد 15 سنة من النفي، واطلاق سراح الدكتور سمير جعجع،
بعدما قضى في السجن احدى عشرة سنة. وعاد العماد عون ليترأس تياره المعروف،
وخاض معركة الانتخابات، واصبح لتياره وجود في الحياة السياسية اللبنانية
عبر من فاز من مرشحيه لمقاعد نيابية. وعاد الدكتور جعجع ليستأنف تدبير شؤون
محازبيه، من القوات اللبنانية، وقد اصبح لها ايضاً وجود في الحياة السياسية
عبر وزير ونواب ينتمون اليه.
4 الانتخابات النيابية
اجريت الانتخابات النيابية في وقتها المشروع،
انما في ظل قانون شكا كثير من المواطنين ما فيه من عيوب لا حاجة الى
التذكير بها هنا، وقد اصبحت معروفة، بعدما ظهرت في انتخابات سنة الالفين
وتكررت هذه السنة. ورغم احتجاجات العديد من اهل الخبرة بالشؤون الانتخابية،
طوال اكثر من اربع سنوات، لم يكلّف المسؤولون نفوسهم صوغ قانون يشيع الرضى
في نفوس المواطنين، ويفسح لهم في المجال للتعبير عن اقتناعاتهم في اختيار
ممثليهم. هذا فضلاً عما يردده من خاضوا غمار هذه الانتخابات من مآخذ، منها:
اجراء هذه الانتخابات على اربع دورات بحيث تمكّن الفريق الخاسر من تحسين
اوضاعه في الدورات اللاحقة، والرشوة بطريقة علنية، وبأشكال مختلفة، من
بينها توزيع المساعدات الانسانية لغايات معروفة، واعتماد وسائل الاعلام
لاغراض الدعاية بحيث لم يكن هناك تكافؤ فرص بين المرشحين، الى ما سوى ذلك
من ثغرات كان لها تأثيرها على نتيجة الانتخابات التي سقط بموجبها عدد من
فرسان المجلس، ونجح نحو ستين نائباً يُنتخبون لاول مرة.
5 احداث تدعو الى القلق
غير ان هناك احداثاً تدعو الى القلق منها:
مواصلة اجهزة الاستخبارات السورية وغير السورية عملها على الاراضي
اللبنانية بطريقة غير منظورة، ومتابعة زرع العبوات الناسفة هنا وهناك،
مستهدفة الاخلال بالأمن، على وجه الاجمال، في المناطق المسيحية، وما رافق
ذلك من اغتيالات، ومحاولات اغتيال مما يخل بالامن العام، ويشيع القلق في
نفوس اللبنانيين. وهذا ما أفسد موسم الاصطياف، بعدما الغى العديد من رواد
الربوع اللبنانية، ابان الصيف، حجوزاتهم لاضطراب حبل الامن في لبنان، فضلا
عن اشاعة جو الخوف لدى العديد من رجال السياسة اللبنانيين المهددين بمحاولة
الاغتيال. وكان أشد هذه الاغتيالات وقعا في نفوس اللبنانيين، وادعاها الى
الأسى، اغتيال المرحوم الشهيد رفيق الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية،
ورفاقه.
6 القرار 1559
كان للقرار الذي اتخذه مجلس الأمن، والقاضي
بانسحاب الجيش السوري من لبنان، ونزع السلاح من أيدي جميع اللبنانيين
والمقيمين على الاراضي اللبنانية، وارسال الجيش اللبناني الى الحدود
اللبنانية الاسرائيلية، وقع مربك على جميع اللبنانيين. فمن جهة، انهم
مدينون للمقاومة باخراج الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان، بعدما احتله طوال
ما فوق العشرين سنة، ومن جهة ثانية لا يمكنهم الا ان يعترفوا بما نصّ عليه
الدستور اللبناني، شأن جميع الدساتير في كل بلدان العالم، وهو أنه لا يستوي
امامه اعزل ومسلح، وأن المواطنين سواسية امام القانون. وعلاوة على ذلك، ان
جمع فئة من اللبنانيين بين الاشتراك في السلطة الرسمية عبر من لها من نواب
ووزراء، وحملها السلاح خارج القوى الرسمية المسلحة، امران يتناقضان، ولا
يجتمعان، ولا يأتلفان. لذلك يجب حل هذه القضية عبر حوار داخلي صادق صريح،
بحيث لا يخرج لبنان على الشرعية الدولية، ولا يهمل، في وقت معا، ما له حق
فيه من الدفاع عن اراضيه بما يتيسر له من وسائل.
7 القرر 1614
وهذا القرار ايضا يقضي بارسال الجيش اللبناني
الى الحدود الجنوبية، اسوة بجيوش كل الدول التي ترابط على حدود بلدانها
لتدافع عنها، وتمنع كل تعديات قد تقع عليها. اما في ما خص لبنان، فهو لا
يرسل جيشه الى حدوده الجنوبية، بحجة انه لا يريد ان يحمي حدود العدو
الاسرائيلي، ولا ان يتعرض لهجوم يقوم به هذا العدو. وهذا ايضا يشكل ارباكا
يقتضي التصدي له، وحله بالطرق المؤاتية. وعلاوة على ذلك يجب اظهار حدود
لبنان الدولية على يد الامم المتحدة اظهارا لا يترك مجالا لاي ابهام او
نزاع.
8 الفساد في الادارة
بعض الموظفين يعملون كل على هواه، وكأن لا
تفتيش، ولا رقيب. فيتقاضون من الرشوة والخوات ما يريدون لقاء انجاز الى
معاملة، وليس من يسأل. والموظفون يجب ان يكونوا في خدمة المواطنين، ولا يصح
العكس. وتتعالى الشكاوى من المستشفيات والمدارس المجانية وغيرها التي
تتراكم عليها الديون المتوجبة على الدولة، ومن اصحاب الاملاك المستملكة من
دون ان يقبضوا البدل من الدولة العاجزة، وليس من يسمع. فضلا عن الاشغال
العامة التي تكلف الدولة ما تنجزه من اشغال اضعاف ما تستحق، بسبب رغبة بعض
النافذين وازلامهم في الافادة من مال الدولة من دون وجه حق.
9 هدر أموال الدولة
هناك ما فوق الاربعين مليار دولار من الديون
ترزح الدولة تحت ثقلها. ورغم ذلك، نرى موظفين يتقاضون اجورا ولا يأتون
عملا، في كل الدوائر الحكومية المحشوة بالأزلام والمحاسيب. وما من مرفق
حكومي الا يشكو الخسارة وخصوصا الكهرباء، والضمان الاجتماعي، والمدارس
الرسمية، وما سواها من امثالها. فضلا عن اطلاق مشاريع كمالية لا حاجة ملحة
للدولة اليها، ويمكن تأجيلها، وهي ذات اكلاف باهظة.
10 القضاء
كانت الشكوى عارمة من القضاء اللبناني. وقد ا
فضى الينا احد كبار المحامين المعروفين، انه اصبح يشعر بأن وضع القضاة قد
تحسن، بحيث قد انزاح عنهم كابوس مداخلات اهل السلطة من لبنانيين وغير
اللبنانيين، وهي مداخلات ترافقها تهديدات كانوا يخضعون لها مرغمين، وكانت
تنذرهم بأنهم ان لم يعملوا بارادة المتدخل حل عليهم الغضب الذي قد يذهب الى
حد تعيين مقرّ عملهم في منطقة نائية، واقصائهم الى مكان بعيد، ان لم يكن
الى حدّ تجريدهم من وظيفتهم.
11 النزف المستمر
انتفاء فرص العمل لا تزال تدفع الشباب اللبناني
الى الهجرة البعيدة والقريبة، وهذه الهجرة لها مردود سيء على البلد، فهي من
جهة تحرمه زهرة شبابه، وما لهم من طاقات خلاقة، تساعد على اعماره وتطويره،
ومن جهة اخرى، لا بد من ان يكون لهذه الهجرة مفاعيلها الاجتماعية السيئة،
وخصوصا على العائلة اللبنانية، لما تحدثه من خلل بين اعداد الشبان
المتناقصة، واعداد البنات المتكاثرة على ارض الوطن.
12 المسؤولية الوطنية
ان ما نراه من تزاحم على الوظيفة بين الطوائف
في لبنان، واصرار بعض النافذين على ايلاء هذه الوظائف لمن يأتمرون بأمرهم،
بحيث يصبح ولاء الموظف لموظفه وليس للمؤسسة الرسمية، لهو خروج على مفهوم
الوظيفة الصحيح. وهذا دليل على انتفاء الروح الوطنية السليمة لدى النافذ
ولدى الموظف، ناهيكم عن خروج هذا المفهوم على وثيقة الوفاق الوطني التي
تقول بايلاء الوظيفة من يستأهلها لما يتصف به من كفاية وتجرّد واستقامة
مسلك، وعفة يد. وهذه معايير لم يؤخذ بها، للأسف الشديد، الا نادرا حتى
اليوم.
13 روح الطائفية
ان روح الطائفية، بدل ان تتراجع، نراها تنتشر
وتتأصل، وهذا مدعاة قلق. فنرى الاحزاب عندنا طائفية في مجملها، عوض ان تكون
وطنية. فاذا لكل طائفة حزبها او تيارها، وهي تتسابق، وتتزاحم، وتتناحر. ولا
حاجة الى التسمية، فهي معروفة. وكان هناك في مطلع الاستقلال كتلتان:
الوطنية والدستورية، وفي كل منهما اعضاء من كل الطوائف، وكانت كلتاهما
تخوضان الانتخابات النيابية على لوائح مشتركة. وكانت الروح الوطنية اعمق
منها اليوم. ليتنا نعود الى هذه الروح، فيكون لنا حزبان كبيران، او على
الاكثر، ثلاثة احزاب، احدها صغير يرجح الكفة حيث يميل. وهذا خير وابقى. اما
الاصطفاف الطائفي، على ما يبدو لنا اليوم، فليس بدليل صحة وعافية.
14 الانماء المتوازن
يضيم اللبنانيين ان يروا المدن عندهم تكتظ
بالسكان، فيما القرى تفرغ من سكانها. وكان على الدولة ان تعير القرى
اهتمامها، فتمدها باسباب الحياة، وتؤمن لكل منها مستوصفا ومدرسة، ومعملا،
او مصنعا او محترفا يمكن افراد العائلة من ان يكتسبوا رزقهم بطريقة شريفة،
والمحافظة على صحتهم الجسدية والروحية، وخصوصا على دينهم، واخلاقهم،
وعاداتهم، وتقاليدهم السليمة.
15 خوف البلبلة
ان هذه البلبلة التي نشهدها في صفوف المواطنين،
وانتظار نتائج التحقيق الدولي في مقتل الشهيد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه،
الذي يبعث على الخوف، وعجز الدولة عن اكتشاف أي فاعل لهذه التفجيرات التي
تتوالى منذ زمن بعيد، بين الحين والحين، وتؤدي بحياة بعض من أهل السياسة
والفكر، وتنشر الذعر في كل مكان، ان كل هذا من شأنه ان يزعزع ثقة المواطنين
بدولتهم وبنفوسهم. لذلك يجب ان تحزم الدولة امرها وتؤكد الحكومة تضامن
اعضائها لتتمكن من اشاعة روح الطمأنينة في نفوس المواطنين.
غير ان ما توصل اليه التحقيق الدولي اخيرا من
معلومات ارست الشبهة على بعض المتهمين ممن كانوا يتولون السهر على امن
المواطنين، لهو حقا مخجل، ومخز، في وقت معا، ماجعل مقام الرئاسة الاولى
عرضة لانتقادات كثيرة تطاول ما يجب ان يكون لها من هالة احترام ووقار.
ونأمل ان في يلقى هذا الامر الحلّ المنشود الذي يزيل كل ابهام.
16 لبنان المنتشر
ان لبنان يحتل بين الدول، منذ ان كان، وخاصة
منذ حصوله على استقلاله، منزلة محترمة، بفضل ابنائه المقيمين والمنتشرين
في العالم اجمع، والذين توالوا على تحمل مسؤولية الحكم فيه. وخير ما يقدم
عليه من اعمال ربط اللبنانيين المنتشرين بوطنهم الاصيل لبنان، عن طريق
تسهيل السبيل عليهم لتسجيل ابنائهم في وطنهم الاول، ومنحهم حق الاشتراك في
الانتخابات النيابية، على ما تفعل سائر الدول التي لها مغتربون، وترغيبهم
في الاستثمار في وطنهم الاول لبنان، وهم ثروته، ووجهه المشرق، وخير
المدافعين عن كيانه، وتراثه، وتاريخه الحضاري. فعسى ان يفعل المسؤولون
اللبنانيون، ويتم المقيمون رغبة المغتربين، وهي رغبة مشروعة، ومفيدة،
ومجدية للجميع.
هذا ما رأيناه آملين ان ينير الله عقول
اللبنانيين في هذه الفترة الصعبة لا بل المأسوية من تاريخ وطنهم، ويلهمهم
ما فيه خلاصهم وخلاص لبنان".