التنظيم الآرامي الديمقراطي:
الخوف
الحقيقي يكمن في استمرار غياب مشروع مسيحي واضح الملامح..
الحل
لا يكمن باستمرار أنظمة الفساد والإستبداد، بل بأنظمة حكم ديمقراطية مبنية
على مبادئ العدالة والمساواة وشرعة حقوق الإنسان وفصل الدين عن الدولة..
غابي كلّو
رئيس التنظيم الآرامي الديمقراطي |
الصحفي جان عازار |
نصّ
المقابلة التي أجراها الصحفي جان عازار مع السيد غابي كلّو، رئيس التنظيم
الآرامي الديمقراطي، حول الأحداث في سوريا:
1-
ما موقفكم كتنظيم سياسي (مسيحي) بخصوص الحراك الشعبي الجاري في سوريا ككل؟
نحن
نؤيد كل حراك يهدف إلى إحلال
الحرية
والديمقراطية
الحقة في النفوس و النصوص على حدّ سواء. لقد أساء "نظام البعث العربي" في
دمشق استعمال السلطة بشكل فظيع ومدمر. إذ قامت الأسرة الحاكمة و حواشيها
بنهب منظمٍ للبلد
و
خيراته
ما أفقر الشعب، حتى بات بالإمكان القول أن الطبقة الوسطى قد اندثرت تماماً.
ناهيك عن الفساد والإستبداد. إننا كتنظيم آرامي ديمقراطي لا يمكننا إلا أن
نؤيد كل حركة وانتفاضة تهدف وتؤدي إلى إحلال الديمقراطية والحرية وحقوق
الانسان. وقد كان هذا موقفنا، منذ تأسيس التنظيم،
أن
لا
بديل عن الحرية والديمقراطية للجميع، نابعاً عن إيمان وعقيدة، فلم نهادن أو
نجامل أو نتزلف مطلقاً لأي نظام ديكتاتوري، وخصوصاً نظام دمشق، لربح نقاط
رخيصة، بعكس البعض من منظمات شعبنا (المسيحي) الذين يتلونون و يتقلبون بحسب
الظروف والتحالفات والتبعيات.
2- ما هو موقفكم بخصوص وضع المسيحيين في هذا الحراك.. أي هل هناك خوف
عليهم.. كونهم أقلية مثلما يروج النظام السوري وبعض المجموعات؟
لقد
أدت أبواق "الدعاية البعثية" على مدى أكثر من أربعين عاماً إلى خوف حتى
أبناء الأسرة الواحدة من بعضهم البعض، وأدت ممارسات البعث القمعية، وخصوصاً
ضد كل ما يمكن أن يشكل نواة تنظيم أو حزب أو حركة علمانية، إلى اقتصار
الساحة "المعارضة" على تنظيمات دينية إسلامية كالإخوان المسلمين مثلاً.
وهذا ما أراده النظام بالضبط وما سعى إليه، لتصوير البديل الأوحد له منظمات
إسلامية عنصرية ستدفع بالبلد نحو التخلف والاصولية الدينية. وعليه فإن أكثر
ما يخشاه النظام هو مشاركة أبناء وبنات "الأقليات" في هذه الإنتفاضة،
فهؤلاء عقابهم ضعف أضعاف أفراد "الأغلبية السنية". و بكلام آخر فإن النظام
الحاكم لا يحمي الأقليات، بل يحتمي بها، و إن مصلحته تقتضي بصبغ هذا الحراك
بالطابع "السني" كي يؤكد مزاعمه بطائفيَّةِ وإسلاميةِ الحراك. فبهذه
الأسباب مجتمعة يمكننا تفسير ضآلة مشاركة "الأقليات"، وخاصة المسيحيين
منهم. فعزوف بعضهم عن المشاركة سببه إذاً الخوف من انتقام وبطش النظام
المضاعفين، لأنهم بمشاركتهم يدحضون مزاعم بعث دمشق بطائفيَّةِ الإنتفاضة و
يجردون نظام الأسد من بقية ورقة لا يزال يلوح بها.
3- ما رأيكم كتنظيم في بعض مقاطع الفيديو أو بعض الهتافات التي ظهرت
مؤخراً ضمن الحراك والمظاهرات في بعض المدن السورية ونادت بعبارات طائفية
(مثل: العلوية عالتابوت والمسيحية على بيروت.. وغيرها)؟
هذه
كلها عبارات عنصرية مقيتة مدانة وهدامة. و لكن ينبغي الإشارة إلى أمرين: إن
الإنتفاضة السورية أتت وليدة رغبة شعبية عارمة بالتتغيير والتخلص من حكم
البعث وطغيانه وفساده، فبدأت وطنية شكلاً و مضموناً ولا زالت. و في كل
انتفاضة وثورة يحدث أن تتغلغل قوى أو عناصر ذات أفكار عنصرية، كانت غافية
أو نائمة لا فرق، تنتظر الفرصة لتنفس عن رغباتها وأحقادها. فوجود مثل هذه
القوى في سوريا لا يمكن إنكاره، فهو من مفرزات التطرف الإسلامي،
والتي كان من مصلحة النظام الإبقاء عليها – مع ضبط إيقاعها كما أسلفنا،
لتوظيفها متى دعت الحاجة، كما حدث في العراق بعد انهيار حكم صدام حسين.
والسؤال الملحّ هنا: ما الفرق بين التطرف السني و الشيعي مثلاً؟ لماذا لا
يجب علينا الخوف من نظام الملالي العنصري في إيران و تنظيم حزبلله (الشيعي)
الإرهابي وهما من أهم حلفاء و أقوى ركائز النظام في دمشق، بينما يجب علينا
الخوف من الجانب المتطرف السني مثلاً؟
لماذا نظام الأسد في دمشق هو "حامي ومخلّص ومنقذ المسيحيين" في سوريا،
بينما هو قاتلهم و المتربّص بهم في لبنان؟ أليس هو نظام البعثفاشي في دمشق
من كان يرسل إرهابيي التطرف الإسلامي إلى العراق بعد القضاء على حكم البعث
فيه؟ أليست هي نفس المنظمات المجرمة التي دمرت الكنائس و خطفت و قتلت و
تسببت بنزوح مئات الألوف من مسيحيي العراق و تشريدهم في مختلف أصقاع
المعمورة؟
إن
التطرف بجميع أشكاله وألوانه مرعب وهدّام، و لكن الحل لا يكمن باستمرار
أنظمة الفساد والإستبداد، بل بأنظمة حكم ديمقراطية مبنية على مبادئ العدالة
والمساواة وشرعة حقوق الإنسان وفصل الدين عن الدولة. وهنا الأمر الثاني: كي
نتمكن من الوصول إلى هذا الهدف يجب مشاركة الجميع، مسيحيين وغير مسيحيين،
للوصول إلى نظام عادل ديمقرطي حقّ. وعليه لا يجوز لنا الوقوف موقف المتفرج،
بل أن نتفاعل و نؤثر في الأحداث و في صنع الحدث ايضاً.
4- برأيكم، هل الحراك كله في سوريا سلمي؟ أم أن هناك بالفعل مسلحين (نظرية
النظام وإعلامه) وما موقفكم في حال وجود مسلحين ضد النظام؟
ابتدأ
الحراك سلمياً، ولا زال. وإن كان البعض قد حمل السلاح دفاعاً عن النفس في
وجه عنف وبطش وعمليات القتل التي يمارسها النظام، فهذا أمر مفهوم. الدفاع
عن النفس حق مشروع، بل واجب. أما إذا كان الأمر يتعلق بعمليات إرهابية
مسلحة منظّمة كما يقول النظام، فليُسمح إذاً لوسائل الإعلام العالمية
ومنظمات حقوق الإنسان بالعمل لتقصي الحقائق وتوثيقها وكشفها أمام الجميع.
لماذا لا يسمح النظام لهؤلاء للعمل بحرية ما دام على حقّ كما يدّعي؟
5- هل هناك خوف على مسيحيي سوريا في حال سقوط النظام أم لا؟ ولماذا؟
الخوف
الحقيقي يكمن في استمرار غياب مشروع مسيحي واضح الملامح. في رأينا يجب
علينا العمل والنضال للوصول إلى دولة تعددية علمانية يُفصل فيها الدين عن
السياسة، لا مكان فيها لحزب أو دين "قائد"، أو زعيم ملهم. برأينا لا نرى
الآن مانعاً أو حاجزاً يقف أمام التفاعل والحضور المسيحي، وبخاصة الآرامي،
السياسي الفاعل. لقد أدت سياسات البعث القمعية، على مدى حوالي الـ 50
عاماً المنصرمة، إلى انقراض الحياة الحزبية والسياسية بكل أوجهها، ولكن حان
اليوم موعد التغيير. فالمسيحيون كانوا موجودين قبل مجيء البعث و حضورهم كان
فاعلاً، و فارس الخوري كان على سبيل المثال لا الحصر، رئيساً للوزراء بعد
انتهاء الإنتداب الفرنسي وخلال فترة "حكم السنّة" إذا سمحنا لأنفسنا
باستعمال مثل هذه التعابير والمقاييس الطائفية. و لم يتجه الوضع نحو الأسوأ
إلا بعد بدء الإنقلابات العسكرية، مروراً بالوحدة المشؤومة مع مصر وليبيا،
وصولاً إلى استيلاء البعث على السلطة ، وارتفاع موجات النزوح والهجرة
المسيحية، وخاصة الآرامية منها، إلى مستويات غير مسبوقة.
6- ما رأيكم ببعض الجهات التي توصف مسيحيي سوريا بالمتعاونين مع النظام
لعدم تحركهم في الشارع (مع العلم أن هناك رسالة بعث بها بطريرك السريان
الأرثوذكس مار زكا عيواص يطالب فيها الرئيس السوري بـ "زيادة مساحة
الحريات". أضف أن هناك بعض المعتقلين من أبناء شعبنا من محافظة الحسكة
(وتشير تقارير إلى أن عددهم 3 طلاب جامعيين)، وأيضاً عملية اقتحام مقر
المنظمة الآثورية الديمقراطية - التي تشارك في المظاهرات منذ بدء الحراك -
واعتقال 13 من كوادرها وزعمائها قبل عدة أشهر لمدة أسبوع وتشميع مقرها
بالشمع الأحمر لمدة شهر تقريباً، عدا عن حملة الاعتقالات التي تمت بحق
العشرات من المسيحيين في دمشق مؤخراً.
غنيّ
عن القول بأن العقود الأخيرة شهدت حتى انحداراً في الحياة الروحية، بفعل
تدخل السلطة في ممارسة الشعائر الدينية، بفرض خطابها السياسي على رجال
الدين من جميع الأطياف والملل والنحل، فبات التزلف و "بيع الوطنيات" و
المزايدات ديدناً وفرضاً وأمراً باتت جموع الكهنة والمشايخ، على حد سواء،
تعتمده، بمناسبة أو دون مناسبة. وعليه فإن المواقف المتناغمة والمنسجمة،
وفي كثير من الأحيان المخزية والمتواطئة مع النظام في دمشق، لم تتوقف على
بعض رجال الكنائس المسيحية فحسب، بل انسحبت على جميع الطوائف والأديان.
ويبدو الآن أن انهيار حاجز الخوف جعل تلك الغمامة تنقشع والرؤية تتضح بعض
الشيء فكانت رسالة البطريرك ورفض الكنيسة السريانية تشكيل لجان شعبية
للتصدي للمتظاهرين من بين تلك المؤشرات. اما بالنسبة إلى اعتقالات بعض
الشباب المسيحي الآرامي، فليس من المستغرب بشيء، فكل من يعارض مصيره إما
السجن أو الإلغاء.
لكننا
نعلم تمام العلم من خلال تواصلنا مع الأصدقاء و المناصرين في سوريا بأن
عقدة الخوف و الرعب في طريقها إلى الزوال دون رجعة، وأن حالة الوعي
والإدراك لدى المجتمع المسيحي الآرامي هناك، والتي بدأت تبدو ملامحها تظهر
في اشتداد، وإن كان الطريق لبلورة مشروع آرامي قومي لا يزال طويلاً.
فيما
يتعلق بالمنظمة الاشورية الديمقراطية فإن جزءاً من الخلاف يكمن في قراءتها
المغلوطة للتاريخ و ترويجها لفكرة انحدار شعبنا من الاشوريين القدامى
المنقرضين أساساً بحسب أهل العلم. من ناحية أخرى يؤكد و يثبت التاريخ
العلمي و اصحاب الاختصاص في الأكاديميات العلمية أن جميع المسيحيين
المشرقيين (عدا الأرمن و الأقباط طبعاً) ينتمون الى الآراميين. إننا نرى أن
محاولات "أشورة" تاريخنا ولغتنا وهويتنا وتراثنا لا تختلف في شيء، وأن
تأثيرها لا يقل خطراً عن حملات التعريب والتتريك والتكريد التي أصابت أمتنا
الآرامية على مرّ الأزمان. و لكن، و على الرغم من كل هذا، فإنه لا يسعنا
إلا التنديد واستنكار حملات الإعتقالات، والتي ما هي إلا سمة وعلامة من
علامات إفلاس و يأس النظام. ونعيد التأكيد على أن لا حل بالخلاص إلا بإقامة
نظام حكم ديمقراطي علماني عادل يقوم على التعددية و يكفل حرية التعبير
لجميع أبناء الوطن دون تفرقة أو تمييز.
التنظيم الآرامي الديمقراطي
|