كتاب مفتوح
الى قداسـة البطريرك زكا
الأول عيواص بطريرك انطاكية وسائر
المشرق والرئيس الأعلى للكنيسة
السريانية الأرثوذكسية
2002 09 29
صدرت في الآونة الأخيرة، جملة تصريحات سياسية
لقداستكم ولبعض مطارنة كنيستنا، مرفقة بشعارات غريبة عن هيكلية
وروحانية الكنيسة السريانية الأرثوذكسية ومبادئها، رغم أن مهام
البطريرك وسائر المطارنة والكهنة هي وظائف دينية بحتة محصورة بعقيدة
الكنيسة وإيمانها ونظامها العام، على أن لا تتعداها الى السياسة التي
تشكل خطّاً أحمر لا يجوز تخطّيه لكونه مخالفاً لمعتقدات الكنيسة ا و
لآراء معظم آبائها ورؤسائها إلى
يومنا.
وكان من شأن هذه التصريحات التي لاتخدم إلاّ من
يسعون إلى تحريف هوّية الكنيسة السريانية الأورثوذكسية، زرع فتنة خطيرة
واستنكار عارم شمل معظم صفوف أبناء الكنيسة الغيورين في الوطن عامة
وبلاد المهجر خاصة، مما دفع بالعديد منهم، الى التصدي لهذه الظاهرة
الخطيرة التي لم يجدوا لها أيّ تفسير أو تبرير يعفي أصحاب هذه
التصريحات الشاذّة
من الإدانة والمحاسبة.
من هذه التصريحات، تقولون قداستكم في المجلة
البطريركية الغراء، العدد 216 – 217 ص 435 ما يلي: "وطننا لبنان له
رسالة في محيطه العربي و أمته و في المنطقة و العالم. و يجب أن نرقى
جميعاً إلى مستوى هذه الرسالة و كل من يسيء إلى هذه الرسالة و إلى
النموذج الذي يمثّله لبنان في وجه النموذج الصهيوني العنصري المعادي
للأديان، يتناقض مع مصلحة اللبنانيين و العرب و كل المناهضين للعنصرية"
أما نحن فنقول: إن لبنان، ومسيحييه في المقام
الأول، واقعون اليوم تحت وطأة أشرس استعمارعرفه التاريخ، نعني به
الإستعمار العربي السوري المسلم. أما العروبة فهي الكذبة القومية
الأكبر الرافضة لكل ما هوغير مسلم، لأن العروبة و الإسلام وجهان لعملة
واحدة. و ما العروبة إلا استمرار للغزوات و الإجتياحات الإسلامية التي
ما خجل أصحابها من إطلاق لقب فتوحات عليها. و بالنسبة للبنان فلم و لن
يكون يوماً عربياً. فهذه الأمور ليست نتيجة اتفاقات إذعان (مثل إتفاق
الطائف) بل نتيجة الحقائق التاريخية. إن لبنان سيبقى دائماً تعدّديا
شأنه شأن جيرانه: آرامياً متغنياً بحضارته مفتخراً بأصالته المسيحية.
والفارق هنا أن لبنان لم ولن يعرّب كجيرانه. من ناحية أخرى سنكون من
الشاكرين لو تكرمتم قداستكم و أوضحتم لنا ماذا أضرّت "الصهيونية
العالمية" و دولة اسرائيل بالذات بشعبنا الآرامي السرياني إن كان على
الصعيدين الديني أو القومي.
أما في العدد 191 - 193، ص 23 مايلي:
"حافظ الأسد، هبة السماء للوطن العربي والعالم"
أما ردّنا فهو: نحن كمسيحيين نؤمن بأن السيد المسيح
وحده هو هبة السماء للأرض وليس سواه. وان ادّعاءكم هذا محض تزلّف
واستجداء لايليقان مطلقاَ بمركزكم السامي.
تقولون قداستكم في المجلة البطريركية، المصدر نفسه:
"إن المسيح سوري، وأن المسيح تكلم اللغة السورية"
أما ردّنا فهو: إن العرب هم من فسخوا بين الهوية
السريانية الآرامية والسورية. فالسريان الآراميون هم أصحاب سوريا في
نظر كل العالم ما عدا في نظر العرب. والسريان يتعلّمون السريانية
الآرامية كلغة أم في كل أصقاع الأرض ما عدا في سوريا لأن العرب جعلوها
"جمهورية عربية سورية". فمن أي سوريا تقصدون قداستكم إن المسيح منها؟
سوريا السريان أم سوريا العرب؟ ثم أن المسيح لم يذكر يوما أنه من سوريا
بل من الجليل من فلسطين الآرامية لا العربية. وهو قد زار الشاطئ
الفينيقي يوم كانت سوريا آرامية لا عربية. أما اللغة التي تكلمها
المسيح فلا أحد يسميها سورية غيركم، وهذا يدعو للتساؤل عن الهدف.
والمعروف أن اسمها العلمي والتاريخي هو اللغة الآرامية وفي بعض الحالات
سريانية، لا سورية. ولو كانت لغة سورية فلماذا لا تتبنّاها الدولة
السورية كلغة رسمية؟
ثم تقولون فداستكم في المجلة البطريركية، المصدر
نفسه: "نحن شعب عربي واحد… ودم العروبة يجري في عروقنا… لنرفع راية
العروبة عالياَ"
أما ردّنا فهو: كل قارىء يعلم أن السريان الآراميين
هم أصحاب "بلاد الشام" – بيث آراميا أصلاً -
الأصليين والشرعيين، ومازالت هويتهم مطبوعة في أسماء معظم مدن وقرى هذه
البلاد. أما العرب المسلمون فهم دخلاء عليها، وقد دخلوها في القرن
السابع كمحتلين ومستعمرين. أما دماؤهم فليست بالطبع من دمائنا،
وبالتالي لم تجر دماؤهم في عروقنا بل إن الأقرب الى الحقيقة هو أن دماء
أجدادنا جرت تحت سيوفهم الإحتلالية. .ونقول أيضاَ لقداستكم وبعض
المطارنة: إذا كان هنالك من راية يجب رفعها، فهي راية الرب يسوع المسيح
أولاً، والكنيسة التي تترأسونها وتنعمون بمركزها وعزّها وخيراتها
ثانيأ.
ثم تقولون قداستكم في العدد نفسه، ص 19 مايلي: " لم
تنته اضطهادات البيزنطيين للكنيسة السريانية إلاّ بظهور الإسلام حيث
خرج المسلمون من الجزيرة العربية وحرّروا بلاد الشام" .
أما ردّنا فهو: كم هو عجيب وغريب قولكم هذا، وأيّ
عاقل يسمّي الإحتلال والإستعمار تحريراً وخاصة اذا كان بأبشع
صوره ؟ هل التحرير الذي تعتزون به هو في احتلال العرب المسلمين لبلادنا
عام 636 م واستيلائهم على معظم كنائسنا وتحويلها الى مساجد مثل : كنيسة
مار يوحنا المعمدان التي حوّلت الى المسجد الأموي بدمشق(ابن عساكر ج 1،
ص 200) والكنيسة الكبرى الى الجامع الكبير في حماة وكنيسة حمص الى
المسجد الأكبر وكنيسة حلب الى مسجد حلب (البلاذري، ص 131و146)… وهل
التحرير الذي تفاخرون به هو في تذويب ملايين السريان الآراميين، على
مختلف انتمائاتهم الكنسية، الذين أجبرهم سيف الإسلام على ترك دينهم
واعتناق الإسلام ومن ثم تعريبهم! وأما من تبقّى منهم فقد تحوّلوا الى
(أهل ذمّة) في بلادهم، طبقاًً (للشروط العمرية) العنصرية (نطلب شرح
ماهية الشروط العمرية في مجلتكم البطريركية) بالإضافة الى منعنا رسمياً
من تدريس وتعلّيم لغتنا السريانية الآرامية في سائر بلادنا. وهل كان
ذلك المنع مكأفاة للسريان الآراميين على تعليم العرب وتثقيفهم ونقلهم
من حياة التخلف والبداوة الى التحضر والمدنية، وذلك باعتراف معظم
مؤرخيهم!! متى فعل البيزنطيون ممّا يشبه هذه المظالم؟
ويبدو أخيراً، أن دفاع قداستكم عن العرب والعروبة
ومحاولات تعريبكم للكنيسة السريانية الأرثوذكسية، جعلكم تنسون كليّاً
أبسط واجباتكم في الدفاع عن الكنيسة وتراثها وهوّيتها السريانية
المميّزة وقضايا أبنائها، إذ مازالت حادثة الكاهن الشجاع يوسف أقبولوط
في تحدّيه السلطات التركية في تصريحه الجريء عن ( مجازر السريان) التي
أبادت نحو نصف مليون سرياني آرامي في تركيا، تتفاعل دولياّ وقد هزّت
بلاد الغرب، إلاّ قداستكم حيث لم تظهروا أيّ اهتمام رسمي بهذه القضية
الهامة، حتى أنكم لم تحاولوا مجرّد تكليف محام واحد للدفاع عن هذا
الكاهن البطل أثناء محاكماته.
و إن ننسى فلا ننسى تدنيس مجرمي حماس و الجهاد
الإسلامي و عصابات ياسر عرفات و مروان برغوثي لكنيسة المهد في بيت لحم
و تحطيم أيقوناتها و صلبانها و تعريضهم حياة الرهبان و الراهبات إلى
الخطر لزرع الفتنة بين الشعبين المسيحي الآرامي على اختلاف انتمائاته
الكنسية و الشعب الإسرائيلي الشقيق الذي عانى من الاضطهاد ما عانيناه.
كم كنا نتمنى لو أن الأمر اقتصر على هذه الأمثلة
فقط إلاّ ان هذا مع الأسف ليس إلا غيضاً من فيض، فالمجلة البطريركية و
خطابات و كرازات قداسنكم ترزخ بأمثال هذه المقالات و الأقوال. و كل ما
نتمناه أن تعودوا قداستكم الى الأصالة في ذواتكم والى أحضان كنيستكم
التي اشتاقت اليكم وذلك بتجنّب المنزلق الخطير والمشين في تعاطيكم
السياسة وشؤونها وأن تعملوا على نصرة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية
والحفاظ على لغتها وهويتها الآرامية الأصيلة، حتى يدوّن اسم قداستكم في
سجل بطاركتنا العظام، وذلك قبل فوات الآوان…
التنظيم الآرامي الديمقراطي
|