لا تدينوا كي لا تُدانوا
2003-01-18
خلال فترة الأعياد أدلى بعض رجال الدين من مختلف طوائف
شعبنا الأرامي المسيحي وعلى اختلاف رتبهم، سواء في دول الشتات أو في لبنان
الواقع تحت الإحتلال العروبي
السوري بجملة تصريحات جاءت دليلاً على الواقع المزري الذي تعيشه كنائسنا
تحت وطئة الهيمنة الإسلامية و آثارها على الفكر المسيحي المشرقي حتى في
الشتات.
ففي عددها الصادر يوم الرابع و العشرين من شهر ديسمبر
2002، نشرت صحيفة النهار اللبنانية رسائل عيد الميلاد للقس رياض
جرجورالأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط و سيادة ميتروبوليتان الروم
الأورثوذكس في طرابلس الياس قربان و غبطة بطريرك الروم الأورثوذكس مار
اغناطيوس الرابع هزيم يهاجمون فيها الشعب اليهودي و دولة اسرائيل. المضحك
المبكي أن الصحيفة نفسها و في العدد عينه نشرت تقريراً عن تفجيرات إرهابية
اسلامية ضد كنائس في
مناطق مختلفة من
"العالم الإسلامي" أسفرت عن سقوط ضحايا في صفوف المؤمنين و جرح العشرات
منهم، لم تحظ أرواحهم من كهنتا الأفاضل هؤلاء و لو بدعوة استرحام!
من ناحية أخرى، و جرياً على عادته، تحدث المطران جورج
صليبا، و على مدى ساعة كاملة، من على شاشة تلفزيون المنار - محطة منظمة
الإرهاب و العنصرية الإسلامية حزب الله، صابّاً جامّ غضبه و لعناته على
الشعب اليهودي و دولة اسرائيل. أما في السويد (!) فلم يشأ المطران عبد
الأحد شابو أن يكون أقلّ من سابقيه فخصّص كرازة يوم العيد نفسه (!) كاملة،
جاعلاً إيّاها كلاماً فارغاً يريد به غسل أدمغة المؤمنين المصدومين و
المستائين، و الذين جاؤوا أصلاً لسماع كلام المحبّة و التسامح، إذ لم يعد
في مقدورهم إحصاء عدد رشقات اللعنات التي أطلقها
المطران شابو على الشعب اليهودي و دولة اسرائيل و رئيس وزرائها آرييل
شارون! أمّا صاحب العيد نفسه، طفل المذود و
المخلّص الإلهي، فقد طوته عظة نيافة المطران
شابو في غياهب
النسيان!
و كالعادة لم تكن مثل هذه التصريحات تحمل
في طيّها مطلق علاقة مع
عيد ميلاد المخلّص أو إيمان الكنيسة أو، أقلّه، أتت
بمادة إخبارية جديدة. إنّما كلّ ما في الأمر أنّها كانت همروجة بروباغندا
تنضح بالنفاق و العداء للسامية و التحريض ضدّ مجموعة بشرية
و شعب بكامله. فإلى متى سوف يظل ّشعبنا الآرامي
السرياني يتحمل مثل هذه الأمور الشّاذة قبل أن يبدأ بالتّحرك؟
إننا نتفهم تماماً أن رجال الدين المسيحيين في أوطاننا
الأم لا يجرأون على الحديث لمصلحة دولة اسرائيل أو توجيه انتقادات للممارسات
الإسلامية العنصرية
بحق المواطنين المسيحيين و أتباع الديانات و الأقليات الأخرى بحكم أن
بلادنا رازحة تحت
استعمار أنظمة حكم اسلامية توتاليتارية. و لكن أن ينحدر المرء
لمثل هذا المستوى و أن يهبط أحدهم لدرك كهذا في بلاد الحرية التي لجأنا
إليها فهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. و لأمثاله نقول:
إن كان العيش في بلادنا الأم الواقعة تحت استعمار من تتمسحون أعتابهم،
رغداً و هنيئاً، فبإمكاننا المساعدة إن أحببتم العودة إلى هناك. فالسويد و
غيرها من دول العالم الحر ملجأ لمن يحتاجه و ليس مرتعاً لأصحاب مثل هذه
الخُزعبلات. و على مثل هؤلاء نطرح السؤال الأبدي: ماذا
أعاد لنا العرب/
المسلمون
من حقوقنا الحضارية و القومية و الثقافية و الدينية و السياسية
حتّى بلغ التّزلف لديكم درجة تبعث على الغثيان؟
إن التنظيم الآرامي الديمقراطي لا يجد غضاضة من إدلاء
الكهنة برأيهم في قضايا سياسية شأنهم شأن أي
مواطن آخر. و لكن الإتزان و عدم تجاوز حدود
اللياقة الأدبية شرط أساس في مثل هذه الأمور. إلا أن الكهنة الأفاضل الذين
عالجنا تصريحاتهم في هذه العُجالة، ارتكبوا خطأً جسيماً باستغلالهم
المنابر المقدّسة ليذيعوا منها ذمّيتهم السياسية المفضوحة
و تحريضهم ضدّ شخص و جماعة بشرية (شعب الله المختار)
بعينها، بل إنهم بذلك خالفوا إحدى وصايا الرب الأساسية القائلة: لا تدينوا
لئلأّ تُدانوا. فبأي حقّ يقوم بعض رجال الدين بوضع أنفسهم فوق وصايا الرّب،
أم أنهم لم يقرأوا، أو توقّفوا عن قراءة ألإنجيل المقدّس كما ينبغي
لهم كمرشدين و رؤساء روحيّين؟ أبهذه السّهولة
نسي هؤلاء أو تناسوا
لماذا قام الشعب الآرامي المسيحي، على مختلف انتمائاته الكنسية، بالنّزوح
مكرهاً عن أرض الآباء و الأجداد و الإلتجاء إلى دول العالم الحرّ؟ أيجب
فعلاً إنعاش الذّاكرة و التذكير بأن الإضطهاد العروبي/الإسلامي
هو العلّة الحقيقية؟
أم أنها طريقتهم غير المباشرة لتذكيرنا بالعلّة نفسها؟
إن المرء، كائناً من كان، ليس بحاجة إلى أن يكون شديد
الإطلاع على تاريخ الشرق الأوسط للخلاص إلى أن العرب/المسلمين كانوا، و لا
يزالون يشكلون، العدو الأخطر للشعب الآرامي السرياني و باقي الشعوب
المسيحية. و كما يعرف هؤلاء الآباء إن شعبنا
يستقي المعلومات عن تلك المجازر من البيت و الوالدين الذين عايشوا الشهداء،
تماماً مثل الكهنة أنفسهم، فما المقصد من تزوير الحقائق على المنابر
المقدّسة؟ و لا بأس،
أخيراً، من العودة و طرح السؤال : هل قام الشعب
اليهودي، يوماً ما، بالحاق الإذية و الضّرر بشعبنا
كي يستحقّ مثل اللعنات و التنديدات التي أطلقها بحقهم هؤلاء الكهنة؟ إن
التاريخ يبيّن لنا بكلّ وضوح أن اليهود ما اضطهدونا يوماً، بل على العكس
فقد دافعوا عنّا لاعتبارهم الآراميين أقرباء و حلفاء،
و لعلّ دعمهم و مساعدتهم الشعب الآرامي المسيحي في الحرب التي شنّها
العرب/المسلمون في العقود المنصرمة
على لبنان خير مثال في ذلك.