عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

بقلم: نينوس صوما اسعد
سويد ستوكهولم


لدوافع النفسية الدفينة، في الدفاع عن الهوية الآشورية الحديثة

الجزء الثاني

في هذه المقالة التحليلية للحالة الاشورية، سأتطرق للأسباب النفسية والاجتماعية التي كانت المحرك الأساسي التي جعلت بعض السريان يتقمصون الشخصية الاشورية وأن يقوموا بالدفاع المستميت عن الفكر الاشوري.

1 الوضع الإجتماعي المكتسب

إن أغلب السريان من المنتمين للحركات الاشورية هم من الأشخاص الطيبين العاديين وأحيانا من الساذجين، لا يملكون شيئا من الثقافة السريانية، ولا يعرفون عن تاريخنا شيئاً إلا ما ندر أو ما تعلموه في مكاتب أحزابهم. وهؤلاء ليس لديهم أي إضطلاع على كنوز تراثهم السرياني التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.
فكان من السهل أن يغرر بهم ويقعوا في شباك التنظيمات الاشورية السياسية، ليتحولوا بعدها الى جنود متطوعين ومبشرين بفكرها، ومدافعين عنها بعناد وبتطرف، ظنا منهم بأنهم يدافعون عن الهوية القومية الصحيحة.
لهذا تطرفوا بفكرهم، رافضين كل شئ سرياني، وحولوا هذا اﻹختلاف الى خلاف، ثم الى صدام ثقافي، فتقوقعوا على بعضهم ليؤلفوا مجموعة منغلقة ومنفصلة عن المجتمع السرياني ليمارسوا هويتهم المكتسبة حديثا، وذهبوا بعيدا في تكريس إنفصالهم بتمترسهم الغير طبيعي خلف مواقعم الدفاعية بعناد وجهل شديدين عن شخصيتهم الاشورية الحديثة بما أوتوا من طاقة وقوة.
ولم يقفوا عند هذا الحد بل بمنتهى الجهل تحدوا العلم والتاريخ والمؤرخين، ظنا منهم أن محاولاتهم هذه ستؤدي للضغط على هؤلاء العلماء وسيتراجعوا عن آرائهم وعلومهم وأبحاثهم لمصلحة الهوية الاشورية الحديثة.

يقضي العلماء السنوات الطويلة في أبحاثهم المنهجية في دراسة المواضيع التي يقدموها لنا، وهكذا يفعل من يبحث في التاريخ ايضاً، إلا أن المدعين وأنصاف المثقفين لا يقرأون البحوث، ولا يجهدون أنفسهم بالبحث عن الحقيقة، مكتفين بما هو مكتوب في كراسات تنظيماتهم السياسية، وبما يتناقلوه من شعارات وخرافات وأحلام طفولية فيما بينهم، وترداد بعض المقولات المستهلكة، وحشو الإنترنيت بكتابات لا علاقة لها بالعلم والحقيقة.
وبذلك يدمرون العلوم ويغتالون التاريخ ويقتلون العلماء بجهلهم وتعنتهم وبأعمالهم الغير مسؤولة .
وحقا صدق المثل القائل:
"نصف المعرفة أخطر من الجهل ".
أي أن انصاف المثقفين أخطر بكثير من الجهلة الأميين .

طبعا هناك أسباب إجتماعية وحالات نفسية وراء أفعال هؤلاء الذين أنشقوا عن مجتمعهم السرياني.
ومن هذا الاسباب:

- إيمانهم بأن إنتمائهم للحركات الاشورية ودفاعهم العنيد عنها سيكسبهم مكانة مرموقة في مجتمعاتنا السريانية.

لهذا نراهم كالطواويس يمارسون التعالي على بعضهم وعلى العامة، وهم لا يعلمون بأنهم طبول فارغة تصدر أصوات عالية وتزعج الاخرين .
- إن البعض منهم أوصلهم عدم توازنهم النفسي الى تحويل قضيتهم الخاسرة الى صدام مع مجتمعهم السرياني، وسجال ضد العلم والمعرفة. لذلك راحوا يستعملون ويكيلون الشتائم والإتهامات للمؤرخين والعلماء الذين لا يوافقوهم على أفكارهم. وهذا دليل على إفلاسهم الفكري وعدم مقدرتهم الرد على الحقائق التاريخية بالشكل العلمي والحضاري، ومضوا في تجريح أخيهم السرياني كي يقبل بأفكارهم الهدامة .

اما دافعهم لهذا الامر فهو:

اولا - الدفاع عن مركز إجتماعي ما في المجتمعات السريانية الصغيرة والضيقة التي يتنشطون فيها، معتقدين بأنهم سيحوزون على مراكز أو مكانة اجتماعية لكونهم فقط من اتباع الفكر الاشوري. "وهذا تفكير في منتهى الغباء".
فلهذا يحاولون دوما لعب دور أبوي على الأخرين، او لعب دور وصي، او حاملي رسالة سامية عليهم نقلها للأجيال القادمة.
فيشعرون (أو يفكرون) بأن المجتمع سيحترمهم أكثر، وسيقدرهم ويبجلهم أكثر من الاخرين المختلفين عنهم.
لكن الشيء المؤلم حقا هو عدم علمهم بأنهم مرفوضين من مجتمعاتهم، لأن مثقف اليوم لا يقبل مطلقا ان يمارس أحد عليه الفوقية الإجتماعية او الثقافية، او التعالي القومي والسياسي أو الوصاية الفكرية أو فرض هوية جديدة عليه، والأهم من ذلك إن مثقف اليوم يكره التعالي بشكل خاص من الرؤوس الفارغة.

ثانيا - محاولة التأثير على مراكز البحث العلمي، وحشو اﻹنترنيت بتخاريف علمية وقصص صبيانية.
إن عقدة النقص المعرفي التي أصيبوا بها بعد تجربتهم الإصطدامية مع العلماء ومثقفي السريان، لازمتهم هذه العقدة وأبعدتهم عن التجمعات الثقافية السريانية، فتراهم يهرعون الى نبش اﻷماكن والمؤسسات ومراكز البحث العلمي في الغرب وخاصة مواقع اﻹنترنيت ليملؤها بأكاذيبهم وتخاريفهم حول هويتنا السريانية.
او يحاولون أن يتصيدوا في الماء العكر في كل مناسبة لغوية او قومية او ثقافية تقيمها الجامعات، ليؤثروا على المشتركين ليتراجعوا عن أبحاثهم العلمية ويكسبوهم لجهتم وليكتبوا كما يرغب فكرهم الاشوري السياسي .

ثالثا - شعورهم بالدونية القومية والإحباط من الواقع، مقارنة بأمم المشرق المعاصرة كالعرب والكرد والفرس والترك التي تحكم البلاد والعباد بحكم واقع عددها.
رغم تظاهر معتنقي الفكرة الاشورية السياسية بعظمة قوميتهم الاشورية، وإدعائهم بتحقيقها على أرض الواقع، لكن شعورهم بالدونية جعلهم يعيشون في إزدواجية مفرطة في شخصيتهم مما جعلهم يقعوا في فخ العزلة بإنطوائية غريبة عن العرف والتقاليد المجتمعية السريانية المشرقية.
وهذا كان واضحا من خلال إدعاءاتهم بأن كل شئ على الأرض المشرقية هو أشوري وملك لهم، فيشفق عليهم سامعيهم من الأمم الاخرى، ويعتبرونهم مصابون بمرض الوهم والخيال، لأنهم يعيشون خارج سياق الواقع الذي يعطي الحق للأغلبية وللقوة الحكم على الارض .

رابعا - ضعف الشخصية الناتجة من ضحالة الفكر والثقافة، ومن عدم مقدرة الرد على نتائج اﻷبحاث والدراسات السريانية التاريخية الجديدة.
إن ردود مفكري ومدافعي الفكر الاشوري على المقالات والأبحاث المنشورة في مواقع اﻹنترنيت، هي ردود غير متوازنة وغير منطقية، وغير واقعية او عقلانية، وضعيفة للغاية وفقيرة علميا وتاريخيا، لكنها على اﻷغلب غنية بالحقد والضغينة والإهانة والشتيمة لكاتب المقال أو لكاتب البحث، وهذا يعكس مقدار الإحباط النفسي وضعف الشخصية لديهم.
والمتعارف عليه أن الشتائم والإهانات والكذب والخداع هي من سلاح المفلس فكريا وثقافيا.

لا شك ان منتوج هذه اﻷسباب هو شخصية غير متوازنة، مصابة باﻹزدواجية، او بحالة إنفصام عن الواقع، تعيش بأوهام تاريخية، وبإحساس أنها مرفوضة إجتماعيا، جعلت من صاحبها أن يرتكب الحماقات ضد أخيه السرياني. حماقات وصلت لغاية التهديدات بالتصفيات الجسدية، وكره وحقد أعمى على مجتمعه السرياني الذي أنفصل عنه.

وتوصف حالة شبابنا الاشوري المنشق من الصف السرياني اليوم، بأنها تشبه الى حد بعيد بحالة الأشخاص المنتمين الى بدعة شهود يهوه.
الذين يقعون ببداية الأمر في مصيدة المكانة الإجتماعية او الروحية او الحزبية أو في فخ المنفعة المادية، ثم يتحولون الى متطوعين ليدافعوا عن مكانتهم الإجتماعية أو مركزهم الروحي او موقعهم الحزبي. فنراهم يكرهون ماضيهم ويحقدون على مجتمعهم القديم، ولا يرغبون مطلقا بأن نذكرهم باﻹنفصال عنه .

ملاحظة :
إن الغاية من عملية تكرار بعض الكلمات والجمل، هي للتركيز على الفكرة .
ويتبع في الجزء الثالث

شكرا لكم

الجزء الثالث والأخير

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها