قبل أن نتحدث مملكة تدمر
الآرامية لا بد لنا من سرد لمحة تاريخية عن الآراميين في سوريا. ففي حوالي
عام 1500 ق.م سكنت القبائل الآرامية ضفاف وادي الفرات الأوسط. وهم ثالث شعب
سامي بعد الأمورييين والكعانيين يسكن قسماً كبيراً منهم بلاد الرافدين وسوريا
الشماللية والوسطى.
وظهرت الدول الآرامية الأولى
في منطقة الفرات الأوسط وقد سُميت إحداها آرام النهرين – الفرات والخابور –
ومملكة فدّان آرام ومركزها حرّان، ومعنى حرّان بالآرامية هو – الطريق –
وأصبحت من أعظم مراكز الحضارة الآرامية.
وإليها أتى ابراهيم الخليل
ليتزوج ابنة اسحق من رفقة الحرّانية. وذهب حفيده يعقوب وتزوج في حّران من
ليئة و راحيل و في سفر التثنية – التوراة يقول إبراهيم – كان أبي آرامياً
تائهاً.
وأهم المالك الآرامية كانت
آرام دمشق في عام 1200 ق.م. ومن أشهر ملوكها رصين و بارحدد و آرام صوبة كانت
مملكة آرامية موقعها في مدينة عنجر اللبنانية جنوب زحلة في البقاع و مملكة
بيث أغوشي بين حلب و قرقميش، و مملكة بادي و عاصمتها شمأل (حالياً زنجرلى) و
مملكة حماة: تأسست سنة 1000 ق.م. و لم تعرف هذه المماللك الآرامية الوحدة
السياسية الدائمة، بل تتحد عند وقوع خطر خارجي و توحّد جهودها تحت قيادة
مملكة دمشق حيث تترأس تحالف الممالك الآرامية.
تدمر في التاريخ: غير معروف
بشكل دقيق تاريخ بناء تدمر، إنما بعض الرقم التاريخية تذكر أنها كانت موجودة
حوالى 2500 ق.م إذ ورد ذكرها في رقيم آشوري عثر عليه في كبادوكية جاء فيه اسم
(بوزور عشتار التدمري).
كذلك جاء ذكرها في رقيمين
اكتشفا في مدينة ماري الأنورية الى 1800 ق.م ، "إيمار على الفرات" وقد ورد
ذكرها في نقوش تغلات فلاصر الذي دون أخبار حملته على الأموريين في سنة 1100
ق.م.
وقد ذكرها باسم "تدمو أمورو".
و قد ذكرها المؤرخ السرياني الأنطاكي مالالاس - مالولو- واعظ – خطيب، من
مؤرخي القرن السادس للميلاد ( حوالي 500 - 600 م) حيث قال بأن التدمريين
ساعدوا نبوخذ نصر في هجومه على أورشليم و أمدهم بـ 8000 من رماة النبال. و
أسر نبوخذ نصر الملك صدقيا ودمر هيكل سليمان عام 586 ق.م.
و ساهم التدمريون في تدمير
هيكل سليمان الثاني حيث ساعدوا القائد الروماني تيطس الذي دمّر هيكل سليمان
الثاني عام 70 م و لم يقم قائمة للهيكل حّتى الآن. و جاء في التلمود اليهودي
بما معناه بالسعادة من سوف يرى نهاية تدمر.
و قد عُرفت تدمر عند
الكتّاب اليونان باسم بالميرا و يعتمد علماء التاريخ بأن اسم بالميرا مشتق من
اللاتينية بمعنى النخيل (دوامه داتمره).
و تدمر اسمها الآرامي
تدمورو أي الجميلة و تدمرتو بالسريانية تعني الإعجوبة. و في عام 41 ق.م أرسل
مارك أنطونيو الذي كان يتولى حكم الشرق بالتعاون مع حبيبته كليوباترا في مصر،
أرسل أنطونيو فرسانه إلى تدمر و أمرهم بنهبها إرضاء لهم و لكن هذه الحملة
كانت غير موفقة، فقد أخلى أهل تدمر مدينتهم وأسرعو لغبروا الفرات بأرزاقهم و
أخذوا عبر الفرات يرمون فرسان أنطونيو بوابل سهامهم الشهيرة (غيره وقشتوثو).
وقد حافظ التدمريون على
استقلال بلدهم إبان النزاع بين البارثيين و السلوقيين. أما في العصر الروماني
الذي سيطروا فيه على سوريا عام 64 – 63 ق.م فأغلب الظن أن تدمر أعترفت بسيادة
روما عليها مع احتفاطها باستقلالها، و قد أدخلها القيصر تراجان ضمن المدن
العسكرية عام 106م و أسس فيها فرقة نظامية (حيلاوثو مطكسة) تدمرية مساعدة
للجيش الرماني.
و في 129م مّرٍ بها الإمبراطور
هادريانواسقبل فيها استقبالاً حافلاً و أعطى تدمر لقب المدينة الحّرة، الذي
يخوّلها حق سن الضرائب و جبايتها بنفسها، و أصبحت تدمر تحكم باسم مجلس الشيوخ
والشعب. و يمثل الإمبراطورية الروماني فيها ممثل يراقب سير الخزينة. و سميت
تدمر في عهد هادريان (هاديانا بالميرا) و كان هناك فوج من الخيّالة التابعة
للجيش الروماني يُعسكر خارج المدينة لمراقبة الحدود الشرقية للإمبراطورية
الرومانية.
وفي عهد الإمبراطور سبتيموس
سيفروس الذي تزوج الأميرة الحمصية السريانية جوليا دمنة ابنة كاهن الشمس في
حمص ورزق منها الإمبراطور كركلا الذي منح تدمر سنة 212 م لقب المستعمرة
الرومانية و منح أهلها حقوق أهل روما مثل حق الملكية المطلق و الحرية الكاملة
في إدارة سياسة المدينة و حق إعفائها من الضرائب. و بدأ التدمريون منذ ذلك
الحين يتخذون أسماء رومانية تضاف إلى اسمائهم الآرامية.
موقع تدمر الجغرافي : تقع
تدمر في وسط سوريا حيث تبعد 250 كم عن دمشق و150 كم عن حمص وقد شيدت قرب نبع
ماء اسمه (أفقا) اسم سرياني من أفق وتعني المتدفق – مايِه قالوعِه. و قد بنيت
في طريق القوافل التجارية بين سوريا و مصر و العراق و بلاد فارس و كان يدخلها
التجار من البلاد المجاورة و البعيدة، و من الهند شرقاً و أروربا غرباً.
وقد بلغت أوج عظمتها بين
أعوام 130- 272 م في عهد آل السميدع. كان بنو السميدع - (سام يداع)
بالسريانية معناها صناع المعرفة - كانوا رؤوساء التجار و قواد القوافل فاتسع
غناهم و علا شأنهم إلى أن سادوا على المدينة و تعاقب في الحكم من آل السميدع
كل من نصّور و وهب اللات و حيران، ثم استلم الحكم أُذينة.
و كان أُذينة الأول يطمح في أن
يستقل بتدمر و يتلقب بلقب الملك، و قد فطن الرومان إلى نواياه التوسعية
فتآمروا على قتله فأرسلوا إليه من روما قائداً عسكرياً يدعى روفينوس و بعد أن
وصل تدمر، حّل ضيفاً على أذينة في قصره، فقام روفينوس بقتل أذينة الأول غدراً
بخنجر و عاد عن طريق البحرإلى روما تحت جنح الظلام و بحماية القوات
الرومانية.
تولى الحكم بعد أذينة الأول
ابنه سبتيموس حيران عام 251 م و دُعي رأس تدمر. و لكن حيران لم يستمر في
الحكم طويلاً فقد مات بسبب المرض، فخلفه أخيه أذينة الثاني زوج زنوبيا و كان
أذينة الثاني فارساً و محارباً جريئاً.
من أين أتت تسمية أذينة:
يقول فيليب حتّي: هي تصغير للأذن بالعربية. أما الكنعانيون فقد سموه أدونات و
أدون هو الإله أدون بمعى السيد و هو امتداد لتسمية دوموزي السومري و تموز
البابلي، و يتصل أدون بفكرة جفاف الزرع الدوري الموسمي بسبب حرارة الصيف في
شهر تموز و عودته للحياة في نيسان بالربيع. و قد اقتبس اليونان اسمه و جعلوا
منه أدونيس، و أصبح أشهر الألهة الكنعانية و أقيمت عبادته في اليونان في
القرن الخامس قبل الميلاد.
و جعل الفيتنيقيون حادثته مع
عشتار عند منبع نهر ابراهيم في لبنان، ففي هذا المكان جرح تموز(أدون) بينما
كان يصطاد الخنزير البري و حملوه و هو يشرف على الموت إلى حبيبته المتألمة، و
منذ ذلك العهد و النبع يصطبغ باللون الأحمر في الربيع و هو لون دمه كما
يعتقدون.
وهناك رواية أخرى وهي أن
أدونيس الذي كان لقبه الفينيقي نعمان تحول إلى شقائق النعمان و هذه هي الزهرة
التي تلطخت بدم أدونيس وكلمة
ANEMONE
الإنكليزية أتت من تسمية نعمان بطريق اليونانية بينما كلمة نعمان العربية أتت
بطريق اللغة السريانية. و في الديانة السامية نرى فيها الحزن على موت إله
الزرع أدون أو بعل إجراء الطقوس لتمكين العودة للحياة عن طريق عشتار. و بعد
أن تنتصر عشتار على إله الموت و العالم السفلي يعمّ الفرح عند عودة الإله
أدون أوبل و تبدأ الطبيعة بهطول الأمطار الكافية لإنتاج موسم العام الجديد. و
بعد أن يبعث الإله بعل حياً يتزوج بعل من عشتار و ينتج عن هذه الزيجة تلك
الخضار الذي يكسو الأرض في الربيع. و فكرة الإله الذي يموت ثم يبعث، تصبح جزء
من العقيدة المسيحية.
|