عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  
     
http://www.walidphares.com مقالات سابقة

وليد فارس : بروفِسور في العلوم السياسية

 

     لماذا حصلت عملية 11 أيلول (سبتمبر)؟

 أهداف بن لادن الإستراتيجية الكامنة وراء الهجمات

لمدة سنتين منذ مذابح مانهاتن وواشنطن وبينسلفانيا، و الأمريكيون يحاولون بصعوبة هضم الضربات، وفهم دوافعها. على الرغم من نظرياتا لمؤامرة السخيفة التي حاولت توريط الحكومة الأمريكية نفسها، وهذا ما نفاه الإرهابيون بأنفسهم  بتحمّلهم المسؤولية مباشرة، نتج بالتالي إجماع عالمي بأن تنظيم القاعدة مسؤول عن تنظيم عملية ال 9/11 وتنفيذها. من ذلك الحين نشأ إجماع أقل، ولكن ما زال على المقياس العالمي، على شرّعية استنفار الجميع في الحملة ضدّ منظمة بن لادن عالميا. نظام الطالبان أزيل و انشغلت العشرات من البلدان والعديد من الحكومات العربية والإسلامية في المطاردة الأوسع في التأريخ: لإيجاد أسامة وأسره.

لكن ما بعد الحملة العالمية ضدّ القاعدة الذي إعتبر كالحرب على الإرهاب، سؤال مثير واحد يبقى لاجواب له في الغالب. وهو معرفة غاية بن لادن من هذه الضربات، وبكلمة أخرى ما كانت توقّعاته وتقديراته، وفي النهاية ما هو موقع هجمات 11 سبتمبر/أيلول بالنسبة لمخططه الأوسع. إجمالا، ماذا كان يستهدف؟ لا شك أن الأجوبة على هذه الأسئلة ليست فقط ضرورية لفهم الخلفيات التاريخية لكنها حاسمة لفهم الحرب على الإرهاب، ولذا وفي سبيل ظهور إجماع دولي طويل المدى على العمل الجماعي حول العالم. الأجوبة على هذه الأسئلة ستسلّط ضوءا على تطوّرات مثيرة في العراق وأفغانستان والعالم العربي وأوروبا وطبعا يشكّل معنى ومستقبلا لما أسميناه أمنا داخليا في الولايات المتّحدة.

إذا، ما كان في عقل أسامة عندما هندس ما أسماه "الضربات المباركة"؟ هذا يعوزنا مقابلته مباشرة أو ربما قراءة مذكراته في أحد الأيام، وعلى المرء أن يصل النقاط ببعضها التي يقرأها من مجموعة البيانات، على مدى عقد على الأقل، وإضافة إلى ذلك قراءة تلك المادّة بأعمق معرفة ممكنة من الحركة التي أنتجت بن لادن. أنا سأحاول عمل ذلك بأكبر قدر ممكن من الحذر، مما يسمح لبيانات خام بالتفاعل مع الغرائز. هذه ستكون قراءاتي من هدف الرجل الإستراتيجي الحقيقي وراء 11 سبتمبر/أيلول. بطريقة ملخّصة الأهداف الرئيسية وراء الهجوم الجهادي على التراب الأمريكي هي كالتّالي:

1) الفوضى

هناك حقيقة واحدة مؤكدة وهي أن الرجل الذي حاول تدمير مراكز التمويل والسلطات العسكرية والسياسية الأمريكية، إستهدف خلق فوضى وطنية في الولايات المتّحدة. القتل الجماعي للمدنيين، بما في ذلك الموظفين في البيروقراطية العسكرية لا تنتج عنه هزيمة في ساحة معركة كما هي الحال في حالة بيرل هاربور على سبيل المقارنة. إنما عنصر الإحباط والتعيير الإستراتيجي المفاجئ كان الخاصية الأكثر بروزا بين الإعتداءين، هدف بلاد اليابان النهائي كان تحطيم القوّة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي، بهدف إزالة الرادع الأمريكي لمخططاتها المباشرة في آسيا.  أما في حالة "القاعدة"، فالنتيجة المباشرة التي كانت تتوخاها غرفة إدارة عمليّات حرب الجهاد في 9/11، كانت أن تجلب الفوضى إلى الجزيرة الأمريكية، بالرغم من أنّ لجان عمل أمريكية أخرى لم تمسّ حول العالم. الهدف الحقيقي والأول "للغزوة" (وهي الهجمة الجهادية كما يدعوها أسامة بن لادن) كان أن يسبّب سلسلة من ردود الفعل، وذلك على المستويين الشعبي والسياسي. رأى مائة ألف أمريكي في الشوارع ينفجرون بغضب ضدّ حكومتهم كما فعل الإسرائيليون ضدّ حكومتهم في الثمانينات. تمنّى أن ينشقّ الكونجرس إلى اثنين ويصبح مشلولا، أحرام جامعية تثور وشركات تنهار. أراد فوضى، وأمّة منقسمة، خائفة، ومنقلبة على نفسها. كان يعتقد أن الوقت قد حان لسقوط العملاق. كان عنده العديد من الأسباب لإعتقاد ذلك.

2) ردّ فعل

لوكنت أنت بن لادن، أو نتيجة ثقافته السياسية، كنت ستتوقّع الإنتقام. لو وقعت أحداث مشابهة في منطقته من العالم،  لكانت مجموعة الغالبية، أو أي مجموعة أخرى قوية ستطلق عنان العقوبات الدامية على من تعتبره معتديا في منالها. تلك هي كيفية التعامل من الأطلسي إلى المحيط الهندي. في أعماقه، وداخل غرائزه، كان أسامة يتوقّع أن يهاجم الأمريكيون العرب والمسلمين على طريقة المذابح المدبرة. ليس على طريقة الحوادث المخبر عنها الـ420 والتي حسب المعايير الأمريكية ستدان في الحال - لكن على الطريقة الهندية الشارعية حيث آلاف المدنيين المسلّحين يحطّمون ويخربون أحياء بكاملها. لقد تخيّل الدمّ العربي والإسلامي مراقا في الشوارع، على طريقة الشرق الأوسط. من سخرية القدر، أن بعض الأشخاص الجهاديين إتصلوا بقناة "الجزيرة" في الأيام الأولى بعد 9/11 وكانوا يبلغون عن ردود فعل مزعومة. لو حصل مثل هذا الكابوس في أمريكا، لاستولت "القاعدة" على السلطة في الأراضي الإسلامية ولجنّدت بمئات الآلاف.

3) غضب أمريكي في الخارج

 مهندس الموت الجماعي توقّع عناقيد الغضب الأمريكية في الخارج على إثر الفوضى والجروح الإثنية داخل البلاد الأمريكية. لو كان عنده ما يكفي من القوّة العسكرية، ولو أن خلافته هوجمت بطرق مشابهة، لكان سيطلق عنان معركة نهاية العالم الفاصلة  ضدّ العالم الكافر. في تحليل نفسي مقابل، توقّع بن لادن أن يقوم الجيش الأمريكي بقصف مكثّف زارعا الدمار في أفغانستان والعديد من الأماكن الأخرى. توقّع أن يستنـزف القوّة الخام الأمريكية ويجرّها الى كامل العالم الاسلامي، وتوقّع أن تلي ذلك إنتفاضة عالمية. مما يثير الأنتباه أن يكون المجاهدون ترقّبوا سقوط ملايين الضحايا في أفغانستان والشرق الأوسط. بعض المؤشرات تقودني الى التقدير بأن سلطان المجاهدين ذاك أراد "للشيطان الأكبر" أن يعمل ما يستحيل تصوّره وأن يلجأ إلى استعمال أدوات الهلاك النهائية أو نهاية العالم.

تلك هي الحرب التي أراد أسامة بن لادن استدراجها. حرب تقود أمريكا الى الفناء، ليحطّم القانون الدولي وينصّب نفسه خليفة جديدا. لقد كان قريبا جدا من هدفه، لو أنه حسب بشكل مختلف. قراءته للمجموعات البشرية كانت أيديولوجية جدا. إرتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبها سلفاه المتشدّدان، النازيين والبلاشفة. لكن دعنا لا نتوقّع فصل الأحداث المستقبلية مبكّرا جدا. لأن الأسباب التي جعلت بن لادن يصدّق أن أمريكا كانت قد أينعت ما زالت موجودة في عمق تركيبتنا المجتمعية. قد يترتّب علينا أن نلقي نظرة على رماحنا قبل أن تفاجئنا كارثة مأساوية أخرى.

 البروفسور وليد فارس: أستاذ دراسات الشرق الأوسط ومحلّل في MSNBC.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها