عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
   د. أندريه كحّالة

د. أندريه كحّالة

بيروت – لبنان


 المختصر في تاريخ المقاومة المسيحية

 

د. أندره كحالة

I-مقدمة   : تعريف المقاومة                                                 ص 2 

ll جذور المشرق الحضارية                                 

1-         المشرق وجبل لبنان قبل القرن الخامس ميلادي             ص 3       

2-         جبل لبنان من القرن الخامس الى القرن السابع             ص 5 

 

IIl - من القرن السابع حتى القرن الرابع عشر                                   

 

1-        ولادة المقاومة المسيحية                                   ص 7

2-         الاستقرار النهائي في جبل لبنان                           ص 14

3-         المرحلة الصليبية                                         ص 16

 

IV  -  من القرن الرابع عشر حتى القرن العشرين                        

 

1-        المرحلة المملوكية                                          ص 22

2-        المرحلة العثمانية                                           ص 29

 

V خاتمة : عبر للمقاومة في حاضرها ومستقبلها                          ص

   I مقدمة : تعريف المقاومة  

"إن الحرب الاهلية  المستمرة في لبنان , هي في الواقع وبشكلٍ أساسيٍّ , حربٌ تهدف إلى  تحديد ماهية التاريخ الصحيح للبلد"(1)

المقاومة في أساسها هي ردة فعل لدى شعب ما أو لدى مجموعة بشرية ، قد تكون مباشرة وسريعة في حال غزو أو عدوان ، وقد تكون غير مباشرة في حال احتلال الارض . المقاومة هي بحاجة دائماً لدعم خارجي من أجل الإستمرار ولكي تعادل التفاوت في ميازين القوى مع العدو...

هذه المقاومة قد تصبح غير ممكنة عسكرياً أو بسبب طبيعة العدوان الطويلة الأمد، مما يستوجب أوجهاً أخرى للمقاومة على الصعيد الثقافي الديني أو اللغوي...

فالظروف والمعطيات الداخلية والخارجية مجتمعة تؤدي إلى نشوء المقاومة وتطّورها وقد تؤدي ظروف ومعطيات أخرى إلى نجاحها أو إلى زوالها.المقاومة بنت التاريخ والتاريخ عملية دائمة من تكوين وتفكيك وإعادة بناء... تتحدد المقاومة بالنسبة إلى الذات لأن هدفها المحافظة على الوجود وعلى الهوية من الخطر الداهم أو المحتمل، الحقيقي أو المتخيل... وهي تطرح بشدة في زمن الأزمات... فالمقاومة غاية ووسيلة في الوقت نفسه: إنها غاية لأن الجماعة تدافع عن وجودها بالذات ، وهي وسيلة لأن الجماعة تتوسل المقاومة أداة دفاعية تحصينية...

على الصعيد الدولي فالقرار 3246 للجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1974 يعترف بحق الشعوب بمقاومة الاحتلال... كما أن حق الشعوب في تقرير المصير هو بند مدرج إلى جانب حقوق الأقليات من قبل الامم المتحدة منذ ربيع 1993.

 

[1]   د.  كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة – دار نوفل 2000 -  ص 251

II جذور المشرق الحضارية:

 

1 - المشرق وجبل لبنان قبل القرن الخامس ميلادي: حقبة توحيد الهّوية ثلاثة مفاصل أساسية ساهمت في بلورة هوية المشرق خلال العصور القديمة:

التوحيد الاول لبلاد المشرق كان على الصعيد اللغوي حيث اعتمدت الامبراطورية الفارسية  الاشيمينية ابتداء من سنة 530 قبل الميلاد اللغة الآرامية كلغة رسمي (بدل اللغة الفارسية القديمة والكتابة المسمارية) هذه اللغة الآرامية انقسمت بعد زوال الفرس الى عدة لهجات مع قدوم الاسكندر والعصر الهلّنستي ابتداء من سنة 334

 قبل الميلاد .

نحن لا نجد في المراجع التاريخية وحتى في العهد القديم إّلا تسمية آرام وبلاد آرام (2), فبلاد المشرق كانت تسمى بلاد آرام من قبل العبرانيين وبلاد سوريا من قبل اليونان مثلما كان الساحل اللبناني يسمي نفسه بلاد كنعان بينما يطلق عليه اليونان اسم بلاد فينيقيا (3).

التوحيد الثاني جاء مع الحضارة الاغريقية والفلسفة اليونانية.ليكتمل حوالي القرن الاول قبل الميلاد مع السلم الروماني الذي ربط المشرق ببقية بلاد المتوسط ، واكبر إرث روماني كان في مدرسة بيروت الحقوقية. التوحيد الثالث لبلاد المشرق جاء مع البشارة المسيحية التي سلكت طريق المدن الكبرى من صيدا وصور إلى دمشق وأنطاكيا "حيث دعيوا لأول مرةٍ مسيحيين"(4). بذلك تكون اكتملت هوية المشرق لغوياً وحضارياً ودينياً.

  أما التعددية اللغوية فهي تظهر باكراً في بلاد المشرق حيث "كانت اليونانية لغة المعنيين بالاداب والفلسفة، واللاتينية لغة القانون والجيش، والآرامية لغة الشعب والكنيسة، حتى في المدن التي انتشرت فيها الهلّينية اكثر من سواها كان أهل البلاد يتكلمون بطلاقة الكنعانية وخصوصاً الآرامية السريانية " (5)

  لكن المناطق الداخلية والجبال كانت صعبة التبشير وظلت المعابد الوثنية مزدهرةً حيث بني معبد الشمس في بعلبك في القرن الثاني ميلادي ومعابد فقرا الوثنية , (6) مراكز عبادة عشتروت . مع نهاية الاضطهاد للديانة المسيحية سنة 312م. على يد  الإمبراطور قسطنطين  أصبحت الوحدة الدينية والسياسية وجهين لعملة واحدة.

كانت المجامع المسكونية تعقد بناء على طلب الامبراطور ، برئاسته وفي حضوره اكثر الاحيان وكانت مقررتها اللاهوتية او التنظيمية الكنسية تنّفذ بواسطة اوامر الامبراطور بالاساليب العسكرية.

هذه المجامع التي هدفت لتوحيد المسيحيين ومحاربة البدع، اتت بنتائج عكسية وتسببت بانشقاقاتٍ جديدة ونشوء كنائس مستقلةٍ تعبيراً عن التوق إلى الاستقلال السياسي، خاصةً بعد المجمع الرابع أو الخلقيدوني سنة 451 , "إن الأنشقاق الداخلي الذي حدث في الشرق إبان القرن السادس بين مناصري المجمع الخلقيدوني ومناوئيه ، كان سببه الاختلاف في التعابير اللاهوتية في طبيعتي السيد المسيح ,  ولم تتأّصّل هذه الاختلافات اللاهوتية الدقيقة في عقول العامة إلاّ بفضل ما أثير حولها من نعراتٍ قوميةٍ وطنيةٍ ,  فتحمس لها الأقباط والسريان والأرمن بهدف مقاومة دولة الروم المستعمرة"(7). هذا الوعي القومي تطوّر على مراحل عديدة دامت حوالي مئتي سنة وصولاً إلى القرن السابع...

وبحسب التحليل نفسه ، نجد الشعب السرياني الشرقي في بلاد فارس يعتنق البدعة النسطورية في وقتٍ مبكرٍ بحيث يكون تأسيس الكنيسة السريانية الشرقية كعلامة تمايزٍ عن الكنيسة البيزنطية والدولة البيزنطية وسبيلاً لاتقاء الاضطهاد من قبل الحكم الفارسي(8)..

 3-جبل لبنان من القرن الخامس الى القرن السابع: حقبة  التبشير لمناصرة هذا المجمع الخلقيدوني، كانت جماعةٌ رهبانيةٌ قد إقتدت بالقديس مارون الذي ترهب مستوحداً ومات على جبل قورش حوالي 410م. "وقد تمّ بناء دير مار مارون على العاصي حوالي 452م(9), في  منطقة أفاميا قرب حماة بأوامر من الأمبراطور مرقيانوس وسعي من تيودوريطس أسقف قورش (458+) وذلك للدفاع عن التيار الملكي الخلقيدوني في بلاد سوريا. "هذا الدير الذي سيكون له الأسبقية على أديار المنطقة في القرن التالي."(10)

  إن التبشير المسيحي سينتشر من دير مار مارون على العاصي نحو جبل لبنان حيث لا يزال نهر إبرهيم (وهو نهر أدونيس الذي ينبع من مغارة أفقا ) يحمل اسم الراهب ابرهيم الذي بشّر أهل الجبال. قدم ابراهيم القورشي معاصر القديس مارون من منطقة قورش"فأقام في بلدة كبرى معروفة بغرقها في قتام الكفر". (11)"كما بعث القديس يوحنا الذهبي الفم(407+) المعاصر للقديس مارون نحو بداية القرن الخامس بمرسلين جدد لهداية وثنية فينيقيا"(12) فالمناطق المارونية الأولى في لبنان هي جرود بلاد جبيل أي مناطق العاقورة وأفقا والمنيطرة  ويانوح وقرطبا.

أمّا الاضطهاد الذي سيمارسه اليعاقبة على الرهبان الموارنة سنة 517 والذي من جرّائه سيستشهد حوالي  راهباً مارونياً، فسيكون سبباً للإتصال الأول مع بابا روما هرمزدا , حيث يشكو له الرهبان في رسالتهم ما يقاسونه من أجل المحافظة على الإيمان الصحيح  ويذكرون اللجوء" من تيار العواصف والامطار الى ميناء الامن" .(13) (تحتفل الكنيسة المارونية بذكراهم في الحادي والثلاثين من شهر تموز ) .

"أخذت أهمية دير مار مارون على العاصي في الامتداد والكبر تصاعديا , حتى أصبح يضم كما يقول المؤرخ المسعودي (956+) : "أكثر من ثلاثماية صومعة يسكنها الرهبان " .والأسقف الماروني توما الكفرطابي يؤكد إنه في القرن السابع كان هذا الدير يضم ثمانماية راهب "(14) ان الزلازل المتتالية التي ضربت الساحل اللبناني وخاصة الزلزال الكبير سنة 555 ادت الى دمار مدرسة بيروت الحقوقية ، والى انتقال ديموغرافي نحو الجبل. (15) مع حلول القرن السابع، نجد الصورة المشرقية كما يلي:

·          على الصعيد الديني إنقسامٌ  بشكل كنائس قومية عند كلٍّ من الأقباط في مصر، السريان الشرقيين في بلاد فارس، الأرمن في أرمينيا والسريان في بلاد السريان بقسميهما:السريان اللاخلقيدونيين أنصار الطبيعة الواحدة (مونوفيزيين ) و السريان الملكيين الخلقدونيين  الموارنة.

·          على الصعيد السياسي، نجد البلاد عرضةً لحربٍ طاحنةٍ بين البيزنطيين  والفرس الذين احتلوا انطاكيا والمشرق السرياني ومصر إلى أن قام الإمبراطور هرقل بحرب استرجاع لهذه المناطق وللصليب المقدس بين سنتي 611 و 629(16).

"تعرض لبنان في القرن السابق للفتح العربي الى ثلاث مصائب وهي الزلازل والصراعات المذهبية والحروب الفارسية البيزنطية, فأدت هذه الكوارث المتلاحقة الى القضاء على الكثير من سكانه ,وخاصة سكان السواحل".(17)

II- من القرن السابع حتى القرن الرابع عشر

1-  ولادة المقاومة المسيحية: حقبة  الخيار الرابع

 ان المفصل التاريخي في مصير المشرق سيكون  الإجتياح الإسلامي الذي امتدّ خارج الجزيرة بعد موت النبي محمد حوالي سنة 632 , بحيث تحولت الغارات الخجولة إلى اكتساحٍ كاملٍ مع معركة اليرموك  (من روافد نهر الاردن) في 20 آب سنة  636م(18)، ومعركة القادسية سنة 637 . المعركة الأولى تمّ فيها انكسار الأمبراطورية البيزنطية والمعركة الثانية تمّ فيها إنكسار الأمبراطورية الفارسية الساسانية . أمّا كيف استطاع الجيش الإسلامي الانتصار على الأمبراطوريّتين الكبرييّن ، فالسببان الأساسيان هما:

·             أولاً أن العقود القليلة التي سبقت هذا الانتصار، شهدت حروباً داميةً بين البيزنطيين والفرس أدّت إلى استنزاف قواهما على طول الجبهات المشرقية.

·              والسبب الثاني أن الشعب السرياني الآرامي كان موزعاً على الكنائس المنفصلة عن الكنيسة البيزنطية، فكان موقفها المبدئي هو الترحيب بالاحتلال الإسلامي، علّه يخلّصهم من الاستبداد البيزنطي(19) كما يورد المؤرخ ابن العبري اليعقوبي:"إله النقمة أرسل العرب لكي يخلصنا من الروم... نجونا من ظلم الروم و بغضهم لنا". فكان الإنتقال من السيئ الى الاسوأ... عند هذا المنعطف الخطير، كان لابد للوجود المسيحي أن يواجه خياراتٍ مصيريةً، وقد حدّدها الإسلام بثلاثة:

 1-الإسلام او الموت : أسْلِم تَسْلَم (مما أدى إلى أسلمة اكثرية الشعوب المشرقية وشمال أفريقيا خلال قرنين) كما يورد المؤرخ  ابن عبد الحكم في" فتوح مصر" عن  جواب عمرو بن العاص عند حصاره للمقوقس في مصر:"إنه ليس بيني وبينكم الا إحدى ثلاث خصال ، أما إن دخلتم في الاسلام فكنتم اخواننا وكان لكم ما لنا ، وأما إن أبيتم وأعطيتم الجزية عن يد وانتم صاغرون ، وأما إن جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين."(20)

 

2 -الذمّية والجّزية (21): وهو خيار أكثرية  السكان المسيحيين ,  بحيث حافظوا على أرواحهم وممتلكاتهم مقابل التخلي عن حقوقهم المدنية والسياسية لقاء دفع الجزية , إلى جانب ضريبة الخراج  وهي الضرائب الفروضة على الأملاك، الظالمة جداً...وقد استعمل الخليفة عمر بن الخطاب هذه الجزية في خطته للقضاء على المسيحية بين بني تغلب وذلك " في اصراره على الا ينصروا وليداً لما اسقط عنهم الجّزية".(22)

 3- الترحيل والاقتلاع: كما يتم وصفها أحياناً بطريقة منقحة ومجمّلة: "لقد اتصفت العهود الإسلامية الأولى بالسماحة ورحابة الصدر، فسمحت لمن شاء من السكان والرهبان والموظفين بالهجرة إلى الأراضي البيزنطية، فغادر الدولة الإسلامية عددٌ وافرٌ من نصارى سورية وأقاموا في بلاد الروم وفي جنوب إيطاليا وجزيرة صقلية. وحافظ الباقون على كنائسهم وأموالهم وحريتهم الدينية وشرائعهم الخاصة بقيادة أساقفتهم"(23). ويذكر المؤرخ البلاذري:" ان الخليفة عمر بن الخطاب قام باجلاء بقايا النصرانيين اّلذين لم يعتنقوا الاسلام من نجران الى العراق سنة 635 "(24)

 كما ""تفيد بعض الروايات ان عمر بن الخطاب طرد مسيحيين ويهوداً من الجزيرة العربية  وأن ذلك كان تنفيذاً لوصية الرسول لما تثبت لديه ان الرسول قال "لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان" وايضاً" اخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب" كما ورد في مسند ابن حنبل"". (25)

 أمّا الخيار الرابع الذي لم يخطر ببال الإسلام، فهو المقاومة والنضال الذي قرره موارنة  بلاد السريان عندما  التحقوا بموارنة جبل لبنان وقام القديس يوحنا مارون بتأسيس البطريركية المارونية الإنطاكية حوالي 685م. متحدياً السلطة الكنسية البيزنطية والسلطة العسكرية الإسلامية...

إن التحديد الدقيق لتواريخ هذه الحقبة المفصلية غير متوفر حتى اليوم، ولكن"اياً تكن نتيجة  الدراسات والابحاث

 العلمية، ما من شك في أن قيام البطريركية المارونية...هو حد فاصل أنهى معاناة خطيرة بسبب غياب القيادة وبدأ

 مرحلة جديدة من الوجود المتراصَّ المتمّيز المعالم دينياً واجتماعياً وثقافيا "(26) أمّا في أرجاء الأمبراطورية الأموية التي امتدت من مشارف الصين مروراً بالشرق الأوسط والجزيرة العربية إلى شمال إفريقيا وإسبانيا حتى أواسط فرنسا، فإن الإستعمار اللغوي والثقافي أخذ يشقّ طريقه ابتداءً من سنة 691 وذلك أولاً، باعتماد اللغة العربية كلغةٍ رسميةٍ في كل دواوين الدولة بدل اليونانّية والفارسّية، وثانياً، باعتماد عملةٍ إسلاميةٍ بدل العملتين  البيزنطية  والفارسية،على عهد الخليفة الاموي الخامس عبد الملك بن مروان . هذان الإصلاحان كانا من أهم أسباب توطيد النفوذ الإسلامي وإعطاء الحكم صفةً مركزيةً ممّا ساهم بترسيخ الهوية العربية الإسلامية بحيث "أصبحت كلمة عروبة ملازمة للإسلام".(27)  كذلك أصبحت المعركة الثقافية واللغوية وجهاً ثانياً لمقاومة الشعب المسيحي الذي ظلّ يحافظ على تراثه وحضارته من خلال إنتاجاته الفكرية المؤتمنة في الأديرة ومن خلال لغته المحكية في القرى والجبال. فالقديس يوحنا الدمشقي الذي عاش تحت الحكم الأموي في القرن الثامن (749+) ، كتب نتاجه كلّه بالسريانية واليونانية.

 نجد إذاً انه بعد أن كانت سائر المناطق قد أسلمت في دينها وتعرّبت في لغتها، ظلّ جبل لبنان مسيحياً في دينه وسريانياً في لغته. "منذ ذلك الحين، بدأ الجبل اللبناني بالظهور على المسرح السياسي في هذا القسم من العالم، هذا الجبل اللبناني بقيادة الموارنة، وركائزه الجغرافية هي جبة بشري ,  بلاد جبيل وبلاد البترون" (28).

اما معااناة المسيحيين الرازحين تحت الحكم الإسلامي، فقد جاء وصفها كالتالي:

  " فنزحت إلى أقسام لبنان الشمالية جماعاتٌ مسيحيةٌ من المناطق المجاورة، والبعض هرب من دفع الجزية، أو تجنباً لأن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية ، والبعض هرب ممّا فرضه الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (717-720) من قيودٍ وتمييزٍ بين المواطنين فرضت بشكل تشريعٍ على أهل الذمة كانت الأولى من نوعها: وخلاصتها أنه منع المسيحيين من الوظائف الحكومية العامة ، وحظر عليهم لبس العمائم ، وطلب إليهم أن يلبسوا ثياباً ذات زنانير من جلدٍ تميّزهم عن سائر الناس) بما عرف بالغيار ) ، وأن يركبوا الدابة دون أن تسرج ، ودون  أن يكون لها بردعة ، وألاّ يبنواكنائس ، وأن تكون صلواتهم بصوتٍ منخفضٍ لا يسمع بالخارج".(29)

  هذا الوصف كان ينطبق على أرجاء الأمبراطورية الأموية، لكنه لم ينطبق على دولة المردة الحرة في جبل لبنان وعاصمتها بسكنتا. هذه السيطرة للمردة انطلاقاً من جبل لبنان وصولا الى الساحل اللبناني تأكدت عندما اراد معاوية بناء اسطول بحري من اجل الحملات الثلاث التي قادها على القسطنطينية , بين سنة 660 و 674 , اذ لم يستطع استعمال موانئ لبنان كما يورد المؤرخون :"كان معاوية اول خليفة يبني اسطولا بحرياً في الاسلام مستخدما مينائي عكا والاسكندرية".(30). في المقابل "في اللأيام المبكرة للأمويين استقدم الخليفة معاوية ( 661 - 680  ) عشائر فارسية حديثة الإسلام من إيران لكي تستوطن في هضاب بعلبك وطرابلس ,وكذلك في كسروان .(31)

دولة المردة هذه استطاعت فرض معاهدات متتالية على الخلفاء الأمويين وأجبرتهم على دفع جزية لقاء عدم تعرّض دمشق لغارات المردة (32). حيث يذكر البلاذري في فتوح البلدان :" ان عبد الملك صالح المردة الجراجمة  مع الامبرلطور (قسطنطين الرابع ) على الف دينار في كل جمعة... واقتدى في صلحه بمعاوية حين شغل بحرب العراق، فانه صالحهم على ان يؤدي لهم حالاً" .

كما يذكر تيوفانوس: " في السنة الاولى ليوستينيانوس الثاني الاخرم اي سنة 685 ، ارسل عبد الملك رسلاً لابرام عهد الصلح".لكن المعاهدة تضمنت أمرا خطيرا وهو أن تسحب الدولة البيزنطية قواتها الغازية من جميع المناطق التي احتلتها  في بلاد المشرق بما فيهم قوات" المردة الروم" (33)ً... فأبرز الملك أمراً بابعاد اثني عشر الفاً من المردة عن لبنان.هذا الابعاد من قبل عسكر الروم لعسكر المردة  أدّى الى "سقوط الجدار النحاسي"حسب تعبير المؤرخ البيزنطي تيوفانس ,ويصفها ايضاً الدويهي في تاريخ الازمنة, كما يصف إبن القلاعي  مجزرة قب الياس ...

وقد روى المؤرخ  البطريرك إسطفانوس الدويهي في كتابه "تاريخ الطائفة المارونية " : "أن البطرك الماروني الأول يوحنا مارون نقل مركزه عام 685 الى جبل لبنان واستقر في قرية كفرحي من بلاد البترون هربا من الغارة التي شنها عسكر الروم ذلك العام على دير مارون في وادي العاصي ..."

"وقد نتج عن اندماج الموارنة والمردة  والمسيحيين المحليين حوالي سنة  700 , ظهور الطائفة المارونية  ودورها على مسرح الأحداث في لبنان , وغدت اللغة السريانية , وهي لغة آرامية مسيحية اللغة الدينية والأدبية والشائعة لهذه الطائفة(35).

لما انتصر العباسيون على الأمويين في معركة الزاب سنة 750 وانتقلت عاصمةالحكم من دمشق الى بغداد( 762)  اتخذت الخطة المعروفة بالتعريب والتذويب منحىً أكثر تشدداً :

 ولنا أن نعتقد أن هجرة المسيحيين إلى لبنان ازدادت أيام العباسيين لاسيما في خلافة هارون الرشيد (786-809) وفي خلافة المتوكل (847-861)، كما أنه عند منصرم القرن العاشر، أصبحت سوريا ومصر والعراق بلداناً إسلاميةً في حياتها ومظاهرها العامة. أما في مصر، فإن القوانين التي سنها الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله (996-1021) أجهزت على ما تبقى من معالم النصرانية وجعلت البلاد بلاداً إسلاميةً محضةً، كما أن الأمم المغلوبة على أمرها أبدت من المقاومة اللغوية ما لم تبده في المقاومة الحربية أو الدينية، ولم يتم انتصار العربية كلغة يتكلمها الناس المغلوبون على امرهم، الا عند منصرم العهد العباسي، اي في اوائل القرن الثالث عشر.(36)

  أما في أوروبا، فنجد المسيحيين الفرنسيين عرضةً للمعاناة نفسها، لأن الفتح الإسلامي وصل إلى عمق فرنسا ولم يتراجع إلا بعد معركة بواتييه سنة 732، بينما استمر الإحتلال الإسلامي لإسبانيا لأكثر من سبعة قرون ( 712 – 1492 ).

 إذا كان تاريخ لبنان يبدأ منذ ستة آلاف سنة، كما يؤكد المدافعون عن النظرية الفينيقية، فالحقيقة هي أن تاريخ المسيحيين في لبنان كشعبٍ وعى كيانه وأراد السيادة والحرية وضحى بكل شيء من أجلها، هذا التاريخ يبدأ مع الاحتلال العربي الاسلامي:

"إذ لم يكن للتمايز الحضاري من وجودٍ قبل هذه الفترة، لأن لبنان المسيحي قبل القرن السابع كان مرتبطاً بسائر المشرق المسيحي كما بالغرب داخل دائرةٍ حضاريةٍ واحدةٍ. ولكن تغيير ملامح المنطقة المشرقية وفرض الإسلام والعروبة عليها، أدّى إلى فك الارتباط العضوي بين سكان لبنان المسيحي وسائر المنطقة المعرضة بحيث شهدت المنطقة تناقضاً ومواجهةً بين شعبٍ عربيٍّ مسلمٍ من جهةٍ، وشعبٍ سريانيٍّ مسيحيٍّ من جهةٍ أخرى، وصراعٍ بين حضارتين ما تزال نتائجه تتفاعل حتى اليوم"(37)

 إن هذا التناقض الحضاري قد بدأ في لبنان مع حملات الخليفة العباسي المنصور ابتداءً من سنة 758 الذي سهّل الاستيطان الإسلامي على السواحل اللبنانية بواسطة القبائل القادمة من الجزيرة العربية ، وابرز هذه القبائل التنوخّيون اللذين سيكون لهم دور بارز في تاريخ لبنان في القرون التالية

"وهكذا تحولت طبيعة الصراع من حربٍ بين الكيان المسيحي في جبل لبنان ودولةٍ إسلاميةٍ محيطةٍ بها، إلى صراعٍ على الأرض الواحدة بين شعبين اعتبر المستوطنون أنفسهم السكان الشرعيين"(38). أهمّية هذه الصورة بالغة الخطورة، فهي ترشدنا إلى تطوّر النيّة الإسلامية في المنطقة...

 مع اعتماد العباسيين نظام السلطة الروحية والزمنية للخليفة، اعتبروا بلاد المشرق بلاداً مفتوحة بالحرب" (39،  لكن سكان جبل لبنان لم يذعنوا لسلطتهم واول ثورة اندلعت في وجههم كانت ثورة المنيطرة( 759-760) في اعالي لبنان القريبة من أفقا وقد ثار أهلها على ظلم العّاسيين رفضاً لضريبة الخراج من قبل عامل بعلبك ، قاد الثورة  شاب جريء دعى نفسه "الملك بندار" وقد انتصر  في بادئ الامر مسيطرا نزولا حتى مدينة بعلبك مما جعل العباسيين يشنون هجوما مضاداً على جميع القرى الثائرة في منطقة المنيطرة ،"وشتتوا سكانها في طول البلاد وعرضها وارتكبوا المجازر في حق الاطفال والشيوخ والنساء"(40).

 وقد ذكر البلاذري ثورة المنيطرة وذكر معها رسالة الامام الاوزاعي ( 774+ ) الى صالح بن علي والي الشام العباسي اعتراضا على الظلم اللاحق بأهل جيل لبنان...

  نستنتج من هذه الثورة "أن العباسيين عمدوا الى حل مختلف جذريا عن الحل الاموي للجراجمة , فلم يدخلوا في الحل أي إغراء اقتصادي إنما اعتمدوا  إجلاء السكان ونقل القبائل العربية التنوخية  الى لبنان ابتداء من سنة 763, والسيطرة المباشرة على الجبل , وهي كلها حلول عنف وإرهاب."(41)

  وقد قام التنوخيّون , الذين استوطنوا في منطقة الغرب على المرتفعات المجاورة لبيروت , بحماية السواحل والجبال المشرفة على بيروت من غارات الموارنة في الجبل . يورد الشدياق في اخبار الأعيان انه وقعت بين الفريقين صدامات قوية بالقرب من نهر بيروت وفي انطلياٍس وانكفًت المردة من ساحل  بيروت..

" وهكذا بدأت في لبنان اول امارة عربية اسلامية هي الامارة التنوخية وعاصمتها بيروت منذ سنة 875  والتي ظلت مستمرة حتى العهد العثماني، اي حوالي ثمانية قرون متواصلة، يقابلها مقدمية الموارنة في الجبال الشمالية وكسروان. وابتدأت بذلك تظهر معالم الكيان الذاتي في لبنان."(42)

2-الاستقرار النهائي في جبل لبنان : حقبة اكتمال المثلث الذهبي

  لم يستقرّ مركز البطريركية المارونية في لبنان نهائياًً قبل حوالي سنة 938 , مع خراب دير مار مارون على العاصي كما يصفه المسعودي ( 956+ )"بسبب تواتر الفتن من الأعراب وحيف السلطان " (43). هذا التطور الدراماتيكي تسبب ايضاً بنزوح كثيف لموارنة العاصي نحو جبل لبنان , اذ "امتزج الوافدون الجدد في لبنان مع الآراميين سكان البلاد الاصليين وكونوا معهم معقلاً وملجأ للمقهورين والمستائين القادمين من سوريا الداخلية، من هذا الاندماج تكونت الامة المارونية التي لا تزال سائدة في لبنان وتؤلف الجماعة الاكثر تماسكا"(44).

هذا الانتقال للبطريركية المارونية وتمركزها نهائيا في جبل لبنان وما سبقه وما تلاه من انتقال شعبي كثيف خلال القرن التاسع يمكن تحليل طبيعته على الشكل التالي:هو لم يكن استيطاناً ولا هجرة لكن الصفة الاصح هي أنه  تهجيرٌ داخليٌ من منطقة مسيحية اصبحت تحت الخطر الداهم الى منطقة جبلبة مسيحية تؤمن "الحرية الوجودية" للشعب وللكنيسة اللذين شكلا الأمة المارونية بكنيستها القومية تحت القيادة الدينية والسياسية للبطريرك.

 " فإن اعداداً كبيرة من الموارنة كانت تعيش فعلاً في شمال  لبنان قبل زمن طويل من ملاحقة البيزنطيين لموارنة الداخل الشامي, وقد هرب هؤلاء من وادي العاصي ... للإنضمام الى الموارنة الآخرين في شمال لبنان . (45) 

  إن المقاومة بأهدافها الثلاثة، دفاعاً عن الايمان، دفاعاً عن الحرية و دفاعاً عن لبنان , إستطاعت بعد هذه المرحلة المصيرية إكمال ما نسميه المثلث الذهبي، أي مبدأ " الوجود المسيحي الحرّ في لبنان".

  “حلّ لبنان الجبلي على مسرح التاريخ محل لبنان البحري بعد الاحتلال العربي الاسلامي للسواحل ، فانعزل عن البحر وتراجع الى حياة اقتصادية ريفية الاساس(46)،"وظهر جبل لبنان وكأنه جزيرة مسيحية صغيرة في بحر من الاسلام."(47)

هذا الصمود المسيحي في جبل لبنان كان له مثالٌ واحدٌ على الأقل وهو صمود السريان الشرقيين في شمال العراق، حيث طبيعة الأرض الجبلية كانت تسمح بالمقاومة والعيش الحرّ كما في جبال لبنان.لكن ميزة جبل لبنان كانت دوما الانفتاح على البحر كما سنرى لاحقا.

  إذا كانت ولادة القضية المشرقية تحدّد بحوالي سنة 636 ، أي بالفتح الإسلامي وما استتبعه من مدٍّ على كل الأراضي المشرقية، ممّا بلور الهوية المسيحية اللبنانية والنزعة الاستقلالية في جبل لبنان، فإن ولادة القضية اللبنانية تحدّد بحوالي 758، أي بالخطة الاستيطانية على السواحل اللبنانية وما ولدت من ثنائيةٍ في الهوية والانتماء ما زالت تتفاعل حتى يومنا: فمن ناحيةٍ، هنالك الشعب المسيحي اللبناني، ومن الأخرى، هنالك الشعب المسلم العربي في لبنان. وكل كلامٍ عن وحدة الشعب اللبتاتي هو من باب التغاضي عن حقائق التاريخ أو من باب التزوير التاريخي. فإذا كنا نستطيع الكلام عن شعبٍ يوغسلافي واحدٍ أو شعبٍ قبرصي واحدٍ، عندئذٍ نستطيع الكلام عن شعبٍ لبناني واحدٍ....!!

ابتداء من هذه المرحلة اصبح  تاريخ الشعب المسيحي ممتزجٌا بتاريخ الكنيسة المارونية في جبل لبنان وهو تاريخ الاضطهاد والمقاومة: "فليس لدينا عن حياة الموارنة في الجيل الثامن وحتى الحادي عشر إلا هذان المستندان: الجنائن التي نحتوها في الصخور والصلوات التي كانوا يصلّّونها "(48) "لأن المارونية عاشت تاريخها قبل ان تدونه سطوراً غلى ورق."(49)

"في نهاية القرن الحادي عشر كان الوضع السياسي كما يلي: سيطرة الفاطميين الشيعة في جنوب لبنان وسيطرة السلاجقة  السنة في البقاع وسيطرة التنوخيين في بيروت والجبل حلفاء السلاجقة ( الذين سيعرفون فيما بعد ببني بحتر) وسيطرة بني عمار في طرابلس والشمال وسيطرة مقدمي الموارنة في جبال الشمال ... أما التوزيع الطائفي في لبنان فكان كما يلي: الشيعة في الجنوب وبعض البقاع وطرابلس والشمال ومنطقة جبيل.وكانت الدرزية في وادي التيم وبعض الشوف وفي الغرب والمتن ، اما السنة فكانوا في بيروت وبعلبك وصيدا والمسيحيون في جبال طرابلس وفي بعض الاقسام الجبلية الشمالية ,  اما النصيرية فكانوا في وادي التيم وعكار . بهذا التوزيع المذهبي الذي سببه الاحتماء بالجبال اللبنانية قابل اللبنانيون الحملة الصليبية الاولى."(50)

"في أوائل القرن الثاني عشر إنطلق الدروز والموارنة من بين الطوائف اللبنانيّة - كل فريق على حدة –  في مسيرة تاريخيّة واضحة المعالم , ومع إنطلاق هاتين المسيرتين بدأ تاريخ الجبل اللبناني ينتهج نهجه الخاصّ "(51)

 

3-                                المرحلة الصليبية: حقبة التواصل مع الغرب

مع تقلبات الزمن ونهاية القرن الحادي عشر، وصلت الحملات الصليبية سنة 1098 ، فتنادت المدن الساحلية لمقاومة الإفرنج ، وهي المدن التي كانت ذات طابعٍ إسلاميٍّ وتابعةً للحكم الفاطمي تارةً ، والعباسي طورا ً.

 "لم يقدًر الحكام السلاجقة في بلاد الشام ولا الحكام الفاطميون في مصر وفلسطين حقيقة الاهداف الصليبية واخطارها ، فعمد الفاطميون الى الاتصال بالصليبيين امام انطاكية لمفاوضتهم على محاربة السلاجقة واقتسام البلاد قتكون بلاد الشام للصليبيين وتكون فلسطين للفاطميين. وعدم التقدير هذا افاد الصليبيين كثيراً اذ وفّر عليهم التعرض لتجمع اسلامي كبير" (52)

أما مسيحيو الجبل فقد ذكر المؤرخ غليوم الصوري وهو اسقف صور اللاتيني: "ولما وصل الفرنج فوق مدينة طرابلس في زحفهم على أورشليم، بعد فتح إنطاكية، هبط إليهم جماعةٌ من المؤمنين السريان الذين يسكنون جبل لبنان فوق جبيل والبترون وطرابلس... لأجل تهنئتهم وعرض خدماتهم عليهم. فرحبوا بهم بعواطف الحب الأخوي واتخذوا منهم هداةً يرشدونهم" (53) وكان للموارنة دور في فتح طرابلس حسب قول ابن الاثير اذ "اتى سكان الجبل المجاور واهالي الارياف الذين كانوا بمعظمهم مسيحيين، لمساعدة ريمون دي صانجيل"(54).

 كما دوّن المؤرخ جاك دو فيتري المعاصر للمرحلة :"إنهم  اناس يعيشون فوق هضاب لبنان , في منطقة فينيقيا , على مقربة من مدينة جبيل , عددهم لا يستهان به , وانهم مدربون وبارعون في استعمال القوس والسهم في الحروب , واسمهم الموارنة "(55).

 بعد سقوط القدس بيد الصليبيين في 14 تموز سنة 1099 جاء دور المدن الساحلية الأخرى  ، "فأول المدن اللبنانية التي سقطت هي جبيل سنة 1104 وطرابلس سقطت سنة 1109 وتحولت الى قومسيّة (أي  كونتية ) صليبية. ويذكر الشدياق قدوم المردة – الموارنة- لمساعدة الامير بودوان على حصار بيروت التي سقطت بعد شهرين . وسقطت صيدا سنة 1110 بعد طلب الامان ، اما صور فكانت اخر مدن الساحل التي  تسقط بيد الصليبيّن سنة 1124 وبذلك تكون اكتملت السيطرة الصليبية على الساحل اللبناني."(56)

"إن السهولة التي تمت بها السيطرة الصليبية على الواجهة البحرية للمتوسّط تجد تفسيرها في امور ثلاثة رئيسيّة:

·                    أولاَ حميّة الأوروبيين العقائديّة (لا أنكار للأسباب الدينية الى جانب الأسباب الإقتصادبة والإجتماعية )

·  ثابيا خلافات وانقسامات القوى الإسلاميّة المجزأة بين أمراء مختلفين , أتراك وسلجوقيين وفاطميين وبربر , (هذا التشرذم الإسلامي سوف يدوم خلال أكثر فترات الحملات  الصليبية )

·        ثالثا عدم مبالاة السكان الوطنيين بفعل ما عانوه استعباد وظلم على يد طغاة غرباء "(57).

" على غرار الأسلوب الإقطاعي الاوروبي لتلك المرحلة , قسّم الصليبيون البلدان المحتلة الى اربع دول : مملكة القدس كدولة رئيسية ذات سيادة , وثلاث دول إقطاعية تابعة وهي كونتية طرابلس وإمارة أنطاكية وكونتية اديسا (الرها) على ضفتي الفرات .كما  قسٍم لبنان الى قسمين متساويين تقريباَ : القسم الجنوبي من شمالي بيروت حتى الحدود الفلسطينية يتبع مملكة القدس ,والقسم الشمالي من شمال بيروت حتى طرطوس يتبع كونتية طرابلس" (58).

كما " أعاد الفرنج فتح الموانيء للتجارة الأوروبية ... وكان هذا الحدث بدء ازدهار كبير دام قرنين "(59).

" الاب لامنس اليسوعي أرّخ في كتابه "تسريح الأبصار ..."  لعلاقة مسحيي لبنان وخاصة الموارنة بالصليبيين، فرأى انها كانت "على وئام عظيم" اذ كان هناك مكان ممتاز محفوظ للموارنة في نظام الدولة اللاتينية، فهم يأتون مباشرة بعد الفرنج وقبل اليعاقبة والارمن الذين كانوا يتقدمون على الاغريق والنساطرة والاحباش".(60)

على الرغم من طابع التحالف العام الذي طبع علاقة الموارنة بالصليبيين من منطلق ديني كما كان الأساس في تلك الأيام، فان خلافات دموية نشبت بين الفريقين. كان الموارنة من فترة إلى اخرى يتحدَون الفرنجة ويثورون عليهم كما في حادثة مقتل كونت  طرابلس  بونس ، مما سبب بحملة عسكرية انتقامية  قام بها إبنه ريمون الثاني سنة 1137(61)." فقد سهّل أهالي بشري مرور بزواش التركي مع جيشه عندما زحف من بعلبك إلى طرابلس مروراً بجبال بشري وهاجم الصليبيين في طرابلس"(62).

  ان الاحوال المضطربة تسببت ايضاً بخروج موارنة جبة المنيطرة وناحية لحفد عن طاعة البطريرك، كما ثاروا على الامير الصليبي صاحب سنيورية جبيل .ووصلت الخلافات الى ذروتها عام 1145 ، حيث قام الموارنة الخارجين عن طاعة الصليبيّن بمناهضة  الفرنجة في طرابلس وقطع  دروب الجبل.من نتائج هذا الانقسام في الجسم الماروني "ان عسكر نور الدين اخذ حصن المنيطرة سنة 1165 على الارجح بتسهيل ومعاونة من الشطر الماروني المذكور ،كما توغل صلاح الدين في جبل الموارنة حتى حصن المنيطرة ايضاً سنة 1186. وقد "دعيت المنطقة التي دخلا منها الفتوح ولا تزال تدعى كذلك(63) .

 خلال سنوات حكم صلاح الدين الأيوبي ( 1174- 1193 ) " لم يبق مع الصليبّين من الأراضي اللبنانية سوى طرابلس المدينة وصور وقلعة الشقيف"(64).

اخمدت نار هذه القتنة حسب قول غليوم الصوري "عندما عاد الموارنة صفاً واحداً الى الكنيسة الكاثوليكية بتدخل امير جبيل الفرنجي(65) ... ويورد غليوم الصوري(  1185 + ) في تاريخه أنه "في حوالي 1180 بينما كان بطريرك انطاكيا اللاتيني المدعو  اّمّوري يقوم بزيارة القدس  قابله فيها عدد من الأساقفة والقساوسة الموارنة معلنين وقوفهم إلى جانب روما , وموافقتهم على الإنضمام إلى البيعة الكاثوليكيّة الرومانيّة"(66).

بلغت هذه الوحدة ذروتهابين الموارنة والفاتيكان وتكرست في عهد البطريرك القديس ارميا العمشيتي الذي سافر الى روما وشارك في المجمع اللاتراني الرابع سنة 1215 ." إن الدعوة إلى المجمع اللاتراني ورسالة الغفران من البابا زخيا الثالث إلى الطائفة المارونيّة هي أقدم الوثائق الثابتة بشأن تاريخ الكنيسة المارونيّة , وقد نشر نصّها الأب طوبيّا العنيسي في مجموعة الرسائل المارونيّة".(67)

هكذا نشأت العلاقة المستديمة بين البطريركية المارونية وبابوية روما بفضل الحكم الصليبي .وكان الموارنة الى جانب تجنيدهم المقاتلين يجهزون الادارة المحلية بالعديد من الموظفين.

 واستمرت حال التعاون وتصاعدت مع مجيء الملك الفرنسي القديس لويس التاسع على رأس الحملة الصليبية السابعة سنة 1250 الى عكا حيث يذكر الشدياق :"ارسل أمير المردة ولده سمعان ومعه خيل بخمسة و عشرين  الف مقاتل الذين استقبلوا بالترحاب... ثم كتب الملك لويس إلى أميرالموارنة ورؤساء كهنتهم كتاباً ومضمونه أولا اظهارمحبته للموارنة ثانيا امتداح كنيستهم وإتحداهم الدائم مع خلفاء بطرس الرسول ثالثاً تأكيد الحماية لهم منه ومن خلفائه ومن شعب فرنسا"(68).

ان مرحلة تقهقر الوجود الصليبي ونهاية الاستقلال الذاتي لجبل لبنان تمتد على فترة طويلة  من سنة 1260 تاريخ وصول المماليك الى بلاد الشام بعد انتصارهم على المغول في معركة عين جالوت، الى سنة 1305  تاريخ سقوط كسروان بيد المماليك . فالمماليك قاموا بحملاتٍ متتاليةٍ على جبل لبنان لإخضاعه بمشاركة التنوخيين، بهدف القضاء على دولة المردة المستقلة في جبل لبنان التي كانت عاصمتها "بسكنتا"،والهدف الثاني كان القضاء على الطوائف الاسلامية الشيعية المختلفة ساحلا وجبلا .

بعد توحيد المماليك تحت قيادة ملكهم الظاهر بيبرس قرروا القضاء على الوجود الصليبي في المدن الساحلية وحاصروا في بادئ الامر طرابلس ، " لكن المردة نزلت عليهم من قمم الجبال اجبرتهم على التراجع سنة 1264"(69).   بعد مرور 17 سنة عاد المماليك تحت امرة الملك قلاوون الى محاصرة طرابلس سنة 1281 وغزو جبل لبنان لان اهله كانوا نجدة للصليبيين .امتد المماليك نحو إهدن حيث هزموها بعد حصار دام 40 يوماً وقد اظهر اهلها شجاعة لا مثيل لها حيث فضلوا الاستشهاد على التسليم للمحتل.

ثم سارت جيوش المماليك الى حدث الجبة ولما تراجع اهلها الى مغارة عاصي الحدث واستحكموا فيه ، عمد المماليك الى استعمال الحيلة والخيانة واغراق المغارة واهلها بالمياه سنة1281 (70). قاد المقاومة ضد هذا الاجتياح البطريرك الماروني  كما يذكر المؤرخ العربي ابن عبد الظاهر: " قصده التركمان في مكانه وتحايلوا عليه حتى امسكوه وكان امساكه فتوحاً عظيماً اعظم من افتتاح حصن او قلعة وكفى الله مكره." (71)

يذكر المؤرج كمال الصليبي ان لوقا البنهراني كان بطريركا سنة 1282 مع البطرك ارميا الدملصاوي "واصبح للطائفة المارونية بالتالي ولفترة وجيزة بطريركان... لكن البطريرك لوقا انتهى نهاية مفاجئة وعنيفة" على يد عصابات من التركمان تعمل لحساب قلاوون"(72)

  رغم كل هذه المعاناة لم يستسلم الموارنة لمصيرهم بل عادوا الى تجميع قواهم وفي سنة 1287 لما حاصر الملك قلاوون طرابلس انحدر اليه المردة وقتلوا من عسكره خلقاً كثيراً، مما يدل على ان غزوة المماليك لأهدن وغيرها لم تضعف مردة الجبل كثيرا"(73) .

اما الوقفة الاستقلالية البطولية الاخيرة  فكانت في معركة 1293 التي انتصر فيها الجيش المسيحي في ما عرف بمثلث الفيدار جبيل المدفون  (74) حيث واجه 30 ألف مسيحي نحو مئة ألف من جيوش المماليك والعشائر العربية وانتصروا عليها من دون مساندة الصليبيين ولا البيزنطيين(75). هذه المعركة لا يتكلم عنها تاريخنا الرسمي، حفاظاً على وحدة الشعب.مع العلم ان اخر معقل للصليبيين في عكا سقط سنة 1291 ولم يعد للصليبيين اي وجود في الشرق الا في قبرص ,

كان الموارنة في هذه الوقفة البطولية يحاربون بقواهم الذاتية تجاه جيوش المماليك. هذه الحملة جرى الاعداد لها من قبل المماليك طيلة 5 سنوات وقد كان السلطان اشرف خليل يقود  الجيوش من دمشق .  هذه المعركة" كانت بقيادة نائب السلطان بيدرا الذي خضع لشروط الموارنة  عندما خسر المعركة ، كما خضع معاوية وعبد الملك قبله"(76).

هذه الحال لم تدم طويلا لحين  جمع المماليك جيوشهم في حملات كاسحة متتالية بين سنة 1302 - 1305 تحت قيادة الملك الأشرف خليل وهي من اعنف ما تعرض له لبنان ومن اشدها فتكاً وخرابا ، بما عرف بحملة كسروان. وكانت كسروان تمتد جنوبا الى نهر بيروت .وكان سكانها من الموارنة واليعاقبة والدروز والشيعة والنصيرية(77).

إذا كانت معركة اليرموك هي المفصل التاريخي المصيري الذي سمح للغزو الإسلامي أن يمتدّ إلى مناطق المشرق المسيحي، ويسيطر عليها ما عدا جبل لبنان الذي حافظ على استقلاليته وكيانه طيلة سبعة قرونٍ، فإن حملة كسروان واجتياحها أدّت إلى سقوط الكيان المسيحي وإلى سيطرة الحكم الإسلامي المملوكي على جبل لبنان، أي ما تبقى من بقعةٍ حرّةٍ في المنطقة المشرقية.

  مع انتهاء  الحملات الصليبية التي دامت مئتي سنةً ظهرت نتائجها :فقد كانت من القضايا الكبرى الخاسرة في التاريخ،اذ لم تستطع تحقيق هدفها الأساسي، وهو تحرير الأراضي المقدسة، كما أن مساحة الاحتلال الصليبي جاءت صغيرةً جداً، فلم تشمل لا دمشق ولا حمص ولا حماه ولا حلب.

  من آثار المرحلة الصليبيةفي الهندسة الدينية : دير مار يوحنا مرقص في جبيل والبلمند في الشمال .

إن الثمن الذي دفعه المسيحيون بعد الانسحاب الصليبي من المشرق جاء باهظاً جداً... إن من حيث التهجير الجديد من المدن الداخلية كحلب وغيرها، وإن من حيث الحملات العسكرية على جبل لبنان والاحتلال المملوكي

III- من القرن الرابع عشر حتى القرن العشرين

1-                                 المرحلة المملوكية: حقبة  الانكسار المؤقت

جاء وصف غارة المماليك على كسروان سنة 1305 على لسان  المؤرخ صالح بن يحيي الأمير البحتري الدرزي المتوفّي في أواسط القرن الخامس عشر  كما يلي: "جهّزنايب دمشق جمال الدين اقش الافرم الى الكسروانيين وجمع جمعاً كثيراً نحو 50 الفاً، مع نايب طرابلس ونايب صفد...واجمعت عليهم(الكسروانيين) العساكر ووطأت ارضاً لم تكن اهلها يظنون ان احداً يطأها وقطعت كرومهم واخربت بيوتهم وقتل منهم خلق كثير وتمزقوا في البلاد ... فاخلى ما كان تأخر في جبال كسروان وقتل من اعيانهم جماعة ثم اعطوا اماناً لمن استقر في غير كسروان ,وجعل الناظر في بلاد بعلبك وجبال الكسروانية بهاء الدين قراقوش "(78). وعن تبدل طبيعة الاستيطان يقول:"وفي السنة التالية اقطعوه للتركمان وعرفوا بتركمان كسروان(وهم ال عساف)"(79).

 وعن الدفاع تجاه المماليك يقول البطريرك الدويهي :"ان الدروز اتحدوا مع الكسروانيين في الدفاع عن ارض الوطن ضد المعتدين المهاجمين من جهة دمشق وغيرها . وكان عدد المحاربين الدروز عشرة الاف مقاتل بقيادة عشرة امراء، حيث دافعوا في عين صوفر ومغارة نيبيه"(80).

   بعد استيلاء المماليك على كسروان وبهدف تامين حماية السواحل من غزوات جديدة للفرنجة تم تنظيم حراسة البلاد بواسطة جماعات متحركة من الانصار مثل آل عساف الذين تولوا كسروان بين 1306 و 1590  (وآل سيفا   فيما بعد الذين تولوا الشمال أواخر القرن السادس عشر)  وال بحتر الذين تولوا بيروت والساحل الجنوبي، وهكذا اصبح لبنان ساحلا وجبلاً تحت حكم امراء مسلمين يعينون بدورهم  المقدمين الموارنة كأتباع لهم في كسروان ولبنان الشمالي.

كان نصيب لبنان التقسيم والإلحاق بثلاث نيابات مملوكية

·        المنطقة الساحلية من شمالي اللاذقية الى نواحي جبيل ألحقت بنيابة طرابلس

·        منطقة لبنان الجنوبي وصور ألحقت بنيابة صفد

·        منطقة صيدا وبيروت وبعلبك والبقاع ألحقت بنيابة دمشق(81)

  على اثر الخسارة المسيحية للاستقلال التام وتهجيرهم من كسروان مطلع القرن الرابع عشر تقلصت رقعة لبنان المسيحي الى حدود نهر ابراهيم جنوباً وجبة بشري شمالاً حتى خط اهدن زغرتا , وهاجر قسم منهم الى قبرص... " في هذه الحقبة تمركزت القيادة والزعامة المارونية اولا في بلاد جبيل والبترون طيلة القرن الرابع عشر، ثم انتقلت الى جبة بشري في اواخر القرن الرابع عشر".(82)  

قام المماليك  ايضاً بخطةٍ إستيطانيةٍ جديدةٍ يصفها كتاب التاريخ المدرسي كما يلي: "عمد المماليك إلى توزيع المناطق على أعوانهم ، فأقطعوا كسروان للعسافيين والعرب وبيروت للتنوخيين ، وذلك منعاً لنزول الصليبيين إلى البر وحرصاً على أن لا يتمّ بينهم وبين الكسروانيين أيّ اتصال "  (83) وهذا المقطع غنيٌّ عن أيّ تعليقٍ. فوجود القرى الإسلامية ناحية ترشيش مثلاً، سببه مراقبة مرفأ بيروت لصالح المماليك... "وفي النهاية، قام المماليك بردم المرافئ لمنع أيّ إنزالٍ بحري(84).

خلال حكم آل عساف على كسروان حيث كانت غزير مركز حكمهم اتت جماعات من الشيعة من مناطق بعلبك واستوطنت في فاريا وحراجل، وجاء مسلمون سنة من البقاع واستوطنوا ساحل علما وفيطرون كما انتشر استيطان الدروز في عدة قرى من المتن بعد سيطرتهم على الشوف وعاليه.

إن مرحلة الاحتلال المملوكي هي مرحلةٌ مظلمةٌ، إن من حيث المعاناة المسيحية وإن من حيث قلّة الوثائق التاريخية... "ولما كانت الحكومة المملوكية لا تعرف نظاماً معيناً لجباية الضرائب ، فلم يكن لهؤلاء السلاطين سبيل الى جمع الاموال الا بابتزازهم اموال الرعية ومصادرة اموال ذوي المناصب ... فيعم البلاد الخراب والدمار ... بالاضافة الى الجراد والاوبئة وسني الطاعون والجفاف... ويقدّر ان سورية ومصر خسرتا من مجموع سكانهما في عهد المماليك نحو الثلثين "(85)

وقد اصاب المدن الساحلية نصيبها من الخراب في عهد المماليك، خاصة صيدا وصور وجبيل وذلك بشهادة شاهد عيان وهو الاب فرنشيسكو سوريانو الذي كان خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر رئيساً لدير الفرنسيسكان في بيروت ومعتمد البابا لدى الموارنة ( في كتابه: رسالة حول البلاد المقدسة )على عكس مدينة البترون وجبل لبنان الذي كان ينعم بازدهار وسلام نسبيين، كما جاء في وصف ابن بطوطة( 1304-1377):   "وصلنا الى جبل لبنان فاذا هو اخصب جبال الدنيا فيه الكثير من الفواكه والينابيع والنساك المنقطعين الى عبادة الله." (86) كما يذكر إبن بطوطة أثناء مروره في هذه البلاد سنة 1327 أن عسقلان خراب , وعكا خراب ومدينة صور خراب وبخارجها قرية معمورة" (87)  

لكن الأكيد، أن العنصر الأساسي الذي مكّن الشعب المسيحي من الاستمرار بالرغم من نير الاحتلال ، هو التفافه حول المؤسسة الكنسية الممثلة بالبطريركية ، التي استمرت بدورها التاريخي وجمعت بين المسؤولية الدينية والمسؤولية المدنية إلى جانب السياسة التي كانت بيد المقدمين حتى يتسنى للمماليك جمع الجزية بسهولةٍ.

إن عدد الموارنة في قبرص دفع بالبطريركية الى إقامة مطرانية مارونية في الجزيرة سنة(88) 1340(88).

من تواريخ المعاناة في القرن الرابع عشر حوالي سنة 1367، يورد المؤرخ  البطريرك الدويهي  إستشهاد البطريرك  جبرائيل حجولا حرقاً على أبواب طرابلس خارج جامع طيلان في الناحية الجنوبيّة من المدينة , وكان السبب الخارجي هجوم الفرنج من قبرص على الاسكندرية سنة 1365 .

 اما السبب الداخلي فكان الفتنة في صفوف الموارنة  بسبب بدعة اليعاقبة وانقسام الجسم الماروني عندما قام الموارنة المتورطون في بدعة اليعاقبة والمناوؤن للبطريرك ، بتسهيل القبض على البطريرك ووفروا للماليك ذريعة للقبض عليه اذ وشوا به وشايات كاذبة كما يقول الدويهي والقلاعي.

 هذه الجريمة أضعفت السلطة الكنسية واضعفت بالتالي المنطقة المسيحية بالكامل التي تعرّضت لنكسة جديدة واجتياح بما يشبه(89) 1305 .

  هذا  الاضطهاد المتواصل  الذي طاول الكرسي البطريركي وصل الى الذروة  بسبب  الوفد الماروني الى الفاتيكان واشتراكه في مجمع فلورنسا سنة 1439 ،اذ هاجم مسلمون من عامة طرابلس مقر البطريركية ، واضرموا النار فيه سنة 1440 ,(90) مما اضطر البطريرك يوحنا الجاجي إلى النزوح  من إيليج في ميفوق ( التي سكنها البطاركة منذ سنة(91) 1278) إلى وادي قنوبين ليكون تحت حماية يعقوب مقدم بشري. وقد ورد صريحاً في تاريخ الازمنة : "حوالي سنة 1430 ان السلطان الاشرف سيف الدين برسباي اقام يعقوب مقدماً على بشري، ولكن لم تأت النصوص التاريخية على ذكر اي مقدم قبل يعقوب او بعده عيّنه الحكام المسلمون.(92)"وقد استمرت البطريركية بين أحضان الوادي المقدس في الأديار المنحوتة في الصخر ما يقارب الأربعماية سنة.

وذكر الدويهي ان يعقوب بن ايوب تسلم الحكم في جبة بشري سنة 1382 "تلك الاسرة من المقدمين التي حكمت جبة بشري في ظل دولة  المماليك البرجية بلقب الكاشف اي المسؤول عن جمع الضرائب ، وبحصانة حيال تدخّل الدولة المباشر في الشؤون الداخلية لتلك المنطقة(93). وقد إستمرّت مقدميّة بشرّي في سلالة يعقوب بن أيوب عن طريق الذكور , ثم عن طريق الإناث حتى قضي عليها أخيراً عام(94) 1621 (على يد فخر الدين المعني الثاني) .

ابتداء من سنة 1383 تحسنت احوال المسيحيين وعادوا الى بناء الاديار والكنائس التي تهدمت بفعل الحروب الطويلة التي مرت عليهم ، لكن العودة الى الاستقلال والحرية التي كانوا يتمتعون بها كانت ما تزال بعيدة المنال.

 وقد ذكر المؤرخ القلشقندي المتوفي سنة 1418 في كتابه " صبح الأعشى في صناعة الإنشاء " ما نصّه :

" وقد اصبحت جبة المنيطرة وجبة بشري وجبة انفة من لواصق والي طرابلس الّذي يعيّن حكامها ".(95)

" ولم تذكر أية وثيقة عربية أو غير عربية قبل هذا التاريخ المناطق المارونية في عداد المقاطعات التابعة للدولة الإسلامية ."(96)

  " ومع ذلك ظلّ الموارنة يتمتعون باستقلال نسبي في ادارة شؤونهم وتميّز هذا الاستقلال خاصة بأمور أربع :

* صيانة الارض المارونية من تملك الاجانب واقامتهم فيها (خاصة تجاه الانشقاقات والبدع)

* المهارة في الفنون الحربية والعسكرية،

* رفض الموارنة اي تثبيت لبطريركهم واساقفتهم من جانب اي سلطة غير الكرسي الرسولي

* ادارة شؤونهم بموجب نظام خاص."(97)

 اما الدليل على استقلال البنية الكنسية فهو عدم ورود أي ذكر في التواريخ العربية أو غيرها عن تثبيت بطاركة الموارنة من قبل السلطات الاسلامية، كما أن الموارنة ظلّوا على اتصال مستمر مع الفرنج وملوكهم ، خاصة مع البابا الذي كانوا يستمدون منه التثبيت ومعه كانوا يتبادلون البعثات والوفود طوال عهد الصليبيين وعهد المماليك وغيرهم(98) .

في عهد المماليك  " أوكلت البابوية إلى الرهبان الفرنسيسكان مهمة السهر على شؤون الموارنة والإتصال بالبطريركية في ميفوق  من بلاد البترون"(99).

وقد ذكر المؤرخ الأب طوبيا العنيسي أن البطريرك بطرس الحدثي هو أول بطريرك ماروني تسلّم رسالة من رومية بلقب "بطريرك إنطاكية" وذلك عام 1469 , وقد كانوا يلقبونهم في الأصل "يطريرك الموارنة"(100).هاتين الخطوتين نحو الموارنة كان سببهما المباشر سقوط القسطنطينية بيد العثمانيّن سنة 1453 وفقدان الأمل بأي وحدة أو إستيعاب للكنائس الأورثوذكيّة أو الملكيّة.

في عهد المماليك , وهم من الأتراك والشركس السنّة , لم تكن بلاد الشام منفتحة تجارياً الا على دولة البندقية . من نتائج هذه العلاقات الجيدة ، السماح بانشاء مركزين للرهبنة الفرنسيسكانية في القدس وبيروت باسم ارسالية الاراضي المقدسة(101).

إن الأخ غريفون الفرنسيسكاني  هو أول مستشار مقيم لدى البطريرك  الماروني من قبل البابوية سنة 1450 , وقد ساهم  بالنهضة العلمية والثقافية مع إرسال ثلاثة من  أبناء الموارنة  للتعلم الى إيطاليا  بعد ان ادخلهم في الرهبنة الفرنسيسكانية   سنة  1470 (102) .

 وأول هؤلاء التلامذة  جبرائيل بن بطرس بن غوريا من لحفد المعروف بالقلاعي والذي اصبح اسقفا  لقبرص ، وهو عندما عاد من روما سنة 1493 واستقر في دير قنوبين , حيث يذكر المؤرخ كمال الصليبي انه كتب زجلياته التاريخّية المشهورة بعنوان "مديحة على جبل لبنان" (مؤلفة من 280 رباعية عامية على الوزن المعروف بالقرّادة ) عن الطائفة المارونية " كشعب مختار , اصطفاه الله , وألجأه الى مناعة جبل لبنان , حيث أوكل اليه المحافظة على الإيمان الصحيح وكرامة المسيحية في الشرق".(103)

عن الوضع اللغوي يذكر الدويهي :" ومن اخبار هذا الجيل (الخامس عشر) استراحت جبل لبنان وعمرت الكنائس والمدارس... فهملوا الخط الاصطرانجالي المربع وتمسكوا بالسرياني المدوّر. وكانت الناس تقصد السكنى في جبل لبنان من بلدان بعيدة"(104) .

هذا ما جعل البابا لاوون العاشر في براءته الى البطريرك الماروني بطرس الحدثي  سنة 1515 يصف الموارنة أنهم " مصانين في وسط الكفر والبدع كالوردة بين الاشواك"،(105) "لا من حيث سلامة الايمان فحسب ولكن من حيث ان بلادهم جنة أو جزيرة خضراء وافرة الخصب والهناء وسط بحر من العذابات والخراب."(106)

في خلاصة المرحلة المملوكية التي استمرت حوالي القرنين نجد المسيحيين والموارنة خاصة يرزحون تحت حكم الاقطاعيات العربية التي شلًت استقلالهم وجزًأت مناطقهم الى إمارات يرأسها شيوخ وامراء عرب وتركمان واكراد لكن المقاومة على الصعيد القومي والثقافي واللغوي تواصلت رغم الانكماش الجغرافي وصعوبة التواصل مع الغرب حيث تراجعت اللغة الوطنية السريانية امام العربية. لكن المسيحيين ومنعاً للذوبان الثقافي واللغوي نقلوا قيمهم الفكرية والدينية الى اللغات المسيحية المستمرة ، فبعد ان لجأوا الى اللاتينية انتقلوا الى الايطالية وهي لغة مسيحيي قبرص وتجار البندقية.

 وفي الخلاصة السياسية لفترة المماليك فان المسيحيين والموارنة خاصّة  ورغم فقدانهم استقلالهم والخطر على هويتهم, استمروا في حياة مجتمعية انما مرتبطة بإرادة اقطاعييهم العرب ، فالمقدمون والمشايخ الموارنة كان يعينهم الاقطاعيون المسلمون . فالاقطاعية المارونية لم تعد  تستمد قوتها من شعبها كما في عهد المردة  الاستقلالي الغابر بل من السلطة الاقطاعية العربية .  و كونها معينة من قبل المحتل لم تدع فرصة تمر والا واثبتت ارتباطها بالحكام المسلميين ، وقد طبعت هذه الظاهرة تاريخ لبنان الوسيط بطابع عميق.

2-                                 المرحلة  العثمانية : حقبة  المقاومة المجتمعيّة والثقافية

 

  إن سقوط القسطنطينية سنة  1453، قد فتح أبواب المنطقة أمام الغزو العثماني. فبعد أن أكمل السلطان سليم فتحه تجاه الفرس ، قام بالالتفاف غدراً على المماليك والانتصار عليهم في مرج دابق قرب حلب سنة 1516 ، مما سمح بالسيطرة على المنطقة المشرقية وصولاً إلى مصر سنة 1517 . و أصبح المسيحيون ذوو الطقس البيزنطي يتبعون بطريركاً يتم تعيينه من قبل السلطان العثماني في اسطنبول ، إمعاناً في السيطرة على الشعوب المسيحية تحت الاحتلال.

  لقد رسم المؤرخ محمد علي مكّي ملامح المرحلة الانتقالية من المماليك الى العثمانيين كالتالي :"عرف لبنان والمنطقة كذلك تغيّرات عديدة , كان لها أهمية كبرى في رسم الخط التاريخي لحكم العثمانيين في لبنان , واهم هذه التغيرات :

·        التوقف عن اعتماد اللغة العربية لغة رسمية للدولة , واعتماد اللغة التركية محلها ...

·   ضعف الرقابة الرسمية العثمانية بسبب ابتعاد العاصمة (الآستانة) عن البلاد العربية ,مما رسّخ الإقطاع وحوّله  من إقطاع تعييني تديره الدولة , كما كان في العهد المملوكي , الى إقطاع وراثي جامد استغلالي.

·   تدهور أوضاع المقدمين الموارنة في الشمال بسبب طغيانهم , وبروز الدور الفعّال لرجال الدين الموارنة في خدمة المجتمع الماروني , نظراً للصلة الوثيقة مع عامة الشعب .

·   زوال الإمارة التنّوخية بعد حكم مستمر من أوائل العهد العباسي الى نهاية العهد المملوكي ,أي ما يقارب ثمانية قرون ,وقيام الإمارة المعنية  وانفتاح الظروف المؤآتية  أمام الحزبية القيسية بزعامة المعنيين ثم الشهابيين .

·        الاستيطان الكثيف لمنطقة كسروان ,بعد أن بدأت الهجرة إليه من مختلف المناطق والطوائف .

·   الانفتاح العثماني على الغرب وخاصة على فرنسا,وتأثير ذلك على انفتاح المسيحيين على السياسة العامة في لبنان , وبدء التفاعل الايجابي بين الطوائف اللبنانية الذي تمثل في الحكم المعني , بعكس العهد المملوكي الذي كان يتمثل في ضعف التفاعل ما بين  الطوائف  لذلك كان تاريخ لبنان هو تاريخ طوائفه المختلفة " (107)

عند بداية القرن السادس عشر, "في جبل لبنان كان الوضع على الشكل التالي:

-بلاد البترون وجبيل مع جبة بشري خاضعة لمقدم بشري الماروني التابع لولاية طرابلس.

-كسروان خالية من السكان المسيحيين وذلك منذ اجتياح المماليك سنة 1305 . وكان حكام كسروان من آل عساف يستمدون الولاية من نائب الشام:" هؤلاء العسافّيون الّذين تولوا كسروان من 1306 الى سنة 1590 وصاروا بعد الفتح العثماني، يعينون على بلاد جبيل مقدمين مسلمين في بادئ الامر ثم اقاموا بني حمادة الشيعة ولاة على جبيل."(108)  

 خلال معركة العثمانيين مع المماليك " انحاز بنو عساف الى العثمانيين وفازوا معاَ فكافأهم العثمانيون بأن ثبتوهم في حكم كسروان واضافوا الى ولايتهم بلاد جبيل ، وسمحوا لهم بتعمير كسروان بالموارنة وسهلوا لهم ذلك بتخفيف الضريبة عن كسروان ، عندئذ انتقل العسافيون من الذوق الى غزير وجعلوها قاعدة حكمهم "(109) .

وقد ظهرت العلاقة الطيبة بين العسافيين و الموارنة إذ بادر العسافيون الى استقدام آل حبيش الموارنة من يانوح الى غزير في كسروان حوالي 1520 ووكلوا اليهم إدارة أمورهم (110) .

كذلك  " أثناء تفاوض السلطان سليم مع البطريرك شمعون الحدثي الماروني، أقنعه البطريرك بأن لبنان منذ القدم يتمتع باستقلالٍ داخلي والبطريرك لا يتلقى الفرمان كسائر البطاركة، فأعفى السلطان البطريرك الماروني من قبول الفرمان الذي كان قد فرضه على بطاركة الشرق " (111). كما ان نظام الملل العثماني سمح بالمحاكم الخاصة :"كانت صلاحيات البطريرك والساقفة معاونيه تتناول الأحوال الشخصبة في مختلف قضاياها ... كما كانت تتناول الحق المدني والتجاري والقضايا الجزائية , لأن سلطة البطريرك الماروني كانت سلطة روحية وزمنية " (112)

" إن النظام السياسي العثماني قد حافظ على تقسيم النيابات الست المعمول بها ايام المماليك وهي دمشق , حلب , حماة , طرابلس , صفد والكرك"(113), كما كان يعّين الأمراء والحكام سنوياً لقاء مبالغ من الجزية والضرائب لتجديد هذا التعيين...

"وقد كان عهد السلطان سليمان عهد الامتيازات مع الدول الغربية اذ وقع معاهدة امتيازات مع اهل البندقية  سنة 1521 كذلك  سنة 1535 الملك الفرنسي فرنسوا الأول عقد معاهدات  ذات طابعٍ اقتصادي وتجاري وديني، فأصبح لفرنسا دورٌ في حماية الكاثوليك داخل السلطنة العثمانية ، مما فتح المجال للإرساليات المختلفة في المشرق واتى دور الانكليز بالحصول على الامتيازات سنة 1580 (114)

  "من بقايا الاستقلال الماروني خلال الفترة العثمانية ان مقدم الجبة كان دائما مارونياً تنتقل اليه المقدمية بالوراثة حسب النظام الماروني القديم . ولكن عوضاّ عن ان يقر البطريرك المقدم الجديد اصبح هذا الامر متعلقاً بمعتمد الدولة الاسلامية في غزير او الشام او طرابلس او غيرها.(115)

  "كما ان المقدم كان شدياقاً اي موظفاً كنسيا يأتمر بالبطريرك فألاب جيروم دنديني معتمد البابا لدى الموارنة حوالي سنة 1596 يقول ان الشدايقة يقومون بوظيفة الحكام العلمانيين ويتولون شؤون الشعب ويفصلون في خلافاته وينوبون عنه لدى الاتراك في كل ما يتعلق بالضرائب واي قضية تطرأ"(116).

  "مع القرن السادس عشر، نرى نهضةً عند المسيحيين والموارنة على كل الأصعدة، روحياً، اجتماعياً، اقتصادياً وسياسياً، طبقاً لهدفين كانا نصب أعين الشعب الماروني:

* الهدف الأول هو الحكم الذاتي داخل جبل لبنان،

* الهدف الثاني هو التعاون الحر والمتبادل مع الجوار والحلفاء في داخل البلاد وخارجها"(117).

لا بد من ذكر البعثتين البابويّتين الى جبل لبنان للتقصي عن احوال الموارنة ورفع تقرير الى البابوية حول الليتورجيا المارونية وتوافقها مع الليتورجيا الكاثوليكية الرومانية . البعثة الاولى كانت برئاسة الاب جان باتيستا  اليانو الذي حضر المجمع الماروني الاول سنة 1580 (118)  في قنّوبين . لكن رفض البطريرك لتقرير البعثة الاولى  جعل روما ترسل بعثة ثانية برئاسة الاب جيروم  دانديني الذي كتب  في ما بعد كتابا عن مهمته لدى الكنيسة المارونية ...

لا شك أن لزيارة الموفد البابوي اليانو سنة  1579 ، الأثر الكبير من حيث عقد أول مجمع ماروني ، ومن حيث إنشاء المعهد الماروني في روما سنة  1584 من قبل  البابا غريغوريوس الثالث عشر ، الذي اشتهر بتصحيحه للتقويم المسيحي،  (بعد مدرسة القديس أتناسيوس لليونان سنة 1576) كما أنشئت المدرسة الأرمنية في روما(119)...

  هذا المعهد الماروني سيخرّج الإكليريكيين والمطارنة والبطاركة على مدى قرنين من الزمن ، مما شكّل نهضةً في جسم الكنيسة والمجتمع ، عدا عن مساهمة الخريحين  الذين انتشروا في دول أوروبا بالنهضة الاوروبية حيث ضرب بهم المثل بالقول "عالم كماروني".

 هنا نجد في تقارير الموفدين اليانو ثم دانديني ، ذكر "للشعب الماروني وللأمة المارونية، ذلك لانتشارهم في مناطق محددة ، حيث يمارسون طقوساً وصلواتٍ مميزةً ، مع عاداتٍ وتقاليد مميزةٍ ، في علومهم وفي بنيتهم العسكرية و السياسية داخل البلاد أو خارجها ، مما شكّل بنيةً مجتمعيةً متماسكة"(120). كما يذكر دانديني أخلاقهم ومناقبيتهم وتمسّكهم بالكرسي الرسولي (121).

إن عودة الإتصال بين الموارنة وروما بشكل مكثّف تظهر من عددها , إذ بين سنة 1521 و 1598 نجد ثمانية وفود وواحد وعشرون رسالة وبراءة الى الكنيسة والشعب الماروني...(122)   

 قبل نهاية القرن السادس عشر كان الاباء اليسوعيين قد حلّوا مكان الاخوة الفرنسيسكان في جبل لبنان ليشكلوا صلة الوصل الرئيسية بين الموارنة وروما. (123)

إن الاتصال مع الغرب سرّع النهضة الفكرية من حيث إدخال التقويم الغريغوري  بطلب من اليطريرك يوسف الرزي حوالي  سنة 1608 وإدخال أول مطبعةٍ إلى الشرق سنة 1610 في دير مار أنطونيوس قزحيا.

أما تحت حكم فخر الدين المعني الثاني (1593  -1635 )، فقد أدّى الحلف الجديد مع الموارنة إلى الانتشار السكاني في الشوف ، وقد شاركت الكنيسة في رسم السياسة الخارجية للإمارة ، عبر اتصالاتها مع الإمارات الإيطالية . كما أن الهيكلية العسكرية اعتمدت أيضاً على الموارنة كما يذكر الخوري بولس  قارالي في رسالة الى امير توسكانه فرديناند الأول سنة 1605  " ان الامير فخر الدين اذا جهًز حملة على الاراضي المقدسة امكنه ان يعتمد على عشرين الفاً من نصارى الجبل- اي الموارنة- "(124) .

   إن البراءة الصادرة عن الملك لويس الرابع عشر الى البطريرك يوحنا الصفراوي سنة 1649  التي  يجدد فيها الحماية الفرنسية للأمة المارونية  (125) , ثم  تعيين أبو نوفل الخازن أول قنصل ماروني لفرنسا في بيروت سنة 1664(126) أعلنا حقبة جديدة من العلاقة بين الموارنة و فرنسا.

  الرحّالة الفرنسي دارفيو الذي زار دير قنوبين سنة 1660 دوّن عن البطريرك جرجس السبعلي:" قادنا  البطريرك الى  الكنيسة حيث احتفلنا بالزياح وطلبة السيدة باللغة السريانية , وعلى ذات النغم الذي نرتله نحن في كنائسنا باللغة اللاتينية... حليتهم الوحيدة هي الفضيلة , لذلك فإن عصيهم من خشب واساقفتهم من ذهب "(127).

"سنة 1660 فصلت صيدا عن ولاية الشام واصبحت ولاية قائمة بذاتها ,الى جانب دمشق وحلب وطرابلس , فاصبح شمالي لبنان تلبعا لولاية طرابلس وجنوبه لولاية صيدا " (128) , (على خط الفصل الذي يعرف بالمعاملتين) .

.  إبتداءً من سنة 1625 ، توافد المرسلون الغربيون إلى بلاد الشرق وخاصةً إلى مدينة حلب ، حيث سيكون لهذه الإرساليات ولجهود القنصلية الفرنسية الأثر الفعّال في اتحاد الكنائس الشرقية مع روما خلال  القرن الثامن عشر، إذ نشأت طائفة الروم الكاثوليك 1683 والأرمن الكاثوليك 1721 والسريان الكاثوليك 1782. واضظرت الى نقل مراكزها الى جبل لبنان حيث تتأمن الحماية والحرية ...فالمقر البطريركي للطائفة الارمنية الكاثوليكية هو في بزمار منذ 1749 والمقر البطريركي للطائفة السريانية الكاثوليكية هو في سيدة الشرفة في درعون منذ 1784 ومقر الطائفة  الملكية البيزنطية الكاثوليكية هو في عين تراز منذ 1811(129) وما زالوا حتى اليوم .

في نهاية القرن السابع عشر ، نجد ثلاثة احداث اساسية :

·                     الأول سياسي ، وهو انتقال الإمارة إلى الشهابيين سنة 1697.

·       الثاني ديني ، وهو الإصلاح الرهباني مع البطريرك الدويهي ، وتأسيس الرهبانيات المارونية الثلاث على مراحل... هذه الرهبانيات، سوف تساهم كثيراً في التوزيع السكاني المسيحي وفي توزيع الملكيات العقارية.

·                                       الثالث ذات طابع ديني ونتائج سياسية وهو تنصًر الشهابيين السنة  ابتدأ من سنة 1710 ، اذ ولد الامير بشير الثاني مارونياً ، كذلك تنصر ال ابي اللمع الدروز ابتدأ من سنة 1709 ، من اللذين تنصروا ايضاً  آل حرفوش الشيعة وآل الهاشم في العاقورة.(130)

وفي النهاية، لا بد من ذكر المجمع اللبناني في اللويزه سنة  1736 ، حيث تم تنظيم هيكلية الكنيسة المارونية وإنشاء الأبرشيات المحددة جغرافيا واقامة المطارتة في ابرشيتهم  , " فلا يعود الأسقف نائبا للبطريرك ولكن راع لبرشية ورئيسها الفعلي , لكن هذا القرار لم يطبق الا إبتدء من 1819   "(131) , " كما شدد المجمع  على تعميم المدارس والتعليم في كل القرى والمدن والأديار الكبيرة  , وجعل التعليم إلزامياَ وشبه مجانياَ " (132),  إلى جانب أمورٍ تنظيميةٍ كثيرةٍ تختص بالرهبنات مثل الفصل بين الرهبان والراهبات في الأديار ومنح الرهبنات بعض الإستقلالية فب إدارة شؤونهم (133)..." صار هذا المجمع دستورا جديدا للطائفة واساسا لتنظيمها , وقد سارت بموجبه ما بنبف على القرنين "(134)  

كان للمونسنبور العلاّمة يوسف سمعان  السمعاني الحصروني (1768+) ، الدور الأساسي في التحضير والمشاركة بالمجمع بصفته موفدا بابويا  . كما أن الجدير بالذكر ، هو لقاء المطران السمعاني مع والدته في حصرون عند قدومه إلى لبنان وتكلمه معها بالسريانية.

  V - خاتمة : عبر للمقاومة في حاضرها ومستقبلها

 العبر التي لا بد من استنتاجها من معاناتنا التاريخية، هي على مستويين، مستوى القضية المسيحية ومستوى الهوية المسيحية:

أولاً: بما يخص القضية المسيحية اللبنانية , بجذورها ٌالتاريخيةٌ كما رأينا , فهي قضيةٌ مثلثة الجوانب كما وصفها الأستاذ طوني مفرج : أي " الوجود المسيحي الحرّ في لبنان". وأجمل وصف  للقضية المسيحية اللبنانية هو: " "إن لبنان أكثر من وطن، إنه رسالةٌ في الحرية ومثالٌ في التعددية للشرق والغرب".(135)

ثانياً: ما يخص الهوية المسيحية المشرقية : هذه الهوية في مكوناتها تجمع الشعوب المسيحية المشرقية... بالاضافة الى "إن ازدهار المسيحية في لبنان هو شرطٌ لوجود الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط"(136).

 "على السؤال ما هي الكنيسة المارونية ؟ نجيب : الكنيسة المارونية هي جماعة من المسيحيين تغرز جذورها في منهج فلسفي- لاهوتي عميق , وقد أعطت لذاتها بنية خاصة في إطار رهباني , وما لبثت أن تحولت إللى كنيسة وطنية لتتمكن من الحفاظ على إيمانها وحريتها وهويتها " (137).

ان المكونات الأربع للهوية القومية هي: الدين، اللغة، التاريخ والحضارة .

-    دينياّ: نجد المسيحية تجمع الشعوب المشرقية مع وجود الطوائف والطقوس المختلفة.

-    لغوياّ: فإن الينبوع اللغوي الأساسي للمنطقة هو الآرامي السرياني.

-     تاريخياّ: الشعوب المسيحية المشرقية يجمعها تاريخٌ واحدٌ من المعاناة والنضال خلال 13 قرناً.

-   حضارياّ: بالمعنى الواسع بما يشمل الإرث الثقافي والاجتماعي والفكري ، فهي بشكلٍ أساسيٍّ الحضارة المسيحية المشرقية.

نحن كشعبٍ مسيحي مشرقي أشبه بالهنود الحمر في دفاعنا عن الكيان والهوية والوجود... فنحن أصحاب الأرض الأصليين ، ونحن أصحاب الحضارة الأصليين ، أمّا خصوصية المشرق فتكمن في تعامل الفتح العربي الإسلامي معه ، حيث انتقل من سياسة الإبادة في المرحلة العسكرية الأولى ، إلى سياسة الأسلمة للسكان في المرحلة الإنتقالية، وأخيراً إلى سياسة التعريب في المراحل اللاحقة.

فالقضية الأساسية عند الشعب المسيحي هي قضية هوية ووجود حرً والمعركة الأساسية هي للمحافظة على هذه الهوية وعلى هذا الوجود . كما حذّر الرئيس الشهيد بشير الجميّل : " إن الخطر ليس على وجود لبنان ، بل على هويته "(138). ان المرتكزات الأساسية للهوية  تتعدى التاريخ لتشمل الدين واللغة والحضارة والثقافة بشكلٍ عام... فإذا استثنينا المرتكز الديني، نجد أن المرتكزات الأخرى غير مستقرةٍ أبداً وتظل عرضةً لموجاتٍ متتاليةٍ من التزوير أحياناً والاستيعاب أحياناً أخرى عبر مخططٍ تاريخي نلخصه بعبارتي "التعريب والتذويب"

العبر التي علينا الأخذ بها، تأتي من محطاتٍ تاريخيةٍ عميقة القدم , لأن تاريخ لبنان لم يبدأ سنة 1943 ولا سنة   1920 ، ولبنان لم يولد مع الامارة ، لكنّه وُلِدَ على يد المسيحيين منذ ثلاثة عشر قرناً ,  فعلينا أن نحافظ على تاريخنا الحقيقي من جيلٍ إلى جيل لأن المعاناة رافقها نضالٌ تاريخي للدفاع عن قضية حقٍ هي قضية الحرية وكرامة الإنسان.

  سبق وذكر البطريرك مار نصرالله بطرس صفير حرفياّ : "إذا خيّرنا بين التعايش والحرية نختار الحرية".

لزامٌ علينا إذاً، أن نتعرف على مقاومة شعبنا المسيحي بالعمق من جديدٍ وذلك بالتنقيب عن تاريخنا الحقيقي الذي لن نجده في كتبنا المدرسية ، ولا حتى في كتبنا الجامعية "الموحَّدة والموحِّدة". هذا التاريخ سيساعدنا على الحفاظ على وجودنا كمجتمعٍ وانتصار قضيتنا كشعبٍ وعدم خسارة أرضنا كوطن...

" ليست الوثائق هي التي تصنع الحقائق، بل الروح هي صانعة الحقيقة، وفي النهاية، لا أحد يستطيع ان يفهم تاريخاّ ما سوى صانعي هذا التاريخ... اذاّ، التاريخ ليس مادة ميتة محنّطة بل هوأداة لصناعة مستمرة ، لصياغة متجددة من ابداع يوميّ عند من يرثون هذا التاريخ لا ليوقفوه بل ليكمّلوه وبذلك في تكميله يثبتون صحته...

بم استمر الموارنة وبم سيضمنون الاستمرار ؟ جوابنا هو كلمة واحدة نعلنها الان: في اساس المارونية راهب قديس,  ففي القداسة بدايتها وفي القداسة ضمانتها وفي القداسة استمرارها وبدون قداسة نهايتها"(139).

                                                  The End.                   


 

[1] د. فيليب حتي : موجز تاريخ الشرق الادنى ص 54

[2] د.أنيس فريحة : معجم اسماء المدن اللبنانية – مكتبة لبنان 1985 -   ص 20

[3] جواد بولس : تاريخ شعوب وحضارات الشرق الادنى:(بالفرنسية)ج3 ص133

[4] اعمال الرسل : ( 11: 26)

[5]  ألأباتي بولس نعمان : محطات مارونية من تاريخ لبنان –دير سيدة النصر  1998 - ص 28/29

[6] فيليب حتي : تاريخ لبنان - دار الثقافة- ص 265

[7]المطران ميشال يتيم : تاريخ الكنيسة الشرقية –منشورات المكتبة البوليسية-ص102

[8] ميشال يتيم : تاريح الكنيسة ص 115

[9] ابو الفدا : المختصر في تاريخ البشر-  بيروت  1960-  ص 81

[10] الاباتي بولس نعمان : المارونية لاهوت وحياة – منشورات الكسليك1992- ص150

[11] تيودوريتس اسقف قورش : تاريخ اصفياء الله ص 149

[12]ا بولس نعمان : محطات مارونية ..ص 34

[13] فؤاد افرام البستاني : مار مارون ص 48

[14]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية - الكسليك 1984 – ض 12

[15]  بولس نعمان : محطات مارونية .. ص 26

[16] الاب بطرس ضو : التاريخ الديني والثقافي والسياسي للموارنة ( بالفرنسية)

[17] محمد علي مكي  :لبنان من الفتح العربي الى الفتح العثمانيدار النهار 1991 - ص 14

[18] محمد علي مكّّّي : لبنان .. ص 22

[19] فؤاد قازان : لبنان  ص 118

[20] فيليب حتي : تاريخ العرب – دار الكشاّف 1952 - ص 220

[21] سورة التوبة :  29

[22] الطبري : ج4 ص 40 , والبلاذري: ص 251

[23] ميشال يتيم : تاريخ الكنيسة ص 168

[24] فيليب حتي : تاريخ العرب ص 96

[25] د. سلوى بالحاج صالح : المسيحية العربية وتطوراتها ص 145

[26]  بولس نعمان : محطات مارونية.. ص 95

[27] Larousse : Chronique de L’Humanité page 290

[28] حتي : تاريخ لبنان  ص 310

[29] حتي : تاريخ لبنان  ص 312

[30] حتي : موجز تاريخ الشرق الادنى ص 163

[31] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة ص 180

[32] وليد فارس : التعدّدية في لبنان – منشورات الكسليك 1979- ص 46

[33]  محمد علي مكي : لبنان .. ص 42

[34]  كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان – دار نوفل 1992 -   ص43

[35]  جواد بولس : لبنان والبلدان المجاورة -  مؤسسة بدران بيروت  1973-  ض 252

[36]  حتي : تاريخ لبنان ص 313

[37] وليد فارس : التعددّية ,,  ص34

[38] وليد فارس : التعددّية .. ص 52

[39] مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 72

[40] البلاذري : فتوح البلدان – دار النشر للجامعييّن  1957 - ص 162  / إبن عساكر : تاريخ دمشق ج5 ص 341

[41] محمد علي مكّي : لبنان ..ص65

[42] محمد علي  مكّي : لبنان.. ص 69

[43] (  ابو الحسن علي  ) المسعودي : التنبيه والاشراف – دار التراث 1968 = ص 153

[44] حتي : تاريخ لبنان ص 390

[45] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة  ص 179

[46] مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافىة  - الشركة العالمية للموسوعات طبعة ثالثة 2005 -ج 16 ص 72

 

[47] حتي : تاريخ لبنان ص 311

  [48] ميشال عويط : الموارنة ص 72

[49]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية  ص 7 

  [50] محمد علي مكي : لبنان .. ص 105

 [51]  كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان – دار نوفل 1992 -  ص 74

[52]  محمد علي مكّي : لبنان .. ص 111

[53]  حتي : تاريخ لبنان ص 350

[54]  الأب بطرس ضوَ : تاريخ الموارنة – دار النهار 1970-  ج3 ص 440[54]

[55]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المالاونية  ص 87

[56] محمد علي مكّي :  لبنان .. ص 118- 122

[57] مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 77

[58] مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 77 /  78

[59]  جواد  بولس : لبنان والبلدان المجاورة ص 312

 

[60]  مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 78

[61]  كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان – دار نوفل 1992 -  ص 128

[62]  بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 42

[63]  بطرس ضو ً: تاريخ الموارنة ج3 ص 472

[64]  محمد علي مكي : لبنان.. ص 176

[65] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج3 ص 519

[66] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة – دار نوفل –  ص131 

[67]  كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان -  دار نوفل 1992 –  ص 93

[68] طانيوس الشدياق : اخبار الاعيان في تاريخ  لبنان – مكتبة العرفان ,بيروت 1954- ج1 ص 205

[69] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج3 ص 442

[70] البطريرك إسطفانوس  الدويهي : تاريخ الأزمنة- تحقيق الأب  توتل اليسوعي ,بيروت 1950- ص 135

[71] إبن عبد الظاهر : تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور- القاهرة 1961 – ص 47

[72] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة ص 132

 

[73] طانيوس الشدياق : اخبار الاعيان ج1 ص 206

[74] طانيوس الشدياق : اخبار الاعيان ج1 ص 208

[75] وليد فارس : التعدّدية.. ص 92

[76] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج3 ص 445

[77] حتي : تاريخ لبنان ص398

 

[78] صالح بن يحيي : تاريخ بيروت – دار المشرق 1969 -  ص 27

[79]صالح بن يحيي : تاريخ بيروت ص 29

[80] الدويهي : تاريخ الازمنة ص 163

[81]   مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 81

[82] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 3 ص 547

[83] جوزف اليان : كتاب دروس التاريخ للمرحلة المتوسطة -  دار المشرق 1972 -  ج2 ص 106

[84] حتي : تاريخ لبنان ص 395

[85] فيليب حتي : تاريخ العرب – دار الكشّاف 1952 - ج 2 ص 820

[86] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 108

[87] محمد علي مكّي : لبنان.. ص 211  

[88] مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 81

[89] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 3 ص 558

[90] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثير ص 138

[91] الاباتي بولس نعمان : محطات مارونية .. ص 72

[92] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 51

[93] كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة ص 134

[94] كمال الصليبي : منطلق تاريخ لبنان .. ص 161

Gaudefroy-Demombynes : la Syrie a l’époque des Mamelouks -Paris 1923 - p228   [95]

[96] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 193

[97] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 47

[98]  بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 50

[99]  كمال الصليبي :  منطلق تاريخ لبنان -  دار نوفل 1992 – ص 155

[100]  كمال الصليبي :  منطلق تاريخ لبنان ص 162 / 164 

[101]  كمال الصليبي :  بيت بمنازل كثيرة ص 140

[102]  كمال الصليبي : بيت بمنازل كثيرة ص 108 / 107

[103]  د.زكي نقاش : اضواء توضيحية على تاريخ المارونية – دار لبنان 1970 – ص 60

[104] الدويهي : تاريخ الازمنة ص 214

[105] الأب طوبيا العنيسي : مجموعة البراءات المارونية -  1911 Bullarum Maronitarum روما -  ص 47

[106] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 109

[107] محمد علي مّكي : لبنان.. ص 281

[108] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص118-126

[109] الدويهي  :  تاريخ الازمنة ص 236

[110] بطرس ضو :  تاريخ الموارنة ج3 ص571

[111]  لحد خاطر :  لبنان والفاتيكان ص 92

[112] الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 98

[113] الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 92

 

[114] فيليب حتي :  تاريخ العرب ص 824

[115] بطرس ضو :  تاريخ الموارنة ج 4 ص 143

[116]  كمال الصليبي :  مقدمي بشري ( بالانكليزية) ص 22

[117] بولس نعمان :  المارونية ..ص 172

[118] بولس نعمان : محطات مارونية ..ص 78

[119] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ( بالفرنسية) ص525

[120]  حتي : تاريخ لبنان ص 458

[121] . الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 103

 

[122]  بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 177- 179

[123] كمال الصليبي :  بيت بمنازل كثيرة ص 112

[124] بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 219

 

[125]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 22

 

 [126]  بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 377  /378   

[127]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 59 / 61

[128] الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 93

 [129]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 66

[130]  بطرس ضو: تاريخ الموارنة ج 4 ص  464  /  466

[131] الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 39

[132]  مسعود الخوند : الموسوعة التاريخية الجغرافية ج 16 ص 90

 

1-  [133]  بطرس ضو : تاريخ الموارنة ج 4 ص 433

 

[134]  الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 103

[135] البابا يوحنا بولس الثاني : الارشاد الرسولي 1998

[136]  رسالة البابا يوحنا بولس الثاني : ايار 1984

[137] الأب يوسف محفوظ :مختصر تاريخ الكنيسة المارونية ص 22

[138]  بشير الجميّل : خطاب الترشيح : 1981

[139] المونسينيور ميشال حايك : مجلة الرعية العدد 418  أذار 2006

 

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها