عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
   د. أندريه كحّالة

د. أندريه كحّالة

بيروت – لبنان


حـرب الـطرشـان

الكل ينادي بوحدة لبنان،

الكل يحارب من أجل استقلال لبنان،

والكل مستعدٌ أن يموت من أجل حرية لبنان... نعم الكل.

فإذاً أين المشكلة؟ ولماذا تستمر الحرب يوماً بعد يومٍ، وسنةً بعد سنةٍ، مرةً بواسطة الفلسطينيين، ومرةً بواسطة الإيرانيين، ومراراً بواسطة الإسرائيليين والسوريين.

لكن الثمن يدفعه أولاً وآخراً اللبنانيون بدماءٍ لبنانيةٍ وأرضٍ محتلةٍ لبنانيةٍ وأرزاقٍ مدمرةٍ لبنانيةٍ.

لماذا الحرب في لبنان حرب طرشان؟

الجواب نجده في تلك الكلمات نفسها من "وحدة" إلى "استقلال" إلى "حرية" لبنان وازدواجية التفسير لتلك الكلمات:

في الوحدة:

          يرى الشعب المسيحي وحدة لبنان منذ إنشاء دولة لبنان الكبير وقبل ذلك، وحدةً نابعةً من الداخل، بحيث تكون الإرادة البنّاءة هي الدافع نحو الوحدة في إطار احترام الحقوق التاريخية والحضارية للكيانين المسلم والمسيحي، لأن وجود شعبين وحضارتين على أرض لبنان، هو مبرّر طرح وحدة لبنان المبتغاة وهدفها..

فوحدة الشعب لها مدلولٌ اتحاديٌّ تعدديٌّ عند المسيحيين...

أمّا وحدة الشعب عند المسلمين، فلها معنىً مختلفٌ تماماً، لأن الوحدة في مفهومهم تعني توحيد المعالم الحضارية وتذويب الخصائص التعددية في لونٍ واحدٍ يتلخّص بالتعريب الحضاري والثقافي والتربوي الإجباري.

أمّا وحدة الأرض عند المسلمين، فهي توحي تلقائياً، بشعار الوحدة العربية و "الأمة" العربية الكبرى من المحيط إلى الخليج (مع أن هذا الكلام فرغ من معناه في ظل الخلافات والانقسامات الدموية داخل جامعة الدول العربية).

بينما وحدة الأرض في المنظار المسيحي، هي وحدةٌ قانونيةٌ دستوريةٌ، قامت مع الدستور اللبناني في حدود لبنان المعترف بها دولياً...

إن وحدة لبنان في القاموس المسيحي لها مدلولٌ تعددي من التفاعل الحضاري بين الحضارتين المسيحية والمسلمة داخل الوطن اللبناني.

بينما وحدة لبنان في القاموس المسلم، لها مدلولٌ وحدوى تذويبي داخل الوطن العربي الكبير جغرافياً وحضارياً وثقافياً.

في الإستقلال:

          إستقلال لبنان في العرف المسيحي له أبعادٌ منذ القرن الرابع ميلادي ونزوح المسيحيين نحو جبال لبنان هرباً من الاضطهادات ومن ثم تمسكهم باستقلاليتهم في هذا الجبل الأشم: هذا الاستقلال الذي اتخذ وجوهاً عدّةً من المعاهدات مع الخلفاء من القرن الثامن وصولاً إلى نظام القائمقاميتين والمتصرفية في أواخر أيام الحكم العثماني.

أما استقلال لبنان، محط أطماع العرب تاريخياً، كان منذ البدء شوكةً في خاصرة الغزو العربي المسلم: حيث تمّ استقدام القبائل العربية وتوطينها في مختلف المناطق اللبنانية بتشجيعٍ من الخلفاء المسلمين بهدف الاستعمار الثقافي والحضاري.

ومع حلول القرن العشرين، أرغم المسلمون على القبول بإعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920، واستقلاله سنة 1943، على أن يكون "ذو وجهٍ عربي" حيث أصبحت أصغر تهمةٍ توجه إلى المسيحيين هي العمالة والانعزالية، إن هم تقاعسوا عن "دورهم العربي".

إذاً، إستقلال لبنان في القاموس المسيحي له مدلولٌ تاريخي لكونه ملاذاً للشعوب المضطهدة على مرّ العصور، ومثالاً للتعايش التعددي في الشرق الأوسط وفي العالم.

بينما استقلال لبنان في القاموس المسلم، رغم القبول بالوجه العربي سطحياً، إنما داخلياً ليس إلاّ سعياً تاريخياً لإحلال الإستعمار العربي المسلم، المستتر تارةً تحت إسم الجمهورية الإسلامية، وطوراً تحت ستار العلاقات المميزة والتعريب.

في الحرية:

          حرية لبنان وحرية الشعبين اللبنانيين المسيحي والمسلم، هي مبدأٌ مقدسٌ لدى المسيحيين، مما يسمح بالتفاعل الحضاري اللبناني الذي يرجع إلى أيام الفينيقيين، مروراً بالعهود الصليبية والبعثات الأوروبية أيام فخر الدين وإلى يومنا هذا. ومن مبادئ الحرية، حرية الشعوب في تقرير مصيرها، التي تنادي بها شرعة حقوق الإنسان والتي كان لبنان من المساهمين فيها...

أما المسلمون في لبنان، فالحرية عندهم تبدأ بالتستر وراء شعار "لا شرق ولا غرب": فلبنان حرٌّ في أن يدفع ضريبة هزائم العرب من 1948 إلى اليوم ويقاسي ظلم الأعداء ونير "الإخوة" العدائيين، وحرٌّ أن ينتظر اللجان العربية، ويبقى تحت رحمة مساعيها الحميدة، لكنه ليس حراً في أن يطالب بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، فذلك يصبح مؤامرةً وخيانةً.

فالحرية إذاً، في القاموس المسيحي هي حرية الفكر والتعامل الحضاري مع الحضارات المسيحية الأوروبية وغيرها... أما في القاموس المسلم، فالحرية تتوقف عند "الأقطار العربية الشقيقة" وما سوى ذلك خيانةٌ... لذلك، نرى في العقل الباطن المسيحي، إنتماءً واضحاً بعيد الجذور: إنه إنتماءٌ مسيحي لبناني.

أما المسلم، فهو مسلمٌ عربيٌّ في "الأمة العربية الكبيرة"، أو في "سوريا الكبرى"، أو ربما لبناني مرحلياً.

وقد لخّص السيد البطريرك مار نصر الله صفير الموقف المسيحي من الحرية عندما قال: "إذا خُيِّرنا بين التعايش والحرية، نختار الحرية!..."

في الحل:

          أن نعترف بالتعددية في لبنان كواقعٍ حضاريٍّ غنيّ المعاني، مما يسمح للبنانيين باعتماد طرحٍ سياسيٍّ ديمقراطي جديد، متجسدٍ باللامركزية السياسية الموسعة كخطوةٍ أولى...

وإلاّ فإن "الإصلاحات" لن تعطي إلاّ ثماراً مسمّمةً، وحرب الطرشان لن يعرف لها استقرارٌ...

مراسلٌ أجنبيٌّ قال: "إما نهاية الحرب، وإما نهاية لبنان..."

ونحن نقول: "إن إبادة شعبٍ وإذلاله مستحيلٌ، وإن تفتيت دولةٍ وضمها، غير مقبولٍ"، لأن قدر لبنان تحديداً هو أن يكون "أكثر من وطن... إنه رسالة حرية ومثال في التعددية للشرق والغرب".

الدكتور أندريه كحاله


أسئلة حول النص:

عالج ثلاثةً من الأسئلة الأربعة التالية: (5 – 10 أسطر لكل سؤال)

1-     ما هي الأسباب الأساسية التي تجعل لكل مصطلحٍ مفهومين مختلفين؟

2-     على أي مرتكزٍ للهوية يتم التشديد في هذا النص؟ عدد المرتكزات الثلاثة الباقية للهوية الوطينة-القومية.

3-     على أي أساسٍ يمكننا الاستنتاج أن هذا النص وُضِعَ قبل اتفاق الطائف؟ ما هي الأفكار التي تمت إضافتها مع اتفاق الطائف؟

4-     أضف فقرةً رابعةً على هذا النص تحت عنوان: في السيادة.


أسـئـلـة تـاريـخـيـة

1- ما هي أبرز المحطات القومية في تاريخ الشعب المسيحي في لبنان؟

2- في أي إطارٍ تمّت الهجرات المارونية إلى لبنان والهجرات المارونية إلى قبرص؟

3-    ما هي الإستراتيجية التي مكّنت الإحتلال الإسلامي من السيطرة على الأراضي الشاسعة بعد الفتح؟

4- ما هو الحدث التاريخي الذي يشكل منطلق القضية اللبنانية؟

5- ما هي أبرز محطات البطريركية المارونية؟

6- ما هي ظروف تأسيس البطريركية المارونية؟

7- ما هي ظروف ونتائج المجمع الخلقدوني 451؟

8- ماهي الإصلاحات التي قام بها عبد الملك بن مروان الأموي؟

9-    كيف استطاع الشعب المسيحي متابعة المقاومة بعد سقوط الكيان المسيحي المستقل في يد المماليك؟

10- كيف تصدّى الشعب المسيحي لحملات المماليك 1287 - 1305؟

11- ما هي ظروف سقوط الجدار النحاسي أواخر القرن السابع؟

12- كيف تجلّت المقاومة اللغوية منذ الفتح الإسلامي وحتى اليوم؟


أسـئـلـة فـكريـة

1- ما هي هوية لبنان؟ كيف يمكنكم تحديدها؟ ما هويةالشعب في لبنان؟

2- ما هي أول ثورة اجتماعية وديمقراطية قام بها الشعب المسيحي اللبناني في التاريخ؟

3- ما كان يمكن أن يكون البديل عن دولة 1920، وفي أية حدود؟

4- ما كان يمكن أن يكون البديل عن دستور 1926؟

5- ما هي محطات الخلاف والأزمات الأساسية في الحياة السياسية اللبنانية منذ الإستقلال؟

6- ما هي ركائز الهوية القومية عند الشعوب؟

7- ما هي المراحل التوحيدية الثلاث التي جمعت الشعب الآرامي في الهلال الخصيب؟

8- أعطِ مثلين عن بلدان أوروبية تعددية وما هي الحلول الدستورية التي لجأت إليها؟

9- ما الفرق بين الدولة الوحدوية والدولة الفدرالية والكونفدرالية؟


بيبليوغرافيا

كتب ضرورية في كل مكتبة:

 

_ التعددية في لبنان (وليد فارس _ منشورات الكسليك)

_ تاريخ الكنية الشرقية ( المطران ميشال يتيم _ منشورات المكتية البولسية)

_ تاريخ الموارنة الجزء 3 و 4 (الأب بطرس ضو) أو الجزء الموحّد بالفرنسية

_ الإسلام بدعة نصرانية (الياس المر)

_ الفدرالية والمجتمعات التعددية ولبنان ( د. عصام سليمان _ دار العلم للملايين)

_ السريان (مركز الدراسات والأبحاث الرعوية)

 

كتب صرورية للقراءة:

 

_ تاريخ الفكر الكنيسة جزئين (جورج كوس _ مكتب ادراسات العلمية)

_ الكنيسة المارونية لاهوت وحياة (المركز العربي للعلومات) _ (كرّاس)

_ المارونية لاهوت وحياة (الأباتي بولس نعمان _ منشورات الكسليك)

_ الكنائس المسيحية في لبنان (مركز الأبحاث والدراسات المسيحية في الشرق)

_ تاريخ لبنان (فيليب حتى)

 

كتب اختيارية لزيادة المعلومات:

_ بيت بمنازل كثيرة (كمال الصليبي- دار نوفل)

_ مختصر تاربخ سورية (المطران يوسف الدبس)

_ تاريخ مدينة أنطاكيا (أسد رستم)

_ المسيح في لبنان (فرجيل جورجيو- دار الكتاب المفضل)

_ مختصر تاريخ الكنيسة جزئين (المكتبة المسيحية)

 

كتب موسوعية:

 Larousse: Chronique 1'humanite -

 Petit Robert II,Dictionnaire des noms propres -

مع أطيب التحيات

الدكتور أندريه كحاله

منشورات هيئة الثقافة السريانية

يتبع

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها