عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

 

روجيه عفيف

(دبلوم في التاريخ الوسيط ، بيروت)

للتواصل مع روجيه عفيف roger-afif@hotmail.com


المَخطوطات السريانية الطَقسية : تُراث المَوارنة العَريق وأدَبهم الجَليل (3)

هناك الكثير من المخطوطات ينبغي نشرها ، وقدس الاباتي يوحنا تابت (يعاونه حاليا الاب جوزف عبيد) الأكفأ في هذا الموضوع ، لأنّه لا يمكن لكل إنسان يعرف السريانية أن يقوم بنشرها . فهي تحتاج الى خبرة واسعة ودقّة ومنهجيّة رصينة وتروٍ وانتباه ومسؤولية لعظمة هذا التراث ، الذي يُنشَر بتؤدة ودقة ورصانة لا مثيل لها ، لأوّل مرّة . والاباتي يوحنا تابت ، هو الأعرف في لبنان والكون كلّه ، في الليتورجيا المارونية . هناك متخصّصون كُثر ، وباحثون أكثر ، ومجتهدون متاكثرون . ولكنّ الاباتي يوحنا تابت فوقهم جميعًا بمعارفه الواسعة ومداركه الدقيقة وعلمه الرصين والدقيق والعميق والفهيم . لذلك يحظى من غبطة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير ، بدعم كبير ، ومن سيادة المطران بطرس الجميّل السّامي الاحترام (رئيس اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية) بتأييد واسع ورحب ، لأنّ جهوده العلمية ، مع سواه ، تأخذ بالنمو والتقدّم . لذلك ينبغي متابعة العمل الحثيث ، بوتيرة متصاعدة ، لنشر أهم الأجزاء للمصادر الليتورجية المارونية ، سواء كانت أعياد ، أو قراءات أو صلوات أو فروض أخرى .

هنالك الكثير من المخطوطات المارونية الطقسية الثمينة ، الموجودة في المكتبات الديرية في لبنان ، وخارجه في المتاحف والمكتبات العالمية ، تحتاج الى نشر تدريجي ، لنصل الى درجة ، يكون تراثنا الماروني ، بكافة أنواعه وألوانه الطقسية ، ماثلة أمام عيوننا ، وملموسة بأيدينا .

إن المصادر الليتورجية التي يقوم بنشرها (تحقيق وتبويب ومقارنة وتقديم وترجمة) – مشكورًا - قدس الأباتي يوحنا تابت الجَزيل الاحترام : هي أطهَر وأقدَس وأعظَم وأصفى وأشرَف وأبهى وأجمل وأزهى وأكمَل وأروَع النصوص المارونية السريانية الطقسية على الإطلاق . هي الأدب الماروني السرياني الانطاكي العريق ، الُمدوّن بأيادي النساك الأطهار والنسّاخ والعلماء ، والتي صُلِّيت بأنفاس مقدسة وأنغام عذبة ، على مرّ الازمان .

هذه المخطوطات ليست هويّة الكنيسة المارونية وحسب ، بل هي هوية الشعب الماروني ، وتراثه وتاريخه وحضارته . ولذلك ينبغي الإستفادة منها بشكل أقصى ونهائي ، في الكنيسة ككل ، والرعايا والرهبانيات ، وأن تُعَلَّم في كليات اللاهوت والجامعات والمدارس ، وان يروّج لها لنشرها بين المؤمنين والمهتمين .

5- قيمة الادب الماروني وفوائده :

نعني هنا بالأدب الماروني ، أنّه أدب الكنيسة المارونية وتراثها المدوّن العريق . وهذا التراث هو مقدّس بكلّ ما للكلمة من معنى وقوّة ، لأنّه تراث طقسي تبنّته الكنيسة المارونية واستخدمته في صلواتها وطقوسها ورُتبها وأعيادها الغنيّة والرائعة . لذلك علّة حضور الموارنة، أن يعوا تراثهم ، ويفتخروا به ، بأنه تراث مقدّس وشريف وطاهر .

لا يمكننا حصر قيمة هذا الادب الجليل وفوائده ، فإذا أخذنا المصادر التي نشرَت حتى الآن ، من سنة 2000 وحتى 2009 ، نجدها كتبًا متلألئة بالجمال والحيوية والهيبة والعظمة . فكل الكتب التي تصدر تحمل فوائد لا عدّ لها ، وتحتاج طويلاً لإيفاء ما تحويه من كنوز : روحية ، إيمانية ، لاهوتية ، إنسانية ، لغوية ، أخلاقية ، تعليمية ، ليتورجية ، موسيقية ، تاريخية ، أدبيّة ، ثقافية ، إجتماعية ، تربوية ، نُسكية ، رعائية ، رهبانية ، تأمّلية ، نفسيّة ، وغيرها من الفوائد الكثيرة . وهي كنوز فعليّة ، وليست كنوز للكنيسة كي تستفيد من نصوصها للتجديد الطقسي فقط ، بل كنوزًا لكل المؤمنين والعلمانيين ، ليغرفوا من محتواها الثمين للغاية ، المليء طهرًا ورقّة وعمقًا وإحساسًا .

خاتمة :

إنّ للموارنة أدبًا عريقًا ، هو الأدب الطقسي الليتورجي الأصيل ، الذي تبنّته الكنيسة المارونية ليصير أدبها العريق . هذا الادب هو ادب أنطاكي سرياني عريق ، له الانتماء الماروني الواضح والاكيد ، دون أن ينفي هذا الإنتماء ، شرقيّة هذا الطقس ، وأنطاكيته ، وسُريانيّته ، وأصالته الرائعة . ومن ينفي هذا الانتماء او الهوية المارونية عن هذا الادب ، فمجرّد خُزَعبلات لا معنى لها ، وأوهام لا طائل لها . ومن يقلّل من قيمته الانطاكية ، فهذا كلام غير علمي مطلقًا . ومن ينسف أصالته السريانية ، نكون أخرجنا الفرض الماروني من الهذيذ الروحي ، الى هذيان من يدّعي هذا الادّعاء اللامنطقي ، ومن ينزعه من هويّته الشرقية المتجذّرة ، يكون في جهل للطقوس ولا علم له بشيء بها ، ومن ينفي طابعه السامي الآرامي المتجذّر في القدم والعراقة ، يكون لا يُدرك شيئًا في التاريخ وتراث الشعوب وحضارات الأمم .

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها