ملاحظا من مكتب التنظيم
الآرامي الديمقراطي
مقال مهم جدا و لكن على القارئ أن ينتبه الى الجملة التالية التي وردت:
"
وقد دلت التنقيبات الأثرية أن الاستيطان الآرامي بدأ هناك منذ الألف السادس
قبل الميلاد، ثم أصبح مستوطنة مزدهرة في الألف الخامس قبل الميلاد،..."
الآراميون لم يستوطنوا الجزيرة قبل ٦٠٠٠ سنة !
هذه فكرة خاطئة لأن المصادر
الأشورية تذكر القبائل الآرامية في القرن الثاني عشر
!
آلهة «تل حلف» الآرامية في سورية
تنهض من الرماد ببرلين
علماء الآثار الألمان نجحوا في إعادة لصق 27 ألف
«شظية» لتماثيل مهشمة
جمعت شظايا آثار تل حلف عام 1943 في صناديق وتم
خزنها في أقبية متحف البيرغامون (رويترز)
ويعود الفضل في نقل الآثار السورية إلى برلين إلى الدبلوماسي الألماني ماكس
فون اوبنهايم الذي بذل جهده وماله من أجل الحفريات في تل حلف( رويترز)
قضى فون اوبنهايم، بعد ذلك 4 سنوات في حفر القصر
الذي يعود إلى سلالة الملك الآرامي كابارا بن قاديانو ( رويترز)
آثار تل حلف تعود بالذات إلى قصر الملك الآرامي
كابارا بن قاديانو، وقد شيد هذا القصر وفق المخطط المعروف باللغة الآرامية
باسم «بيت هيلاني» أي البيت العالي (رويترز
كولون(ألمانيا): ماجد
الخطيب
في عملية
إعادة تركيب التماثيل المهشمة نجح العلماء الألمان في إعادة تجميع مقتنيات
متحف «تل حلف» في برلين وإعادة عرضها للجمهور في متحف المدينة. وكانت آثار
«حلف» السورية، من أقصى الشمال السوري قرب الخابور، قد تعرضت خلال الحرب
العالمية الثانية إلى قذائف متعددة حطمتها إلى 27 ألف قطعة صغيرة.
ويفتخر متحف البيرغامون ببرلين اليوم بافتتاح أمس جناح متحف تل حلف على
قاعاته تحت عنوان «مغامرة تل حلف» بعد مرور أكثر من 70 سنة على احتجابه عن
الجمهور ويستمر المعرض حتى اغسطس (آب) المقبل. ولا يتذكر هذه الآثار سوى
بعض علماء الآثار المسنين الذي شاهدوها وهم صغار قبل سقوط القنابل عليها
قبل سنتين من انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومعروف أن هذا المتحف، في
جزيرة المتاحف في العاصمة الألمانية، يضم أيضا آثار مدينة بيرغامون
الهلينية، وباب الآلهة البابلية عشتار وشارع الموكب، وأصبح بالتالي من أهم
مراكز الجذب السياحي ببرلين. ومن يزور المتحف اليوم سيعيش رحلة زمنية هائلة
تمتد بين آثار يرجع عمر بعضها إلى أكثر من 6 آلاف سنة سبقت ميلاد المسيح.
ويعود الفضل في نقل الآثار السورية إلى برلين إلى الدبلوماسي الألماني ماكس
فون اوبنهايم الذي لم يكن عالما أثريا، لكنه بذل جهده وماله من أجل
الحفريات في تل حلف. ويقال إنه انتبه إلى وجود الآثار حينما ظهرت بعض
التماثيل الكبيرة أثناء حفر الأهالي قبورا لدفن موتاهم في المنطقة. كان ذلك
عام 1911 وقضى فون اوبنهايم، بعد ذلك 4 سنوات في حفر القصر الذي يعود إلى
سلالة الملك الآرامي كابارا بن قاديانو. وعرضت الآثار ببرلين لسنوات طويلة
قبل أن تحل عليها لعنة الحرب التي قادها هتلر.
يقع تل حلف (جوزانا القديمة) الأثري على الضفة الغربية لنهر الخابور،
بالقرب من الحدود السورية-التركية، وعلى بعد 3 كيلومترات جنوب غربي منطقة
رأس العين السورية.
وقد دلت التنقيبات الأثرية أن الاستيطان الآرامي بدأ
هناك منذ الألف السادس قبل الميلاد، ثم أصبح مستوطنة مزدهرة في الألف
الخامس قبل الميلاد، قبل أن يغدو في مطلع الألف الأول قبل الميلاد، عاصمة
لمملكة بيت بحياني. وكان حكم الآراميين في تل حلف الأقوى بين ممالك الشمال
الآرامية، واتخذت (جوزانا) عاصمة لها آنذاك.
ويبدو أن آثار تل حلف تعود بالذات إلى قصر الملك الآرامي كابارا بن
قاديانو، وقد شيد هذا القصر وفق المخطط المعروف باللغة الآرامية باسم «بيت
هيلاني» أي البيت العالي. وهو قصر يحتوي على قاعة عرش مزينة بمنحوتات حجرية
ضخمة، ونقوش بارزة، وبينها منحوتات للآلهة وأخرى لمخلوقات تجمع بين البشر
والحيوانات، مثل الإنسان السمكة، الرجال الثيران، الأسود المجنحة، وشكل
آدمي برأس أسد وغيرها. وعثر فريق اوبنهايمر على منحوتات بارزة على الجدران
تضم مشاهد دينية ومشاهد قرابين، وقد وجد أيضا مدفنا ملكيا يحتوي على العديد
من الأواني والتحف.
وكشفت الحفريات مدينة صغيرة تعود إلى العصر الحديدي، لها مخطط مستطيل
مساحته (600×300 متر) محاطة بنظام دفاعي من الأسوار المتضمنة أبراجا ذات
مسافات منتظمة. تحيط المدينة الخارجية بالمدينة الداخلية ذات المساحة
(150×200 متر)، والموجودة في الجهة الشمالية المركزية، والتي تقوم فيها
الأبنية الهامة كالقصر والقلعة.
أقبل الآراميون إلى المنطقة واستقروا تحت قيادة قائدهم «والد كبارا» في
موقع تل حلف وذلك نظرا لأهمية موقعها الجغرافي ووجود نهر الخابور وخصوبة
أراضيها. وزاد اهتمام العالم بالمنطقة بعد الكشف عن من قيمة وعراقة الآثار
التي كشفت في تل حلف التاريخية. بعض هذه الآثار، أو لنقل الجزء المتبقي
منها، معروض في متحف حلب وبينها تماثيل للآلهة عشتار وهي تمتطي اللبوة
والآلهة «حدد» ولوحات منحوتة. وقد أقام كبارا القائد الآرامي عاصمته
«غوزانا» مستفيدا من بقايا الأبنية القديمة في إشادة بيوت المدينة وأسوارها
ومن أهم تلك المنشآت قصره الذي يعرف بالقصر المبني على طراز بيت هيلاني
وكانت تزين واجهتها تماثيل ضخمة لآلهة آرامية تنتصب على حيوانات، وقد بينت
التنقيبات الأثرية أن عاصمة «كبارا» كانت مستطيلة الشكل يحميها الخابور من
أطول جوانبها أي من الشمال أما الجهات الثلاث الأخرى فتحميها أسوار وأبراج،
ازدهرت مدينة غوزانا القديمة ولكن ما لبثت أن سقطت في يد الآشوريين عام 894
ق.م.
وللعلم فإن إعادة بناء الآثار البابلية في متحف البيرغامون لم تكن أقل كلفة
من الناحية المالية والزمنية. إذ قضى علماء الآثار الألمان آنذاك عدة سنوات
في إعادة تجميع القطع الساقطة عن الجدران ومن ثم لصقها في أماكنها. وكل ذلك
بعد عملية طويلة من الغسل والتنظيف والحفظ والأرشفة. وإذ ينتصب باب عشتار
اليوم في متحف البيرغامون أمام ملايين الزوار يوميا فلأن الألمان اثبتوا
أنهم أبطال لعبة تجميع القطع المتشظية في العالم. إذ بذلت المخابرات
الألمانية الغربية جهدا مماثلا، وقضت أكثر من 12 سنة، في تجميع وثائق شتازي
(وزارة الأمن في المانيا الشرقية) الممزقة التي تم جمعها بعد سقوط جدار
برلين عام 1989. وفي حين اعتمدت المخابرات على برنامج كومبيوتري يصور حافات
وزوايا المزق الورقية ومن ثم يجمعها، عمل علماء متحف البيرغامون مع زملائهم
في جامعة برلين التقنية على تطوير طريقة تستخدم علم المعادن لتجميع شظايا
الصخر الصغيرة.
جمعت شظايا آثار تل حلف عام 1943 في صناديق هائلة وتم خزنها في أقبية متحف
البيرغامون. وتم فرز تلك الآثار من قبل العلماء الألمان أبان الفترة
النازية، ومن بعدهم من قبل علماء الآثار في ألمانيا الشرقية، كآثار يتعذر
ترميمها، وبقيت كذلك حتى عام 1999 حيث ألقى العلماء عليها نظرة أخرى تأخذ
في عين الاعتبار التقدم التقني الذي حصل خلال هذه الفترة، وخصوصا بعد نجاح
المخابرات في تصميم «سوفت وير» لإعادة لصق وثائق «شتازي». ومن حق رئيس
متاحف برلين أن يفخر بالعمل الذي قام به العلماء حينما قال أن ما حصل هو
«معجزة« لأن الآثار المحطمة تم تصنيفها سلفا كآثار «لا فائدة منها».
ونتيجة هذا الجهد العظيم يستعرض متحف البيرغامون اليوم 500 قطعة أثرية من
تل حلف تحتوي على التماثيل واللوحات الصخرية الناتئة والاشكال الصغيرة. وهي
كنوز تعود إلى فترة 3000 قبل الميلاد وتؤرخ فصلا حضاريا من تاريخ الآراميين
في الشمال السوري.
وتولت الباحثة ناديا كوليديز منذ عام 2001 الاشراف على عملية إعادة تجميع
الشظايا في تماثيل. وتلقت كوليديز الدعم من قسم المعادن في جامعة برلين
التنقنية باشراف البروفيسور كريستيان دروبل. وتقول الباحثة أن القطع
الكبيرة والتي تميزها الأشكال والرسوم قد تم جمعها يدويا بعد عناء، لكن
مشكلة الشظايا الصغيرة، غير المتميزة، تم التغلب عليها بتقنية فريدة من
جامعة برلين. إذ استخدم دروبل وزملاؤه تقنية جزيئية للتعرف على الصخور
وتجميعها من خلال كثافة مادتها، لونها، حافاتها....إلخ. وكانت النتائج
مذهلة، ليس على مستوى إعادة ترميم الآثار، وإنما على مستوى تاريخ هذه القطع
ومصدرها. وحسب الدراسات البرلينية الأخيرة، وفي ضوء التحلييل الجيولوجي
للصخور، يتضح أن مصدر الصخور التي صنعت منها تماثيل تل حلف لم تكن من
«الكبسة» (15 كم شمال تل حلف)، كما كان المكتشف الألماني ماكس فون
اوبنهايمر يعتقد، وإنما من «بيت الشيخ» التي تبعد 60 كم. والأخيرة عبارة عن
هضبة ترتفع في صخورها نسبة البازلت وتقع إلى الجنوب من تل حلف.
ويقول دروبل أن الفحص الجيولوجي كشف أيضا نوع القنبلة التي أصابت الآثار
خلال الحرب العالمية الثانية. إذ لاحظ العلماء وجود آثار الفوسفات
والكربونات ملتصقة على سطوح الشظايا الأمر الذي يشي بسقوط قنابل فوسفورية
عليها. وإذا كانت القنابل قد حطمت التماثيل في شظايا فأن مياه رجال الأطفاء
فتت جزءا منها. وحملت حافات الصخور الصغيرة آثارا تدل على إطفاء النار
بواسطة الماء.
يبقى أن نقول أن البروفيسور لوتس مارتن، من متحف البريغامون، قال بعدم وجود
مشكلة مع السلطات السورية حول آثار تل حلف، مؤكدا أن السوريين يعتبرون
الآثار رسالة للبشرية عن الحضارات السورية القديمة. وقال أن الدبلوماسي فون
اوبنهايم في مطلع القرن العشرين رتب كل الأمور «الإدارية« المتعلقة بالآثار
بين البلدين. وعبر عن أمله بتوسيع متحف البيرغامون بجناح رابع يتسع
لموجودات تل حلف. |