عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

الفَصٌل الثَامِن

نهاية آرام في بابل

دولة الكلديين والآراميين في بابل

انتهى تاريخ الآراميين في بلاد ما بين النهرين وفي سورية ولكنه وقد بدأ في بابل منذ القرن الحادي عشر كما رأينا، واستمر الى القرن التاسع حيث رأيناهم يزحفون نحو الشرق بعد المقاومة التي لقوها من ملوك اشور منذ عهد اشوردان الثاني، الى ان استقرت موجاتهم في البراري المتدة شرق دجلة على حدود بابل وعيلام. وفي هذه المنطقة دعاهم الاشوريون " الاموريين" وحاربهم سمسي اداد الخامس في سنة 823 وهم في حلف مع ملك بابل والكلديين والعيلاميين والنمريين 154.

وفي القن الثامن نجد لهم ذكراً في حروب شلمنصر الخامس (782- 772) ونقرأ في نقوشه 155 اسماء قبائلهم في بابل : "اتوع وربوع وخاريل ولبدد ثم يذكر تجلت فلصر الثالث قبل ان يرقى الى الملك انه في سنة 729 شتت واجلى الآراميين الذين يملأون بلاد بين النهرين السلفلى، ويعدد 35 قبيلة، منها الكلدية، ومنها الآرامية وبنوع خاص الاطوع والربوع والخاريل ثم يقول: 156

" شعب آرام باكمله على صفاف دجلة والفرات وسوراب نهر أمنو الآن كرخا قرب الخليج العربي ( الفارسي سابقاً) في بلاد البحر ( البلاد البحرية)

اخضعت:

قتلتهم وحملت اسلابهم

شعب آرام باكمله، كل ما هو منه

ضربتهم الى حدود اشور

واقمت قوادي حكاماً عليهم".

وهو يذكر بنوع خاص قبائل بوكود ولبدد 157 والاولى من اكبر القبائل وهما مذكورتان مرتين في التوراة. وفي التلمود ذكر لنهر بوكود.

وفي نقش آخر لتجلت فلصر الثالث ذكر حملته على ( الاحلامو) وراء نهر الزاب158 والاخلامو كما رأينا آراميون من البدو، وهم اذن قد انتشروا بعيداً على صفة دجلة اليسرى.

ولنعد الى سرجون (722-705) الذي رأينا في حملاته نحو الغرب، والذي نراه هنا منذ بدء حكمه يشير الحرب على بابل حيث يحكم المغتصب مروداخ بلادان شيخ القبيلة الكلدية القوية بيت ياكين بمعاضدة القبائل الآرامية يقول سرجون 159:

" ألحقت هزيمة شنعاء بالكلديين والآراميين وهم من بلاد مشرق الشمس

وجعلت سلاحي مراً على العيلاميين

حاربت اتوع وربوع وخريل وليدود وخمران وأبل ورعا"

وبعد وقائع اخرى يدخل سرجون بابل ثم في السنة التالية يلاحق الملك الهارب مروداخ بلادان في جبال الخليج العربي (الفارسي سابقاً) ويخضع كلده السفلى وحدود عيلام.

وبعد مصرع سرجون في سنة 705 يعود مروداخ من منطقة المستنقعات ويعتلة من جديد عرش بابل ولمنه لا يلبث سوى تسعة شهور امام ضربات سنحاريب.

سنحاريب 705-781

ويبدأ سنحاريب حكمه كما بدأ والده سرجون بمحاربة بابل منذ سنة 803 ويقول 160 انه كسر

" جموع الكلديين المقيمين على شواطئ النهر المالح

" والآراميين غير الخاضعين الذين لا يعرفون الموت، والعرب".

في حملتي الثالثة (ثلثي) زحفت على ارض الختى (سورية)

"لولة" ملك صيدون الرهيبة في نهائها

الى وسط البحر هرب ومات

وصيدون الكبرى ( صيدو ونو رابو) وصيدون الصغرى ( صيدو ونوص عدو)

وعليهم جزية وهدايا فرضت...

من منحم الشمشيموروناي ( الشمس سيدتي)

وتوبال الصيدوني

عبد اللات الاروادي

اوروملكي الجبيلي

ميتنيتي الاشدودي... الخ"

وقد اجلى سنحاريب 208000 من الآراميين ونخص منهم بالذكر البوكود وجنبولو بنوع خاض. ولكن هذا الاجلاء الضخم لا يقطع دابر الآراميين من شرق بابل وهم من جديد يظهرون في سنة 691 محالفين لشوزاب الكلدي وحليفه ملك عيلام فيذكر سنحاريب في نقوشه.

" الآراميون الضائعون الهاربون المشبعون من الدماء السارقون اجتمعوا حوله ( حول شوزاب)

ونزلوا من المستنقعات

وقاموا بالثورة"

وبعد سنتين، في سنة  689، يقوم بحملته الثامنة التي تنتهي بسقوط بابل بين يديه ويقول:

قد قطعت دابر الاحلامو والسوتو

" واجليت الكلديين والآراميين ...

اسرحدون (681-669

وايضاً يبدأ هذا الملك حكمه بحملة على بابل الشرقية حيث احد ابناء مروداخ بلادان قد اشعل نار الفتنة. وبعد انهزامه يستسلم اخوه ويترك له ملك اشور عرش "بلا البحر" . وفي حرب جرت بعد ذلك بقليل نجد قبيله الجنبل في صف اسرحدون ضد العيلاميين والكلديين.

اشور بانيبال 668-626

ولكن الجنبل يعودون الى مناصرة اعداء اشور عندما يجتاح ملك عيلام بلاد كلده، فهم يسمحون له بالمرور بحصنهم شابيبعل فيأتي  ملك اشور ويفتح المدينة ويهدمها ويحمل ابن ملك الجنبل اسيراً معه الى نينوه حيث يذبحه " ذبح الحمل" وينقل باقي المشايخ الى اربل حيث تسلخ جلودهم وهم احياء بعد قطع ألسنتهم 161.

وبعد ذلك في سنة 652 عندما يثور شاماش شوم اوكين ملك بابل على اشور بانيبال اخيه ومتبوعه ينضم اليه " رجال بلاد اكاد وبلاد كلدو وبلاد الاامو من اراضي البحر" 162 وعيلام وجويتوم ( شرق اشور) وامورو وبلاد العرب. وبذا يتضح لنا ان الكلديين وابناء اعمامهم الآراميين ثابتون بالرغم من كل الضربات ولا تقوى سلطة ارضية على اقتلاع جذورهم ولا يعرفون الخضوع.

وينتهي امر لآرام وكلدو العهد الاشوري.

ففي السنة عينها التي يموت فيها اشور بانيبال سنة 626 يقوم قائد كلدي هو نابو فلصر ويعلن نفسه ملكاً على بابل وهو في سنة 612 سيحالف الميديين ويفتح نينوه.

وتنهار الامبراطورية الاشورية وتحل محلها لمدة تقرب من القرن

امبراطورية كلده المسماة ايضاً ( البابلية الجديدة)

وفي دولة بابل الجديدة يندمج الآراميون ابناء عمومة الكلديين.

رأينا الآراميين يفقدون في خلال القرنين التاسع والثامن استقلالهم السياسي ولكنا نراهم في كل بلاد، في كل ناحية من بلاد بين النهرين، وفي كل سورية.

انتهى تاريخ آرام السياسي

ولم يستمر سوى اربعة او خمسة قرون

ولكن هؤلاء القوم القادمين من الصحاري والمحتلين لكل مكان والثابتين على عنصريتهم ما زالوا الى يومنا هذا ثابتين.

لقد ثبتت لغتهم وفرضت نفسها على الشرق، بأجمعه، وعلى ممالكه وانبيائه، وعلى السيد المسيح نفسه. ثبتت طوال سنة الى ان اخذت اللغة العربية مكانها.

ومع ذلك فهي ما زالت لغة بعض المناطق في بلاد بين النهرين وسوريا وتركيا كما رأينا.

وهي ما زالت اللغة التي يخاطب بها ابناء الشق المسيحي الههم.

المراجع

154) لو كمبيل 1/726

155) نقوش الأسد في تل برسيب انظر اتورو دانجين    Thureau - Dangin في مؤلفه " تل برسيب" ص 141- 151

156) لو كمبيل 1/788

157) لو كمبيل 1/789

158) لو كمبيل 1/771

159) لو كمبيل 2/42 و 55

160) لو كمبيل 2/234 و 274- انظر كتابه عن سنحاريب LUCKENBILL

The Annals of Senacherib, Chicago 1924 p 21 - 30

161)  لو كمبيل 2/866

162) لو كمبيل 2/789

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها