عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

بقلم: حذابيا

آثور تعني الموصل

حضرة الشاب المتحمس اشور كيوركيس،

سلام الرب معك، وبعد.

اليك نسخة جديدة من التوضيح حول لفظة "اثور" بمعنى الموصل، وانا انتظر جوابك في هذا الخصوص.

 

كنتُ ايها الحبيب قد قدمتُ في هذا المنبر الديمقراطي الحر تعليقاً بسيطاً حول كتابتك المنشورة هنا باسم "انشودة قومية آشورية"، حيث وضّحتُ لك وللقراء الاحباء ان معنى الكلمة السريانية  ܐܬܘܪܝܐ "اثورايا"، التي استعملها شاعرنا السرياني كيوركيس وردا الاربيلي (توفي حوالي 1300) في قصيدته التي يعدد فيها اسماء بطاركة كنيستنا المشرقية، تعني "الموصلي" وليس "اشوري"، لأن كلمة ܐܬܘܪ "آثور" باللغة السريانية تعني "الموصل". وهذه قضية بديهية لكل الذين يدرسون ويعرفون تراثنا السرياني المدوّن. لكنك للاسف لم تصدق هذا، بل رحتَ تعطي هذه الكلمة المعنى الذي تتمناه انتَ، رغم عدم وجوده في القصيدة، لكن على حساب الحقيقة.

 

لقد ذكرتُ لك بكل محبة واخلاص ان تفسيرك للكلمة ليس صحيحاَ. واوردتُ لك اسماء بطاركتنا الذين اعطاهم شاعرنا لقب "اثورايا" بمعنى موصلي وهم "مار ماري الموصلي" (987-999)، و"عبديشوع الموصلي" (1085-1090)، و "مكيخا الذي كان مسؤلاً في الموصل" (1092-1110)، و"إيليّا الذي تربى بين العلماء في الموصل" (1111-1132)، و"عبديشوع من الموصل" (1139-1448).

ثم اعطيتكَ شاهدا عن الجاثليق "ايشوعياهب" الحديابي (649-659) كيف قال عنه النص السرياني بانه "خدم ابرشية آثور اي الموصل" ܡܫܡܫ ܗܘܐ ܠܟܘܪܣܝܐ ܐܦܣܩܘܦܝܐ ܕܐܬܘܪ ܐܘܟܝܬ ܕܡܘܨܠ . ومع كل هذا إلا انك لم تقتنع، بل رحتَ تنشر كتابة جديدة تكرر فيها حماسك وتحديك للعلم والحقيقة، وراحَ حبيبنا الاستاذ خوشابا سولاقا يطيّب لك، ويكيل على كتابتك المديح، دون ان يجهد نفسه قليلاً ليتحقق من الموضوع إن كانت آثور هي الموصل أم لا، بل فعل ذلك تعاطفاً معك ومناصراً لك حتى على الغلط. سامحه الله.

سأعطيك هنا بعض الشواهد السريانية الاخرى توضّح كيف ان علمائنا القدماء قالوا ان "آثور تعني الموصل". اقرأ في الموسوعة اللغوية السريانية الهامة جداً لكاتبنا اللغوي الكبير "بربهلول (توفي في القرن العاشر )" حيث ورد في شرحه لكلمة اثور بقوله: "ܐܬܘܪ "اثور" اسم مدينة بناها سابور الملك وهي الموصل" (انظر الموسوعة اللغوية المذكور في العمود 322).

واحيلك ايضا الى القاموس السرياني العربي الهام من تأليف الطبيب واللغوي السرياني البارع ايشوع برعلي (توفي نو سنة 900) واقرأ كلمة ܐܬܘܪ "آثور" في صفحة 63 حيث يقول: " ܐܬܘܪ (آثور) هي مدينة الموصل وما يجاورها" (انظر الجزء الاول من هذا القاموس المذكور طبعة يوري هوفمان في روما عام 1910.

وان كنتَ ايها الحبيب تشك في كتابة شاعرنا كيوركيس وردا، فان كاتبنا البارع ايشوع برعلي المذكور والذي سبق شاعرنا كيوركيس وردا باربعة قرون، اوضح من نور الشمس في شرحه لكلمة "آثور" بمعنى الموصل.

اما البطاركة الذين ذكرهم شاعرنا "كيوركيس وردا" في قصيدته السريانية المذكورة، فقد ذكر الى جانب اسمائهم نسبة كل واحد منهم الى مدينته او منطقته التي عُرف بها. ان شاعرنا "كيوركيس وردا" نقل معلوماته عن بطاركتنا من كتاب "المجدل: أخبار فطاركة كنيسة المشرق" للكاتب السرياني "ماري بن سليمان" الذي عاش في القرن الثاني عشر وألف كتابه الشهير هذا باللغة العربية، (نشر هذا الكتاب العلامة هنريكوس جيسموندي في روما عام 1899). ولما كان كتاب البطاركة هذا هو بالعربية لذلك يستعمل المؤلف جميع الاسماء الواردة فيه حسب مقتضى اللغة العربية، فيسمي مثلاً الموصل باسمها الموصل. بينما شاعرنا المجتهد "كيوركيس وردا" الذي عاش بعد كاتبنا السرياني "ماري بن سليمان" بحوالي القرنين، ونقل منه معلوماته عن بطاركتنا، استعمل الاسماء حسب مقتضى اللغة السريانية لذلك سمى مدينة الموصل "آثور"، وترجم لقب "الموصلي" الى "اثورايا". دعنا نفتح كتاب اخبار الفطاركة المذكور لنرى ماذا قال عن البطاركة المنحدرين من الموصل والذين قال عنهم كيوركيس وردا "اثورايا". بكل بساطة قال عن كل واحد منهم انه موصلي. يقول:

 "مار ماري ابن الطوبا، من اهالي الموصل، وهو من اولاد الرؤساء والكتّاب وتربى في الدواوين" (اخبار فطاركة كرسي المشرق، صفحة 104). بينما شاعرنا كيوركيس وردا يقول عنه: "ܡܪܝ ܡܐܪܝ ܐܬܘܪܝܐ ܡܢ ܛܘܗܡܐ ܚܠܐ ܟܘܢܝܐ" اي (مار ماري الموصلي صاحب الحسب والنسب الفاخر). لقد وصف حسبه ونسبه لانه من مدينة كبيرة وشهيرة بتاريخها وشعبها اعني مدينة الموصل ومن عائلة مشهورة بين السريان بالرئاسة والثقافة كما كتب ماري بن سليمان. ونفس التعابير الفخمة يستعملها شاعرنا عن الجاثليق "عبديشوع الموصلي" لانه من مدينة الموصل الشهيرة. بينما كتب عنه مؤرخ بطاركتنا ماري بن سليمان بقوله: "عبديشوع، المعروف بابي الفضل بن العارض الموصلي" (صفحة 127 من كتابه المذكور).

وعن الجاثليق مار مكيخا يقول ماري بن سليمان: "استدعاه مار عبديشوع الجاثليق واسامه مطرانا على الموصل وحزة" (صفحة 137)؛ بينما يقول عنه شاعرنا كيوركيس وردا بالسريانية  ܡܟܝܟܐ ܕܗܘܐ ܒܬܘܪ ܥܠܠܢܐ و "مكيخا الذي كان مسؤلاً في "آثور" اي في الموصل لأنه مطراناً في الموصل قبل ان ينال كرسي البطريركية.

ويقول مؤرخ حياة بطاركتنا عن مار ايليا الجاثليق بقوله "انه كان من اهل الموصل، وكان مطران الموصل وحزة" (صفحة 152). بينما يقول عنه كيوركيس وردا بانه: "تربى بين العلماء في "آثور" (اي الموصل) التي هي مصدر العلوم". ܘܐܠܝܐ ܡܠܐ ܢܨ̈ܚܢܐ ܕܐܬܪܒܝ ܒܝܬ ܡܠܦܢ̈ܐ ܒܐܬܘܪ ܡܒܥܬ ܝܘܠܦܢ̈ܐ لأن الموصل كانت مدينة العلم والعلماء والثقافات.

وكذلك يقول مؤرخنا ماري بن سليمان "الجاثليق مار عبديشوع المعروف ابن المقلي بانه من الموصل" (صفحة 156). بينما يقول عنه كيوركيس وردا في قصيدته السريانية بانه "من مدينة "آثور" اي الموصل الجميلة" ܘܥܒܕܝܫܘܥ ܡܐܢܐ ܓܒܝܐ ܕܡܢ ܐܬܘܪ ܟܪܟܐ ܦܐܝܐ.

اذاً، ان كل بطريرك ممن قال عنه مؤرخنا ماري بن سليمان بانه من "الموصل" قال عنه شاعرنا كيوركيس وردا بانه من "اثور". وكل بطريرك سماه مؤرخنا ماري بن سليمان "موصلي"، سماه شاعرنا كيوركيس وردا "اثورايا". فالموصل واثور شيء واحد لدى الكاتبين المذكورين، وكذلك تعبير"اثورايا" و "موصلي" شيء واحد لدي الكاتبين ايضاً. رغم ان المؤرخ ماري بن سليمان عاش قبل الشاعر كيوركيس وردا بقرن من الزمن.

ان اسناد نسبة المؤلفين والرؤساء والاباء السريان الى مدن ومناطق جغرافية عادة شرقية دارجة في الادب السرياني، ليس بين السريان المشارقة فقط، بل بين السريان المغاربة ايضا. فعل سبيل المثال نذكر بعض العلماء السريان المغاربة الذين يُعرَفون بمدنهم مثل الشاعر يعقوب السروجي (من بلدة سروج)، والفيلسوف سركيس الراسعيني (نسبة الى بلدة راس العين ريشعينا)، والفيلسوف اثاسيوس البلدي (من بلد)، ويعقوب الرهاوي (من الرها، أورهاي)، الخ.

لذلك تابع شاعرنا السرياني كيوركيس وردا هذه العادة فقام باسناد كل واحد من جثالقتنا/بطاركتنا الى مدينته او منطقته، كقوله ابراهم الكشكري (من كشكر)، وشحلوفا الكشكري (من كشكر)، ويشوعياها الارزوني (من ارزون)، وسبريشوع الجرمقي، وايشوعياهب العرباوي (من بي عرْبايي)، وسركيس النصيبيني (من نصيبين)، وانوش من بيث كرمايي، واسرائيل الكرخي (من الكرخ)، وعبديشوع الجرمقي، وماري اثورايا (من الموصل)، وعبديشوع الموصلي، الخ

 

حبينا الشاب المتحمس اشور كيوركيس، ألم يخطر ببالك ان تسأل لماذا قال شاعرنا كيوركيس وردا عن كل واحد من بطاركتنا الاربعة انه "اثورايا" (موصلي)، ولم يستعمل لفظة "اثورايا" لبقية بطاركتنا الذين ذكرهم وهم بالعشرات؟ وحسب منطقك وكتابتك فان هؤلاء البطاركة الاربعة فقط هم "اشوريون"، اما بقية البطاركة فليسوا "اشوريين" لأن شاعرنا لا يسميهم "اثورايا".

فمنذ ايام شاعرنا كيوركيس وردا (القرن الثالث عشر) ولغاية الجاثليق "فافا الآرامي" (توفي عام 329، هكذا يرد اسمه ܦܦܐ ܐܪܡܝܐ "فافا الارامي" في تاريخ "مشيحازخا" ܡܫܝܚܐܙܟܐ السرياني ربما من نهاية القرن السادس او السابع) فان سلسلة بطاركة كنيستنا المشرقية تتواصل دون انقطاع، وهناك 73 بطريركاً. فإذا كان اربعة منهم فقط هم "اشوريون" حسب تحليلكَ، وهذا خطأ جسيم، فما هي جنسية وقومية بقية بطاركتنا الذين عددهم حوالي 68 بطركاً ممن عاشوا بعد فافا الارامي وقبل شاعرنا "كيوركيس وردا" ولم يسميهم في قصيدته "اثورايا"؟ فمن اين جاء هؤلاء البطاركة الاربعة الذين تتخيل بانهم كانوا "اشوريون" ضمن سلسلة طويلة من بطاركة ليسوا "اشوريين"؟ الجواب، ولا واحد من بطاركتنا كان "اشورياً" لأن هكذا قومية لم تكن موجودة البتة منذ ايام بطريركنا فافا الارامي لغاية ايام شاعرنا كيوركيس وردا الاربيلي، وان جميع كتب اجدادنا خالية تماماً من ذكر "قومية اشورية"؛ بل ان جميع كتب اجدادنا تتحدث مرارا وتكراراَ عن "شعب سرياني" و "لغة سريانية" و "أمة سريانية" وان هذه الكتب مليئة بهذه التعابير الواضحة. وعندما اراد احد كتّابنا القدماء ان يبحث عن اصله واصل شعبه، كتب باننا "كنا نسمى سابقاً آراميين" (انظر مثلا موسوعة بربهلول اللغوية في العمود 1324).

الخلاصة: ان البطاركة الذين كتب عنهم ماري بن سليمان بالعربية في كتابه اخبار "فطاركة المشرق" بانهم من الموصل او موصليين، قال عنهم شاعرنا كيوركيس وردا بالسريانية بانهم من "اثور" او "اثوريين" اي موصليين. إذاً فالموصل وآثور شيء واحد، وموصلي واثوري شيء واحد ايضاً. ولكي نكون امينين مع ثراثنا السرياني ونتعاطى معه بنزاهة وعلمية وموضوعية، فلا يجوز مطلقاً ترجمة عبارة "مار ماري اثورايا" الى "مار ماري الاشوري"، بل يجب ترجمتها الى "مار ماري الموصلي".

وفي الختام اطلب المعذرة من الدكتور ليون برخو لدخولي النقاش في هذه الصفحة شاكرنا جهوده الجبارة في إنارة شعبنا من خلال كتاباته المنهجية والمتزنة. لكنني اقول ان الذي منحه الرب موهبة التقصي ومعرفة الحقيقة، فقداختاره ليدافع عنها بقوة حتى وان كلفته كثيراً. فان وقف على الحياد صامتاً أو مجاملاً في الصراع بين الحقيقة واللاحقيقة فهو يسيء لِما منحه الرب من مواهب. الحقيقة جارحة ومكلفة، وكم من الحكماء في التاريخ دفعوا دمهم ثمناً في الدفاع عنها.

طوبى للامة التي يرسل الرب فيها هكذا رجال مثل الدكتورليون برخو الذي اصبح صوتا صارخا لانهاض الهمم بالحق والمعرفة والشجاعة والمحبة.

ܘܚܘܒܗ ܕܐܠܗܐ ܐܒܐ ܘܛܝܒܘܬܗ ܕܝܚܝܕܝܐ ܒܪܐ ܘܫܘܬܦܘܬܐ ܕܪܘܚܐ ܩܕܝܫܐ ܥܡ ܟܠܟܘܢ ܠܥܠܡܝܢ

ولتكن نعمة الرب وبركته معنا جميعا الى الابد.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها