عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
 

 د. عماد شمعون

رئيس الجبهة الآرامية


المؤتمر الآرامي الأول في لبنان

"الآرامية حضارة ولغة وهوية وشعب"

 برعاية غبطة البطربرك مار نصرالله بطرس صفير

1-5-1997

 

كلمة القس حبيب بدر

( ممثل المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في لبنان وسوريا)

الُترَاث الإنجيلي والحضَارة الآرامية

 


حضرة ممثّل غبطة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، المطران فرنسيس البيسري. حضرات السادة الأساقفة. حضرات الآباء الأجلاء. حضرات السادة النواب. حضرات الأخوة والأخوات، أيها السيدات والسادة،

   بالنيابة عن ريئس المجمع للطائفة الأنجلية في سوريا ولبنان القس الدكتور سليم صهيوني وباسمي الشخصي، أود أن اُقدم تحية خاصة للجبهة الآرامية الثقافية ولرئيسها الدكتور عماد شمعون، بمناسبة انعقاد هذا المؤتمر الهام. كما أود أن أشكر د. شمعون على الدعوة الشجاعة للطائفة الإنجيلية الصغيرة الححم للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر الأول، الذي تحت عنوان "الآرامية حضارة ولغة وهوية وشعب".

 إن  الإنجيليين في لبنان قلة ، لكنهم يتميزون بتعددية حضارية ملفتة لا نجدها في طائفة مسيحية أخرى في هذا البلد. إذ هناك- ومنذ تأسيس الطائفة 1848- إنجيليون ينتمون الى حضارة لبنانية وعربية متجذرة في أرض الشرق، وهناك آخرون ينتمون الى أرمنية نزح حاملوها مع مرور الزمن من آسيا الصغرى الى بلاد  الشام ولبنان، وهناك إنجيليون آخرون ينتمون الى حضارة سريانية هي بدورها متجذرة في عمق أعماق هذا الشرق، وقد أتى معظمهم الى لبنان بسبب المجازر التركية في بداية هذا القرن . فإن أنت زرت كنيسة إنجيلية سريانية أو أرمنية. مثلا، ستشارك بصلاةٍ  و تختبر لاهوتاً إنجيلياً بحتاً لكن بقالبٍ لغوي وثقافي سرياني أو أرمني.

  الآرامية، إذاً، كحضارة ولغة وهوية ثقافة هي جزء من إرث الطائفة أو الكنيسة الإنجيلية في لبنان والشرق، وهي حقيقة تاريخية لا يمكن نكرانها بالرغم من كل التحفظات التي قد توجد لدى البعض بالنسبة للوجود الإنجيلي المحلي في الشرق ككلّ. زد على ذلك، فإننا كإنجيليين لبنانيين، وبغض النظر عن جذورنا الكنيسة والإثنية المعينة (لوثرية أو كالفينية – عربية، أرمنية أو سريانية) وتماماً لإننا من سكان هذا البلد، ننتمي الى حضارة لبنانية تغرف الى حدّ كبير من جذور آرامية/سريانية مازالت حية في تراثنا الإجتماعي والموسيقي والفني والجغرافي والكنسي، وهي فعلاً جزء لا يتجزأ من هويتنا كلبنانيين.

 لغتنا فيها الكثير من التعابير والكلمات السريانية، أسماؤنا وأسماء قرانا وبلداتنا كذلك موسيقانا وفلكلورنا، عاداتنا وتقاليدنا، إلخ... كلها مدينة للتراث و الحضارة الآرامية/السريانية الى حد كبير. وحسبي أن فرادة لبنان وقيمته تتجليان في كونه بلداً لم ينكر أصوله الضارية في التاريخ بدءاً من الحضارة الآرامية ومروراً باليونانية والرومانية والبيزنطية والعربية، والعثمانية والفرنسية والأوروبية وحتى الأنكلوسكسونية حديثاً.

   غير أنني كإنجيلي أودّ أن أخرق الى مستوى أعمق من الحوار والوصال ( إذا صحّ التعبير) بين التراث الإنجيلي – وهو التراث المصنف بالغربي عامةً- والحضارة الآرامية . وسأعمد الى ذلك عن طريق استلهام التراث الآرامي /السرياني البيزنطي المشرقي الذي تمثّله تاريخياً البطريركية الإنطاكية الشرقية.

   هناك ، كما تعلمون، خمسة تقاليد كنسية مشرقية تدين بالولاء لانطاكيا التاريخية، وجميعها لديها بطريرك انطاكي يترأس الكنيسة من مكان ما في الشرق الأوسط. فهناك السريان الأرثوذكس والسريان الكاثوليك، وكذلك الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك، وهناك الموارنة طبعاً، وحتى اللاتين نصبوا لأنفسهم بطريركاً لاتينياً على انطاكيا إبان الحروب الصليبية، ومازال المركز موجوداّ – ولو في روما فقط - الى الآن.

  تجري محاولات حثيثة هذه الأيام، وخصوصاً منذ انعقاد السينودس من أجل لبنان في روما سنة 1995، لأجل إيجاد قواسم مسكونية مسيحية مشتركة بين الكنائس هذه تساعدها على تحقيق حالة متقدمة من الوحدة الكنيسة على أسس الألف الأول من تاريخ الكنيسة . ومن يعرف منكم تاريخ بطريركية انطاكيا ومدرستها اللاهوتية، يدرك ولا شك أهمية الدور الذي لعبه التراث والحضارة الآراميين في نشوء وارتقاء الهوية المسيحية الأنطاكية المشرقية.

   لكن يلاحظ المرء أن الحوار الأساس في المجال يدور بين الكاثوليك والأرثوذكس على مختلف مشاربهم- من سريان وبيزنطيين وحتى أرمن- وليس مع الإنجليين الذين يعُتبرون ( مع اللاتين أحياناً ) غير مشرقيين.

هذا الإستثناء للإنجيليين كان مفهوماً- والى حدّ ما طبيعياً- لأن التعايش بين الكاثوليك والأرثوذكس في لبنان والشرق يمتدّ لمئات السنين ولأن الإنجيليين أقلية وحديثو العهد في لبنان. وإحياء الإرث التاريخي الآرامي المشترك بين المسيحيين في لبنان والشرق عموماً والذي يتمحور حول إحياء ما يُسمى بالتراث الأنطاكي المشترك بين الكاثوليك الشرقيين (من موارنة وروم كاثوليك وسريان كاثوليك وكلدان ولاتين وحتى أرمن كاثوليك) من جهة، والأرثوذكس الشرقيين (من روم وسريان وآشوريين وحتى أرمن أرثوذكس) من جهة أخرى ، هو من أهم الخطوات التي اتخذتها الكنائس الشرقية في تاريخها الحديث باتجاه وحدتها. وبنظري، هو أهم من محاولات توحيد الأعياد أو أمور أخرى قد تبدو لأول وهلة أنها مستعجلة وضرورية.

لكن، لايجوز إبعاد أو استبعاد كنيسة مسيحية كالكنيسة الإنجيلية، بأبعادها العالمية، عن حوار كهذا. صحيح أن جميع هذه الكنائس تقريباً تدَّعي انتساباً تُراثيّاً الى بطريركيات أنطاكية لها جذور آرمية/سريانية واضحة المعالم ومختلفة الواحدة عن الأخرى. ولكن، إن استندت تلك الفكرة المسكونية التي تبغي التقريب بين الكاثوليك والأثوذكس على قاعدة أنطاكية (سريانية/ بيزنطية) تاريخية وجغرافية، فلا مكان للكنائس الإنجيلية البرتستانتية في التراث الآرامي سوى ما ذكرته في بداتة حديثي، لأنه- تاريخيّا وجغرافياً- لم يكن لها مكان. أمّا إذا كان التمحور حول الفكرة الأنطاكية يشمل أبعاداً روحَّية ولاهوتية وفكرية تغرف من التراث الشرقي لأنطاكي (الآرامي) المسكوني، فللإنجيليين دور متواضع لكنه هامّ يلعبونه في هذا المجال.

فالمطلع على التراث الإنجيلي الأوروبي المُصلح يعلم تماماً مدى تجذر الآباء المُصلحين كلوثر وكالفين في التراث الفكري واللاهوتي الأنطاكي القديم. وهذا الأمر مدروس ومبحوث بعمق في الكنيسة الإنجيلية عموماً. وإني أرى فيه باباً هاماً يمكن للإنجيليين الدخول منه إن أريد لهم مشاركة في تراث وهوية وحضارة آرامية أكثر عمقاً من مجرَّد مشاركة إسمية وفولكلورية وحضارية عامة.

وإني أدعو من هذا المنبر الى أخذ هذا الطَّرح بمحمل الجدية، والتعمق فيه، ليس لأن الكنيسة الإنجيلية ستؤثر على التوازن الطائفي المسيحي في لبنان والشرق، بل لأنها أثرت وستوثر حتماً في صنع الحياة المشتركة الأفضل للجميع هنا، ولأنها من رواد الحركة والتحرك المسكونيين في العالم والشرق، ويمكنها أن تلعب دوراً مهماً في تفعيل الحضور والشهادة المسيحيين في لبنان والشرق.

https://www.youtube.com/watch?v=v6_eQ0P3ZGQ

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها