اوزان الخليل هل هي اندلسية ام سريانية مشرقية
ان دراسة الشعر العربي
[1]
ليس سهلا وذلك لوجود حلقات مفقودة مما يجعل البحث عسيرا، فما وصل الينا من
الشعر العربي كان على درجة عالية من النضج . وهذا يعني لا بد ان يكون قد
سبق هذا النضج تطور في المعنى وفي المبنى وكان هذا التطور طويلا الا ان
الكثير منه ضاع والسبب في ذلك البعض منه اتلف حين اعتنقوا العرب الديانة
المسيحية اولا ثم الاسلام كي لا يقع احفادهم في شرك التوثن او المسيحية ،
كما ان هذا الادب لم يصل الينا الا عن طريق الروي لجهل الكثير منهم
بالابجدية العربية اوابجدية اخرى ، فقسم منه وصل الينا والقسم الاخر لم يصل
لانه لم يحفظ ، وقسم اخر زال مع الرواة الكثيرين الذين ماتوا في حروب الفتح
. وهذا لا يعني ان العرب لم تكن لديهم ابجدية يكتبون بها لغتهم في تلك
الفترة ، فلغة القران كانت على درجة من الرقي مما يؤكد انها مرت بطور
التطور ولفترة لا تقل عن قرنين . في حين يؤكد الباحثون(2)
ان الكتابة قد جاءت بلاد العرب الداخلية في ازمنة مختلفة وقد جاءت قلب
الجزيرة عن ثلاثة طرق اقدمها ما جاءها عن طريق الشمال الشرقي ، وهـذه فـي
الاغلب كانت متأثـرة بالكتابة الاشورية البابلية وكانت من الصعوبة بحيث لم
تلبث ان حلت محلها حروف اخرى جاءتها من الجنوب والشمال معا، وبقيت هذه
الحروف زمانا طويلا فكانت الارامية (السريانية) والمسند اليمني وسيلتين
للكتابة في قلب شبه الجزيرة وقد تطورت هذه الحروف في ازمنة متأخرة الى
الحروف الاخيرة المعروفة بالعربية . ويؤكد ذلك الطبري(3)
حين يقول (ظهر على ضهر الجماء ـ جبل بالعقيق قرب المدينة ـ فوجد حجرين وفيهما
كتاب فحمل احدهما فعرضه على اهل السريانية فلم يعرفوا كتابه وعرضه
على من يكتب بالزبور من اهل اليمن ومن يكتب بالمسند فلم يعرفوه...والظاهر
انه كان في الاغلب اشوريا) . فأقدم ما وصل الينا من الشعر العربي يعود الى
اواخر القرن الخامس للميلاد والنصف الاول من القرن السادس ، اي سبق ظهور
الاسلام بنحو قرن ونصف القرن ولكنه لم يصل الينا مكتوبا بل كما قلنا على
ألسنة الرواة، كمحزمة بن نوفل وحويطب بن عبد وهما من القريش . وفي زمن
الاسلام حماد الراوية (771م) وخلف الاحمر (796م) والاصمعي عبد الملك بن
قريب (828م) وغيرهم . فهو لم يسلم من التحريف لانه وكما قلنا لم يصل مكتوبا
والرواة الذين دونوا مما حفظوه لم يعاصروا اولئك الشعراء بل نقلوه من رواة
قبلهم ، الا ان العلماء اهتموا بتدوينه من القرن الثامن للميلاد في مجموعات
كديوان الحماسة لابي تمام وكتاب الاغاني للاصفهاني وغيرهما... الا ان ما
وصل الينا كان كامل البناء تام الموسيقى له لغة مهذبة واستقامة في الوزن
مما يؤدي بنا الى ان نقول:
1-
ان تاريخ الشعر يرجع الى ما قبل ذلك بكثيــر ، فمن يقرا هذا الادب سيصل الى
نتيجة مفادها ان مثل هذه الامور لا تتهيا للامم طفرة واحدة بل نتيجة تطور
في اصول بعيدة تبدأ صغيرة بسيطة ثم تتطور بعملية من عمليات النمو الطبيعي،
وهذا يقودنا الى احتمال ثان .
2- او ان هذا الادب كان نتيجة متواصلة لاداب المنطقة كالسومرية والبابلية
والاشورية والسريانية ولو حظي هذا العلم اهتمام الباحثين لوجدوا تشابها
واواصر مشتركة بين تلك الاداب والتي تلتها كالسريانيـة والعربيـة
والعبريـة. وانا اتفق مع الاستاذ طـه باقـر(8)
حين قال ( ليس عندي شك في ان اوزان الشعر البابلي واساليب تاليفه ونظمه قد
اثرت كثيرا في اشعار الامم القديمة التي كان لها اتصالات مباشرة وغير
مباشرة بحضارة وادي الرافدين اخص بالذكر منها الشعر العبري والارامي والشعر
الفارسي القديم " الاخميني" ) وأضيف ان بعضها (الادب السرياني والعبري
والعربي) إن لم اقل جميعها هي تواصل لمسيرة هذه الاداب سواء كانت بصورة
مباشرة او بصورة غير مباشرة أعني من خلال الادب السرياني الذي سبق ولازم
الادبين العبري والعربي ولفترة طويلة . ولو توفرت لدينا هذه الحلقات
المفقودة لاتضح ذلك اكثر، فعلى سبيل المثال لو اخذنا من الادب البابلي(9)
قصيدة حوار بين صديقين يرقى تاريخ تدوينها الى حدود الالف الاول ق.م والتي
وجدت في مكتبة اشور في القرن السابع قبل الميلاد، بحيث لو اخذ المقطـع
الاول من كل بيت مـن ابياتـها وجمعت المقاطع بعضها الى بعض لتكون منها اسم
ناظم القصيدة وشئ من الدعاء الى الاله والملك ، وعلى هذا الوجه تؤلف
المقاطع الاولى من القصيدة العبارة (انا ساكل- كينام-اوبب) وهو كاهن
المشمشو وعابد الاله والملك . وهذا الفن لاحظناه في الشعر السرياني الذي
اشتهر به مار افرام (306- 373م) وفي الشعر العبري في منتصف القرن السابع
الميلادي وهي تشبه المزمور 119. ومراثي ايرميا 4،3،2،1 4 التي كانت تستعمل
النظام الابجدي في ترتيب الابيات .
الا اننا لم نعثر على هذه الحلقات المفقودة" سوى بعض الابيات القليلة للشنفري
(توفي سنة 510م) والمهلهل ( 494-534) والمعلقات التي عاصرت بعضها الاسلام
ووصلت الينا وكما قلنا عن طريق الروي ، مثلما لم تصل الينا من الشعر
السرياني قبل القرن الثاني الميلادي سوى بعض الابيات القليلة لـ ( وفا
الارامي ـ القرن الاول قبل الميلاد ).
اما الموازين فيعتبر الخليل بن احمد الفراهيدي (712-778م) اول من وضع موازين
الشعر العربي يقابله في ذلك انطون التكريتي الملقب بالبليغ (المتوفى
سنة840م) في الشعر السرياني واللذين حكم كل واحد منهما حسه وذوقه الموسيقي
وبقيت هكذا الى يومنا هذا، فكل المحاولات التي جرت بعدهم لم تذهب الى ابعد
من ذلك . ومن اجل الوقوف على ارضية اوزان الخليل ساتعرج قليلا على اوزان
الشعر السرياني الذي وضعها كما قلنا الشاعر انطون التكريتي ، لمعايشتها
للشعر العربي لفترة طويلة وسبقها لقرون عديدة . فخليل بن احمد الفراهيدي
اعتمد في قاعدته على مجموعة تفاعيل وهي:
1-
التفعيلات
الثلاثية - اي لها ثلاث حركات وهي (فعولن- فاعلن).
2- التفعيلات الرباعية - اي لها اربع حركات وهي (فاعلاتن- مفاعيلن- مستفعلن-
مفعولات).
3-
التفعيلات الخماسية اي لها خمس حركات وهي (مفاعلتن- متفاعلن).
وتتألف هذه التفعيلات من مقاطع صوتية هي السبب والوتد والفاصلة . فالتفعيلات
تتالف من هذه الاسباب والاوتاد وهي كالاتي:
1-
ان تفعيلتي:
(فعولن //5/5 = وتد مجموع //5 + سبب خفيف /5) وفاعلن /5//5 = سبب خفيف
/5+ وتد مجموع//5)
تتألفان من وتد مجموع وسبب خفيف
2-
ان تفعيلتي:
(متفاعلن ///5//5 = سبب ثقيل // + سبب خفيف /5 + وتد مجموع//5
ومفاعلتن//5///5 = وتد مجموع //5 + سبب ثقيل // +سبب خفيف/5)
تتألفان
من سبب ثقيل وسبب خفيف ووتد مجموع 0
3-التفاعيل
(فاعلاتن/5//5/5
= سبب خفيف /5+ وتد مجموع //5+ سبب خفيف/5 ومستفعلن /5/5//5 = سبب خفيف /5+
سبب خفيف /5 + وتد مجموع//5 و مفاعيلن //5/5/5 = وتد مجموع //5 + سبب خفيف
/5+ سبب خفيف/5)
تتألفان من سببين خفيف ووتد مجموع.
4- ان تفعيلة
مفعولات /5/5/5/ = سبب خفيف/5+ سبب خفيف/5 + وتد مفروق/5/ تتألف من
سببين خفيفين ووتد مفروق.
اما انطون التكريتي فأعتمد في قاعدته على مجموعة دعامات وهي:
1-
ثنائية (اي حركتين) كما في
(بي
+ تا)
بيتا
2- ثلاثية (ثلاث حركات) كما في
(بيت
+نه + رين)
بيت نهرين
3-
رباعية (اربع حركات) كما في
(ش+بح+لمر+يا)
شَبُح لمَريا
4-خماسية (خمس حركات) كما في بتَرعَح حَنانا
(بتر
+ عخ + ح + نا + نا)
5- سباعية (سبع حركات) كما في حَد كَزا زعورا مَفِق
الا ان العرب عكس الاقوام الاخرى في المنطقة اوجدوا لانفسهم قواعد صعبة
في فن الشعر... فبعد ان كان الشعر عند السريان مثلا موزونا على نسق واحد من
جهة الحركات اعتمد العرب في ضبط اوزانهم امرين وهما عددها اولا وقدرها
ثانيا لان الحركات في السريانية لها كلها قدر واحد، اذ هي اما مشبعة او
مطبقة وذلك سيان في الوزن . لذا لافرق عندهم بين:
(فاعلن وفعولن) ولا بين ( فاعلاتن - مفاعيـلن – مستفعـلن - مفعـولات ) ولا
بيـن ( مفاعلتن – متفاعلن) لان لها العدد نفسه من الحركات.
وكذلك لا فرق عندهم بين : سبب ثقيل//، وتد مجموع //5، وتد مفروق /5/
لقد وضع الخليل موازين الشعرالعربي على اساس وجود خمسة عشر بحرا واضاف اليها
الاخفش (ابو الحسن سعيد بن مسعدة) بحرا اخر فاصبحت ستة عشر بحرا. جمعت فـي
خمس مجموعات سماها دوائر كان الاساس فيها تشابه المقاطع الصوتية من الاسباب
والاوتاد وهذه الدوائر هي:
1-
دائرة المختلف : المتضمنة اربع عشرة حركة وتحتوي على الابحر ( الطويل ،
المديد ، البسيط )
2- دائرة المؤتلف : المتضمنة خمس عشرة حركة وتحتوي على الابحر ( الوافر ،
الكامل )
3-
دائرة المجتلب والمتفق والمشتبه المتضمنة اثنتي عشرة حركة وتحتوي على الابحر
( الهزج ، الرجز ، الرمل ، المتقارب ، المتدارك ، السريع ، المنسرح ،
الخفيف ، المضارع ، المقتضب ، المجتث )
الا ان هذه الابحر تلحقها حالات اخرى نتيجة دخول زحافات وعلل عليها مما ادى
بالبعض ان يحصى عدد ابحر الشعر العربي الى اكثر من هذا العدد بكثير.
اما الراهب انطون التكريتي فقد وضع سبعة عشر بحرا وعلى اساس عدد الحركات .
وقد اورد لكل بحر اشكالا عدة استنادا الى نوع الدعامات وعدده ، فمثلا قد
يأتي البحر المتوسط على شكل دعامة واحدة ذات خمس حركات، واحيانا من دعامتين
(2+3) وهكذا في البحر المتقارب قد تكون دعامة واحدة ذات ست حركات واحيانا
دعامتان 3+3 او (4+2).. الا ان الفرق بين الوزنين السرياني والعربي يكمن
في:
1- اعتماد العربية على عدد الحركات وقدرها (حركة سكون) اما السريانية فعلى
الحركات فقط .
2-
تكون
الدعامة في السريانية ذات بنية متكاملة اي ذات معنى مفهوم ، اما في العربية
فاحيانا لا لانها (التفعيلة) احيانا تتكون من نصفي كلمتين فلا تعطي معنى .
3- لا يجوز التدوير في السريانية لا بين الدعامات كما قلنا ولا بين الابيات،
يجوز ذلك في العربية.
4-
اعتماد العربية على مجموعة زحافات وعلل ولا يجوز ذلك في السريانية.
ولو
رجعنا مرة اخرى الى الاوزان فلا بد لنا ان نتساءل لماذا هذا الاختلاف على
الرغم من ان الموقع الجغرافي في هذه الفترة على الاقل متداخل ، وحتى
في الجزيرة كان السريان عندما نقلوا معهم تبشيرهم المسيحي نقلوا معهم
ميامرهم ومداريشـهم أي شعرهــم وبالاخص في فترة المعلقات... لذا علينا ان
نتساءل من اين جاء الخليل بقاعدته الشعرية التي بناها على حركة وسكون؟
الامر الذي ادى الى تعقيده لقواعد الشعر على عكس جميع الاداب المجاورة؟
أبناها على الموروث الشعري الذي تركه لنا شعراء العرب من قبله؟ ام انه
اعتمد على قواعد شعرية جاهزة لامم اخرى وطوعها كي تلائم الشعر العربي؟
وللاجابة عن هذه التساؤلات نقول:
اولا: ان كان الخليل قد بنى قاعدته الشعرية استنادا الى الموروث لما احتاج
الى هذا الكم من الزحافات والعلل الى حـد يمكن عد عدد الاوزان الشعرية الى
اكثر من مئة بحر بدلا من ستة عشر، وذلك لان كل بحر يلحقه عدة ابحر اخرى، خذ
مثلا البحر الطويل الذي وزنه الصحيح ((فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)) الا
انه تلحقه عدة اشكالات نتيجة دخول زحافات وعلل عليه فياتي:
1-
المقبوض العرض والضرب
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن/ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن.
2- المقبوض العروض المحذوف الضرب فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن/ فعولن مفاعلن
فعولن فعولن.
3-
المكفوف الاثلم
فعلن مفاعيل فعولن مفاعلن / فعولن مفاعيل فعولن مفاعيلن
4-
الاثرم
/ف/
عول مفاعيلن فعولن مفاعلن/ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
5- الاثلم
/ف/
عولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن/ فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن
وهكذا الحال في بحر المديد الذي وزنه (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن) وفيي بقية
الابحر الاخرى ... فلنتساءل من جديد لماذا هذا الكم من الزواحف والعلل ان
كان الخليل قد بنى قاعدته فعلا على الموروث الشعري ، فلا بد لنا من دراسة
الشعر قبل الخليل لنرى مدى التزام شعراء تلك الحقبة باوزان الخليل الصافية.
ثانيا- او ان يكون العروض قد ولد متكاملا او اشبه بالمتكامل في ذهن الخليل
وان كان كذلك سيثير الانتباه (كما يقول كل من د.صفاء خلوصي والاستاذ كمال
ابراهيم) ويحملنا على الاعتقاد بانه محاكاة لنموذج اجنبي متكامل لان امر
كهذا (ولادة عروض متكاملة في ذهن الخليل) امر بعيد عن الواقع(10).
ثالثا- او ان يكون الخليل قد حاكى نموذجا عروضيا جاهزا" واستطاع بعبقريته ان
يطوعه بالشكل الذي يلائم الشعرالعربي . وللاجابة عن هذا التساؤل نقف مع ما
يقوله د. صفاء خلوصي استاذ العروض في تقديمه لكتاب القسطاس المستقيم نقلا
عن ابي الريحان البيروني المتوفى سنة 1048 م في كتابه (تحقيق ما للهند من
مقولة مقبولة في العقل او مرذولة) في فصله الموسوم (ذكر كتبهم في النحو
والشعر) ما يلي(11):
((يرجـع العروض العربي واليوناني الى الاصل السنسكريتي، وقد يكون هذا الاصل
السنسكريتي بدوره مقتبسا من اصل بابلـي قديم لعثوره على تشابه بين البحور
اليونانية والعربية من جهة وبعض البحور البابلية القديمة...)) وقد قدم لنا
البيرونــي في كتابه اعلاه وجوها من البراهين تدل على ان الخليل كان قد
اطلع على العروض السنسكريتي قبـل ان يشــرع بوضع ميزان العروض العربي....
ويذهب الدكتور جواد علي(12)
بانه وجد نصا في بعض المظان العربية القديمة يؤيد ان الخليل قد اطلع على
الاوزان اليونانية الى جنب كتب في العروض السنسكريتي... وهذا ما ذهب اليه
المطران اقليمس يوسف داود ايضا حيث قال(13):
((الشعر موزون في السريانية على نسق واحد من جهة الحركات اما في اللغات
القديمة الاخرى كاليونانية واللاتينية والسنسكريتية والعربية فيعتبر لصحة
النظم وضبطه امران في الحركات وهما عددها وقدرها...)).
لقد افاد الخليل من اصول عروضية متعارف عليها عند العرب الا انه اضاف اليها
ما نقل من التراث السرياني والعبري والفارسي واليوناني والسنسكريتي لان
الخليل الذي ولد في البصــرة سنــة (712-778) وهـو عصر التقـاء الثقافـات
الهندية والفارسية واليونانية والسريانية مع العرب من خلال ما كان يترجمه
الادباء السريان الى العربية...ويضيف البيروني:
وهم يصورون في تعديد الحروف شبه ما صوره الخليل ومن بعده من العروضيين للساكن
والمتحرك وهاتان الصورتان هما:
1-
>
ويسمى (لكـ) بالسنسكريتية وهو الخفيف.
2-
\
ويسمى (كر) وهو الثقيل، ووزانه في التقدير انه ضعف الاول اي يعادل اثنان من
الخفيف اي 2 >= \
وفي حروفهم ما يسمى ايضا طويلة ووزانها وزان الثقيلة، واظن ان الاول (>)
متحرك والثاني (\) مجموع متحرك وسـاكن وهي تشبه السبب في عروضنا
العربية . اما الاوربيون فهم يرمزون للنقرات الخفيفة بركزة (د) والضربات
الثقيلة بـ (ـ) بدلا من (> \) الهنديتين. اي:
>
الهندية = د الاوربية = تقريبا ه العربية للخفيف
\
الهندية = ـ الاوربية = / العربية للثقيل
وهكذا وكما يقول البيروني: (كما ان اصحابنا عملوا من الافاعيل قوالب لابنية
الشعر وارقاما للمتحرك منها والساكن يعبرون بها عن الموزون فكذلك سمى الهند
لما تركب من الخفيف والثقيل بالتقديم والتاخير وحفظ الوزان في التقدير دون
تعديد الحروف القابا يشيرون بها الى الوزن المفروض واعني بالتقدير ان (لكـ)
ماتر واحد و(كر) ماتران... فيحسب المشدد ساكنا ومتحركا والمنون متحركا
وساكنا . اي كما يقول د. خلوصي حوروا الطريقة الهندية (المقطعية) الى
طريقة (حرفية) وكان ذلك ضروريا لتمثيل الزحافات والعلل وان كان الافضل
الابقاء على الطريقة السنسكريتية المقطعية، والاشارة الى الحروف حيثما
اقتضى الامر في حالات الزحاف والعلة (د ــ)...
فان كانت ابيات العربية تنقسم لنصفين بعروض وضرب ، فان ابيات الهنود ايضا
تنقسم لقسمين يسمى كل واحد منهما (رجلا") وهكذا يسميها اليونانيون (ارجلا)
ما يتركب منه من الكلمات سلابى والحروف بالصوت وعدمه والطول والقصر
والتوسط. وينقسم البيت لثلاث ارجل ولاربع وهو الاكثر وربما زيد رجل خامسة
ولا تكون مقفاة(14)
اما في السريانية (والعبرية ايضا) فيكتب درجا، اي لا يوجد عرض وضرب .
نستخلص من كل ذلك -كما يقول الاستاذ صفاء(15)
-ان البيروني يظن بان الخليل افاد من العروض السنسكريتي الامور الاتية:
1-
تقسيم الابيات الى اشطر
2-
تقسيم الاشطر الى تفاعيل
3- تقسيم التفاعيل الى مقاطع خفيفة وثقيلة، او قصيرة وطويلة
4- الاعتماد على اصوات الكلمات دون رسمها
5-
اصطناع المصطلحات (الالقاب كما يسميها البيروني) لتحديد الزحافات والعلل.
6-
استعارة فكرة الاشباع في المقطع الخفيف الاخير من التفعيلة وتحويله إلى مقطع
ثقيل
وعلى هذا الاساس يقول الدكتور صفاء(16)
ان الزمخشري والخطيب التبريزي والزجاج والجوهري قد انحرفوا عن الطريقة
الرياضية للخليل في التقطيع التي كانت تشبه الطريقة الافرنجية في التقطيـع
... فالاعتماد على عدد الحركات متشابه بين العربية والسريانية والعبرية
وسائر اللغات القديمة اما قدرها ففي السريانية والعبرية سيان وفي اليونانية
واللاتينية فقدرها يعني طول الحركة وقصرها وفي العربية اختلاف اسبابها اي
اختلاف موضع حركاتها استنادا الى موضع سكناتها ، من هنا تختلف العربية عن
سائر اللغات القديمة. اذن فلا بد ان نرجع مرة اخرى الى ابي الريحان
البيروني ونتساءل هل حقا ان الخليل اخذ عروضه من السنسكريتية؟ ونقول:
اليونانية
التي ترجع اصولها كما يقول البيروني الى السنسكريتية لم تأخذ بنظر الاعتبار
الحركات والسكنات ، ثم ان البابلية نفسها التي ترجع اليها اصول السنسكريتية
لم تاخذ بنظر الاعتبار السكنات بل الحركات فقط لان اغلب الباحثين يشيرون(17)
الى ان الشعر البابلي القديم يتسم بالايقاع المعتمد على النبرات (النبرة تعني
تعميق لفظ حرف علة واحد من بين الحروف العلة الاخرى).
وما علينا الان الا ان نتفحص قصائد الشعوب التي اقتبست منها السريانية
والعربيـة والعبريـة اشعارها، ومن ثم قصائد الشعوب المجاورة للعربية ثانيا
والقصائد العربيـة التي سبقت الخليل ثالثا والاغاني الفلكلورية رابعا .
فمن قصائد الامم القديمة ناخذ على سبيل المثال الوزن في الشعر البابلي. مع ان
هناك بعض الصعوبات التي تعترض سبيل الباحث في الموضوع منها(18)
الاصوات الحقيقية للالفاض البابلية المستعملة في الشعر على الصورة التي كان
يلفظ بها البابليون انفسهم من حيث التشديد والتخفيف، والنطق ببعض الاصوات
الحلقية التي لم يعبر عنها تعبيرا واضحا بالخط المسماري ، ذلك الخط الذي
اوجده السومريون لكتابة لغتهم الخالية من تلك الاصوات . كما ان نطق
المستشرقين بالمفردات البابلية في الشعر يشبه بقراءة الاجنبي للشعر العربي
والسرياني، مما يحدث الخلل والاضطراب في اوزانه كما ان تاثر الباحثين
بالشعر اليوناني واللاتيني او كونهم اصلا مستشرقين جعلهم يرون ان اساس
الوزن في الشعر البابلي يقوم على ما يسمى بالنبرات أي التشديد والتخفيف (ACCENTED
UNACCENTED)
وعلى الرغم من هذه الصعوبات وغيرها توصل دارسو الشعر البابلي الى ان هذا
الشعر مثل اشعار بعض الامم الاخرى كالعربية والسريانية والعبرية واليونانية
واللاتينية وغيره، يعتمد في عروضه على مبدأ تجزئة الكلمات الى مقاطع (
SYLLABLES)
تتناوب ما بين المقاطع الطويلة والقصيرة... فلو اخذنا على سبيل المثال
المقطوعة التي جاءت على لسان الاله ابسو – اله المياه- حيث يقول(19):
ENUMA ELISH LA NUBU SHAMAMU
SHABLISH AMMATUM SHUMA LA ZAKRAT
ABSU _ MA RHSHTU ZARUSHUN
MUMMU TIAMAT MUWALLIDAT JIMRISHUN
MESHUNU ISHTENISH IHUQUMA
GIPARA LA QISSURU SUSA LA SHE
ENUMA ITANI LA SHUPU MANAMA
SHUMA LA ZUKKURA SHIMATU LA SHIMA
IBBANUMA ILANI QIRBISHUM
اينما أيلش لا نبو شماما
شابلش امتم شوما لا زكرات
ابسو - ماريشتو زاروشون
ممو تيامة مولدة كمريشون
مي شونو ايشيتينش اخو قوما
كيبارا قسورو صوصا لاشع
حينما ايلاني لا شوبو منما
شوما لا زكورا شماتو لا شيما
ابانوما ايلاني قربشون
حينما في العلى لم تسم السماء
وفي الدنى لم تذكر الأرض باسم
وحين أبسو الأول ، موجدهم
والأم تياما مولدة جميعهم
كانت مياههما واحدة مختلطة
ولم يتكون بعد أي مرعى ولا ضحضاح يرى
وحين لم يظهر أي من الآلهة إلى الوجود
ولم تذكر أسماؤهم ولم تتحدد أقدارهم
ثم وجد الآلهة في وسطهما
ونقطعها على اساس وزن الخليل نجد ما يلي:
1- /5//5 /5/5 /5 //5 //5/5
فاعلن
مفعولات فاعلاتن
2-
/55/5
///5 /5/5 /5 /5/5 5
من
الصعوبة وزنها لوجود ساكنين
3-
/5/5
/5 /55/5 /5/5/55
وجود
ساكنين ايضا
وهكذا الحال في بقية الابيات. من هنا نقول لايمكن ان تتطابق مع تفعيلات
الخليل. وفي حالة تقطيعها من حيث الحركات نجد ما يلي:
5+3 +3 ، 2+5+3 ، 5+3 ، 5+7 ، 3+3+4 ، 3+4+4 ، 3+3+3+3، 5+3+3 ، 4+3+3 . أي :
الدعامة : 2 3 4 5 7
التكرار : 1 15 4 5 1
وهكذا الحال في الملحمة البابلية(20)
المعروفة بـ (اترا حاسيس) التي تتضمن زهاء (1300) بيت من الشعر تروي كيف ان
الالهة كانوا قبل خلق الانسان يعيشون مثل البشر
حيث يقول الشاعر:
INUMA ILLU AWILUM
UBLU DULLU IZBILU SHUPSHIKA
SHUPSHIK ILL RABI- MA
DULLUM KABIT MAD SHAPSHAQUM
أينما ايلو اويلم
أبلو دولا، ازبيلو شبيشيكا
شبشك ايلي رابي ما
دولم كبت ماد شبيشاقم
حينما كان الآلهة مثل الإنسان
يحملون عبئ العمل ويقاسون التعب
كان تعب الآلهة كبيرا
كان العمل ثقيلا والمقاساة كثيرة
تقطيعها من حيث الحركات:
8 ، 10 ، 7 ، 8 ، 10 ، 9 ، 8 ، 8
اما من حيث وزن الخليل فمن الصعوبة تقطيعها.
وهكذا الحال في ملحمة كلكامش...
وهذا يطابق مع ما قاله الباحث انطون التكريتي في كتابه علم الفصاحة حين قال
"...والبحر الخامس في الشعر السرياني هو المؤلف
من اوزان سداسية وسباعية وتزيد احيانا وتنقص وهو لرجل يقال له وفا من فلاسفة
الاراميين (قبل الميلاد )... ومن الشواهد المتيسرة لدينا والتي تعتبر حلقة
وصل بين القصيدة الرافدينية (الاشورية البابلية) وقصيدتنا السريانية
والعربية ، مزامير او تسابيـح سليمان ال (42) السريانية والتي سماها
دارسوها (مرتل من المسيحيين الاولين)21
وترقى الى نهاية القرن الاول الميلادي، حيث يتضح من دراستها ان الايقاع
(الحركات) هي اساس الوزن وتمتـاز هــذه التسابيــح بأنها موزونة على
اكثر من بحر اسوة بالقصيدة الرافدينية المار ذكرها، وهذا ما سميناه
بعد تسعة عشر قرنا بقصيدة النثر. خذ مثلا الانشودة الثالثة من المزمور:
وهَدامَى لوًاثى
انون
وبهون تلا نا ومحب لى
لا كير يادع هويت لمرحم لمريا
الا هو لا راحم
هوا
منو مشكح لمفرش
رحمثا
الا هو مت رحم
محبنا لرحمى وراحملا نوشى
وايكا دنيحا اب
انا ايت
نجد ان القصيدة موزونة كالاتي:
7 ، 7 ، 9، 8، 9، 5، 11، 10
اما اذا اخذت كدعامات بأعتبارها الاساس في البناء نجد ان الشاعر يستخدم
الدعامات:
وزن الدعامة: 3 4 5
6 7
التكرار: 2 3
7 1 1
وهكذا الحال في بقية التسابيح .
من هنا نقول ان القصيدة السريانية كانت امتداداٌ للقصيدة النهرينية، وكنا
محقين (مع الاخرين) حين اعتبرنا برديصان مدشن الحداثة للقصيدة السريانية في
حينها عندما اخضع القصيدة الى الوزن الواحد خدمة لنقل البشرى من خلال
تراتيل ترتلها جوقات كنسية... واستمرت على منوالها الى يومنا هذا.
ومن الشعوب المجاورة للعربية التي اثرت وتأثرت بها هي اللغة العبرية التي
عاشرت العربية سواء في بلاد الرافدين او في الجزيرة العربية ويقول عنها
الناقد العبري (يهوذا الحريزي) في كتابه (تحكموني)22
((...وحين كان اباؤنا يقطنون في مدينة القدس ما كانوا يعرفون الشعر الموزون
في اللغة العبرية، أما اسفار ايوب، والامثال،والمزامير، فجملها قصيرة
وابياتها سهلة بسيطة، وما اشبهها بالسجع، وهي بعيدة عن ان تكون نظما جميلا
موزونا ومقفى)) ومن خصائص شعرها23
(ان الصيغة الشعرية تؤسس على النبرة والنغمة، وكانت اناشيد العبادة تسمى
ترانيم وكان يصاحب الترنيمة ايقاع او غناء وهذه الترانيم غير موزونة ولا
مقفاة..." واغلب الظن انهما يعنيان بالوزن والقافية علي شاكلة
العربية، لان الشعر العبري وكذلك السرياني كان يعتمــد على عـدد الحركات
فقط. وهـذا مؤكد لان اليهود الراجعين من بابل وغيرها من مناطق بلاد
ما بين النهرين نقلوا معهم مع اللغة، ادب البلاد وفنونها كاوزان
الشعر. اما الوزن والقافية (على شاكلة العرب) فقد ظهر في القرن العاشر
الميلادي .
وما بقي لدينا الا ان نتفحص القصيدة العربية التي من المفترض ان يكون الخليل
قد بنى عليها اوزانه ونقول:
ان الشعر العربي قد وجد قبل الخليل، فالشاعر القديم كان يعتمد على حسه
الموسيقي في كتابة القصيدة لان معظم الباحثين يرون ان منشأ الشعر هو الغناء
والانشاد، والغناء بطبيعته يعتمد على الحس الموسيقي والمعتمد على الحركات
لا السكنات... اي ان الشاعر كان اكبر من العروض. وهذا ما اكده ايضا الاستاذ
كمال ابراهيم في تقديمه لكتاب القسطاس : ((والحق الذي لا مراء فيه ان
مقاييس الشعر او اوزانه قد استخلصت من ضروب الغناء المختلفة التي كان العرب
منذ عصورهم الاولى يتغنون بها ،... فالشعر مدين للغناء، وجد مع الغناء
والغناء وجد مع الانسان)) وبهذا لو اجرينا دراسة على الشعر قبل الخليل
لتيقن لنا ان الشعراء العرب كانوا يزنون اشعارهم اعتمادا على الايقاع
الموسيقي اي بالاعتماد على الحـركات فقط كما الحال في الشعر السرياني
والعبري اللذين استقيا عروضهما من الشعر العراقي القديم وهذا ما ذهب اليه
بعض دارسي الشعر العربي القديم24
، ان العرب ـ قبل الخليل ـ عرفوا طريقة يهتدون بها الى معرفة وزن البيت
وذكروا: ان الخليل سئل: هل للعروض اصل ؟ قال نعم! مررت بالمدينة حاجا فرأيت
شيخا يعلم غلاما ويقول له قل:
نعم لا، نعم لالا، نعم لا، نعم لالا
نعم لا، نعم لالا، نعم لا، نعم لالا
قلت ما هذا الذي تقوله للصبي ؟ فقال: هو علم يتوارثونه عن سلفهم يسمونه
التنعيم، لقولهم فيه نعم... قال الخليل: فرجعت بعد الحج فاحكمتها.
وبالحقيقة انهم كانوا يعتمدون على الحركات ، وهو ما يسمى عند السريان بالوزن
المزدوج (الافرامي ـ 7 حركات). وعند تقطيعها حسب الخليل نحصل على البحر
الطويل ( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن )
وهناك طريقــة ثانية25
يذكرها الباقلاني في كتابه (اعجاز القران) فيسميها " الميتر" اي القطع. وهناك
طريقة ثالثة في معرفة وزن البيت كاحتساب مقاطع البيت من حيث توازي الشطرين
وتساويهما بعقود الاصابع إسوة بالسريان و..
وهذا ما يؤكده ابن فارس26
في كتابه الصاحبي ص38:
(...
ان هذين العلمين ـ النحو والعروض ـ كانا قديما، واتت عليهما الايام وقلا في
ايدي الناس، ثم جددهما هذان الامامان " ابو اسود الدؤلي والخليل").
والان لو اجرينا دراسة على الشعر العربي قبل الخليل لوجدناه يتفق مع العروض
السريانية التي تتفق بدورها مع العروض الرافدينية، اكثر مما يتفق مع عروض
الخليل الصافية " اعني بعيدا عن الزواحف والعلل " بمعنى اخر ان نسبة الخطأ
تكون اقل بكثير مما هي في عروض الخليل فلنأخذ مثلا عينات من الشعر الجاهلي
لنرى مدى صحة القول27:
1-
معلقة امرئ القيس (500-540م)
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول
فحومل
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن
فعولن مفاعيلن فعول مفاعل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما
نسجتها من جنوب وشمال
فعول مفاعيلن فعولن مفاعلن
فعول مفاعيلن فعولن مفاعل
والتي صنفت ضمن البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)، الا انه يصعب
علينا الحصول على هذا البحر صافيا اي ان نسبة الخطأ فيه عاليا. اما اذا
وزنت على الابحر السريانية فنجدها موزونة على البحر الطويل اي(اربع عشرة
حركة) باستثناء بعض الاسطر التي جاءت مخالفة بحركة واحدة بسبب الروي كما
نجد في احد ابياته:
اذا ما بكى من خلفها انصرفت له
بشق وتحتي شقها لم يحول
فالشطر يتكون من (15) حركة، اما العجز فمن (14) حركة.
فلو حذفت (ما) من الشطر استقام الوزن
اذا بكى من خلفها انصرفت له
بشق وتحتي شقها لم يحول
2-
معلقة طرفة بن عبد (543-569م) والتي يقول فيها:
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
فعول مفاعيلن فعول مفاعل
فعول مفاعيلن فعولن مفاعل
وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون لا
تهلك اسى وتجلد
فعولن مفاعيلن فعول مفاعلن فعولن
مفاعيلن فعول مفاعل
والتي موزونة على البحر الطويل حسب اوزان الخليل الا اننا لم نجد البحر
صافيــا فأغلب الابيات تستخدم الزواحف والعلل، الا انها تحتوي على اربع
عشرة حركة ايضا باستثناء بعض الابيات وبسبب الروي ايضا.
3-
وهكذا الحال في معلقة زهير بن ابي سلمى (530-627م) اربعة عشر حركة وعمرو بن
كلثوم (توفي سنة 600م ) اثنتي عشرة حركة و معلقة لبيد (530-629م) التي تحوي
خمس عشرة حركة ومعلقة عنترة بن شداد (525-615م) اربع عشرة حركة، والحارث بن
حلزة (-580م) اثنتي عشرة حركة وعبيد بن الابرص (554م)عشر حركات، وفي هذه
المعلقات يكون الاضطراب في الوزن بنسبة اعلى من سابقتها.
ومن الملاحظ على هذه المعلقات وغيرها من الشعر الجاهلي ما يأتي:
1- لم تصل الينا مكتوبة بخطهم بل رويا مما تعرضت الى الكثير من الاضطرابات،
وكانت السبب في ادخال أو تعكز الخليل على مجموعة من الزحافات والعلل.
2- التزام الشعراء بعدد ثابت من الحركات واحيانا نجد تجاوزا وسببه الروي
3- كان اعتماد الناس في تقبل شعر هؤلاء الشعراء مبنيا على عدد الحروف
المتحركة في كل شطر والمحافظة على هذا الرقم في القصيدة ككل وليس على تماثل
الحروف المتحركة والساكنة كما هو في اوزان الخليل ولا سيما ان القصائد ذات
طابع غنائي. وعليه استطيع ان اقول ان اوزان الخليل لا بد من ان تكون دخيلة
على الادب العربي، وان تمسك الخليل ومن بعده من العروضيين بهذه التفاعيل
أفرز الكثير من المصطلحات والاختلافات بين ما هو موجود في الدوائر وما هو
في واقع الشعر العربي مما ادى الى تعكز هؤلاء العروضيين من خليل ومن بعده
على افتراض دخول بعض الزحافات والعلل اضافة الى افتراضهم ان يكون هذا البحر
مجزوءا" وجوبا او جوازا وما لا يدخله اصلا. خذ مثلا البحر السريع ووزنه
(مستفعلن مستفعلن مفعولات) ولم ينظم عليه شاعر عربي على هذا الشكل
28،
لان اكثر ما ورد من الاشعار كانت على وزن (مستفعلن مستفعلن فاعلن) أو
(مستفعلن مستفعلن فعلن) او (مستفعلن مستفعلن فاعلان).
وما بقي لدينا الا ان نطبق اوزان الخليل على الشعر السرياني عسى ان يكون
الخليل قد استفاد منها في وضع اوزانه الشعرية فنقول:
لو اخذنا مقطعا من قصيدة قورلونا (الذي عاش في اواسط القرن الرابع ومطلع
القـرن الخامس) التي موزونة على البحرالمتساوي (اربع حركات) من حيث الوزن
السرياني ونقطعها حسب اوزان الخليل نجد:
/5/ 5
/5/5 ها ديراثا
5 / 5 / 5 5/ 5 /5 شتىلن بارعا
/ 5 / 55 / 5 /5 دملين كورا
خذ مقطعا اخر من قصيدة بالاي (توفي بعد سنة 432م) وهي على البحر المتوسط (خمس
حركات) استنادا الى الشعر السرياني:
/5 /5 / 5 /5/ حائن لحطايى
/ 55 / 5 5/55 /5/5 5 حون لاخ بيوم ديناخ
نجد من الصعوبة جدا تطبيق اوزان الشعر الخليلي على الشعر السرياني وهكذا
الحال في الشعر العبري والفارسي والكردي والتركي، وقد اخطأ كل من اعتقد
خلاف ذلك.لاني اجدهم يستخدمون زواحف وعلل وتفاعيل لم يستخدمها حتى
الخليل.الا انه من السهل جدا اخضاع القصيدة العربية الى اوزان الشعر
السرياني وتعتبر الموشحات التي كثرت اراء القدامى والمحدثين والمستشرقين
حول منشئها، مثالا حيـا لهذا التقارب29.
وكذا الحال لو اجرينا مسحا للاغنية العربية الفلكلورية لنجدها موزونة على
الايقاع ( الحركات فقط) اسوةً بالشعر السرياني والعبري و … واغلبها تستخدم
الاوزان القصيرة ( 5 ، 6 ، 7 ) حركات . خذ مثلا الاغنية الشعبية للاطفال (
جاسم جسومي ) :
جاسم جَسومي
لا تأكُل نومي
نوميتَك وَسخة
أتوَسخ هدومي
جَتي زَهوري
كِسرَتِ القوري
نجد الاغنية موزونة على وزن بالاي (الخماسي ـ خمس حركات)
وكذا الحال في الاغنية (مطر مطر) وهي على وزن آسونا ( سداسي ـ ست حركات)
مُطَرْ مُطَرْ شاشَة
عَبر بَناتِ الباشَة
مُطر مُطَر عاصي
صولْ شَعَرْ راسيْ
وهكذا في الاغنية (مغَيزل) التي هي على البحر الافرامي ( سباعي ـ سبع حركات)
:
بيدي مغَيزِلْ فَريتَهْ
تَحتِ الشَجَرْ حَطيتهْ
بين الجَمَلْ والناكه
يَعصَيتنه التَفاكهْ
وأحيانا تكون الاغنية موزونة على اكثر من وزن أسوة بالشعر السرياني كما في
الاغنية ( طَلعَتْ الشُميسه ) التي يستخدم الشاعر الاوزان ( بالاي ، اسونا
، افرامي ) … الا انها من الصعوبة وزنها على البحور الفراهيدي .
كل هذا دليل على ان الشعر العربي في السابق ( قبل الخليل ) كان موزونا على
الشكل السرياني الا ان الخليل طوعه على الطريقة المسماة باسمه والتي حاكى
بها الوزن السنسكريتي
ُـــــــــــ
المقالة منشورة في مجلة الاديب العراقي العدد الاول /2005
ُُ
[1]
للمزيد راجع كتابنا (الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين السريانية
والعربية ) سنة 2000 وكتابنا الكيل الذهبي في الشعر السرياني 1988 لكاتب
المقال
(2)
تاريخ
الشعر العربي / نجيب محمد
(3)
تاريخ
الشعر العربي/ نجيب محمد
(8)
مجلة
افاق عربية -عدد 1- اذار /1978 ص78 / طه باقر
(9)
افاق عربية عدد1 -1978 / طه باقر
(10)
القسطاس المستقيم / الزمخشري
(11)
لم اجد هذه العبارة في النسخة التي اعتمدتها من كتاب البيروني
(12)
القسطاس المستقيم / الزمخشري
(13)
اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية / اقليمس يوسف
(14)
القسطاس المستقيم
(15)
القسطاس المستقيم
(16)
القسطاس
المستقيم
(17)
نظرية
الادب - الادب القصصي / اي.م. فيلينسكي
(
18)
افاق عربية / طه باقر
(19)
افاق عربية / طه باقر
(20)
افاق
عربية / طه باقر
21
موشحات
سليمان اولى الموشحات السريانة ص28 / افرام الدومنيكي
22
دروس
في اللغة العبرية / رمحي كمال
23
الاثر
العربي في الفكر اليهودي / د. ابراهيم موسى هنداوي
24
القسطاس
المستقيم
25
القسطاس
المستقيم
26
القسطاس
المستقيم
27
للمزيد
راجع الايقاع في الشعر ـ دراسة مقارنة بين السريانية والعربية
28
الايقاع
في الشعر العربي / مصطفى جمال الدين
29
للمزيد راجع مقالنا المنشور في مجلة بانيبال شباط/2004 اربيل |