عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

الآراميّون تاريخا ولغة وفنا

1- اقدم الوثائق التي تذكر اسم آرام فقد وردت في كتابة مسمارية ترجع الى عهد الملك الأكادي نارام سن (٢٢٧٠ - ٢٢٣٣) ق.م. تتحدث عن انتصار نارام سن على  "شيخ آرام" خرشامتكي وغيره .

2- اكشفت بمدينة خفاجة في العراق ثم وردت في كتابة اخرى تشير اللا مدينة او دويلة باسم آرام قرب مملكة اشتونا في جنوب العراق

3- عصر  سلالة أور الثالة (2050- 1950 ) لقد عثر في مدينة دريهم في العراق ، على وثائق تجارية تعود إلى هذا عهد، كان بيها وثيقة دون عليها اسم "آرامي" لمدينة أو اقليم ومؤ رخة في السنة 46 لحكم الملك شولجي (2093- 2046 ق.م .) ثاني ملوك سلالة أور الثالثة.

4- وبين الوثائق وثيقة اخرى من عهد المبك " شوسن" (2045- 2037 ق.م.) ذكر فيها رجب اسمه آراموا.

وثائق الآشورية

الملك الآشوري اريك - دين ايلو (1325- 1311 ق.م.) لمحاربتهم على حدود الدولة الآشورية لردهم عنها.

الملك الآشوري شلمناصر الاول ملك اثور بين 1276 - 1256  حارب ارامي بين دخلة والبليخ والفرات

وقد ذكر تغلات فلاصر الأول  يقول "لقد زحفت الى وسط الاحلامي الآراميين اعداء الاله اشور سيدي".(1112- 1074 ق.م.) فيها بعد انه حارب وطارد القبيلة الآرامية حيرانو على اواسط الفرات.

ويصف  تغلات فلاصر الأول  و خلفاؤه حملاتهم في مات آريمي Aat Arimi    او بلاد الآراميين (بابل الحديثا)

الملك الآشوري تجلات فلصر الأول ( 964- 933 ق.م.)  ماردين وسموها رادماتا.وكان نور هدد اقوى خصوم الآشورريين.

وفي حوليات الملك الآشوري آشور- ناصر بل الثاني (883-859 ق.م.) ذكرت لأول مرة اسم القبائل الكلدانية الآرامبة التي استوطنت الجزء الجنوبي من بلاد بابل.

ملك اشور المدعو هدد نيراري الثاني (912-891) فهاجم القبيلة الآرامية " تامانيتا" (تيمانيا) في منطق جبال طور عابدين

ملك اشوردان 922-910 حارب ارامي طور عبدين

معركة قرقر حارب فيها شلمناصر الثالث في عام 853 ق.م. تحالف الملوك الآراميين يضم عشر ملكاً يراسهم بنحدد

 نابوبولاصر ابو نبو جذ نصر 612  سقط دولة الآشورية

وثائق مصرية

وثائق مصرية التي تعود إلى عصر " امنوفس" الثالث (1403-1364 ق.م.)  تفيد أن الآراميين كانوا أيضاً في بلاد الشام  اكتشف عام 1964 في معبد الاموات العائد لهذا الفرعون. هنا وردت أول اشارة اليهم في الوثيق المصرية عللا انحو اتالي " الآراميون او بلاد الآراميين".

وهناك وثيقة مصرية أخرى تشير إلى تحضّر الآراميين، وهجرهم حياة البداوة، وسيادتهم على غيرهم  اذ ذكر في احد سجلات الحدود المصرية، ان " مرنبتح" (1223-1205 ق.م.) فرعون كان له معسكراً او معتقلاً في بلاد آرام.

وتعطي حوليات رعمسيس الثالث ( 1198 - 1167 التهجئة الارامية لاسم دمشق.

سفر التكوين

الآراميّون هم بنو آرام بن سام. وكانوا امَّة كبيرة مشهورة. مواطنهُم من اقدم الايام البلاد الفسيحة الارجاء التي توطنوها مع ابيهم قبل الجميع فتسّمت باسمهم: بلاد آرام او بلاد الآراميين.

 وهي المحدودة :

شرقاً ببلاد الفرس وغرباً البحر الابيض المتوسط.

شمالاً بيلاد الارمن و آسيا الصغرى وجنوباً بشبه جزيرة العرب .

فيكون من ضمنها بلادُ بابل واشور ومابين النهرين وبلاد الشام و لبنان. وكان للآراميين مالك كثيرة شديدة البأس عظيمة الصوله والشأن.

القرن الثالث عشر  وظهرت الدول الارامية الاولى في منطقة الفرات الاوسط ، وقد يميت احداها آرام النهرين.

ومن الدول الاخرى في مابين النهرين دولة فدان آرام

وكان اقدم ملوك صوبة حدد غزر (اي حدد عون) الذي ادى انتضار داود علية (نحو 1004 - 963.)

في الاسكندرية ، طلب الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس ( 323 ــ 285 ق. م ). من اليهود ان يترجموا كتاب المقدس من العبرية الى اليونانية، و هذا ما يعرف بالترجمة السبعينية. وقد ترجمت التسميات الارامية الى سريانية SYRIAN في اللغة اليونانية مثلا نعمان الارامي ترجم الى نعمان السرياني و اللغة الارامية الى اللغة لسريانية و اخيرا بلاد ارام الى بلاد سوريا SYRIA. كتب الجغرافي ARRIEN  في اواخر القرن الثاني ق.م.

من عهد قديم: وكانت عاصمتهم دمشق". دخل الآراميون سوريا في أواسط الألف الثانية قبل المسيح، وأسسوا ممالك ضخمة كدمشق وحماة، ومن أشهر ملوكهم (حزائيل) وابنه (بن هدد)، وأصبحت الآرامية لغة البلاد من ذلك الوقت إلى ما بعد الغزو العربي الإسلامي في القرن السابع بعد الميلاد. ويقول بعض المؤرخين:

 إن الاضطراب الذي كان في الجزيرة السورية بعد زوال الميتانيين قد مهد البلاد لظهور الدولة الآرامية، وكان الآراميون من القبائل السيارة في بادية الشام، واستطاع شيخ آرامي أن يبني دولة جديدة جعل قاعدتها عند ينابيع الخابور، واختار مدينة (تل حَلف) مقراً لها –وكانت عاصمة للسوباريين- فأعاد بناءها وسكنها، وهذا الملك الآرامي يدعى (كابارا بن قاديانو).

اقتبس الآراميون فنون السوباريين ومعتقداتهم، وظهر نشاطهم في البناء والاعمار، وأسسوا امارات لهم في أرجاء مختلفة، وبخاصة في سوريا الشمالية، وسادت لغتهم مناطق واسعة من الشرق، ودام ذلك الى ما بعد الغزو العربي بمدة طويلة، ثم سادت اللغة العربية. هاجم الملك الآشوري (تيغلات-فلاصر) الدولة الآرامية في القرن العاشر قبل الميلاد، ودمر قاعدتها (تل حلف) وطرد الآراميين من الخابور حتى كركميش (عاصمة الحثيين القديمة على مقربة من جرابلس الحالية). وتراجع الآشوريون، وعاد الآراميون إلى حكم المنطقة التي طردوا منها. وجاء في لوحات آشورية ذكر لدولة آرامية في الجزيرة العليا يحكمها أمير اسمه (أبي سَلمو) رئيس (جوزان)، وهو الاسم الذي أطلق في العهد الآشوري على بلاد الخابور.

وبعد انهيار الدولة الآشورية 612 ق م كانت الجزيرة السورية من نصيب الكلدانيين والماديين، ثم دخلت في حوزة الفرس زهاء قرنين (من القرن الخامس حتى الثالث قبل المسيح). فتمركز الآراميون في دمشق، وألفوا سلالة ملكية هي سلالة (عبدي عاشرتا) وابنه (عازيرو) التي وجدت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وحالفت فراعنة السلالة الثامنة عشرة، ثم امتدوا إلى الجنوب وألفوا مملكة عمون، ومملكة ايدوم، واستعمروا النقب، وأقاموا في حماة، واختلطوا في الشمال ببقايا الحثيين، وأنشأوا عدداً من الدول المتحالفة الصغرى. وصنع الآراميون الفن وسطاً بين الفن المصري وفن بلاد الرافدين وأغنوه ببراعتهم ومهارتهم ودقتهم. كانوا يعبدون الشمس والكواكب – ولاسيما المشتري والزهرة- ويبنون لها في الأماكن الشاهقة هياكل. وهم الذين عمروا وسكنوا قرى راشيا وحاصبيا والكفر وشعيث وبيت لهيا، وبيت كيفا، وكفر قوق، وبانياس، وبتيما، وحفر، وبقعسم، وشبعة، وعين عطا – وهاتان أعلى ما يسكن حول جبل الشيخ (حرمون). تعددت الممالك الآرامية في سوريا وكان منها: مملكة (دمشق الآرامية) وعاصمتها دمشق، ومملكة (آرام صوبة) في البقاع، ومملكة (بيت رحوب) على مجرى نهر الليطاني الأوسط، ومملكة (بيت معكة) في بانياس والجولان، ومملكة (جشور) بين اليرموك ودمشق.

 

اللغة الآرامية لغة سامية ، انتشرت في عهد البابليين والفرس، وظلت من قبل الميلاد بستة قرون إلى ما بعده بسبعة قرون لغة الشرق الأوسط. ورغم أن اللغة اللاتينية قد انتشرت في سورية في العهد الروماني، ومن قبلها اللغة اليونانية –فكانتا اللغتين الرسميتين في البلاد- الا أن اللغة الآرامية قد ظلت لغة العامة إلى ما بعد الغزوالعربي حين تقلصت وحلت محلها اللغة العربية. وتفرعت من اللغة الآرامية عدة لهجات، منها "السريانية الطقسية" التي لا تزال آثارها باقية عند الموارنة والسريان والكلدان، ومنها لهجة بعض القرى السورية (معلولا، بخعة، جبعدين)، والسريانية بلهجتيها الشرقية والغربية في شمال العراق والجزيرة. وقد كانت الآرامية لغة السيد المسيح.

 

الممالك الآرامية

 

وصل الآراميون في أواخر النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. كقبائل تدعى «أحلامو» قد تحدّثت عنها نصوص مدينة ماري، في نحو القرن الثامن عشر قبل الميلاد، كما ذكرت النصوص الآشورية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد والمعارك التي خاضها الآشوريون ضد هذه الجماعات عرفت باسم «أحلامي آراميا» وكانت أشهر تلك المعارك التي جرت في مناطق جبل البشرّي وتدمر. واستقرّ الآراميون في حوض البليخ؛ فعرفت منطقتهم باسم «آرام نهاريم» حول مدينة «حرّان» بين نهري الفرات والخابور.


لقد تأثر تاريخ المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة المنطقة، كما تأثرت حضارات كثيرة بسقوط دولة الميتانيين، واكتشاف الحديد وحسن استخدامه في ميادين الصناعة والحرب، واجتياح «شعوب البحر» الساحل الشرقي للبحر المتوسط حتى حدود مصر، وتمزّق الإمبراطوريتين البيزنطية والحثية إلى دويلات وإمارات، واستقرار الفلسطينيين في بلاد كنعان، فتشكلت ممالك الآراميين في سوريا، وأفادت من طرق القوافل، ونجحت في إيصال أحد قادتها «أدد ـ آفال ـ إدين» إلى
عرش بابل. وظهرت ممالك الآراميين كقوة عسكرية لها أهميتها في المنطقة، وكمراكز اقتصادية وثقافية، تركت طابعها الحضاري عبر العصور.

 

 وكان أشهر هذه الممالك الآرامية:

 

ـ في الشمال


ـ مملكة بيت عديني: عاصمتها «تل برسيب/تل أحمر حالياً»، امتدّت شرقاً حتى نهاية البليخ.


ـ مملكة بيت بحياني: عاصمتها «غوزانا/تل حلف حالياً» قرب رأس العين على نهر الخابور.


ـ وفي شرق الخابور الأعلى، أسست القبيلة الآرامية «تيمانيا» عند رأس العين ثلاث إمارات هي:


ـ نصيبين وحوريزانا وجيدارا.

ـ وفي شرقها استقرت قبائل سوهو الآرامية في حوض الفرات من «عانة» حتى «ربيقو».


ـ وفي جهة الغرب منها، تمكن الآراميون من تأسيس:


ـ إمارة بيت أجوشي، التي كانت تضم حلب و«أرفاد/تل رفعت حالياً»، وكانت مجاورة لمملكة بيت عديني.


ـ مملكة شمأل/زنجرلي حالياً عند جبال الأمانوس.

 

ـ وفي وسط البلاد

 

ـ مملكة حماة التي عثر فيها على آثار آرامية.


ـ وفي جنوبي العاصي والليطاني:


ـ مملكة آرام صوبا في البقاع.


ـ مملكة آرام بيت رحوب، تقع جنوبي مملكة آرام صوبا، عند منعطف نهر الليطاني.


ـ مملكة أرام معكة، كانت تشمل مقاطعة «دان/تل القاضي حالياً» في الجولان.


ـ مملكة آرام دمشق: أصبحت زعيمة الممالك الآرامية منذ أسسها القائد الآرامي «رزون بن اليدع» حتى سقوطها في عهد آخر ملوكها «رصين» بيد تغلات فلاسرالاشوري. وإن زعامة مملكة دمشق تفسِّر تسمية ملكها باسم «ملك آرام»، وتوضِّح أسباب اكتشاف نصب ملقارت، الذي نقشت عليه كتابة آرامية، تتضمَّن اسم ملك دمشق «بر حدد» في المنطقة الشمالية.

ـ مملكة جشور، بين نهر اليرموك ودمشق.

يُفسر تأسيس الممالك الآرامية في المناطق المختلفة من سوريا، تسمية سوريا قديماً في ذلك العصر باسم «بلاد آرام»، كما أن اهتمام كثير من الباحثين بدراسة الفن الآرامي، أسهم في إغناء المعلومات عن فن الآراميين في المواقع الأثرية المختلفة ونخص بالذكر منها مايلي:

ـ غوزانا/تل حلف حالياً، عند رأس العين، على نهر الخابور. أظهرت التنقيبات الأثرية في هذا الموقع حصناً كبيراً مؤلفاً من معبد وقصر.

ـ شمآل/زنجرلي حالياً: أظهر التنقيب الأثري آثاراً تعود إلى مبنى واحد.


ـ دمشق: حافظ مكان معبد «حدد الآرامي» على قداسته عبر العصور. وقد عثر في أحد أساسات المبنى على
منحوتة بازلتية آرامية، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنح.


ـ قلعة حلب: عُثر فيها على منحوتة بازلتية، تمثل كائنين مجنحين متقابلين ومتماثلين.


ـ
عين دارا: يبعد هذا الموقع الأثري عن أرفاد/تل رفعت حالياً، مسافة نحو أربعين كيلومتراً، وقد أظهرت التنقيبات فيه معبداً هاماً وتمثال أسد بازلتي.


ـ صرين: قرب عين العرب، عُثر في هذا الموقع على نصب يمثل مشهد عربة يقودها رجلان، ونصب آخر نقش عليه رمز رب القمر «سين»، الذي اشتهرت حران وغيرها بعبادته. ويتألف هذا الرمز من هلال فوق رمز الرب مردوخ، كما عثر على تمثال بازلتي ضخم، ارتفاعه 194سم وعرضه 47سم لأمير آرامي، يرتدي ثوباً طويلاً يتوسطه حزام، ويتدلى من الحزام سيف، ويحمل الأمير بيمناه عصا طويلة (الصولجان).

ـ تل النيرب: يقع جنوب شرقي حلب، ويبعد عنها 6كم، عثر فيه على نصب يمثل سادناً جالساً خلف مائدة وليمة جنائزية، يحمل بيمناه كأساً، وأمامه خادمه، وفي أعلى النصب كتابة آرامية تتضمَّن اسم «اجبار» سادن رب القمر في حران والنيرب، وأسماء أخرى لآلهة (مثل شمس ونرجال). ويعود هذا النصب إلى نحو 730ق.م، كما عُثِر على نصب آخر يمثل السادن «سن ـ زر ـ ابني»، يقف رافعاً إحدى يديه، ويحمل بالأخرى منديلاً وقد نُقشت كتابة آرامية تحت قوس هذا النصب. وتميّزت عمارة الآراميين بواجهة قائمة فوق أعمدة، وتقع خلفها قاعة رئيسة لها شكل مستطيل. وتدل النصوص التاريخية على مدى اهتمام قدماء العموريين بفن العمارة العسكرية والدينية والمدنية، ويستنتج الباحثون تأثر الآراميين بالتراث المعماري المحلّي، وحسن إفادتهم منه واعتمادهم عليه في إقامة منشآتهم المعمارية. وأبدع النحاتون الآراميون روائعهم النحتية، ويلاحظ أن مادة الحجر البازلتي البركاني لم تساعدهم أحياناً في إبراز التفاصيل بدقة، مما جعل بعض منحوتاتهم يسودها طابع الخشونة. ورأى بعض الباحثين في عدد من المنحوتات الآرامية تأثيراً من الفن الحثي الجديد وغيره. ومن أشهر الروائع النحتية الآرامية هي:


ـ تماثيل وأنصاب آلهة: مثل منحوتة تمثل الرب «ملقارت»، ونقش على هذا النصب كتابة تذكارية تاريخية، تتضمن اسم «بر حدد» ملك دمشق، الذي أقام هذا النصب للرب «ملقارت» الذي استجاب لندائه.


ـ تماثيل أمراء: مثل تمثال أمير من «صرين» قرب عين العرب، تمثال أمير من «عين التل» وتمثال ملك واقف، نقشت على ثوبه كتابة مسمارية وابجديةآرامية.


ـ تماثيل أسود: مثل تمثال أسد مكتشف في «عين دارا».

ـ كائنات خيالية: مثل منحوتة مكتشف في أحد أساسات مبنى الجامع الأموي في دمشق، تمثل كائناً له رأس إنسان يعلوه تاج، وله جسم سبع مجنّح.


ـ مواضيع من الحياة اليومية: مثل مشهد صيد، عربة يقودها رجلان.


ـ رموز: مثل رب القمر «سين». وهناك مجسّمات الألواح، التي تغطّي جدران المباني في مداخل المدن والقلاع.


ـ وتجدر الإشارة إلى القطع العاجية، التي كانت تزيّن عرش ملك دمشق «بر حدد»، وقد استولى عليها ملك الآشوريين تغلات فلاسر، الذي استطاع أن يقضي على مملكة دمشق الآرامية عام 732ق.م، ويعود منها بغنائم من روائع المنحوتات العاجية، التي تمثل مواضيع مختلفة مثل: وجه حسناء تجسّد الرّوح وتطلّ على
عالم الأحياء، ومشهد بقرة ترضع عجلها... وهناك الكتابة المسمارية والكتابة الأبجدية الآرامية، المنقوشتان على ثوب تمثال ملك من حجر البازلت، اكتشف جنوب شرقي تل فخيرية جنوب رأس العين، وتتضمّنان اسم «سيكاتي» حاضرة مملكة «غوزانا». وهناك أيضاً المعاهدة الآرامية المنقوشة كتابتها على حجر البازلت البركاني، وكانت قد اكتشفت في قناة سجين، فنقلت إلى قرية «سفيرة» قرب حلب، وهي محفوظة حالياً في المتحف الوطني بدمشق. ويعتبر نص هذه المعاهدة أقدم وثيقة تتضمن كتابة باللغة الآرامية، وتدل حروفها عل مدى تشابهها مع الحروف الفينيقية، ومدى العناية بحسن كتابتها ونقشها، وهي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وتتضمن اسم «برغايا» ملك كيتاك، و«متعال» ملك أرفاد/تل رفعت حالياً، الذي كان خصم الملك الآشوري تغلات فلاسر الثالث. وقد جاء في نص المعاهدة عبارات تتضمن الخطر، الذي يهدّد «متعال» ومملكته فيما إذا نقض عهده. وهناك روائع الصناعات الفنية والفنون الصناعية، مثل صناعة الأواني الفخارية الجميلة المختلفة.

دمشق في العصر الآرامي

 الذي قال: دمشق أقدم مدينة في التاريخ، أراد، ضمناً، دمشق مدينة قديمة في المشرق، مثل حلب و يبرود، وجبلا (بيبلوس) و أريحا. أن أقدم ذكر لدمشق يعود إلى القرن الخامس عشر ق.م. حيث بدأت حركة القبائل الآرامية في بلاد الشام، عند منتصف الألف الثاني ق.م. وجاءت أول إشارة إلى وجودهم في بلاد الشام الجنوبية من ثبت أسماء الأمكنة الذي يعود إلى عهد الفرعون أمانوفس الثالث «1403-1205ق.م» ذُكِر أنه كانت لهذا الفرعون مدينة في بلاد آرام، ونحن لا نستبعد أن يكون المقصود من بلاد آرام  مملكة دمشق الآرامية لأن نفوذ الفرعون مرنبتح لم يتعدَّ منطقة دمشق شمالاً، ولأن ملوك دمشق الآراميين كانوا قد لقبوا أنفسهم بلقب ملك آرام. وأنَّ هذه الإشارات إلى الآراميين، والتي تشابه تلك الإشارات إليهم في الكتابات الأكادية والبابلية والحثية من الألف الثاني ق.م. ما هي إلاّ شواهد على استقرار الآراميين في بلاد الشام الجنوبية، وانتشارهم في ربوعها، في النصف الثاني من الألف الثاني ق.م.


استقرت القبائل الآرامية في سهل الحولة و
الجولان وعلى ضفاف اليرموك وبينه وبين نهر الزرقاء، وفي حوران وجبها، وفي البقاع وسلسلة جبال لبنان الشرقية، ومناطق القلمون ودمشق وغوطتها، وأسست ممالك وإمارات ومشيخات أبرزها:


ـ بيت رحوب: التي امتدت ربوعها بين نهري الزرقاء في الجنوب واليرموك في الشمال.


ـ قبيلة طوبة: وانتشرت منازلها إلى الشرق من بيت رحوب، وعلى الأرجح في المناطق المجاورة لمدينة الزرقاء الأردنية.


ـ قبيلة جيشور: في الحولة وعلى جانبي نهر الأردن والجولان.


ـ قبيلة معكة: على سفوح جبل الشيخ الجنوبية والغربية وفي البقاع الجنوبي.


ـ قبيلة صوبة: كانت أقوى قبائل الجنوب، وانتشرت في البقاع وسلسلة جبال لبنان الشرقية وغوطة دمشق وحوران. وكانت لها السيادة على قبائل الجنوب، وقد جاء في سفر صموئيل الأول 14: 47 أنّ ملوك صوبة قد دخلوا في نزاع مع صموئيل، وتدل عبارة «ملوك صوبة» أنَّ هذه البلاد كانت منقسمة إلى ممالك عديدة، كانت أقواها مملكة صوبة التي دخلت في صراع مع داوود، وكان ملكها هدد عزر بن رحوب (صموئيل الثاني 8: 3). يبدو أنَّ هدد عزر هو من بيت رحوب وأن رحوب ليس بالضرورة هو والد هدد عزر، بل هو شيخ قبيلة بيت رحوب، التي ينتسب أفرادها إلى هذا البيت، فهدد عزر ظهر في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، أمّا رحوب فقد عاش قبل ذلك بعشرات السنين.
والواقع أنَّ كتاب العهد القديم قد اعتبر بيت رحوب وصوبة قبيلة واحدة هَبّتا معاً لنصرة بني عمّون على داوود، وناصرهم آراميو طوبة ومعكة. ونحن لا نشك أنَّ هدد عزر الذي كان الملك الأقوى في الجنوب في القرن الحادي عشر قبل الميلاد، كان قد عمل على لمّ الآراميين وجمع شملهم حسب ما نستنتجه من إشارة وردت في حوليات الملك الآشوري شلمانوا شيرد (سلمانصر الثالث 858-824ق.م)، ففي معرض وصفه للأحداث التي وقعت في عهود أسلافه ذكر أن مدينة بيترو، على الضفة اليمنى لنهر الفرات، قرب مصب نهر الساجور، كانت قد سقطت في أيدي ملك آرام إبّان عهد الملك الآشوري آشور ربي الثاني 1012-972ق.م. وبما أنّ هدد عزر قد عاش في هذه الحقبة، وهو الوحيد الذي لقّب نفسه ملك آرام لا نستبعد أن يكون هو المشار إليه في حوليات سلمانصر. وإذا صحّ ذلك لابدّ أنه وصل إلى هناك لتوحيد الآراميين وتخليصهم من السيطرة الآشورية. ومما يعزز وجهة نظرنا هذه أنَّ برهدد الأول هذا قد أوعز بإقامة نصب للرب مقلرت عثر عليه في قرية البريج بجوار حلب. ولهذا النصب أهمية خاصة، فقد ورد بالنص المنقوش في النصب تحت صورة الرب جملة هدد عزر ملك آرام ويتضح من هذه الجملة أنَّ نفوذ برهدد قد وصل إلى هناك. والواقع أنَّ ملقرت هو رب المدن الساحلية صيدا وصور وهو على الأرجح اسم للرب هدد كاسم بعل. وقد يكون غرض برهدد من هذا تمتين أواصر الصداقة مع صيدا وصور. وفي عهد هذا الملك كانت دمشق تابعة له ولم تكن عاصمة ملكه. ويجب ألاّ نندهش من ذلك، فالآراميون لم يتخذوا من المدن الكنعانية الرئيسية عواصم لهم، بل جعلوا من مدن أخرى ذات مواقع استراتيجية هامة عواصم لهم مثل جوزن قرب رأس العين، وتل برسيب على ضفة الفرات اليسرى.. إلخ، وحينما تمرد قائد هدد عزر: رزون بن إيل يدع على سيده واغتصب السلطة منه اتَّخذ من دمشق عاصمة له، وأصبحت دمشق حاضرة آراميي الجنوب. وفي عهده، أي في الربع الأخير من القرن العاشر ق.م، استتب الأمن وقويت المملكة وأصبحت سيدة بلاد الشام الجنوبية بلا منافس، وسارت في ركابها الممالك الأخرى. والواقع أننا لا نعرف شيئاً عن رزون بن إيل يدع إلا تلك العبارة الغامضة التي وردت في (سفر الملوك الأول 11:23-25) حيث قيل أن رزون قد أقامه الله خصماً لسليمان بعد أن فعل الشر في عيون الرب. ونرجح أن إيل يدع كان من أفراد الأسرة الحاكمة في دمشق، وكان تابعاً لهدد عزر ملك صوبة، ثم حل محله وقاد الآراميين بدلاً عنه، ونعتبره مؤسس مملكة دمشق الآرامية القوية، وريثة مملكة صوبة، وقد حكم في النصف الثاني من القرن العاشر قبل الميلاد. جاء بعد رزون الملك طبرمان، الذي لا نعرف عنه شيئاً، وقد خلفه على عرش دمشق ولده هدد عزر الثاني، الذي عاصر سلمانصر الثالث ملك آشور. سار سلمانصر الثالث على نهج أسلافه في محاربة الآراميين. فقضى على مملكة بيت عديني، التي امتدت أراضيها على ضفاف الفرات من مصب نهر الساجور وحتى دير الزور، وكانت عاصمتها تل برسيب، وهي تل أحمر الآن، على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وقد حولها سلمانصر إلى حصن له أسماه «كارشلمانو اشيرد أي حصن سلمانصر»، انطلق منه إلى محاربة الممالك الآرامية في بلاد الشام. ففي عام 853ق.م، زحف بجيشه على بلاد الشام، بعد أن اجتاز الفرات غرباً، وكان له بالمرصاد هدد عزر الثاني، الذي جمع حوله ممالك بلاد الشام الجنوبية، وبَدْوها ، وممالك الساحل الشامي من صور في الجنوب وحتى سيانو شرقي مدينة جبلة في الشمال ومملكة حماه وأمير قوية في كيليكية وأمير مصر في منطقة الروج. زحف الجمع كله لملاقاة الجيش الآشوري. والتقى المتحاربان في قرقور جنوبي جسر الشغور، وحدثت المعركة التي وصلتنا أخبارها من الطرف الآشوري فقط. وحسب الرواية الآشورية كان جيش سلمانصر هو المنتصر، والتحالف الآرامي هو المنهزم.

والواقع أنَّ الأحداث التي وقعت بعد انتهاء المعركة تدعونا أن نرجح بأن القتال بين الطرفين قد توقف من غير أن يكون هناك طرف غالب وآخر مغلوب. فسلمانصر عاد إلى آشور بعد توقف القتال، ولم يطارد الآراميين المهزومين، حسب عادته، ولم يأسر ملكاًَ أو قائداً منهم، ولم يذكر شيئاً عن الغنائم. فلو كان منتصراً للاحقهم، وشتت شملهم، واستولى على ممالكهم واستراح من محاربتهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ سلمانصر عاد لمحاربة الآراميين وذلك في عام 849 ق.م، حينما قصد حماه، وقبل أن يصلها، تصدى له التحالف السابق، بقيادة هدد عزر الثاني ملك دمشق، وأرخوليني ملك حماه، وفي هذه المرة ادعى الآشوريون النصر. وبعد فترة عاود سلمانصر الهجوم مرتين الأولى عام /848 ق.م/ والثانية عام /845 ق.م/، وفي كلتا المرتين تلقته الجيوش الآرامية بقيادة هدد عزر وأرخوليني ولكنها انهزمت أمامه، حسب الرواية الآشورية.

وكما في المرّات السابقة، لم يطارد الجيش الآشوري الجيوش الآرامية المهزومة، ولم يحتل أية مدينة من مدن الآراميين، ولم يخلع أي ملك منهم، وينصّب آخر موالٍ له مكانه، جرياً على عادة الآشوريين في مثل هذه الأحوال. وهذا ما يشير إلى قوة التحالف وصموده أمام الآشوريين.

لقد تميز عهد برهدد الذي وقع في النصف الأول من القرن التاسع ق.م بمقاومته العنيفة للآشوريين وبتضامن جيرانه معه. فالمناطق التي اتحدت معه امتدت من كيليكية في الشمال وحتى عمّون/عمّان في الجنوب، ولم يخل عهده، مثلما لم يخل عهد أقرانه الملوك من حركات سياسية معادية، فتمرد عليه رجل يدعى خزه إيل، اغتاله وهو مريض على فراش الموت حسب رواية (سفر الملوك الثاني 8:7-15)، وجلس مكانه على عرش آرام في دمشق حوالي عام 843ق.م وسلمانصر الثالث كان لا يزال ملكاً على آشور حاقداً على آراميي بلاد الشام يتحين الفرص للانقضاض عليهم. كان لهذا الحدث الذي نتج عنه وصول خزه إيل إلى الحكم أن انفرط عقد الآراميين وتفككت ممالكهم وأصبحت كل مملكة تقاتل الآشوريين بمفردها. استغل سلمانصر هذه الفرصة، فزحف نحو دمشق من غير أن يعترضه أحد وهو في طريقه إليها من الفرات وحتى دمشق، حيث جمع خزه إيل قواته وتصدى للآشوريين خارج المدينة. وتروي الوثائق الآشورية أن خزه إيل قد فر من أرض المعركة ونجا بنفسه مع ما تبقى من قواته وتحصن في جبل سانيرو أي جبل حرمون. لم تدخل القوات الآشورية المدينة، بل زحفت نحو جبل حوران فدمرت وأحرقت العديد من المدن ثم اتجهت صوب فلسطين فعبرتها حتى بعلي رأشي أي رأس الناقورة.

ولزحف الجيش الآشوري نحو حوران وتدميره المدن فيها له مغزاه كما سنرى فيما بعد. ومما سبق يمكننا القول أن الآشوريين لم يحققوا في عهد سلمانصر الثالث ولا طيلة القرن التاسع ق.م أية مكاسب في بلاد الشام على الرغم من الحملات القوية المتكررة التي جردها وقادها سلمانصر ضدهم. ويعود الفضل في ذلك إلى حنكة ملكي دمشق هدد عزر الثاني وخزه إيل وقدرتهما على جمع الآراميين حولهما. علماً أن خزه إيل كان مغتصباً للعرش وكان له أعداء بلا شك.

بعد وفاة خزه إيل حوالي عام 803ق.م خلفه ولده برهدد الثالث على عرش دمشق. وعنه تحدث كتاب العهد القديم في سفر الملوك الثاني وتحدثت بعض الوثائق الآشورية في عهد هدد نيراري الثالث (809-782ق.م) ونصب ذكير ملك حماه، يخبرنا النص المنقوش في نصب ذكير ملك حماه الذي عثر عليه عام 1903 في قرية آفس شمالي سراقب عن حدث هام جداً كان الفاعل فيه برهدد الثالث. النصب محفوظ في متحف اللوفر في باريس، وقد نذره ذكير ملك حماه ولعش للرب الويّر حامي مدينة لعش، ويفيد النص أن برهدد وجيوشه وستة عشر ملكاً أو سبعة عشر تحالفوا معه نعرف منهم برجوس/برجش ملك بيت آحوش وجيشه، ملك قوية في كيليكية وجيشه. وملك عَمْق (في سهل العَمْق) وجيشه، ملك جرجم وجيشه، جرجم عاصمتها مرعش)، ملك شمال وجيشه (كانت مملكة شمال في حوض نهر الأسود وعلى السفوح الشرقية لجبال الأمانوس) وملك ميلز أي ملاطية وغيرهم قد حاصروا مدينة خزرك عاصمة لعش حصاراً شديداً ثم ما لبثوا أن تراجعوا عنها وذلك بعون بعل شمين سيد السماوات الذي هو الرب هدد، وبذلك يكون ذكير قد انتصر على هذا التحالف بعون الرب. في الواقع لا نجد في النص المشوه ما يشير إلى سبب الخلاف بين برهدد وذكير، وقبل أن ندخل في التفاصيل نشير إلى أن هذا التحالف كان على غرار تحالف برهدد الثاني مع ملوك بلاد الشام ضد الآشوريين، والفرق بين التحالفين أن هذا التحالف قد وجه ضد ملك حماه ولعش وليس ضد الآشوريين.

وحتى نتعرف على السبب نشير إلى أن أحداً من ملوك حماه لم يلقب نفسه بلقب ملك حماه ولعش، فقط ذكير كان صاحب هذا اللقب، وربما أن ذكير كان من لعش وكانت لعش تابعة لحماه فاغتصب عرش حماه، واتخذ لنفسه هذا اللقب المزدوج ليشير إلى أصله، وهو بذلك يكون قد فعل ما فعله رزون وخزه إيل في دمشق. وإذا كان هذا هو الواقع فمن المرجّح أن اغتصاب عرش حماه من قبل ذكير قد أثار برهدد ملك دمشق الذي سارع لمحاربة ذكير وحشد له ممالك حثية وآرامية، ومما يلفت النظر أن الممالك الحثية والممالك الآرامية إلى الشمال من حماه قد ذكرت بالاسم بينما لم تذكر ممالك بلاد الشام الجنوبية بالاسم بل اكتفى النص بإجمالهم سوية تحت الرقم 7 ومرد ذلك على ما نعتقد أن ثلث الممالك كانت تابعة لبرهدد أو تنضوي تحت لوائه، زد على ذلك أن برهدد قد لُقب بملك آرام وهو اللقب الذي احتفظ به ملوك دمشق الآراميون جميعهم. بعد وفاة برهدد الثالث تبعه خديانو الذي نعرف اسمه فقط ويبدو أنه قد حكم في السنوات التي سبقت عام 745ق.م أي العام الذي اعتلى فيه الملك تجلات فلصر الثالث عرش آشور واستمر حكمه حتى عام 727ق.م. كان تجلات فلصر أقسى ملوك آشور محباً للحروب وخراب الديار، فقد قصد دمشق عام 832ق.م وكان ملكها رضيان فحاصرها حتى سقطت. وهكذا زالت مملكة دمشق الآرامية التي نستطيع تحديد رقعتها ونظام الحكم فيها على ضوء ما ذكرناه من أخبار بحيث نستفيد من أسماء الأمكنة الذي ذكرت في حوليات الملوك الآشوريين وهي: جبل سايزو الذي هو جبل الشيخ. بعض المدن الهامة التي دمرها سلمانصر في حوران وجبلها مثل الدينبة/الذينبة بجوار إزرع وملح إلى الشرق من صلخد، إن هذه المناطق كانت تابعة لمملكة دمشق الآرامية.

ويستفاد أيضاً من الإجراءات التي اتخذها تجلات فلصر عام 732ق.م حيث قسم مملكة دمشق الآرامية إلى ست عشرة ولاية نعرف منها صوفيني/صوبيني أي صوبا في سلسلة جبال لبنان الشرقية، منصوتا وشملت البقاع بأكمله، قرنيم ومركزها قرنيم وهي الآن قرية الشيخ سعد جنوب مدينة نوى في حوران وتضم أراضي محافظتي السويداء وحوران وذكرت فيها المتونة على أطراف اللجاة الشرقية شمالي شهبا وكذلك البثينة إلى الشرق من المتونة حيث الجولان المعروف لدينا جميعاً.

ويستفاد من كل هذا أن مملكة دمشق قد ضمت البقاع وسلسلة جبال لبنان إلى الشرق منه وامتدت شرقاً إلى البادية وجنوباً إلى حوران وغرباً إلى الجولان.

في هذه الرقعة انتشرت قبائل آرامية وإذا أضفنا إلى ذلك أن ملوك دمشق ما كانوا من دمشق ذاتها بل كان هدد عزر من رحوب وخزه إيل من باشان، جاز لنا أن نفترض أن مملكة دمشق الآرامية كانت مملكة اتحادية تضم قبائل يحكمها شيوخ يتبعون الملك.

أن النصوص الآشورية من القرنين التاسع والثامن ق.م كانت قد وصفت منطقة دمشق بالعبارة التالية: «مات حمير شو»، أو «مات شاحمير شو» أي بلاد الحمير. نالت هذه الظاهرة ما تستحقه من دراسة وتحليل وأدلى عدد لابأس به من الباحثين برأيه حولها وانطلق بعضهم من فرضية وجود علاقة بين «مات حمير شو»، ودمشق أي أن دمشق كانت عاصمة بلاد «مات شاحمير شو» كما نستنتج من النصوص الآشورية، إذ نرى أن الملك الآشوري سلمانصر الثالث قد نسب خزه إيل مرة إلى بلاد الحمير، وأخرى إلى دمشق عاصمة ملكه، أما في عصر هدد نيراري الثالث 811- 781ق.م فنجد العبارة التالية: «لقد ذهبت إلى بلاد الحمير ومرئي ملك بلاد الحمير حاصرته في دمشق عاصمة ملكه» ويتضح من هذا أن بلاد الحمير كانت في منطقة دمشق وعلينا أن نتحرى سبب هذه التسمية. افترض بعض الباحثين أن جملة شاحمير شو ما هي إلا الترجمة الآشورية المغلوطة لاسم دمشق. فحرف «د» من دمشق هو اسم الإشارة ذو ويقابل شا الأكادية، وهذا صحيح إنما المشكلة هي في التطابق بين مشق وحمير شو، ولحل هذا اللغز قال الباحث الشهير شبايسر ما يلي: أن مسق هي من الفعل سقى وأن الحمير كانت تستخدم في تحريك غرافات المياه للسقاية، ولما سمعه الآشوريون فهموا المعنى غلطاً واستخدموا كلمة حمير للدلالة على السقاية. إن مثل هذا الرأي لا يأخذ بعين الاعتبار القرابة بين الآشورية والآرامية لذا تعرض لنقد شديد وبالتالي للرفض. إلى جانب هذا الرأي يوجد رأي آخر يعتمد في تحليله لهذه الجملة (مات شاحمير شو) على ترتيب مقاطع الكلمة. لجملة شاحمير شو كانت تُكتب مقطعياً شا-ح-ما-ري-شو. وقد أراد الآشوريون بها كتابة بلاد آرام فأخطؤوا بترتيب المقاطع. لم يكن هذا الرأي مقبولاً أيضاً، فالغلط هنا فاحش والتحوير جذري يُفترض ألا يقوم به آشوري لهجته ابنة اللغة الآرامية التي عرفها الآشوريون عن كثب باختلاطهم الكثيف بالآراميين وتعلمهم للكتابة الآرامية. والرأي المقبول في هذا الصدد هو الذي يرى في هذه الجملة صورة عن حياة السكان في مملكة دمشق الذين كانوا يستخدمون نوعاً من الحمير الجيدة «حسب الروايات القديمة» في القوافل. فالحمار قبل الجمل كان واسطة النقل الوحيدة والفعّالة في البلاد، يتسابق لاقتنائه التجار وغيرهم ويُعْرض في الأسواق لهذه الغاية. والحق يقال أن دمشق كانت ملتقى طريقين تجاريين هامين يربطانها بفلسطين وشرقي الأردن ومصر والبحر الأحمر، ومنها يذهب طريق إلى تدمر ثم إلى الجزيرة، وآخر إلى قادش وحماه وحلب ثم الأناضول. والقوافل التي كانت تستخدم هذه الطرق اتخذت الحمير وسائطاً لها وربما أراد الآشوريون أن يكنَّوا في هذه العبارة أو شبه الجملة عن كثرة هذه قوافل التي كانت تحط بدمشق أو تمرّ بها أو تذهب منها.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها