عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
الأب المؤرخ ألبير أبونا  

تأليف الأب البير أبونا

أستاذ اللغة الآرامية وآدابها في معهد مار يوحنا الحبيب.

الموصل الطبعة الأولى – بيروت-1970


ترجمات الكتاب المقدس

لقد تطرقنا الى أدب اللغة الآرامية في نشأته وتطوره، ورأينا انه في الدور الانتقالي خُلد في بعض كتابات القبور أو رسائل نصحية كتبت في صدر التاريخ المسيحي  أو في عهد يسبقه بقليل. و هذه كلها سوابق للغة الآرامية الحديثة التي حفظتها لنا بعض نسخ من الكتاب المقدس. فأقدم أثر للأدب الآرامي المسيحي هو بلا شك ترجمة العهد القديم التي ترتقي الى عهد انتشار المسيحية في ما بين النهرين، أي الى حوالى منتصف القرن الثاني الميلادي. ومن المحتمل أن تكون هذه الترجمة قد أجريت في الرها نفسها. ويظهر ان برديصان كان مطلعاً عليها في نهاية القرن الثاني الميلادي. وقد قام بهذه الترجمة مؤلفون عديدون، وأجريت على النص العبراني ومن الأرجح انها من عمل يهود متنصرين. وزعم البعض ان الأسفار الأولى من هذه للترجمة نقلت من العبرية إلى الآرامية في عهد سليمان بن داود الملك وحيرام صاحب صور، وذهب البعض الآخر ان ناقلها هو آسا الكاهن اليهودي، وقال الآخرون انها نقلت في اورشليم بأمر أبجر الملك الرهاوي ومار ادي الرسول. وهذه كلها آراء مردودة.

وبالاضافة إلى ما جاء من نصوص هذه الترجمة القديمة في كتابات الآباء فهناك مخطوطتان آراميتان تحفظان لنا  شيئا من هذه الترجمة وهما المخطوطة السريانية السينائية التي ترقى الى القرن الرابع (43)، والمخطوطة السريانية الكيورتنية التي ترقى إلى القرن الخامس (44). ويظن العلماء ان ططيانس استفاد من هذه الترجمة الأولى لوضع انجيله الموحد المسمى "دياطسرون" الذي كتبه أولا باليونانية في نحو سنة 170م، ثم نقل إلى الآرامية، وقد يكون ططيانس نفسه الذي قام بهذه الترجمة. غير انه لم يعثر في النص الاول للدياطسرون إلا على ورقة من الرق اكتشفت سنة 1930 في دورا اوريوس" على نهر الفرات وتشمل الورقة على 14 سطراً من الانجيل المختلط باللغة اليونانية يرجع الباحثون تاريخها إلى نحو سنة 220م. وقد بقيت شذرات منه في كتابات الآباء، ولا سيما في شروح القديس افرام (45).

من هم ططيانس؟

 ولد في ما بين النهرين سنة 120 في احضان أسرة نبيلة تدين بالوثنية (46). فتوسم والده فيه الذكاء الوقاد وحب التبحر في الامور الفلسفية والدينية. وحل بعد أن أتم دراسته الآرامية في موطنه الى بلاد اليونان ثم إلى روما حيث التقى بالقديس يوستينس (S.Justin.) الشهير ودرس عليه (47). وقد اعتنق المسيحية تحت تأثير هذا القديس في نحو سنة 150م. وبعد موت استاذه، خلفه في التعليم في روما، وتخرج عليه تلامذة شهيرون، منهم إقليمي الاسكندري.

وضع ططيانس انجيله المختلط بينما كان في روما بين 150 و 170 باللغة اليونانية وسماه " الدياطسرون" أي انجيل واحد مكون من اربعة. وفي السنين الاخيرة قام الأب مرمرجي الدومنيكي ونقله الى العربية. نادى ططيانس ببعض الآراء الخارجة على تعاليم الكنيسة أثارت اضطراباً في روما، واضطر على أثرها ان يغادرها الشرق في نحو سنة 172 (48) مات في نحو سنة 180. وسرعان ما انتشر الدياطسرون في الترجمة الآرامية التي أجريت له في الشرق وتداولته الكنائس وسرحه الآباء. ولكن نظراً الى آراء ططيانس الصارمة وللإهمال الذي أجراه في الدياطسرون لبعض النصوص المقدسة، أبدى رجال الدين المسيحي تحفظاً شديداً إزاءه منذ القرون الاولى. واليكم أمثلة على صرامة ططيانس المفرطة: فهو يقول مثلا عن حنة النبية "بعد ان عاشت سبع سنين بالبتولية مع زوجها" لأنه يستنكر فكرة الزواج ويرى فيه شراً واثماً. وكذلك يقول عن الخمر: "لم يشرب يسوع خمراً ممزوجاً بمرارة بل خلاً ممزوجاً بمرارة"، ويحذف من قصة قانا الجليل هذه العبارة: "وبعد أن سكروا" (49). لذلك فقد جدّ تيودوروس السيري ورابولا اسقف الرها في اتلاف الدياطسرون. وأصدر هذا الأخير أمره إلى الكنائس بوجوب استعمال كتاب يشتمل على الانجيل الاربعة المتفرقة، وأن تكون القراءة في الصلاة من هذا الانجيل فقط. ومن المعتقد ان رابولا اسقف الرها نفسه قام بترجمة الاناجيل عن اليونانية ترجمة بسيطة منفحة او ان "هيبا" ܝܗܝܒܐ رئيس مدرسته قام بها تحت اشرافه (50).

الترجمة البسيطة ܦܫܝܛܬܐ

لم يطلق اسم "البسيطة" على هذه الترجمة إلا في المخطوطات التي تعود إلى القرن التاسع او العاشر. وقد قدمت عروض عديدة لشرح هذه التسمية. يقولون ان هذا اللقب اعطي لها اسوة بالترجمات اليونانية البسيطة التي اجريت، بعدئذ والتي تقل النص فقط دون ايما شرح أو مقابلة مع ترجمات أخرى، بخلاف "هكسبلة" أوريجانس (51) أي الترجمة المسدسة التي اعطى فيها أوريجان الى جانب النص العبراني ترجمات مختلفة متوازية لليونانية (52).

ان الترجمة البسيطة للعهد الجديد متأخرة عن بسيطة العهد القديم، ويعتقد انها أجريت خلال القرن الرابع أو الخامس (53). وكانت تضم أولاً الانجيل الأربعة بنوع خاص، ثم شملت اعمال الرسل وثلاث رسائل كاثوليكية 1( بطرس و 1 يوحنا ورسالة يعقوب) ورسائل القديس بولس.

جاء في ملحق المعجم الكتابي ان بسيطة العهد الجديد هي النسخة الرسمية للكنيسة السريانية منذ القرن الخامس، وتحتوي على كل اسفار العهد الجديد، عدا اربع رسائل كاثوليكية (2 بطرس، 2 و 3 يوحنا، يهوذا والرؤيا) (54) ويظهر ان هذه البسيطة تتفق مع القانون المتبع في كنيسة انطاكيا في القرن الخامس وهي لا تحتوي لا على قصة المرأة الزانية (يوحنا 7 : 53 – 8: 11) ولا على تأسيس سر الافخارستيا (لوقا 22: 17)- غير اننا لا نقدر ان نؤكد شيئاً عن ناقلها. وقد نسبها "بر كيت" الى رابولا اسقف الرها، واغلبية العلماء يميلون إلى هذا الرأي.

غير أن نص بسيطة العهد الجديد لم يدرس عن كثب. وإذا اعتمدنا رأي "بلاك" كان بوسعنا ان نقول "ان الترجمة البسيطة ليست ترجمة جديدة اجريت على نص يوناني صادر عن انطاكيا، بل مراجعة النصوص القديمة اسقطت فيها القراءات الغربية جزئياً. أما الرسائل الكاثوليكية الكبرى الثلاث ( 1 بطرس 1 يوحنا، يعقوب) التي كانت تنقص في النقل القديم، فترجمت رأساً عن اليونانية عند نشوء البسيطة".

الترجمات الأخرى- ان للعهد الجديد ترجمات اخرى عديدة عدا الترجمة البسيطة، منها الترجمة الفيلوكسينية التي تمت على يد الخوري بوليقريوس بعناية فيلوكسينس مطران منبج سنة 508م، والترجمة الحرقلية عن اليونانية، وهي ترجمة حرفية حاول فيها توما الحرقلي مطران منبج سنة 616 ان يعطي كل معاني النص اليوناني. قام بها حينما طرد من كرسيه الاسقفي في انّاتون قرب الاسكندرية.

الترجمة الفيلوكسينية والترجمة الحرقلية- نقراً في نهاية بعض نسخ الأناجيل او اعمال الرسل او الرسائل الكاثوليكية او رسائل القديس بولس التعليق التالي: "هذا هو كتاب الأناجيل المقدسة او سفر الأعمال او الذي ترجم اولاً من اليونانية الى السريانية بدقة وهمة كبيرة في مدينة منبج سنة 819 للإسكندر المقدوني (508م) في عهد السيد الورع فيلوكسينس المعروف مطران المدينة المشار عليها. و بعدئذ قابلته انا توما المسكين مع ثلاث نسخ يونانية اختيرت بدقة، وذلك في "انّاتون"، الميل التاسع (بعيدة) عن مدينة الاسكندرية الشهيرة في دير الأنطونيين المقدس.. ثم كتب وقوبل في هذا المكان سنة 927 للإسكندر (616م). والله وحده يعرف الجهد والاهتمام اللذين بذلتهما في سبيل هذا الكتاب وامثاله اي اسفار العهد الجديد الأخرى" (55).

يبدو ان عمل توما الحرقلي لم يكن الا استنساخاً للترجمة الفيلوكسينية مع مقابلتها للنصوص اليونانية واضافة بعض علامات او حواش عليها. هذا رأي علماء كثيرين بينهم الأب لاغرانج الدومنيكي الشهير.

وهناك من ينسب إلى الجاثليق مار آبا (552م) ترجمة العهدين القديم والجديد من اليونانية إلى الآرامية. ولكن تاريخ سعرد وجدول عبد يشوع الصوباوي لا يشير إلى هذه الترجمة. ويكتفي صليبا بالقول:" ان مار آبا فسر العتيقة والحديثة" (56).

وهناك، عدا الترجمة البسيطة للعهد القديم، الترجمة السبعينية التي قام بها بولس مطران تل موزلت سنة 616 – 617 بأمر البطريرك اثناسيوس الاول الجمال عن هكسبلة اورجيانس. هناك ايضاً نقول أخرى بالآرامية عن اليونانية، منها الترجمة السريانية الفلسطينية ومنها ايضاً يعقوب الرهاوي الذي استفاد من النقل القديم ومن الترجمة التي حققها بولس مطران تل موزلت. ولم يكتمل النقل البسيط لجميع أسفار العهدين القديم والجديد الا في القرن الثامن.

مصير النقل البسيط- كتب الاب فوستي (P.Vosté)  مقالة عن "البسيطة" سنة 1946، جاء فيها توضيح عن الطبعات الجديدة التي اجريت لهذه الترجمة. فهناك طبعتان

 بروتستانتيتان، اشرف على الاولى صموئيل "لي" (1843- 1860)، وعلى الثالثة قامت بها الارسالية الميتودية الامريطية في اورميا (1846 -1862) . غير ان الطبعتين ق

د اهملتا الكتب القانونية المتأخره من العهد الجديد. هذا عدا عن طبعات الكتاب المقدس، ومن ضمنها البسيطة التي انجزت في القرن السادس على مطابع باريس بهمة "سونيتا"

 الماروني وعلى مطابع لندن (غير كاملتين). وقد حاول اللعازريون طبع البسيطة في ايران، الا انهم لم يفلحوا. وعلى اثر هذه الحوادث، جاءت محاولة الآباء الدومنيكيين في

 الموصل. ففي سنة 1860 اسس القاصد الرسولي هنري امنتون مطبعة في الموصل ثم قام الشماس روفائيل المازجي الكلداني ايضاً بتزويد البطريركية الكلدانية بمطبعة صغيرة

 (1865). وفي سنة 1872 شرع هؤلاء بطبع الكتاب المقدس حسب الترجمة البسيطة، وكان القس يوسف داود قد اهتم بتنقيحه واعداده. وبعد ثلاثة اشهر لاحت بوادر الخلاف

 بين الكاهن المذكور الذي اصبح مطراناً على دمشق باسم اقليميس يوسف داود وبين القاصد الرسولي بخصوص هذه الطبعة، ورفع الخلاف الى روما. فأجريت فحوص عديدة

 على النص المقترح اشترك فيها اشهر العلماء وابدوا آراءهم في الموضوع. اخيراً قر رأي المجمع المقدس على ان يقوم هو بطبع الكتاب المقدس بأسلوب نقدي، وارسل كتاباً ال

ى الرسالة الدومنيكية يعلمها بالأمر. ولم يكن في الكتاب أمر صريح يمنع الدومنيكيين من القيام بطبع الكتب المقدسة. اما الطبعة النقدية فلم تر النور الى اليوم. واما الدومنيكيين

 فشمروا عن ساعد الجد وبدأ وانجاز مهمتهم. وما ان اتت سنة 1888، حتى كان العهد القديم قد خرج من المطبع انيقاً. فاخذ الاب كرماشتيك الدومنيكي نسخة منه وقدمها ، في

 طريقة الى فرنسا، الى البابا لاون الثالث عشر، فسر بها البابا جداً وقدم للرسالة كأساً جميلة برهاناً على رضاه. وما عتم ان تبعته طبعة ممتازة للعهد الجديد (1892)، وقد

 حذفوا منها عدداً واحداً وهو (1 يوحنا 7 :5) ظهر للنقّاد وكأنه قد اضيف الى المخطوطات وليس من اصل الترجمة البسيطة. اما الذين ساهموا في اعداد هذه الطبعة فهم المطران

 اقليميس يوسف داود والمطران جرجيس عبد يشوع خياط- وقد اصبح بطريركا على الكلدان- والبطريرك افرام رحماني. وقد اعيد طبع هذه "البسيطة" فوتوغرافيا في بيروت (المطبعة

 الكاثوليكية 1951).

اخيراً كتب بويفيلد (V.Puyvelde) (57) ان جمعيات العهد القديم في كوبنهاغن (1950) وفي ستراسبورغ (1956) قررت ان تنظم لجنة تعد اليها مهمة تحضير طبعة للترجمة

 البسيطة بأشراف ماك هاردي (Mc. Hardy). وكذلك جاء في مقدمة الكتاب المقدس لروبيرت وفويت (Robert Feullet) (58). ان اعمال برنس وديتريتش وجون بلاك

 (W.E.Barnes, G.Diettrich, J.Black) قد اعدت طبعة نقدية للترجمة البسيطة، تساهم فيها لجنة دولية من العلماء.

وقد نشر "معهد البسيطة لجامعة ليدن" طبعة نقدية لثلاثة من كتب العهد الجديد برئاسة دي بوير وبارس اجريت استنادا الى اكبر عدد ممكن من المخطوطات من شتى انحاء

 العالم (1966). وهذه الكتب هي: نشيد الاناشيد نشره امرتون، طوبيا نشره لبرام، غزرا الرابع نشره المطران روفائيل بيداويد (59).

(يتبع)


 

43 - اكتشفتها السيدة لفيش سنة 1892 في ممحوة Palimpscst  دير القديسة كاترينا في جبل سيناء.

44 – نسبة الى وليم كيورتون (W . Cureton) المستشرق الانكليزي الذي نشرها سنة 1858.

45 طالع هذا الشرح في الترجمة الفرنسية للأب لويس للوار (L. Leloir) باريس 1966.

46-  وقيل في حدياب (فانبويفلد)، دياطسرون ططيانس، ملحق المعجم الكتابي SDB  باريس 1960، جزء 6 عمود 850- 870.

47 ولد يوستينس في بلاد فلسطين في نحو سنة 100 م ثم ذهب الى حيث أسس مدرسته الشهيرة، واستشهد سنة 165.

48  – يقول ابن العبري ان ططيانس "كان يقول بوجود عوالم كثيرة كعالنا هذا، وان التزويج كله زنى وشر وان بعد الموت اكلاً وشرباً ونكاحاً" (تاريخ مختصر الدول، طبعة صالحاني، بيروت 1890 ص 1249).

49 – ملحق المعجم الكتاني، جزء 6، عمود 869.

50 طالع ما كتبه الدكتور اسد رستم عن ططيانس في سلسلة آباء الكنيسة ، جزء 1 ص  74 – 77.

51 ولد اوريجانس في الاسكندرية سنة 185 وتوفي سنة 254 وهو من أشهر اساتذتها.

52 ان الترجمة البسيطة للعهد القديم هي عمل نقله كثيرون ويعتقد ان الاسفار الخمسة الاولى نقلت في القرن الثاني او الثالث، ثم نقلت الاجزاء الاخرى. وفي القرون اللاحقة تمّ مقابلة هذه الترجمة بالترجمة السبعينية. وأقدم مخطوطة للترجمة البسيطة للتوراة ترقى الى سنة 442م.

53 – معجم الكتاب المقدس بالانكليزية، نيويورك سنة 1960. الجزء 4 ص 754- 755 وطالع ايضاً اوتو ايسفلد، المقدمة في العهد القديم بالالمانية، طبعة 3 توبنغن 1964 ص 948 – 951.

54 – طالع ملحق المعجم الكتابي، الجزء 6 عمود 824 D.B.S.

55 كولوفون: مخطوطة المكتبة الوطنية في باريس، رقم 55.

56 صليبا: كتاب المجدل ص 41. وتجدر الملاحظة الى ان كتاب "المجدل" الذي نشره الاب جيسموندي في روما سنة 1896 منسوياً الى عمرو بن متى الطيرهاني ليس في الحقيقة الا لصليبا ابن يوحنان، كما تدل على ذلك الفروق التي اوردها في الصحيفة 128. لذلك رأينا ان نسمي الكتاب اسم صليبا خلافاً للعادة الجارية الى الآن.

57- ملحق المعجم الكتابي، جزء 6 لسنة 1959 عمود 855.

58Introduction a 1, Ecriture Sainte

59- مجلة بيبليكا Biblica الصادرة في روما، مجلد 48 لسنة 1967 ص 335،  والمجلة الكتابية R.B. الصادرة في باريس، سنة 1967 ص 451.

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها