عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
الأب المؤرخ ألبير أبونا  

أنا بكل صراحة أميل الى أختيار القومية الآرامية

الأب المؤرخ ألبير أبونا

أستاذ اللغة الآرامية وآدابها في معهد مار يوحنا الحبيب.


هويتنا القومية؟

090629

      منذ نحو خمس سنين، نشرتُ في كل عدد من مجلة "بين النهرين" مقالة عن الآراميين.

 وحاولتُ  في هذه السلسلة من المقالات أن أسلّط الضوء على هؤلاء الأقـوام. فتطرقتُ الى أصولهـم والـى انتشارهم  في مختلف مناطق الشرق الأدنى والأوسـط، والى تكوينهم دويلات عديدة لم تتوصّـل الى تشكيل وحـدة قوية تضـمُّ جميع هذه الدويلات، أو معظمها، في دولة واحدة قويـة أو امبراطورية شبيهـة بالامبراطوريـة الكلدانية – البابلية او الآشوريـة

كانت سوريا، والحق يُقال،  دولة آرامية ذات شأن، وقامت بحروب عديـدة، وغالبًا ظافرة،  ضد الدولتين اليهوديتين: اسرائيل ويهوذا، وضد بعض التكتّـلات الأخرى المجاورة لها، إلا ان سوريا لم تفلـح في لـمّ شمـل الدويلات الآرامية الأخرى العديـدة.

بل كان بعض من هذه الدويلات يعادي سوريا. وكانت هناك ايضًا دويلات آرامية تتحالف مع دول اخرى قوية وتحارب شقيقاتها!

وما يدعو للأسف الشديد هو ان التاريخ –  القديم منه والجديد - لم يكن في الغالب منصفًا تجأه الآرامييـن.

 فتجاهل احيانـًا وجودهم، وقلّل احيانـًا اخرى من قيمتهم ومن دورهم بين الشعوب الأخرى.

     إلا ان الآراميين، الذين ظهروا في تاريخ الشرق الأوسط قبل منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، قاموا بدور مهم في هذه البلاد على مختلف الصُعـد:

الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

وكان لهم الفضل الكبير إذ أطلعواالشعوب الأخرى على لغتهم  الآرامية، التي انتشرت سريعـًا، لسهولة استعمالها، وفرضت ذاتها على الدول الكبيرة المعاصرة لها، كالبابليين والاشوريين ثم الفرس وغيرهـم.

إلا ان التاريخ  ظلمهم، وتغاضى عن أفضالهم، وقلّل من شأنهم 

حاولت، في مقالات عديدة متتابعـة أن أعيد الاعتبار الى هذه الشعوب، وإظهر أفضالها على التاريخ، ولاسيما على تاريخ الشرق الأوسط، وذلك طوال قرون عديـدة، بدون ان أتوخّـى الإساءة الى الشعوب او القوميات الأخـرى او النيل من أفضالها ومآثرها التي لا يمكن تجاهلها.

لكن البعض ظنوا ان هذه المقالات كانت موجّهـة ضـد فئة معيَّنـة  او قومية مستهدَفـة، وراحوا يطعنـون بها بدوافع التعصب القومـي.

أما انا، فأحترم آراءَ الآخرين وخياراتهم المذهبية او القومية او السياسية.

فلكل منا نظرته الخاصة الى شؤون الحياة، ولا يحق لأحـد منا ان يفرض نظرياته على الآخرين. لندع الناس يختارون ما يشاؤون، في ما يتعلق بعرقهم وأصولهم وانتماءاتهم الدينيـة او القوميـة. والأحرى بنا ان نساعدهم  ليجروا خياراتهم على أسس سليمة وبحريـة تامة بعيدة عن الضغوط العنصرية او الهيمنة السياسية او الإغراءات الماديـة.

 فالقومية لا تُباع ولا تُشترى بالمال.

 إنها دم يغلي في عروقنا وطبيعةٌ تنعش طبيعتنا. فجلّ ما اتمنـاه هو ألا ينساق الناس  الى السير في مسالك قوميـة لا تمتُّ الى الحقيقة بصلـة، بل ان يكونوا منصفين تجاه أنفسهم وتجاه التاريخ الذي سيحاسبهم على كل خطأ مصيري يقترفونـه.

فالتاريخ، الذي يجب ان يكون الركيزة الصحيحة لتمييز القوميات، لن يرحم اولئك الذين يجرّون شعوبهم في سبل تؤدي الى الضياع.

 إن ما أرفضه رفضًا قاطعـًا هي هذه التسمية المثلثة (كلدان – سريان – آشوريون) التي بها يحاولون التعبير عن قوميتهم، وهم بذلك إنما يعبّرون عن خلافاتهم في هذا الاختلاف الفاضح.

ومتى كانت القومية مثلثة؟ ربما أتت الفكرة من وحي "الثالوث الإلهـي" لدى سكان بلاد الرافدين القدامى: أَن وأنليـل وأيـا!

اليس من سخرية القدر ان تُفرَض علينا مثل هذه التسمية السخيفة التي صفّق لهـا الكثيرون من السذّج.

انها تسمية ان دلت على شيء فهي تدل على مدى انقساماتنا وتأرجحنـا في شأن أصلنا، وترددنا في اختيار قوميتنا الحقيقيـة.

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,314329.0.html

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها