مقتطفات من حديث
لفضيلة الشيخ ستار جبار حلو رئيس طائفة الصابئة المنداى
جريدة بهرا
الضياء
نحن
بُناة
حضارة، وأتباع دين سماوي، لنا حضورنا ووجودنا في هذا البلد
ولا
يحق
لأحد
أن يهمش دورنا، وسنأخذ حقوقنا عاجلا أم آجلا
أجرى
اللقاء: شليمون داود
اوراها
ـ
يشعر الناس من غير أبناء طائفة الصابئة المندائيين أن ثمة غموض..
أو
لنقل انطواء يحيط بهذه الطائفة ومن ذلك ما يشمل الطقوس والشعائر وعدم تداول
الكتب
المقدسة مع غياب الإعلام المؤثر وما إلى ذلك، فهل يعود الأمر إلى طبيعة ما
كان
عليه الوضع في ظل النظام السابق أم إلى أمور أخرى داخلية تتعلق بالديانة
نفسها؟.
* باسم
الحي العظيم، فيما يخص الديانات السماوية الموحِدة الأربعة،
فإن
كثرة معتنقي الديانات المسيحية واليهودية والإسلامية، وكثرة ما كُتب عنها من
مجلدات
وكتب جعلت ديانتهم واضحة للجميع، أما الديانة الصابئية المندائية، فإن قلة
عدد
أتباعها وتصادمها مع اليهودية مرة.. اضطرها للانزواء في البطائح أو قرب
المياه
الجارية والابتعاد عن مراكز السلطة والخوض في الصراعات السياسية من أجل
الكرسي ذلك
أننا
لا نؤمن بالماديات إنما بالقضايا الروحانية، وكان جل اهتمامنا واهتمام آباءنا
القدماء التقرب إلى الله من خلال العبادة الروحانية، إضافة إلى ذلك فإن رجال
الدين
السابقين لم يُقروا علنية كشف الكتب الدينية، مما اضطر الآخرين إلى إصدار
الفتاوى
السلبية عنها واتهامنا بالكثير من الأمور غير الحقيقية، وهذا هو سبب الغموض
الذي
سألتم
عنه، ونحن أيضا نتحمل الكثير من أسبابه لعدم ترجمة كتبنا الدينية في الوقت
المناسب، وقد تُرجمت الآن إلى اللغة العربية، ويستطيع القاصي والداني أن يعرف
حقيقة
هذه
الديانة الموحِدة التي آمنت بالله العظيم منذ ظهور أول خلق الله.. آدم عليه
السلام.
ـ هل
يمكنكم أن توجزوا لنا أبرز ما كانت تعانيه الطائفة وأبناؤها
في ظل
النظام السابق في العراق؟.
* منذ
بداية تشكيل الحكومة الوطنية
العراقية، كان هنالك تهميش للأقليات، وهناك فرق بين الأقلية والمواطنة من
الدرجة
الثانية أو الدرجة الثالثة التي نُعامل بها سواءً كانت في فترة الحكم السابق
أو
حاليا.
إن وضع العراق تحت تقاسيم مختلفة أو أن يكون للأغلبية الحق في كل شيء وتهميش
دور
الآخرين نتج عنه إصدار قانون الأحوال الشخصية، فالدستور العراقي يكفل لنا
ولأخواننا المسيحيين الكثير من الحقوق، لكن قانون الأحوال الشخصية قيد وألغى
الكثير
من
مضامين الدستور العراقي بهذا الشأن، وقد عانينا الكثير سابقا حيث صودرت
منادينا
كمندي
بعقوبة، ولم يُسمح لنا ببناء مندي في واسط وفي الديوانية، لم نتسلم أي دينار
لترميم
معابدنا، لم نتسلم أي راتب سواء كان لرئيس الطائفة أو لرجال الدين أو لموظفي
المندي، فمعاناتنا كانت نفسية ومادية، إذ تشعر أنك مواطن من الدرجة الثانية
في بلد
أنت
أول من أسس الحضارة فيه،
فالآراميين والآشوريين هم أول من أسسوا الحضارة في
بلاد
النهرين،
وعندما يشعرون
بعد تتابع الحكومات أنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو
الثالثة وليس لهم نصيب في هذا البلد.. هنا يقع الحيف والغبن.
ـ وما
الذي
تتوقعونه الآن بعد التغيير الذي حصل وفي ضوء العراق الجديد؟.
* لي
هنا وقفة
قصيرة،
إن وضع العراق تحت توزيع عرقي وقومي وطائفي سيغذي الصراع فيه، وما نتيجة ذلك
إلا
المزيد من التعصب والاقتتال والإضعاف والفرقة، ولا شك أن أكثر من سيتحمل
نتائج
هذا
الصراع هم من أصبحت تسميتهم ”الأقليات“، فيكون توجهها نحو المحافظة على
كيانها
وبما
ينسيها حتى المطالبة بحقوقها، ذلك أنه بغياب الديمقراطية الحقة.. ستكون
الغلبة
للكثرة. نحن نعلم أن ما حصل في العراق قد أوجبته ظروف دولية خارجة عن سيطرة
العراقيين، وقد تعشمنا خيرا بصيغ ديمقراطية تكفل حقوق العراقيين جميعا،
وباستحقاقات
آن لها
أن تتحقق، وخاصة للأولين بناة حضارة العراق ورموزه التاريخية، إلا أننا
وإياكم
(المسيحيون) نجد اليوم أن حياتنا مهددة وصورة مستقبلنا في عراقنا غامضة
ومخيفة، وقد جعلَنا ذلك نعيش القلق من المستقبل بدلا من الأمل فيه، وهو ما
يجب أن
يكون
وراء تضافر جهودنا جميعا من أجل المحافظة على كياننا لكي نستحق أن نكون أحفاد
أجدادنا العظام.
ـ
وماذا مثلا عن المعابد التي لم تستطيعوا بنائها سابقا..
وما
إلى ذلك من الحقوق؟.
* نحن
نتأمل خيرا في الحكومة المقبلة أن تحق حقوق
الأقليات، وأن يعدل الميزان سواء من ناحية إقرار قانون يكفل لكل العراقيين
الحق في
العيش
بحرية وبكرامة في بلدنا العظيم العراق، وأن يُسمح لنا بتنشئة أجيالنا وفق
مبادئنا الدينية، وأن يُسمح لنا ببناء معابدنا التي هي قليلة جدا قياسا على
أعدادنا، وأن يُسمح لنا ببنائها في المحافظات التي حُرمنا من بنائها فيها.
ـ ثمة
عدد كبير من أبناء الطائفة يعيشون في المهجر.. في مختلف دول العالم،
كيف
تديمون العلاقة أو الصلة معهم؟، وهل تقومون بزيارتهم بين فترة وأخرى؟.
*
نعم.. قمنا مؤخرا بزيارة أبناء طائفتنا في أوروبا، وكانت لنا لقاءات
كثيرة
مع أخواننا في الجمعيات المندائية في السويد، في لوند
وسكونِه،
جنوب السويد وفي
مالمو،
وكذلك في ألمانيا.. في نورنبيرغ ومنطقة ميشن، وفي هولندا، وقد شرحنا لهم
واقع
الطائفة والظروف التي تعيشها حاليا، وعلاقتنا الممتازة والطيبة مع أخوتنا
رجال
الدين
المسيحيين والمسملين، وزيارتنا إلى المرجعيات الدينية في النجف الأشرف والتي
لقيت
ارتياحا كبيرا. كما التقيت بعض الفعاليات الآشورية وتلقيت دعوة منهم لحضور
الحفل
الجماهيري الثقافي الذي أقيم في ألمانيا، حيث وُجهت لي الدعوة مع أخي
الترميذة سلوان شاكر مسؤول الهيئة الدينية في السويد، وكانت لي كلمة
بالمناسبة،
وأنا
أشكرهم جزيلا على حفاوة الاستقبال والكرم والضيافة،
وقد تحدثنا عن واقع
العائلة
الآرامية وواقع الأقليات التي تعيش في العراق في ظل الظروف الحالية،
ونظرتنا
إلى المستقبل، وتوحيد جهودنا كعائلة آرامية نحو المطالبة بحقوق الأقليات
وحقوق
الآرامين، وأنا أعتز بهذه التسمية (الآراميون) لأننا أول بناة حضارة ولا يمكن
لأي أحد
كان أن يُهمش دورنا ويجعلنا في المرتبة الثانية.
ـ وهل هناك
ثمة
تفكير،
سواء من قبل فضيلتكم كرئيس للطائفة أو من قبل المغتربين أنفسهم في أن يعودوا
للوطن
بعد استقرار الأوضاع فيه؟.
*
المشكلة هي أن الصورة قاتمة في ضوء
الوضع
الحالي في العراق، ولا يمكن لنا التنبؤ بالصورة الحقيقية للمستقبل من ناحية
ما
سيكون عليه شكل الحكم القادم، نحن نتأمل خيرا وندعو من الله جلت قدرته أن
يكون
الاستقرار والأمان الرائد الأول في هذا البلد العزيز، إن قلوبنا على أبنائنا
الذين
تركونا
دون رغبة منهم للعيش في بلاد الغربة، لقد وجدنا الحنين والشوق والدموع في
عيونهم
للعودة إلى العراق ولكن ليس تحت هذه الظروف. عندما تستقر الأمور ستجدهم أول
من
يأتي لبناء اللبناة الأولى، لأن فينا المثقفين والعلماء والأدباء والكتاب
الذين
غادرونا دون إرادة منهم، وكلهم شوق وحنين.. وقلوبهم على بلدهم، وهي تتقطع على
الأوضاع في العراق والتي يسمعون عنها من خلال وسائل الإعلام.
ـ
فضيلة
الشيخ
الجليل.. دعنا ننتقل إلى محور آخر ونسأل: في ظل غياب أي تمثيل رسمي لطائفة
الصابئة المندائيين سواءً في مجلس الحكم أو التشكيلة الوزارية الجديدة، كيف
توصلون
صوتكم
إلى من بيده الأمر؟.
* كانت
لي لقاءات عديدة قبل أن يتشكل مجلس
الحكم،
كانت لي لقاءات مع أساتذة هم الآن أعضاء ومؤثرين في مجلس الحكم، منهم من
استلم
رئاسة المجلس والبقية ستأتي تباعا في استلام سدة مجلس الحكم، وكانت وعودهم
كثيرة
ومطمأنة بان للصابئة دور فعال في بناء العراق وفي مجلس الحكم والحكومة
المرتقبة
وفي
الدستور والمجلس النيابي المزمع تشكيله وأن تكون لنا حقوقنا كما
للآخرين، ولكن يبدو لي أنهم قد بلعوا كلامهم، أو بتعبير آخر.. نقول أنهم لم
يفوا
بالتزاماتهم ووعودهم تحت أية تأثيرات لا أعرفها، لكنني أذكرهم بما قالوا
ووعدوا،
ووعد
الرجال لا يمكن أن يُغير، نحن بُناة حضارة، ونحن دين سماوي، لنا حضورنا
ووجودنا في هذا البلد ولا يحق لأحد أن يهمش دورنا، وسنأخذ حقوقنا عاجلا أم
آجلا،
ونحن
ندعو كافة القوى الخيرة والقوى السياسية وأعضاء مجلس الحكم وسلطة الائتلاف
بأن
ينظروا
ولا يتناسوا دور طائفة الصابئة المندائيين في بناء العراق الديمقراطي
الموحد.
ـ
كيف
ترى فضيلتكم الخطوط العامة للدستور الجديد للعراق الجديد؟.
* نحن
نطالب
أن
يعترف الدستور بالديانات السماوية الأربع اعترافا رسميا، وأن يكون للعراقيين
حقوق
متساوية دون التمييز بين الدين والقومية والجنس واللون، أن يعطي الدستور الحق
لأتباع
الأقليات الدينية بممارسة حقوقها وتنشئة أفرادها وفق مبادئها الدينية وأن
يسمح
لنا ببناء المعابد، نحن نتمنى أن يكفل الدستور حق كل العراقيين دون تمييز بين
فرد
وآخر.
ـ وماذ
على الصعيد السياسي.. نظام الدولة ومؤسسات الحكم؟.
* نحن
نؤمن بنظام حكم ديمقراطي علماني فدرالي، يؤمّن للجميع الحقوق دون
تمييز
كما قلنا، ويجب أن تعطى السلطة للعراقيين في أقرب وقت ممكن، كما يجب على مجلس
الحكم
أن يوفر الأمان والاستقرار والقضاء على البطالة الموجودة حاليا والتي هي
السبب
في كل هذه الأوضاع الفوضوية التي يعيشها العراق.
ـ
أنتم كشريحة أصيلة من شرائح المجتمع العراقي، فإن ديانتكم هي
الصابئية المندائية، لكن.. ماذا عن القومية، ما هي قوميتكم؟.
*
قوميتنا
مندائية
آرامية، نحن مندائيون آراميون ونمتلك الخصائص القومية، لغتنا هي المندائية
وهي فرع من
الآرامية..
وعندما أتكلم المندائية فإن أخي الكلدوآشوري يقوم بترجمتها
مباشرة، وعندما قمنا بترجمة كتابنا المقدس (الكنزاربا ـ الكنز العظيم، الصحف
الأولى) من المندائية إلى العربية استعنّا بالأستاذ الدكتور يوسف قوزي
والأستاذ
الدكتور صباح مدلول السهيري وكان الأستاذ قوزي يترجم مباشرة من المندائية إلى
العربية على خلفيته السريانية.
لدينا تاريخنا، ووجودنا يسبق الآشورية، لدينا دين،
لدينا
تراث، لدينا شعب. فالآرامية تشمل الكلدان والسريان والآشوريين والمندائيين،
ونحن
بذلك لا نسعى لإرضاء أنفسنا من فراغ، إنها حقيقة تاريخية موجودة، وهناك لقى
موجودة
في متحفي بغداد ولندن، وقد وُجدت آثار في العهد البابلي والعهد السومري
عليها
نقوش مندائية، وهناك ألواح من الرصاص ترجع إلى 1300 عام قبل الميلاد، ووُجدت
في
ميسان عملة مندائية تعود إلى 280 عام قبل الميلاد.
فوجودنا وجود
آرامي آشوري.
ـ هل
من كلمة أخيرة لفضيلتكم.
...
ألف
شكر لكم ولجريدتكم (بهرا) التي نتمنى لها الانشتار
الأكثر
والتوفيق.
* شكرا
جزيلا لفضيلتكم.
|