عاشت الأمة الآرامية بجميع طوائفها حرة أبية
  

 ما يغني رسالتنا الدعوات السيئة الى صدام الحضارات

المطران بولس مطر

 في موضوع هوية الكنيسة المارونية ودعوتها ورسالتها، قال رئيس اساقفة بيروت المطران بولس مطر: "في ما يتعلق بهوية كنيستنا المارونية وملامحها، ينبغي التوقف اولاً عند انتماء هذه الكنيسة الى تراث انطاكية مدينة الله العظمى القائمة على الضفة الشرقية للمتوسط والتي دعي فيها المسيحيون لاول مرة مسيحيين. انها هي ايضاً ام الكنائس في سائر هذا المشرق. ونحن نشعر بالاخوّة العميقة التي تربطنا بالكنيسة السريانية بفرعيها الارثوذكسي والكاثوليكي التي انبثقت منها، كما نشعر بالاخوّة عينها التي تربطنا بالكنيسة البيزنطية بفرعيها الارثوذكسي والكاثوليكي التي انبثقت هي ايضاً من الاصل الانطاكي الواحد. ولئن كنا خمس كنائس تنتمي كلها الى هذا الاصل الانطاكي فإن ذلك يعني بالنسبة الينا جميعاً اننا حاملون لتراث جامع وان علينا مسؤولية مشتركة في خدمة الانجيل والشهادة له في هذا الموقع من الارض وفي اي مكان آخر ننوجد فيه.

ومن ملامح كنيستنا المارونية ايضاً انها تنتمي الى العائلة السريانية في هذا المشرق، تلك العائلة التي عادت لتلتقي من جديد بعد طول ابتعاد وقسوة افتراق. انها عائلة السريان والموارنة في غرب هذه المنطقة، وعائلة الكلدان والاشوريين في شرقها اي في بلاد ما بين النهرين وعائلة الكنائس السريانية الهندية، الملابارية والملنكارية التي تأسست على يد توما الرسول في المشرق الاقصى والتي حافظت على تراثها السرياني حتى يومنا هذا رغم بعدها الجغرافي الكبير. ان هذا الانتماء السرياني لكنيستنا يضعنا هو ايضاً امام مسؤولية ابراز تراثنا الشرقي المشترك وهو تراث في كنيسة المسيح الواحدة له مكانته واحترامه وغناه الروحي الى جانب التراث اللاتيني التابع لروما العاصمة الاولى والى جانب التراث البيزنطي التابع لروما العاصمة الثانية (...)

من هذه الهوية بالذات للكنيسة المارونية ينطلق بحث ثان في دورها الرسولي والارسالي. فهي كنيسة رسولية بمعنى انها امتداد لعمل الرسل الاولين وعلى رأسهم بطرس هامتهم، وهو الذي مرّ بانطاكية العظمى واسس كنيستها، وبولس الذي فسّر الانجيل في ارجائها والذي كانت له مع بطرس مواقف يذكرها الكتاب حول عدم ضرورة التزام المسيحيين شرائع اليهود القديمة لانهم صاروا بالمسيح كياناً جديداً. انها اذاً كنيسة مبنية على الرسل ومسؤولة عن وديعة الايمان التي التزمتها والتي ينبغي ان تسلّمها كاملة لابنائها الجدد اينما حلّوا وحيثما ارتحلوا.

وعن الدعوة المسكونية لكنيستنا، والتي يبحث فيها الموضوع الثالث من هذا الملف، فإنها تحمل ايضاً ابعاداً مميزة تنبثق من الوضع الخاص الذي تعرفه هذه الكنيسة منذ نشأتها.

ان الانتماء الانطاكي لكنيستنا يقرّبها من الكنيسة الارثوذكسية الشقيقة ومن العائلة الارثوذكسية بمعناها الواسع كما نتعارف عليه في مجلس الكنائس الشرق الاوسط. وسريانية هذه الكنيسة تقربها ايضاً من عائلة الكنائس الشرقية القديمة برمتها، اي الكنائس السريانية والارمنية والقبطية على حد سواء. كما ان كاثوليكية الكنيسة المارونية تقربها من كنائس الغرب اللاتينية وتسهّل عليها الحوار حتى مع الانجيليين الذين ينتمون هم ايضاً الى العالم الغربي. فتصبح هذه الكنيسة بفرادتها، لا بتفردها، جسر عبور بين جميع المسيحيين تحاورهم ويحاورونها بلا عقد وخلفيات. أفليس في هذا الوضع لكنيستنا دعوة هيّأتها لها العناية الالهية لتقوم بها على ما يخدم خدمة مميزة كل كنيسة المسيح؟

ويبقى لنا في النص الرابع من هذا الملف ان نلقي الضوء على دعوة كنيستنا نسبة الى انتماء ابنائها الى دنيا العرب والى شراكة المصير الذي اراده الله لهم مع ابنائها. فنحن قد انفتحنا على اللغة العربية منذ القرون الوسطى وساهمنا حديثاً في تطوير هذه اللغة وآدابها مع جميع الذين عملوا في هذا الحقل الواسع. ولم ترد كنيستنا يوماً ان تنفصل عن محيطها هذا لا في الجغرافيا ولا في الاجتماع بل رامت اكثر فأكثر ان تنتشر في ارجائه وان تحيا مع ابنائه العيش الكريم الواحد. لن ينكر احد صعوبات هذا العيش كما لا يمكن انكار مثل هذه الصعوبات في اي عيش مشترك آخر حتى ضمن البيت الواحد والعائلة الواحدة. لكن رسالتنا هي هذه. وقد جاء ليثبت غناها ما يجري في عالم اليوم من دعوات سيئة الى صدام الحضارات ومن محاولات مقابلة لتكامل الحضارات العالمية وللحوار البنّاء في ما بينها. فبدت تجربتنا التاريخية في التلاقي بين المسيحيين والمسلمين علامة رجاء للعالم كله من اجل حياة انسانية منسجمة لا خلاص للكون الا بها ولا مستقبل".

المقالات التي ننشرها تعبر عن آراء أصحابها ولا نتحمل مسؤولية مضمونها