نحن مسيحيي "الجـزيـرة" لسنا عرباً
نحن مسيحيي "الجـزيـرة" لسنا عرباً خـلافاً لما قاله المطران روهم
بقلم:
الاب شربل جورج صاموئيل
كم سررتُ وأنا
أتصفّح مقالاً عن مدينتي التي اشتقت اليها، عندما قرأت على صفحة "القضايا" في
"النهار" الغرّاء مقالاً للصحافي شعبان عبود كتبه عن الحسكة، بعنوان "مسيحيو
الجزيرة السورية: الهجرة المتواصلة والتاريخ الودي مع المسلمين"، (الثلثاء 30
تشرين الثاني 2004).
أشكر "النهار"
على نشرها المقال، كما أشكر السيد شعبان على هذا العمل الذي قام به، والذي
قاده الى مدينة الحسكة، وأرجو أن يُسمح لي بالتعليق على بعض الثغر في هذا
المقال المذكور أعلاه.
يَنسبُ نشأة
المدينة الى رجل قلعتمراوي (نسبة الى قلعة مرا) يُدعى عبد المسيح موسى، أما
لقبه فهو "عمسي موسى" وليس "عميس" كما كتبته "النهار" مرتين. ويقول إن المنزل
الاول يعود الى 1890، وهذا تاريخ مبالغ فيه، اذ كانت العلاقة التجارية التي
تربطه بالعشائر العربية تقع في منطقة بجانب "المخلط"، وهي النقطة التي يلتقي
فيها نهر الجغجغ المنحدر من الشمال بنهر الخابور الآتي من ريش عَينو الآرامية
الاصل. بينما يعود تأسيسه للمنزل الاول الذي ذكره السيد شعبان الى مطلع القرن
العشرين ليس الا.
ما زال الجدل
قائماً حول معنى كلمة "الشوايا"، فمنهم من ينسبها الى أصل آرامي، انطلاقاً من
الفعل "شْوا" الذي يفيد الاعتدال والانبساط، اشارة الى سهول الجزيرة التي
سكنوها؛ ومنهم من يُرجعها الى أصول عربية، الى الفعل "شوى" بمعنى شيّ اللحم
على النار، وهذه من عادة البدو في الافراح والضيافة. أما المعنى الشعبي الذي
تتخذه في الجزيرة فهو العرب المسلمون سكان الريف حصراً، وليس كما ادعى السيد
شعبان، فهي لا تُطلق ابداً على أكراد الريف ولا حتى على مسيحييه. أما قوله
بأنها تُطلق على "الطوارنة" (النازحون من طور عبدين الواقعة في تركيا
الحالية)، فهذا ما لم أسمعه طوال السنين التي أمضيتها في الحسكة، لكن يجب
التذكير هنا أنها أُطلقت على ملّة اخرى من المسيحيين، وليس الطوارنة، وهذا من
باب اللهو والمزاح فقط. فمجرد قولك: "شاوي"، تقصد مباشرة أي عربي مسلم ينتمي
الى احدى العشائر العربية المنتشرة في سهول الجزيرة السورية.
"الجزيرة
السورية"، تعبير جغرافي متداول، تجده في المنهاج الدراسي السوري، يشير الى
المنطقة الممتدة بين نهر الفرات غرباً ونهر دجلة شرقاً، وليس كما قال السيد
شعبان من أن مجمل أراضي محافظة الحسكة تقع بين نهر الخابور الذي استبدله هنا
بالفرات. ومساحتها تبلغ أكثر من ضعفي مساحة لبنان.
أن يتجرأ
وينسب غالبية المسيحيين، وخصوصاً السريان منهم الى اصول عربية، فهذه جريمة
بحق التاريخ، لا بل يتذرّع بكلام سيادة المطران روهم الذي يصر هو الآخر على
أصولنا التغلبية. ومن أين جاء بهذه الفتوى لا أعلم، ما أعلمه أني أوجّه رسالة
ود ومحبة الى سيادة المطران روهم، وهو الذي يعود بأصوله الى الطوارنة الذين
نعتهم السيد شعبان بكلمة "شوايا" خطأ. ألا ينسى اللغة السريانية التي يتكلمها
كما تعلمها من والديه اللذين ورثاها أباً عن جدّ؟ مع العلم ان الطوارنة هم
آخر من تعلم العربية في أنحاء الجزيرة فبينما تكلمها أهل "آزخ" (تقع في تركيا
حالياً) قبل أكثر من ألف عام، تكلمها الطوارنة لمئات عدة من السنين خلت. ولا
أعلم كيف ينسب نفسه وينسبنا معه الى أصول تغلبية على الرغم من وجود السريانية
المحكية كأكبر دليل على نقض هذا الزعم، اللهم الا اذا قال بأن التغالبة
تكلموا السريانية او تعلموها
من السريان المحيطين بهم. فلعمري يكون العذر هنا أقبح من الذنب. ولست أذمّ
بكلامي العرب او التغالبة لكن من باب التذكير فإن التغالبة تعرّضوا بسبب
انتمائهم المسيحي الى الضيقات، وفيهم قال علي بن أبي طالب: "لئن بقيت لهم
لأقتلن مقاتلتهم ولأسبين ذريتهم فإنهم نقضوا العهد ونصّروا أولادهم" (أحكام
أهل الذمة، محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبدالله (القرن السابع الثامن
الهجري)، الجزء 1، ص211). ولا مجال هنا لأذكر كيف اعتنق التغلبيون الاسلام
عندما قُطعت قطعة من فخذ زعيم القبيلة، وشُويت ثم أُرغم على أكلها وكان ما
كان. جلّ ما أعنيه ان العرب الذين كانوا مسيحيين كبني تغلب وغيرهم اعتنقوا
الاسلام، ولم يبقَ لهم باق في المسيحية. لكني اليوم اكتشفت ان هناك الكثير من
ينتمي اليهم فخراً!!
لا أعلم كيف
قفزت النسبة في تحديد ابناء الكنيسة السريانية الارثوذكسية الى 80 في المئة،
هذا يعني ان الكنائس الاخرى، من السريان الكاثوليك والآشوريين ذوي التقويم
الغريغورياني وذوي التقويم اليولياني والكلدان، والارمن الارثوذكس
والكاثوليك، والكنائس البروتستانتية، لا تبلغ الا 20 في المئة فقط. وكيف قام
بهذا الاحصاء العجيب وهو يذكر أن الآشوريين وحدهم يبلغون أكثر من 20 ألف
نسمة. مع العلم أن المسيحيين في تلك المنطقة لا يتجاوزون المئة ألف، وتبلغ
نسبة السريان الارثوذكس فيهم لا أكثر من 50 في المئة، والآشوريين 20 في
المئة، وبقية الكنائس 30 في المئة.
طبعاً نسي
السيد شعبان او تناسى أن يمر على بقية الكنائس ليعلم مدى تجذرها في مدينة
الحسكة، وما هو الدور الذي قامت به خلال نشأة هذه المدينة التي لا تزال فتية،
فلم يذكر أن أولى المدارس افتتحت في هذه المدينة على يد الاب بطرس ميرزا
(الكنيسة السريانية الكاثوليكية، توفي عام 1978) في مطلع العشرينات من القرن
المنصرم، وهو اول الكهنة الذين وفدوا الى هذه المدينة وكان ينتمي الى الرهبنة
السريانية الافرامية في ماردين، قدم الحسكة بعد تشتت رهبانيته وموتها، إثر
مذابح السفر برلك. قامت هذه المدرسة الترابية الى جانب الكنيسة الاولى ايضاً
والمصنوعة من اللبن. ويُذكر ان جميع المسيحيين، بمن فيهم الارثوذكس صلوا فيها
قبل أن تستقل كل كنيسة على حدة، وتكون الكنيسة الثانية من نصيب الكلدان،
بينما السريان الارثوذكس كانوا لا يزالون يصلون في أحد المنازل المتخذ لهذا
الغرض. أما اول من فكّر بمسيحيي الجزيرة فكان بطريرك السريان الكاثوليك مار
أغناطيوس أفرام الثاني رحماني (1898 – 1929) الذي ارسل القس بطرس المذكور
وساهم في إنشاء الكنيسة والمدرسة الاوليين
http://www.chahadatouna.com/2004/041201/samouil_1204.htm |